molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى - إسماعيل الحاج أمين نواهضة الأحد 23 أكتوبر - 11:13:40 | |
|
بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى
إسماعيل الحاج أمين نواهضة
لخطبة الأولى
يقول الله تعالى: وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق [الحج:26-29].
أيها المسلمون، في هذه الأيام الميمونة المباركة تحنّ قلوب المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها وتهفو إلى الكعبة المشرفة ليؤدوا فريضة الحج، وليطوفوا بالبيت العتيق، وليشهدوا منافع لهم، كما تهفو القلوب والأرواح إلى زيارة مسجد سيدي رسول الله ؛ ليتمتعوا بجوار الحبيب في الروضة المطهرة، وليقتفوا آثار نبي الهدى والرحمة في رحلة روحية مباركة وضيافة إلهية رحمانية ميمونة، آملين القبول والمغفرة من رب العالمين.
أيها المسلمون، إن هذا البيت الحرام هو قبلة المسلمين جميعًا، وملتقى جموعهم من أقاصي الدنيا، يفدون إليه من كل فج عميق ليجدّدوا العهد بالله وفي بلد الله، وليعاهدوا الله على الإخلاص لدينهم، والتحرّر من عبودية المخلوق أيًّا كان وضعه، وعلى التعلّق به سبحانه دون سواه.
أيها المؤمنون، هذا البيت المشرف هو الرمز الخالد للحنيفيه وشعائر الدين، وهو الأثر العظيم البارز لإمام الحنفاء. وفي القيام بتأدية الشعائر الإسلامية في رحاب هذا البيت تجديد لذكرى هذه النعمة التي شرف الله بها خليله، وتخليد لمبدأ الوحدة للواحد الأحد الفرد الصمد.
ففي الطواف بالبيت واستلام أركانه معنًى من معاني التوحيد والاستسلام لربّ هذا البيت والإذعان لطاعته، وفي التجرّد من الثياب المعتادة ولباس ثياب الإحرام والكشف عن الرؤوس والتفرغ لله في موقف عرفات وفي نحر الهدي أو ذبح الأضاحي ورمي الجمار والإقامة بمنى، في كل هذه الأعمال والمناسك مظهر العبودية التامة لله الواحد القهار، وتحقيق للغرض الأسمى الذي خلق الله الخلق من أجله، قال الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:56-58].
أيها المسلمون، إن مكة المكرمة هي خير أرض الله، وأحبها إلى رسوله الكريم، وقد حرمها الله يوم خلق السموات والأرض، فهي حرام إلى يوم القيامة، ولا تزال هذه الأمة بخير ما عظّموا هذه الحرمة حق تعظيمها، فإذا ضيّعوا ذلك هلكوا.
نعم أيها المؤمنون، لقد أكرم الله المسلمين بالحج، فجعل الوقوف بعرفة تكفيرًا للذنوب لكثرة نزول الرحمة في هذا اليوم العظيم. فإذا ما وقف ضيوف الرحمن بعرفات، وضجّت الأصوات بالحاجات والدعاء، باهى الله بهم ملائكته من فوق سبع سماوات قائلا: ملائكتي وسكان سماواتي، أما ترون إلى عبادي، أتوني من كل فج عميق، شُعثًا غُبرًا، قد أنفقوا الأموال، وأتعبوا الأبدان، فوعزتي وجلالي وكرمي لأهبنّ سيئهم بمحسنهم، ولأخرجنهم من الذنوب كيوم ولدتهم أمهاتهم. وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله قال: ((ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا أو أمة من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟ فيقولون: يا ربنا، يريدون العفو والمغفرة، فيقول الله تعالى: يا ملائكتي، أشهدكم أني قد غفرت لهم وعفوت عنهم)).
أيها المسلمون، في جوار هذا البيت تتكوّن الصلة والعلاقة بين المسلمين، ويسود الوئام، وتتجلى الألفة والمحبة، وينسجم الجميع تحت شعار الإسلام وكلمة "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، مبتعدين عن كل لون من ألوان المبادئ الهدامة والدعاوي العنصرية. في هذا البلد يتساوى الناس حيث جعله الله تعالى: سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ [الحج:25].
