molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: النفاق والمنافقون - أحمد بن حسين الفقيهي الإثنين 17 أكتوبر - 6:12:20 | |
|
النفاق والمنافقون
أحمد بن حسين الفقيهي
الخطبة الأولى
عباد الله، ابتلى الله تعالى عباده فجعل لهم أناسًا على طريق الخير يدلونهم إليه، وأناسًا على طريق الشر يؤزونهم إليه، ومن بين الفئات التي تقف على طريق الشر فئة تنامى خطرها وتتابع ضررها، فئة آذت رسول الله وآلمته، فحذرنا منها وخشي على أمته تأثيرها على أبنائها.
أيها المسلمون، لقد ظهرت تلك الفئة في المدينة على عهد المصطفى ، فتكاثر عددها وتناسل أبناؤها، وامتد نسلهم ـ لا كثّرهم الله ـ إلى زماننا هذا، فرأينا أحفادهم في زماننا، لا يختلفون في مظهرهم عنا، وهذا مكمن المصيبة، فهم وللأسف من بني جلدتنا، ويتكلّمون بألسنتنا، وينتسبون لديننا، وينتمون لأوطاننا. فهل عرفتم ـ عباد الله ـ تلك الفئة الفاسدة من بيننا؟ إنها فئة المنافقين والمنافقات.
أيها المسلمون، الحديث عن النفاق والمنافقين سواءً في السابق أو في اللاحق حديث يبدأ ولا ينتهي، فقد جاء الحديث عنهم في أكثر من نصف سور القرآن المدنية، إذ ورد ذكرهم في سبع عشرة سورة مدنية من ثلاثين سورة، واستغرق الحديث عنهم ما يقرب من ثلاثمائة وأربعين آية من كتاب الله العزيز، حتى قال ابن القيم رحمه الله: "كاد القرآن أن يكون كلّهُ في شأنهم".
عباد الله، لقد صدَّر ربكم سبحانه أطول سورة مدنية في القرآن ـ سورة البقرة ـ بذكر صفات المنافقين والتحذير من خطرهم، فذكر سبحانه في المؤمنين أربع آيات، وفي الكفار آيتين، وفي المنافقين ثلاث عشرة آية؛ وذلك لكثرتهم وعموم الابتلاء بهم وشدة فتنتهم وبليتهم على الإسلام وأهله، فهم ـ كما يقول ابن القيم رحمه الله تعالى منسوبون إلى الإسلام وهم أعداؤه على الحقيقة، يخرجون عداوته في كل قالب حتى ليظن الجاهل أنهم على علم وإصلاح، فيا لله كم من معقل للإسلام هدموه، وكم من حصن قد قلعوا أساسه وخربوه، وكم من علم قد طمسوه، وكم من لواء مرفوع قد وضَعوه، وكم ضربوا بمعاول الشّبه في أصول غراسهِ ليقلعوها، فلا يزال الإسلام وأهله منهم في محنة وبلية، ولا يزال يطرقه من شبههم سَريةٌ بعد سرية، ويزعمون بذلك أنهم مصلحون، أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لاَ يَشْعُرُونَ [البَقَرَةِ: 12].
أيها المسلمون، اليهود أعداؤنا، والنصارى أعداؤنا، والرافضة أعداؤنا، ومع عداوة هؤلاء وكيدهم لنا إلا أن المولى سبحانه حصر العداوة بالمنافقين في قوله تعالى سبحانه: هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ [الْمُنَافِقُونَ: 4]؛ وذلك لإثبات الأولوية والأحقية للمنافقين بهذا الوصف، ولا يراد منه كما يقول ابن القيم رحمه الله: "لا يراد منه أنه لا عدو من الكافرين سواهم، بل المعنى أنهم أحق بأن يكونوا لكم عدوًا من الكافرين المجاهرين بكفرهم، فإن الحرب مع أولئك ساعة أو أيام ثم تنقضي ويعقبها النصر والظفر، وهؤلاء ـ يعني المنافقين ـ معكم في الديار والمنازل صباحًا ومساءً، يدلّون العدو على العورات، ويتربصون بالمؤمنين الدوائر، ولا يمكن بل يصعب مناجزتهم".
