molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: أهمية الاستغفار وفوائده - أحمد بن عبد الرحمن الخليفة الإثنين 17 أكتوبر - 10:06:22 | |
|
أهمية الاستغفار وفوائده
أحمد بن عبد الرحمن الخليفة
الخطبة الأولى
أما بعد: أُوصِيكُم -أَيُّهَا الأحبة- وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ.
أيها المؤمنون، إنّ الله تعالى أوجب على عباده تكاليف الدين، وحثهم على لزومها والاستقامة عليها، وحرَّم عليهم المحرمات، ونهاهم عن اقتراف السيئات، وحذرهم من السقوط فيها، وإن الله العليم الحليم الرحيم علِم بضعف الإنسان وتقصيره وخطئه وتحكُّم هواه وشيطانه فيه، فشرع لهم الاستغفار ليتخلّصوا من ذنوبهم، ويسلَموا من تبعاتها في الدنيا والآخرة، وحتى لا يهْلكوا بسببها رحمة منه وامتنانًا وتفضلاً وإنعامًا وإحسانًا، فقال جل شأنه: وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، وقال: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وحذَّر من القنوط من رحمته فقال: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
والله عز وجل أرسل رُسله جميعا إلى أقوامهم ليذكِّروهم برحمة ربهم وغفرانه، فأمروهم بالتوبة والوقوف بباب الاستغفار بين يدي ربهم متضرعين سائلين باكين، وشوّقوهم في عفوه وحلمه، وأخبروهم بأن رحمته سبقت غضبه، وأن حلمه سبق انتقامه، وأنه جل وتعالى يغفر الذنوب ولا يبالي، ولو بلغت مكان السُّحب العوالي، يقول الله عز وجل في الحديث القدسي: ((يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي. يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عَنَان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي. يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة)) رواه الترمذي.
ومن دلائل رحمة الله بالمذنب وإحسانه إليه ما نطق به فم رسول الله وقلبُه عندما قال: ((ما من مسلم يعمل ذنبا إلا وقف الملك ثلاث ساعات، فإن استغفر من ذنبه لم يكتبه عليه ولم يعذبه به الله يوم القيامة)) رواه الحاكم.
فما هذا الاستغفار الذي رغبنا المولى عز وجل فيه؟ وكيف يكون؟
أيها المؤمنون، الاستغفار هو طلب المغفرة والصفح.
أما كيف يكون فلقد بين ذلك لنا أمير المؤمنين علي حينما قال رجل بحضرته: أستغفر الله، فقال له: ثكلتك أمك! ألا تدري ما الاستغفار؟ إن الاستغفار اسم واقع على خمسة معان: أولها الندم على ما مضى، والثاني العزم على ترك العودة إليه أبدا، والثالث أن تؤدّي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله وليس عليك تبعة، والرابع أن تعمِد إلى اللحم الذي نبت من السحت فتذيبه بالأحزان حتى تُلصِق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد، والخامس أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية، فعند ذلك تقول: أستغفر الله.
والاستغفار ينبغي أن يكون بتذلل وتضرع وان+ار وخضوع وافتقار، وبعيون دامعة وقلوب خاشعة ونفوس إلى رحمة ربها طامعة, وينبغي أن يكون معه حرارة الابتهال والصدق في السؤال والتضرع في الحال والشعور بالفقر إلى المغفرة في الاستقبال.
ويستحب أن يكون متواصلا بالليل والنهار، وبالأخص في الأسحار، حينما ينزل الله جل جلاله بعظمته وعزته ورحمته إلى السماء الدنيا، وينادي عباده بنداء لطيف لنيل مصالحهم وغفران زلاتهم وقضاء حاجاتهم، يقول الرسول: ((ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخرُ، فيقول: من يدعوني فأستجيبَ له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفرَ له)).