وبالحج يكمل الدين ويتمّ، ففي حجة الوداع أنزل الله تعالى قوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3]، وحينما نزلت هذه الآية قال أهل الكتاب: لو أُنزلت علينا هذه الآية لجعلنا يومها يوم عيد، فقال عمر : (أشهد لقد أنزلت في يوم عيدين اثنين، في يوم عرفة ويوم جمعة بعد العصر على رسول الله أثناء وقوفه بعرفه). ثم استشعر صلوات الله وسلامه عليه من هذه الآية قرب أجله. إن الكمال علامة على الزوال، ثم ودّع أصحابه في خطبته بمنى وقال: ((اللهم اغفر للحاج، ولمن استغفر له الحاج)).
أيها المسلمون، إن الحج من أفضل الأعمال، فعن أبي هريرة قال: سئل رسول الله : أي الأعمال أفضل؟ قال: ((إيمان بالله ورسوله))، قيل: ثم ماذا؟ قال: ((ثم جهاد في سبيل الله))، قيل: ثم ماذا؟ قال: ((ثم حج مبرور))، والحج المبرور هو الحج الذي لا يخالطه إثم، وقال الحسن: "أن يرجع زاهدًا في الدنيا، راغبًا في الآخرة".
قال الله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِي يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ [البقرة:197]، ويوضح ذلك قول رسولنا الأكرم: ((من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه))، أي: رجع بلا ذنب. وقوله وقد سئل عن بر الحج: ((بر الحج إطعام الطعام وإفشاء السلام وطيب الكلام)).
أيها المسلمون، ورد عن عمرو بن العاص أنه قال: لما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت رسول الله فقلت: ابسط يدك فلأبايعك، قال: فبسط يده فقبضت يدي، فقال: ((ما لك يا عمرو؟)) قلت: أشترط، قال: ((تشترط ماذا؟)) قلت: أن يغفر لي؟ قال: ((أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله، وأن الهجرة تهدم ما قبلها، وأن الحج يهدم ما قبله؟!)).
إن جميع وجوه البر عامل قويّ في ت+ية الحج وجعله مبرورًا، ويدخل في ذلك تحرّي ال+ب الحلال والبعد عن الرياء والسمعة وعن المباهاة بالأعمال وعن التعالي في مظاهر الحج عمومًا، فإن ذلك أدعى لرجاء القبول، وقد ورد في السنة أن رسول الله صلى الصبح بمنى يوم عرفة، ثم غدا إلى عرفات وتحته قطيفة اشتريت له بأربعة دراهم، وهو يقول: ((اللهم اجعلها حجة مبرورة متقبلة، لا رياء فيها ولا سمعة)).
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، فإن وجود الحجاج على أرض المسجد الحرام يذكّرهم بالصلة القوية بينه وبين المسجد الأقصى المبارك، سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الإسراء:1].
هذان المسجدان أُسّسا لإقامة شعائر دين الله الذي رضيه لعباده، ألا وهو دين الإسلام. إنه ميراث النبوة، فالأنبياء لم يورثوا عقارًا ولا مالاً، وإنما ورثوا العلم والقيم الروحية والأخلاقية.
والمسلمون اليوم مطالبون بالعمل على تحرير المقدّسات الإسلامية وفي مقدّمتها المسجد الأقصى؛ لأن البقاء ليس للأقوى وإنما للأصلح، وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [يوسف:21].
ولذا يتوجب على حجاج بيت الله الحرام أن يجعلوا قضيةَ المسجد الأقصى ومدينة القدس في مقدمة القضايا التي يجب أن تبحث وأن تناقش، وذلك بإظهار مكانتها وأهميتها في نفوس المسلمين، وإظهار ما تتعرض له من حملات التهويد وتغيير المعالم الإسلامية فيها، ومصادرة البيوت وهدمها، وإخراج أهلها منها، وعزلها عن بقية المدن والقرى الفلسطينية، ومنع المسلمين من الوصول إليها والصلاة في المسجد الأقصى المبارك.
إن مدينة القدس هي في طليعة الأماكن المقدسة لدى العرب والمسلمين، ولا توازيها في القداسة سوى مكة والمدينة، وقد عبر عن ذلك القائد العظيم صلاح الدين الأيوبي في رسالة بعث بها إلى ملك إنجلترا قال فيها: "القدس لنا، وهي عندنا أعظم مما هي عندكم، فإنها مسرى نبينا ومجتمع الملائكة".