عباد الله، رغم تطاول السنين وتعاقب الأجيال وترادف الأمم فإننا ما رأينا أوصافًا ذكرت في القرآن لطائفة من الطوائف كانت في زمان دون زمان، أو اختص بها مكان دون مكان، ولقد حدثنا القرآن عن المنافقين وأوصافهم وأخلاقهم ودسائسهم فما رأيناها تغيرت عبر الأزمان، ولا اختلفت باختلاف الأوطان؛ لأن الذي وصفهم في القرآن هو خالقهم، وهو سبحانه أعلم بدخائل نفوسهم وأوصاف قلوبهم، فكان وصفه سبحانه لهم متوافقًا مع ما نقرؤه عنهم وما نشاهده اليوم من أفعالهم، فالنفاق والمنافقون ليست مرحلة من التاريخ مرت وانتهت بل هي باقية، وشاهد ذلك قول حذيفة رضي الله عنه: (المنافقون الذين فيكم شرٌ من المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله )، ويقول الإمام مالك رحمه الله: "النفاق في عهد رسول الله هو الزندقة فينا اليوم". وإذا توسع مصطلح النفاق وتعددت مسميات المنافقين في عهد الإمام مالك رحمه الله أمكن أن يطلق على المنافقين في هذا الزمان أكثر من مسمى إذا توفرت فيهم سيما المنافقين، أما ابن تيمية رحمه الله فيقول: "والمنافقون ما زالوا ولا يزالون إلى يوم القيامة"، وكذلك قال ابن القيم رحمه الله تعالى معللاً ذكرهم في القرآن: "واعلم أنه كلما انقرض منهم طوائف خلفهم أمثالهم، فذكر سبحانه أوصافهم لأوليائه ليكونوا منهم على حذر".
أيها المسلمون، إذا تقررت محنة الإسلام والمسلمين بالمنافقين قديمًا وحديثًا كان لا بد من بيان سماتهم والتعرف على علامتهم، حتى يحذر المسلمون شرورهم، مع أن حصر صفاتهم والإحاطة بعلاماتهم أمر يطول ويصعب، لكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق.
المنافقون ـ عباد الله ـ من أحسن الناس أجساما وألطفهم بيانا، أخبثهم قلوبًا وأضعفهم جنانا، كما يقول ربكم سبحانه في وصفه لهم: وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [الْمُنَافِقُونَ: 4].
أيها المسلمون، إن من أبرز أوصاف المنافقين والمنافقات معاداة المؤمنين والتآمر ضدهم، وهذه الصفة هي التي عليها أقيم سوق النفاق وازدهر، وهي التي جعلتهم يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، ولأجلها يخادعون ويمكرون، وفي سبيلها أقيمت التحالفات الآثمة ونسجت خيوط المؤامرات العفنة بينهم وبين كل عدو للإسلام، وصور معاداتهم لكم ـ يا عباد الله ـ تتمثل في تمني الضرر والمشقة للمؤمنين والحزن لما يصيب المسلمين من الخير والفرح لما يسوؤهم، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ هَا أَنْتُمْ أُولاَءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [آلِ عِمْرَانَ: 118-120].
أيها المسلمون، إن تاريخ المنافقين حافل بالسخرية بالدين والاستهزاء واللمز بالإسلام والمسلمين، والمتأمل في الآيات التي نزلت حول المنافقين سيقف بلا شك أمام كثرة سخريتهم من المؤمنين واستهزائهم وتهكمهم بهم، وهذا الفعل منهم أصبح علمًا عليهم لعدم تصور فعله من المؤمنين ولبعد الكفرة والمشركين عن مخالطة أهل الإيمان ومعرفة تفاصيل حياتهم، وهو الأمر الذي يزود المنافقين بمادة السخرية والاستهزاء، فيا ترى أيرتدع المستهزئون اللاحقون بالإسلام والمسلمين بحال أسلافهم وفضيحة القرآن لهم، أم تراهم لشدة جرمهم لا ينتفعون بواعظ القرآن ولا يستمعون لنصح أهل الإيمان؟!
عباد الله، ومن سيما المنافقين أيضًا أن ولاءهم للكافرين وإن عاشوا بين ظهراني المسلمين، فقلوبهم مع أعداء الدين وإن كانوا بألسنتهم وأجسامهم وعدادهم في المسلمين؛ لأنهم يخشون الدوائر فيسارعون للولاء والمودة للكافرين، ولأنهم يسيئون الظن بالمسلمين، فهم يرتمون في أحضان أعدائهم لحمايتهم والاستقواء بهم.