وعلى المؤمن أن يستغفر بالصيغ الواردة في القرآن والمأثورة عن خير الأنبياء؛ وعليه بسيد الاستغفار كما قال النبي الكريم: ((سيد الاستغفار: اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)) رواه البخاري.
والله تبارك وتعالى رغب عباده في الاستغفار لما له من فوائد عظيمة ومنافع جسيمة، وأول هذه المنافع أن المستغفر يُقر بصفة الله تعالى الغفار، ويردد اسمه تعالى ويلهج به، ويتعبد له بهذه العبادة العظيمة التي يجب توفرها في عباد الله المستحقين للاستخلاف في الأرض, ويحقق -أي: الاستغفار- للمؤمن الثقة بالله وبلطفه بعباده الضعفاء، فإذا كان الدعاء مخّ العبادة فالاستغفار جوهرها, وهو دعاء واستمداد، وهو استجابة لله وتنفيذ لأمره وذكر له وصلح معه وتقرب إليه وخضوع تام له واعتراف بعجز العبد وقدرة مولاه.
أيها المؤمنون، بالاستغفار يُقال المذنب من ذنبه ويسلَم من المؤاخذة عليه، قال الرسول المُوجّه الكريم: ((من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحيّ القيوم وأتوب إليه غُفر له وإن كان فر من الزحف)) رواه أبو داود والترمذي.
وبه تمحى السيئات وتبدّل إلى حسنات، وتنزل الرحمات، وتُدفع الآفات، وتفتح أبواب السموات، وبه تفرَّج الكروب، وتتطهر القلوب، وترتبط بعلام الغيوب، وتُكشف الهموم، وتزول الغموم, وتحصل البركة في المال، وتُحقَّق الآمال، قال الرسول عليه صلوات الله وتسليماته: ((من لزم الاستغفار جعل الله له من كلّ هم فرجا، ومن كل ضِيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب)) أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم عن ابن عباس. وبه تكثر الأرزاق وتزداد النعم حتى لا يدري المستغفر مصدرها، ولا الوجهة التي أتت منها.
ومن فوائده أنه يدفع العقوبة عن صاحبه ويمنع نزول المصائب به, ويحول دون حلول الكوارث والأزمات والنكبات، ويرفع العقوبات النازلة بالإنسان، كالقحط والطوفان والجوع والأوبئة المهلكة، ويحقق الأمن النفسي والاجتماعي، يقول الرسول: ((أنزل الله عليَّ أمانين لأمتي: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ, فإذا مضَيْت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة)) رواه الترمذي.
الاستغفار دواء وعلاج، وملاذ المضطر وباب الفوز برضا الله، وأساس الوقاية من غضبه، وهو سبب فرح العبد وحبوره يوم لقاء الله، يوم يجد صحيفته مملوءة بالاستغفار، يقول الرسول الكريم: ((من أحب أن تَسُره صحيفتُه فليكثر فيها من الاستغفار)) أخرجه البيهقي بإسناد حسن عن ال+ير. فالمكثر من الاستغفار يُبعث طاهرًا نقيًا فرحًا مسرورًا لا ذنب يؤاخذ عليه، ويزداد فرحًا وحبورًا عندما يقبض صحيفته بيمينه ويجدها ممتلئة بالاستغفار.
أيها المؤمنون، جاء رجل إلى الحسن البصري فقال له: إن السماء لم تمطر، فقال له الحسن: استغفر الله، ثم جاءه آخر فقال: أشكو الفقر، فقال له: استغفِر الله، ثم جاءه ثالث فقال: امرأتي عاقر لا تلد، فقال له: استغفر الله، ثم جاءه بعد ذلك من قال له: أجدبت الأرض فلم تنبت، فقال له: استغفر الله، ثم جاءه بعد ذلك من قال له: جفَّ الماء من الأرض، فقال: استغفر الله، فقال الحاضرون للحسن: عجبنا لك، أوَكلما جاءك شاكٍ قلت له: استغفر الله؟! فقال لهم: أوَما قرأتم قول الله من سورة نوح: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربّنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، اللهمّ صلِّ وسلِّم وبارك على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمّا بعد: فيا أيّها الناس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.
