molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: المسارعة في الخيرات - إسماعيل الحاج أمين نواهضة الأحد 23 أكتوبر - 11:25:51 | |
|
المسارعة في الخيرات
إسماعيل الحاج أمين نواهضة
الخطبة الأولى
قال الله تعالى: وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمْ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:148]. في هذه الآية الكريمة يُبيّن الله تعالى أن وجهات الناس وغاياتهم مختلفة، فمنهم من تتحكّم فيه الشهوات البدنيّة، ومنهم من تتحكّم فيه الشهوات النفسيّة كالجاه والرئاسة، وحبّ المناصِب الرَّفِيعة، والعلو في الأرض بغير الحق. ومن هنا فإن الله تعالى يجعل وجهة المسلم مُتّجهة إلى فعل الخيرات والمسابقة إليه دائمًا، لا يشغلهم عنه شاغل، ومصيرهم إلى الله القادر على جمعهم ومجازاتهم في نهاية المطاف.
إنّ أسمى الغايات وأنبل المقاصد الحرص على الخير والمسارعة إليه، وقد أكثر الله سبحانه وتعالى من الدعوة إلى الخير، وجعله أحد عناصر الفلاح والفوز، فقال الله تعالى: وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الحج:77].
وأخبر أنه أوحى إلى أنبيائه ورسله فعل الخيرات: وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ [الأنبياء:73]. ومدح المسارعين إليه، والحريصين عليه فقال: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90]. وجعل جزاءه الجنة فقال: وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا [المزمل:20].
أيها المؤمنون، إن للخير بوادر، وإن للشر نهايات، فبوادر الخير توصل إلى الغايات الحميدة والنتائج الحسنة، وأما نهايات الشر ومصائره فإنها تُسبّب الألم، وتُورِث الحسرة والندامة.
وإن من بين بوادر الخير مسلك السلف الصالح في الصدر الأول رضوان الله عليهم، حيث كانوا يتّجهون إلى الرسول وهو بين أظهرهم، يسألونه عن سُبُل الهداية والهدى، ويبحثون عن طريق النجاة والسلامة، ويسترشدون عن أوجه الخير، فوصلوا بذلك إلى الغاية المحمودة، وإلى الهدف النبيل، وكانوا هداة مَهديين، يقول حذيفة بن اليمان : (كان الناس يسألون رسول الله عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه). ويقول أحد الأنصار : يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدًا غيرك؟ قال له: ((قل آمنت بالله، ثم استقم)). ويقول معاذ بن جبل : يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني عن النار؟ قال: ((لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسّره الله عليه، تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي ال+اة، وتصوم رمضان، وتحج البيت)). فأرشده في البداية إلى عبادة الله وحده ونفي الشرك عنه؛ لأن العبادة توحيد وإخلاص، ولأن الشرك لا يليق بحقّ الله تعالى.
نعم ـ أيها المؤمنون ـ توحيد يرتفع به العبد المؤمن إلى أعلى درجات القُرَب والرضوان. قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82]. أي: الذين أخلصوا توحيدهم لله هم الآمنون يوم القيامة، المهتدون في الدنيا والآخرة.
وشرك يَهْوِي بصاحبه إلى الحَضِيض، قال تعالى: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ [الحج:31].
ثم أرشده الرسول إلى بقية أركان الإسلام، وهي جزء لا يتجزّأ؛ من فرّط في جزء منها فقد فرّط في الجميع. ثم أرشده إلى التقرب إلى الله بالنوافل بعد أداء الفرائض، فقال: ((ألا أدلك على أبواب الخير، الصوم جُنّة))، أي: سِتر ووقاية للعبد من النار. يقول رسول الله : ((ما من عبد يصوم يومًا في سبيل الله إلا باعد الله بذلك الصوم وجهه عن النار سبعين خريفًا)). ((والصدقة تُطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل))، ثم تلا قوله تعالى: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:16، 17]. ثم قال: ((ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟))، قلت: بلى يا رسول الله. قال: ((رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله)). ثم قال: ((ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟))، قلت: بلى يا رسول الله. فأخذ بلسانه وقال: ((أمسك عليك هذا))، قلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟! قال: ((ثَكِلَتْك أمك يا معاذ، وهل يُكَبُّ الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم)). أي: ما تجنيه من الذنوب كالغيبة والنميمة، والوقوع في أعراض الناس، والاستهزاء بآيات الله، والإسراف في التجنّي على الناس بالسخرية واللّمْز، فهذا طويل وذاك قصير وهذا أحمق وذاك أَرْعن، إلى غير ذلك من العبارات المتداولة والتي نسمعها صباحًا ومساءً. وكأنه وُكِل إلى هؤلاء تشريح عباد الله وتجريحهم والنَّيْل منهم، وتتبّع عوراتهم وأكل لحومهم.