عمي بصـائرهم طمس مشاعرهم كأنهم في مراعي وهم هم عنـم
فالشر منطقهم و الغدر شيـمتهم والخبث ديدنُهم إن العدو هـم
هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ.
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني بما فيهما من الآيات والحكمة.
الخطبة الثانية
عباد الله، لقد طال ليل المنافقين وآن للصبح أن ينجلي، امتدّ شرهم، وتطاول ضررهم، سخروا بديننا, وتحالفوا مع أعدائنا، وآن الأوان لأن نقيم شرع الله تعالى وحكمه فيهم.
أيها المسلمون، إن السبيل الأقوم والطريق الأمثل لإيقاف شر المنافقين والمنافقات في زماننا وتعطيل أهدافهم ومخططاتهم هو جهادهم كما أمر الله تعالى في قوله: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [التَّحْرِيمِ: 9]. قال القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية: "الخطاب للنبي ، وتدخل فيه أمته من بعده، وقال ابن عباس رضي الله عنه: أمره الله بجهاد الكفار بالسيف، والمنافقين باللسان وأن يذهب الرفق عنهم"، فجهاد المنافقين ـ عباد الله ـ من أجلّ فرائض الدين، ولا يقل شأنًا عن فريضة الجهاد ضد الكافرين، وقد ذكر بعض العلماء أن جهاد المنافقين فريضة دائمة، بينما جهاد الكافرين قد لا يكون على الدوام.
أيها المسلمون، إنّ الموقف الشرعيّ من هؤلاء المنافقين هو أن نحذَرهم؛ لأنهم يظهرون ما لا يبطنون ويسرون ما لا يعلنون، ولربما تحدثوا باسم الدين فاغتر بهم الأغرار، فيحسبونهم من الناصحين والله أعلم بما يكتمون، ومع الحذر منهم لا بد من كشف خططهم وفضح أساليبهم، فهم جبناء وأصحاب حيل ومكر وخديعة، لا يجرؤون على التصريح بما يريدون، فيسعون إلى التدمير باسم التطوير، وإلى الإفساد باسم الإصلاح.
عباد الله، إن النفاق اليوم له رؤوس ومنابر، ومنافقو هذا الزمان يتحركون بتخطيط وتنظيم، ولجهادهم بقوة وحكمة وتنظيم لا بد منا أن نودّع زمن الاجتهادات الفردية والعشوائية في سبيل جهاد هؤلاء المنافقين والإنكار عليهم، وحان الأوان لأن ندير معركتنا معهم من جديد وبأسلوب جديد، نتوزع من خلاله المهام في جهادهم: ففئة تنفر لجهادهم علميًا بالرد على شبههم وافتراءاتهم، وفئة تنفر لجهادهم إعلاميًا، وفئة ثالثة تنفر لنصحهم وإرشادهم وتذكيرهم بحقّ أبنائهم عليهم، ولنثق ـ عباد الله ـ بالنصر والتأييد إن أحسنّا فنّ جهاد المنافقين وسلكنا المنهج الشرعي الذي أمرنا به، فقد تعهد ربنا بنصرنا متى ما صبرنا واتقينا، وبالصبر والتقوى لا يضرنا استفزازهم وكيدهم لنا، وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا.
أيهـا اللاهثـون خلف الأعـادي هـل ستبنون أم تريدون هدما
كم رفعتم مـن الشعـارات لكن لم تـزل تلكم الشعارات وهْما
قـد شبعتـم عـداوةً و خلافًـا وصرمتم حبل التواصـل صرما
و نسيـتـم قرآنكـم وجعلتـم دون إيمـانكم مـن البغي ردما
الشعـارات لا توحـد صـفـا والخلافـات لا تحقّـق حلمـا
إن أقسـى مصـائب العصـر أن نلمح أهل الهدى يسامون ظلما
ودعـاة الضلال يلقـون إجـلالا وهم ينفثون في النـاس سُمـا
عباد الله، صلوا على البشير النذير والسراج المنير...
| |
|