أيها المسلمون، إن الاستغفار سنة الأنبياء والمرسلين، وطريق ووسيلة الأولياء والصالحين، يلجؤون إليه في كل وقت وحين، في السراء والضراء، به يتضرعون وبه يتقربون، وبه يرتقون في مدارج القرب عند الله، به ينوِّرون قلوبهم وينيرون قبورهم، وبه يصححون سيرهم إلى الله، وبه يُنصرون ويُمطرون ويرزقون ويغاثون ويرحمون، فأبونا آدم وأمنا حواء عليما السلام لما أذنبا وعاتبهما ربهما أحسَّا بخطئهما التجآ إلى ربهما متضرعين مستغفرين نادمين مسترحمين، فكان مما قالا: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ. وقال سيدنا نوح عليه السلام: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وقال: وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنْ الْخَاسِرِينَ. وقال موسى عليه السلام لما قتل رجلا من الأقباط: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وقال شعيب لقومه: وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ. وقال سيدنا صالح لقومه بعد أن أمرهم بعبادة الله: يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ. وحكى الله عن سيدنا داود لما تسَرَّع في الحكم بين الخصمين ولم يتريث في ذلك فأحس بخطئه: فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ. وهذا ابنه سليمان قال: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ. وهذا إبراهيم عليه السلام كان يستغفر لنفسه ولأبيه رغم ضلاله، وبقي كذلك حتى تيقن أنه عدو الله فتبرأ منه، وكان يستغفر لكل مؤمن سابق ولاحق: رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ. وهذا خيرتهم وخاتمهم محمد قال له ربه: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وقال له: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا. وروى الإمام أحمد أن ابن عمر قال: إنا كنا لنعُدُّ لرسول الله في المجلس الواحد مائة مرة يقول: ((رب اغفر وتب علي إنك أنت التواب الرحيم)). كان رسول الله وهو المعصوم المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يستغفر الله، وعلى قدر منزلته عند الله يستغفر ويكثر، وهو الذي قال: ((والله، إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة)) رواه البخاري.
فحاجة الإنسان إلى الاستغفار حاجة أساسية ضرورية قبل كل شيء؛ لأن الإنسان يلازمه التقصير في كل طاعة، ويصدر منه الخطأ كل ساعة، يقول الرسول الكريم في الحديث القدسي: ((يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم)) رواه مسلم عن أبي ذر. وحاجتنا نحن اليوم للتوبة والاستغفار أكثر من أي وقت مضى؛ لأن وقتنا هذا امتلأ بالمغريات والذنوب، وكثرت أسباب المعاصي في البيت والشارع والعمل، وقست بسبب ذلك القلوب وعلاها الران، وانطمست البصائر والأبصار، فأصبح لزاما على المؤمنين لزوم هذه العبادة العظيمة وتجديدها حينا بعد حين، واللوذ بهذا الركن الركين، اقتداء بالرسل الكرام صفوةِ خلق الله، وبرسولنا الأواه وأصحابه والتابعين الذين وصفهم الله بقوله: إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ. وقال : ((طوبى لمن وُجد في صحيفته استغفار كثير)) رواه ابن ماجه بإسناد صحيح عن عبد الله بن بسر.
ومن فرط فيه جنى الحسرات وتوالت عليه الهموم والنكبات، وعاش وعنده النقص في الأرزاق، وغُبن أمام الناس يوم التلاق.
اللهم اجعلنا من المستغفرين المكثرين بالليل والنهار، واقبل اللهم استغفارنا واحشرنا مع أهلك الذاكرين، أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين.
ثم صلّوا رحمكم الله على نبيّكم محمّد كما أمركم بذلك ربكم...
| |
|