أيها المؤمنون، ولكل الناس عورات ومعائب، وزلاّت ومَثَالِب، فطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس. ومن وصية رسول الله الطويلة لأبي ذر: ((وليحج+ عن الناس ما تعلم من نفسك)). وأما رمي المسلم بما هو منه بريء فهو أفظع وسائل النَّيل والوقيعة وهو البُهْت؛ لأنه يجمع بين الكذب والغيبة، وكلاهما رَذِيلة وكبيرة من كبائر الذنوب. وإنّ كلّ معصية لله فإنها تجرّ أسوأ العواقب، وحسبنا قول الله تعالى: وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ [القصص:58].
أيها المؤمنون، والخير الذي نُدِب إليه يشمل كل بِرِّ وكل عمل صالح، وكل عمل ينهض بالفرد، ويرقى بالجماعة فهو خير، والفطر السليمة تهتدي إلى الخير، وتشعر به، وتنجذب إليه، فهو الكمال الذي تطلبه وتسعد به، إلا أن القيام به والنهوض بأعبائه يحتاج إلى ترويض وتعويد، حتى تألفه النفس، ويسهل عليها فعله.
وقد أمر الإسلام أن نربي الأبناء على الفضائل السليمة والأخلاق الحميدة، ونعوّدهم على أداء الواجبات الدينية منذ الصغر، حتى ينشؤوا وقد اصطبغوا بصبغة الإسلام، وانطبعوا به، لا أن نربيهم على مظاهر الفسق والفجور والبعد عن هدي الإسلام.
أيها المؤمنون، وخير الأعمال ما قام به الإنسان وهو في عافية من البدن ووفرة من المال، وأمل في الحياة، فإن ذلك مظهر الوعي الديني.
سئل رسول الله : أي الصدقة أعظم أجرًا؟ قال: ((أن تصدّق وأنت صحيح شحيح، تأمل الغنى وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا ولفلان كذا، وقد كان لفلان كذا)).
الخطبة الثانية
أيها المؤمنون، ومن الخير الذي دعا إليه الإسلام التمسّك بالفضائل والابتعاد عن الرذائل، ومن الفضيلة محافظة الفتيات والنساء على أعراضهن وأجسادهن، وذلك بارتداء الملابس الشرعية، والابتعاد عن الاختلاط بالرجال الأجانب، وعن التبرّج المحرّم، وعن المشاركة في مهرجانات الفن الساقط الموجه لإفساد الأخلاق، فالمرأة كالزهرة الناضرة البهيجة، تلبث محافظة على نضارتها وبهجتها، ما لم تتناولها الأيدي، أو تعصف بها الرياح.
وهكذا المرأة تستمرّ محافظة على عفافها وصيانة عرضها، وتلبث زهرة ونورًا يشع بالبهجة فيه، ما لم تتبذل، أي تكشف عن مفاتنها، وتخرج عن الحجاب المشروع لها والمفروض عليها، فتمتد إليها النظرات المحرمة، وتعصف بها رياح الفتنة.
أيها المؤمنون، ولقد كان من الأدب الذي أدّب الله به أمهات المؤمنين زوجات رسول الله ونساء الأمة تبع لهن، أمره إياهن بالاستقرار في البيوت وعدم الخروج منها إلا للحاجة أو للصلاة، شريطة أن يخرجن غير متبرجات، أي في ثياب الحشمة الساترة، لا متعطرات يتبخترن في الثياب القصيرة، أو البراقة والشفافة والمجسمة، التي تبدو من خلالها مفاتن المرأة وتكشف عما لا يحل من جسدها وزينتها. قال الله تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب:33]. والجاهلية الأولى هي الجاهلية قبل الإسلام، يقابلها الجاهلية الأخرى وهي عمل صنف من النساء في هذا الزمان، كفعل الجاهلية الأولى.
