molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: عتاب لمستبطئي الجواب - إسماعيل الحاج أمين نواهضة السبت 22 أكتوبر - 9:47:15 | |
|
عتاب لمستبطئي الجواب
إسماعيل الحاج أمين نواهضة
لخطبة الأولى
أما بعد: قال الله تعالى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الحديد:16، 17].
أيها المؤمنون، هذه الآية الكريمة عتاب من الله سبحانه وتعالى للمؤمنين الذين لم يصلوا إلى تلك المرتبة التي يريدها الله لهم، وتلويح لهم بما كان من أهل الكتاب قبلهم من قسوة في القلوب وفسق في الأعمال، وتحذير من هذا المآل الذي انتهى إليه أهل الكتاب بطول الأمد عليهم، مع إطماع المؤمنين في عون الله الذي يحيي القلوب كما يحيي الأرض بعد موتها.
حقًا أيها المؤمنون، إنه عتاب مؤثّر من المولى الكريم الرحيم، واستبطاء للاستجابة الكاملة من تلك القلوب التي أفاض عليها من فضله، فبعث فيها الرسول صلوات الله وسلامه عليه يدعوهم إلى الإيمان بربهم، ونزّل عليه الآيات البينات، ليخرجها من الظلمات إلى النور، وأراها من آياته في الكون والخلق ما يبصَر ويحذَر. عتاب فيه الود، وفيه الحضّ، وفيه الدعوة إلى الشعور بجلال الله والخشوع لذكره وتلقي ما نزل من الحق بما يليق بجلال الحق من الروعة والخشية والطاعة والاستسلام، مع رائحة التنديد والاستبطاء في السؤال، إلى جانب التحذير من عاقبة التباطؤ والتقاعس عن الاستجابة، وبيان لما يغشى القلوب من الصدأ، حين يمتد بها الزمن بدون جلاء، وما تنتهي إليه من القسوة بعد اللين حين تغفل عن ذكر الله، وحين لا تخشع للحق.
أيها المسلمون، وليس وراء قسوة القلوب إلا الفسق والخروج. إن هذا القلب البشري سريع التقلب سريع النسيان، وها هو يشرق فيفيض بالنور، فإذا طال عليه الأمد تبلّد وقسى وانطمست أنواره وأظلم وأعتم.
أيها المسلمون، والعقاب وسيلة من وسائل التقويم، له الأثر الفعال في استنهاض الهمم وتوجيه النفوس إلى الأفضل والأمثل، مما يجب المصير إليه والأخذ به لصلاح الأمة. ولقد كان من تقويم الله للمؤمنين في صدر الإسلام عندما استبطأت قلوبهم في الإقبال عليه والخشوع عند ذكره أن عاتبهم، موقظًا شعورهم نحو ما يجب عليهم من تلقي إشعاع هذا الدين ونور الحق المبين وهداية القرآن الكريم بالخشوع الكامل الذي يعبر عنه الاستسلام والإذعان الشامل لكل ما جاء عن الله من تشريع وأحكام، وحذرهم أن يكونوا +ابقيهم من الأمم، ممن ذم الله صنيعهم حين أعرضوا عن هداية كتبهم المنزلة، وبدلوا وغيروا واشتروا بآيات الله ثمنًا قليلاً، فقست منهم القلوب، ووصفهم الله ونبّه على سوء أعمالهم وأفعالهم إمعانًا في التنفير من سلوك سبيلهم.
أيها المسلمون، ورد عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية إلا أربع سنين). هذا مع أن الدين كان طريًا في قلوبهم، وكان الوازع الديني قويًا في نفوسهم ورقيبًا عليهم، لا يسرعون إلى معصية، بل لديهم الرغبة في الطاعة، فكيف حال الناس في أعقاب الزمن، وقد ابتعدوا كثيرًا عن عصر نزول القرآن الكريم، وضعف الوازع الديني، وأضحت العبارات المشروعة لهم رسومًا تؤدّى وطقوسًا تمارس دون أن تتأثر بها القلوب وتخشع، فيكون لها الأثر المحمود في صقل النفوس واستصلاح فاسدها.
فالصلاة مثلاً من أبرز آثارها مباعدة المسلم عن الزلل والخطأ وعصمته من التردي في مزالق الرذيلة، كما قال تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45].
