molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: قصة أول سفك دم في الإسلام - أحمد بن حسين الفقيهي الإثنين 17 أكتوبر - 6:13:01 | |
|
قصة أول سفك دم في الإسلام
أحمد بن حسين الفقيهي
الخطبة الأولى
عباد الله، إن الله سبحانه وتعالى أنزل كتابه ليكون على الناس حجة، حجة يوم العرض لمن فرط فيه، وشافعًا لمن عمل به، وقد ضمن المولى سبحانه كتابه الخير ورغب فيه، وحذر من الشر وتوعد عليه. قال بعض السلف: "من لم تنفعه موعظة القرآن فلن تنفعه موعظة ولو تناطحت الجبال بين يديه".
وإن من المواعظ التي اشتمل عليها القرآن تلك القصص التي لا تكاد تخلو منها سورة من سور القرآن، فهي تحكي لنا أخبار الأمم الماضية والقرون الخالية، يجد القارئ والسامع فيها التسلية والعبرة والتفكر والاصطبار والتأسي والاقتداء.
ومن القصص القرآني الفريد في بابه العظيم في معانيه وعبره المعجز في لفظه وأحداثه ما قصه الله سبحانه وتعالى على رسوله مما جرى بين ابني آدم لصلبه.
لقد قص الله على الناس القضية التي جرت على ابني آدم لصلبه بالحق، تلاوة يعتبر بها المعتبرون، صدقًا لا كذبًا، وجدًا لا لعبًا، وهذان الابنان المسميان بـ(قابيل وهابيل)، هذه التسمية المشهورة لهما إنما هي من نقل العلماء عن أهل الكتاب، لم يرد بها نص في القرآن، ولا جاءت في سنة ثابتة، فلا علينا أن لا نجزم بها ولا نرجحها كما يقول العلامة أحمد شاكر.
قرب الولدان قربانًا، فأخرج كل منهما شيئا من ماله بقصد التقرب إلى الله تعالى، فتقبل الله من أحدهما صدقته ولم يتقبل من الآخر، وكانت قرابين الأمم الماضية قبل أمتنا يعلم المتقبل منها وغير المتقبل بأكل النار ما تقبل منها وتترك ما لم يتقبل. فقال الابن الذي لم يتقبل منه لأخيه حسدًا وبغيًا: لأَقْتُلَنَّكَ، فقال له أخوه مترفقًا له في ذلك: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ، أي: من المتقين لله في ذلك العمل بأن يكون عملهم خالصًا لوجه الله، متبعين فيه شرع الله تعالى. ثم قال له مخبرًا أنه لا يريد أن يتعرض لقتله، لا ابتداء ولا مدافعة، فقال: لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ، وليس ذلك جبنًا منه ولا عجزًا، وإنما لأنه يخاف الله رب العالمين؛ حيث حرم الله عليهم قتل النفس بغير النفس ظلمًا، والخائف لله لا يقدم على الذنوب صغيرها وكبيرها، وإذا دار الأمر بين أن أكون قاتلاً أو مقتولاً فإني أوثر أن أكون مقتولاً، فتبوء بالوزرين وترجع بالإثمين: الإثم الأول: إثم القتل بغير الحق، والإثم الثاني: إثم معاصيك التي عملت من قبل، فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ، فتكون بقتلك إياي من سكان الجحيم النار، وهي ثواب التاركين طريق الحق، الزائغين عن قصد السبيل، المعتدين ما جعل الله لهم إلى ما لم يجعل لهم.
وهذا يدل على أن الله عز وجل كان أمر ونهى آدم بعد أن أهبطه إلى الأرض، ووعد وأوعد، ولولا ذلك ما قال المقتول للقائل: فتكون من أصحاب النار بقتلك إياي، ولا أخبره أن ذلك جزاء الظالمين. وفي الآيات دلالة أيضًا على أن القتل من كبائر الذنوب، وأنه موجب لدخول النار.
لم يرتدع ذلك الأخ الجاني ولم ينزجر، ولم يزل يعزم نفسه ويجزمها حتى طوعت له قتل أخيه الذي يقتضي الشرع والطبع احترامه، فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنْ الْخَاسِرِينَ دنياهم وآخرتهم، وأصبح قد سن هذه السنة لكل قاتل، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، وأي خسارة أعظم من هذه الخسارة؟! وقد أخرج الإمام أحمد وغيره أن النبي قال: ((ما من نفس تقتل إلا كان على ابن آدم الأول شطر من دمها؛ لأنه أول من سن القتل)).