ومصداق ذلك ما ورد في الحديث الشريف عن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: ((صنفان من الناس لم أرهما))، أي يكون وجودهما في آخر الزمان، وذكر أن أحد الصنفين: ((نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا)). والمعنى: أنهن يلبسن ثيابًا شفافة أو قصيرة، وكأنهن غير لابسات. وإن مما يَحُزُّ في نفس كل مسلم غيور على دينه ومحارمه، أن يكون لهذا الصنف من النساء وجود في عصرنا وفي مدننا وقرانا، يخرجن إلى مجامع الرجال في الأسواق وغيرها وإلى حفلات العرس والمهرجانات يكشفن عن أجسامهن ويبدين زينتهن أمام الرجال الأجانب، تلتقط لهن الصور وهن في هذه الحالة، وكل ذلك حرام شرعًا، وإن المسؤولية في ذلك لا تقع على النساء وحدهن، بل تقع أيضًا على الرجال، تقع على الآباء والإخوة والأزواج، وتقع على المجتمع الذي لا يحارب أفراده وعلماؤه والمسؤولون عنه أمثال هذه الرذائل.
أيها المسلمون، كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فاتقوا الله، فخير مناهج السعادة تقوى الله، وخذوا على أيدي النساء واحملوهن على الاحتشام والتأدب بأدب الدين، وحاربوا الرذيلة بكل صورها وأشكالها ومسبباتها بالحكمة والموعظة الحسنة، فشر الخطيئة الاسترسال والتمادي في معصية الله. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6].
أيها المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، قبل بضعة أيام صادقت الحكومة الإسرائيلية بشكل نهائي على مسألة جدار الفصل العنصري في محيط القدس الشرقية، رغم الاعتراضات من قبل الفلسطينيين ومن قبل المجتمع الدولي. وقد تزامنت هذه المصادقة مع الذكرى السنوية الأولى للقرار الذي أصدرته محكمة العدل الدولية في لاهاي، بعدم قانونية هذا الجدار، وطالب القرار في حينه بوقف العمل فيه، وهدم ما تم بناؤه منه. وهو الموقف نفسه الذي عبرت عنه الجمعية العمومية للأمم المتحدة.
لكن الحكومة الإسرائيلية قد تجاهلت هذه المطالب بشكل واضح، وضربت بها عرض الحائط، إن هذا الجدار سيترتب على بنائه عزل حوالي مائة ألف مقدسي عن مدينتهم وأهاليهم ومصالحهم، وسيؤدي إلى عزل القدس عن بقية المدن والقرى الفلسطينية، وهذا من شأنه أن يجعل الوصول إليها وإلى الأماكن المقدسة فيها وفي مقدمتها المسجد الأقصى المبارك أمرًا في غاية الصعوبة.
وكما هو معلوم فإن المسجد الأقصى جزء لا يتجزأ من عقيدة العرب والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
وقد أدّى بناء هذا الجدار إلى الاستيلاء على مساحات كبيرة من الأرض الفلسطينية، لهذا الغرض ولأجل بناء المستوطنات، وإن الأضرار المرتبة على بنائه يصعب ذكرها.
كما أننا نستنكر الاستمرار بعمليات هدم البيوت في ضواحي القدس وغيرها. ونعلن رفضنا القاطع لكل هذه الإجراءات والممارسات التعسّفية، وفي مقدمتها الاستمرار في منع المصلّين، وإزاء ذلك: فإننا ندعو العالم العربي والعالم الإسلامي والمجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياتهم تجاه ما يحدث في القدس بشكل خاص، وما يحدث في فلسطين بشكل عام. اللهم قد بلغت، اللهم فاشهد.
وفي الوقت ذاته فإنني أدعو أبناء فلسطين إلى الاعتصام بحبل الله جميعًا، والاحتكام إلى شرع الله واستعمال الحكمة والعقلانية في حل ما قد يحدث بينهم من خلافات. وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103].
| |
|