أيها المسلمون، ولكنّ الملاحظ في كثير من المسلمين أن لا أثر لهذه الت+ية في نفسه، تراه يجترئ على المعصية في إصرار وعناد، أو يستمرئ الحرام في +به، كمن يسارع في أكل الرشوة التي تفسد الضمائر، تخدش الدين والحياء، أو يستهين في الكذب على الله وعلى العباد، أو التحايل على أكل الربا بما في ذلك فوائد البنوك، أو بإطلاق الأسماء الإسلامية على مؤسّسات ربوية واضحة المعالم والأهداف. وصدق الله العظيم حيث قال: يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ [البقرة:9]. ولقد توعد الله العلي القدير أكَلَة الربا بقوله: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:279]. ومن الناس من يغشّ في البيع ويدلّس، أو يحلف الأيمان الكاذبة لترويجها. كل ذلك مما يشعر أن الصلاة لم تؤت ثمارها، لأن المصلي لم يأت بحقيقتها، بل أتى بحركات من ركوع وسجود، جريًا على العادة، دون أن يستشعر فيها عظمة الباري جل وعلا، فلما فقد جوهر الصلاة فقد أثرها، فلم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر.
وكذلك الصوم والحج وكل عبادة تعبَّد الله بها العباد، لم يعد لها الأثر المطلوب في ت+ية النفوس والارتفاع بها عن مجالات الإثم ومزالق الرذيلة، وما أكثرها، لأنها أضحت شكليات لم تؤدَّ على حقيقتها؛ لذا كان العتاب الذي عاتب الله به صفوة الأمة في الماضي لا يزال قائمًا على الأمة في أعقاب الزمان، بل هو بالنسبة للخلف أعظم وجوبًا، وهم له أكثر حاجة.
أيها المسلمون، وإذا لم يرفع المسلم بعتاب ربه رأسًا، ولم يحدث له العتاب تحولاً إلى الخير وتقويمًا وتهذيبًا، واستمر على طغيانه ومفاسده وعدوانه وانتهاكه لمحارم الله والعمل بمعصية الله، فإن له من وراء العتاب عقابًا شديدًا مؤلمًا سوف يلقاه جزاءً عادلاً، وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49]، كما قال تعالى: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ [النساء:14].
أيها المسلمون، ذكر الإمام القرطبي في تفسيره أن قوله تعالى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ [الحديد:16] كان سببًا في توبة الفضيل بن عياض رحمه الله، فقد عشق جاريةً فواعدته ليلاً، فبينما هو يرتقي الجدران إليها سمع قارئًا يقرأ: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ فرجع القهقرى، وهو يقول: بلى والله قد آن. فآواه الليل إلى خربة، وفيها جماعة من السابلة، بعضهم يقول لبعض: إن فضيلاً يقطع الطريق، فقال الفضيل: أواه أراني بالليل أسعى في معاصي الله، إنّ قومًا من المسلمين يخافوني، اللهم إني قد تبتُ إليك، وجعلت توبتي إليك جوارًا في بيتك الحرام.
فاتقوا الله أيها المسلمون، وليكن لكم من عتاب الله على التفريط في جنب الله، فهو خير نذير من عذاب الله، وخير حافز للانتفاع بالتذكرة وسلوك سبيل المهتدين التائبين من عباد الله الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، والذين أثنى عليهم في محكم الكتاب بقوله: فَبَشِّرْ عِبَادِي الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [الزمر:17، 18].
روي عن صاحب رسول الله شداد بن أوس رضي الله عنه أنه سمع رسول الله يقول: ((إن أول ما يرفع من الناس الخشوع))، فتصبح عبادتهم شكلية لا روح فيها، لا تستصلح فاسدًا، ولا يكون لها أثر في التقويم والتهذيب.
فاحرصوا ـ رحمكم الله ـ على الخشوع في عبادتكم، فهو المحور الأساس، واحذروا من النفاق والرياء والتستر بالدين، لأن العاقبة ستكون وخيمة والنتائج سلبية والفتنة شديدة. جاء في الأثر وفيما أنزل على بعض الأنبياء: "قل للذين يتفقهون لغير الدين ويتعلمون لغير العمل ويطلبون الدنيا بعمل الآخرة، يلبسون للناس مسوح الكباش، وقلوبهم كقلوب الذئاب، ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمرّ من الصبر، أإياي يخادعون، وبي يستهزئون؟! لأتيحن لهم فتنة تذر الحليم فيها حيران"، أو كما قال.
التائب من الذنب كما لا ذنب له.
الخطبة الثانية
أيها المؤمنون، أمران أودّ التعقيب عليهما:
الأمر الأول: قبل يومين كانت أعصاب الكثير من أهلنا وأبنائنا مشدودة ومتوترة بانتظار نتائج امتحان الثانوية العامة، ففرح الناجحون والمتفوقون، وحزن الراسبون والذين لم يحصلوا على المعدل المطلوب. ولا أحد ينكر أهمية النجاح والفوز في امتحان الدنيا، وفي المقابل سلبية الرسوب وعدم التفوق فيه.