عباد الله، لما قتل الأخ أخاه لم يدر كيف يصنع به؛ لأنه أول ميت مات من بني آدم، فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ أي: يثيرها ليدفن غرابًا ميتًا، فجعل الغراب الحي يواري سوأة الغراب الميت، فقال القاتل لأخيه: يَا وَيْلَتَا كلمة تحسر لما رأى الدفن من الغراب وأنه أكبر منه علمًا، وأن ما فعله كان جهلاً، فندم وتحسر، ثم وارى سوأة أخيه أي: بدنه؛ لأن بدن الميت عورة، فَأَصْبَحَ مِنْ النَّادِمِينَ على ما فرط منه من معصية الله ـ عز ذكره ـ في قتله أخاه.
أيها المسلمون، من أجل قتل ابن آدم أخاه ظلمًا وعدوانًا شرع الله على أهل الكتب السماوية أنه من قتل نفسًا بغير سبب من قصاص أو فساد في الأرض واستحل بلا سبب ولا جناية فكأنما قتل الناس جميعًا؛ لأنه لا فرق عند القاتل بين نفس ونفس، فلما تجرأ على قتل النفس التي لم تستحق القتل علم أنه لا فرق عنده بين هذا المقتول وبين غيره، ومن أحياها بأن استبقى أحدًا فلم يقتله مع دعاء نفسه إلى فعله فقد سلم الناس كلهم منه بهذا الاعتبار وذلك إحياء لهم.
عباد الله، قرن الله سبحانه في الآيات السابق ذكرها قتل النفس بالفساد في الأرض، وجعل كلاً منهما مبررًا للقتل، ذلك أمن الجماعة المسلمة، وصيانة النظام العام الذي تستمتع في ظله بالأمان، وتزاول نشاطها في طمأنينة، ذلك كله ضروري لأمن الأفراد، بل أشد ضرورة؛ لأن أمن الأفراد لا يتحقق إلا به، فضلاً عن صيانة هذا النموذج الفاضل من المجتمعات، وإحاطته بكل ضمانات الاستقرار، كي يزاول الأفراد فيه حياتهم، وتترقى فيه الحياة الإنسانية وتثمر، وتتفتح في وجوه الفضيلة والنماء.
أيها المسلمون، إن الذي يهدد أمن المجتمعات المسلمة هو عنصر فاسد يجب استئصاله ما لم يرجع إلى الرشد والصواب، وقد أوضح المولى سبحانه عقوبة المفسدين في الأرض فقال: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ.
أيها المسلمون، إن المبارزين لله ورسوله بالعداوة، المفسدين في الأرض بالفكر والقتل وأخذ الأموال وإخافة السبيل، المعتدين على أهل دار الإسلام سواء كانوا مسلمين أو ذميين أو مستأمنين بعهد أولئك يحاربون الله ورسوله، وإن كانوا بفعلهم يحاربون الجماعة المسلمة والإمام المسلم إنهم قطعًا لا يحاربون الله سبحانه بالسيف، ولا يحاربون رسوله بعد اختياره للرفيق الأعلى، ولكن الحرب منهم لله ورسوله متحققة بالحرب لشريعة الله ورسوله، وللجماعة التي ارتضت شريعة الله ورسوله، وللدار التي تنفذ فيها شريعة الله ورسوله .
عباد الله، إن الجزاء الذي يلقاه أولئك المحاربون لله ورسوله في الحياة الدنيا لا يسقط عنهم العذاب في الآخرة، ولا يطهرهم من دنس الجريمة لبعض الحدود الأخرى، وهذا كله تغليظ للعقوبة وتشنيع للجريمة، ذلك أن الجماعة في دار الإسلام يجب أن تعيش آمنة، والسلطة المسلمة القائمة على شريعة الله يجب أن تكون مطاعة، وهذا هو الوسط والخير الرفيع الذي يجب توفير الضمانات كلها لازدهاره، وهذا هو أيضًا النظام العادل الكامل الذي يجب أن يصان من المساس به.
فإذا ارتدع هؤلاء المحاربون لله ورسوله الساعون في الأرض فسادًا عن غيّهم وفسادهم نتيجة استشعارهم نكارة الجريمة وتوبةً منهم إلى الله سقطت جريمتهم، وكان الله غفورا لهم رحيما بهم في الحساب الأخير في الدار الآخرة.
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة...
الخطبة الثانية
فيا عباد الله، لقد جاء الإسلام بحفظ الأنفس والأرواح، وحرم الاعتداء عليها. والأنفس المعصومة أربعة: المؤمن وهو أشدها وأكرمها على الله، والمعاهد، والذمي، والمستأمن، فهذه الأنفس المعصومة لا يجوز الاعتداء عليها، أو استحلال دمها.
قال : ((لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا)) رواه البخاري، وقال : ((لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه الفارق للجماعة)) متفق عليه.
أيها المسلمون، إن الحفاظ على أنفسكم وأموالكم وأمن بلادكم أمانة في أعناقكم، فكونوا لبنة خير، وقفوا في وجه من يريد الإفساد والفساد بدينكم ومقدساتكم.
ثم صلوا وسلموا على نبيكم كما أمركم الله بالصلاة والسلام عليه...
| |
|