نعم أيها المسلمون، إن مدينة القدس ستبقى خالدة بذكرى الإسراء والمعراج المذكورة بالقرآن الكريم، وسيبقى عطر سيد البشرية فوّاحًا من رُباها الطيبة، وآثار معراجه إلى السماوات العلى حيث سدرة المنتهى باقية على صخرتها المشرفة، ولم تزل ذكرى اتخاذها قبلة للمسلمين في صدر الإسلام في سمعهم وأبصارهم وأفئدتهم، فمكانتها عظيمة في القلوب والأرواح.
لقد برزت مكانة القدس بعد دخولها في الحكم الإسلامي على يد عمر بن الخطاب الذي دخلها في ظل فتح سِلمي آمن، يليق بمكانتها وجلالها، وبصحبته عشرات الصحابة والأجلاء. وكما قيل: لو كان شيء من الأرض يرتفع عن مكانه لارتفعت مدينة القدس على أجساد الشهداء حتى بلغت عنان السماء، ومنذ ذلك اليوم حكمها المسلمون حكمًا قائمًا على العدل والرحمة والتسامح؛ ولذا فإن السند التاريخي ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن القدس إسلامية عربية ومعها أرض الإسراء والمعراج. لقد شهدت عبر عصور الإسلام الزاهرة حياة مشرقة بالحق والعدل، وتعاقبت عليها رعاية الدولة الإسلامية، واهتم المسلمون بتجديدها وتعميرها والحفاظ عليها، وبذلوا أقصى ما في وسعهم لرعاية المسجد الأقصى تعميرًا وترميمًا وإصلاحًا، ولذا فإن المسلمين جميعًا هم أصحاب الحق الشرعي فيها، ولا يملك أي إنسان حق التنازل عن هذا المكان المقدس، وستبقى هذه المدينة المقدسة مفتاح الحرب ومفتاح السلام، وعلى العقلاء من الناس أن يدركوا ذلك جيدًا.
أيها المسلمون، جاء في الحديث الشريف عن أبي ذر قال: تذاكرنا ونحن عند رسول الله أيهما أفضل: أمسجد رسول الله أم بيت المقدس؟ فقال رسول الله: ((صلاة في مسجدي أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى هو، وليوشكن أن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض، حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعًا)) قال: أو قال: ((خير من الدنيا وما فيها)).
أيها المرابطون، وها نحن نعيش في زمن نجد فيه صدق ما أخبر به النبي مما ستكون عليه مدينة القدس، حيث يسعى المحتلون بكل الوسائل والطرق لتفريغها من أهلها الشرعيين، والتضييق عليهم بأشد أنواع الإجراءات القمعية والتعسفية، حتى لا يستطيع أحد الوصول إليها إلا بشق الأنفس. وما محاولة إغلاق الطرق الموصلة إلى باب المغاربة إلا عملية لما يخططون له ويسعون إلى تحقيقه.
أيها المسلمون، إن الناظر في حال الأمة العربية والإسلامية يُصاب بالذهول والدهشة، ويقف حائرًا أمام النكبات التي تنزل بها وتتوالى عليها بين الحين والآخر. إنها في سبات عميق وفي غفلة عما يحاك ضدها على جميع المستويات، تتداعى الأمم عليها كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، بالرغم من كثرة العدد ووفرة العدة، فالأعداء يحتلون أرضها ويستعمرونها وينهبون خيراتها وثرواتها ويتحكمون في نفطها وبترولها.
كثير من أبنائها يذبحون ويقتلون على مرأى ومسمع من دول العالم الكبرى، بل هناك شعوب منها تتعرض للإبادة والتطهير العرقي كما هو حاصل في فلسطين والعراق وغيرهما، وسط صمت دولي رهيب، وصمت عربي إسلامي مريب، ودون مشاهدة ردة فعل غاضبة تجاه ما يحصل. إن المجازر التي شاهدناها في خان يونس وفي كثير من المدن العراقية وهدم البيوت وتشريد أهلها منها وتركهم في العراء يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، كل ذلك دليل على أن هؤلاء لا يريدون لهذه الأمة ولا لهذا الشعب خيرًا، فاللهم لا حول ولا قوة إلا بك.
| |
|