وبهذه المناسبة أقول: إذا كان هذا الحال وهذا الشعور تجاه امتحان محدود في الدنيا لا يعطي تقويمًا حقيقيًا لمصير الإنسان، فكيف يكون الحال تجاه امتحان الآخرة الذي يتقرر فيه مصير الإنسان، إما الجنة وإما النار؟!
ولذا يجب أخذ العبرة والعظة والعمل لذلك اليوم الذي يفر فيه المرء من أمه وأبيه وصاحبته وبنيه، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه، ولهذا اليوم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
ولا يسعني إزاء ذلك إلا أن أتقدم بالتهنئة الخالصة لأبنائنا الناجحين والمتفوقين بالرغم من كل الظروف الصعبة المحيطة بهم، متمنيًا لهم دوام التوفيق والنجاح، حتى يكونوا بناة لأمتهم وأوطانهم، فبالعلم والعقيدة نحرر البلاد ونبني الإنسان.
وأقول لمن لم يكتب لهم النجاح: لا تيأسوا ولا تقنطوا من رحمة الله، والفرصة أمامكم، أعدوا أنفسكم لكرّة أخرى، وضاعفوا جهودكم، وتوكلوا على الله، يكتب لكم النجاح بمشيئة الله تعالى.
أيها المؤمنون، وأما الأمر الثاني: فهو صدور القرار الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في لاهاي قبل بضعة أيام، والقاضي ببطلان شرعية جدار الفصل العنصري، لإنشائه على الأراضي الفلسطينية، ولتحويله حياة الفلسطينيين إلى جحيم لا يطاق، إلى غير ذلك مما جاء في حيثيات القرار.
ونحن الفلسطينيون، من جانبنا نرحب بصدور هذا القرار، ونتوجه بالشكر لكل من يقف إلى جانبنا وينادي برفع الظلم عنا، ونعتبر هذا القرار صفعة للسياسة الإسرائيلية في هذه البلاد.
ولكن من الملاحظ أن الضجة الإعلامية والسياسية حول هذا القرار الاستشاري مبالغ فيها من قبل الكثيرين، وقد أعطي حجمًا أكبر مما يستحقه، فليس هذا القرار فريدًا من نوعه، فقد صدرت آلاف القرارات المؤيدة لحقنا في هذه البلاد، وامتلأت خزائن وأروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن بالقرارات المشابهة، ولكنها بقيت حبرًا على ورق، لم ينفذ منها شيء، وبالتالي فقدت قيمتها، فالاعتماد عليها وحدها مضيعة للوقت ومضيعة للحقوق.
أيها المرابطون، إن الواقع الذي تعيشه مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك والأراضي الفلسطينية واقع مُر أليم؛ فمدينة القدس يجري العمل على تهويدها وعزلها عن بقية المدن والقرى الفلسطينية، والمسجد الأقصى يشكو من قلة المصلين فيه، حيث لا يستطيع أحد الوصول إليه باستثناء أهلنا في المدينة المقدسة، وأهلنا داخل الخط الأخضر، وهذا انتهاك صارخ لحرية العبادة وظلم كبير تنكره قوانين السماء وقوانين الأرض.
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [البقرة:114].
ومما لفت نظري قبل يومين مشاهدة مجموعات صغيرة من أبنائنا الصغار الذين لم تتجاوز أعمارهم سن العاشرة تتجول في ساحات الأقصى وتهتف له. إنه مشهد رائع محزن في آن واحد.
رائع لأنه يثلج الصدور، ويبعث الأمل في النفوس، ويؤكد أن المسجد الأقصى يعيش في قلوب الصغار منا قبل الكبار، وأنه لا يمكن لأحد أن يتجاهل هذه الحقيقة، حقيقة بقاء المسجد الأقصى وأرض الإسراء والمعراج رمزًا لعقيدتنا وتاجًا لعزتنا وكرامتنا.
ومشهد محزن لرؤيتنا لهؤلاء الصغار الأطفال يهتفون للمسجد الأقصى بحناجرهم الضعيفة، بينما أكثر من مليار مسلم صامتون، لا يحركون ساكنًا، بل نراهم يصفقون لقرارات استشارية لا تسمن ولا تغني من جوع، فيا للعجب ويا للهول.
وأما الوضع في بقية المدن والقرى الفلسطينية فحدّث ولا حرج، فالمعاناة ما زالت قائمة والأوصال مقطعة والحواجز منصوبة في كل مكان وعمليات الاعتقال والاغتيال مستمرة.
فاللهم لا حول ولا قوة إلا بك، نسألك الفرَج القريب والنصر المبين، إنك على كل شيء قدير.
| |
|