molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: آداب العين - إبراهيم بن علي الحدادي الأربعاء 12 أكتوبر - 7:02:55 | |
|
آداب العين
إبراهيم بن علي الحدادي
الخطبة الأولى
أما بعد: فيا أيها المسلمون، اتقوا الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، فإن في تقواه السعادةَ في الدُنيا والفلاحَ في الأخرى، فاتقوا الله تعالى في أنفسكم وأهليكم، وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].
أما بعد: أيها المسلمون، يقول الله تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا، وقال تعالى: وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً [لقمان:20]، فنِعَم الله على العباد كثيرة لا تعدّ ولا تحصى، وإن من أعظمها هو خلقك ـ أيها الإنسان ـ في أكمل صورة، فقد خلق أباك آدم بيده الكريمة، وأودَع فيك من النِّعم الشيء الكثير، لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [التين:4].
وإن أعظم نعمة في جسمك ـ أيها الإنسان ـ العينان، نعم العينان اللتان تبصر بهما الأشياء، فقد امتن الله على العباد بهذه النعمة وخصّها بمزيد عناية، وذكرها في كتابه في أكثر من موضع فقال: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [النحل:78]، وقال تعالى: قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ [الملك:23]. قال ابن سعدي رحمه الله: "خصّ هذه الأعضاء الثلاثة لشرفها وفضلها، ولأنها مفتاح لكل علم، فلا يصل للعبد علم إلا من هذه الأبواب الثلاثة".
عباد الله، ولعظم هذه النعمة فقد أحاطها الله تعالى بمزيد عناية، فقد جعلها تعالى في أعلى الرأس، فهي كالمصابيح فوق المنارة لتتمكّن من مطالعة الأشياء، ولم تجعل في الأعضاء التي تمتهن كاليدين والرجلين فتتعرض للآفات بمباشرة الأعمال والحركات، ولا جعلها في الأعضاء التي في وسط البدن كالبطن والظهر فيعسر عليك التلفّت والاطلاع على الأشياء، فلم يكن لها موضع يليق بها إلا الرأس.
وخصّها تعالى بالذكر من بين سائر الأعضاء وقرنها مع أعظم النعم فقال: وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ [المؤمنون:78]، وقال: ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ [السجدة:9].
وهذه النعمة من جملة النعم التي أخبر تعالى عنها أنها مما يسأل عنه العبد أمام ربه تعالى يوم البعث والنشور والوقوف للحساب، وخصها بالذكر فقال: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36]. ولعظمها أيضًا فقد رتّبت الشريعة على الاعتداء عليهما الدية، وفي إحداهما نصف الدية.
إذًا فهي من أعظم النعم وأكبرها وأكثرها قدرًا، فيا تُرى ما واجبنا تجاه هذه النعمة؟
إن الواجب عليك ـ أيها العبد ـ تجاه هذه النعمة ما يلي:
أولا: الشكر لمسديها تعالى، فبالشكر يبارك لك فيها، ولتعلم أنك لو عبدتَ الله تعالى طيلة عمرك بلا معصية فإن ذلك لا يوازي هذه النعمة.
ثانيًا: أن تُستَعمَل في طاعة الله تعالى، كالنظر في المفيد والتفكر في ملكوته تعالى وعظيم خلقه في الكون وفي الإنسان ذاته، أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ [لأعراف:185]. ولتحذر من النظر في متاع الدنيا وما متع الله به غيرك، لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ [الحجر:88]، قال ابن سعدي في تفسيره: "لا تمدن عينيك معجبا، ولا تكرر النظر مستحسنا إلى أحوال الدنيا والممتَّعين بها". فلا تستعملها في معصية الله تعالى، فليس هذا والله جزاء المنعم، ولا شكر المُنعم به، يقول ابن الجوزي رحمه الله: "فتفهّم ـ يا أخي ـ ما أوصيك به، إنما بصرك نعمة من الله عليك؛ فلا تعصه بنعمه، وعامله بغضّه عن الحرام تربَح، واحذر أن تكون العقوبة سلب تلك النعمة، وكل زمن الجهاد في الغض لحظة؛ فإن فعلت فعلت الخير الجزيل، وسلمت من الشر الطويل" اهـ.
فعلى المسلم غضّ بصره عن الحرام وعدم الاسترسال في مشاهدته، فقد أمر تعالى عباده المؤمنين بذلك حيث قال: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30]، وأمر المؤمنات بقوله: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31]. يقول شيخ الإسلام قدس الله روحه: "النظر داعية إلى فساد القلب، وقال بعض السلف: والنظر سهم إلى القلب، فلهذا أمر الله تعالى بحفظ الفروج، كما أمر بغض الأبصار التي هي بواعث إلى ذلك"، وقال ابن كثير رحمه الله عند تفسير قوله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ: "هذا أمر من الله تعالى لعباده أن يغضوا من أبصارهم عمّا حرم عليهم، فلا ينظروا إلى ما أباح لهم النظر إليه، وأن يغضوا أبصارهم عن المحارم، فإن اتفق أن وقع البصر على محرّم من غير قصد فليصرف بصره عنه سريعًا، عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: سألت رسول الله عن نظر الفجاءة فأمرني أن أصرف بصري. أخرجه مسلم. وقال شجاع بن شاة رحمه الله: من عمّر ظاهره باتباع السنة وباطنه بدوام المراقبة وغض بصره عن المحارم وكفّ نفسه عن الشهوات وأكل من الحلال لم تخطئ له فراسة. وقال بعضهم: قال عيسى ابن مريم: إياك والنظرة؛ فإنها تزرع في القلب الشهوة، وكفى بها لصاحبها فتنة. ويقول الشاعر:
ليس الشجاع الذي يحمي مطيتـه يوم النِّزال ونار الحرب تشتعل
لكن من غض طرفًـا أو ثنى بصرًا عن الحرام فذاك الفارس البطل
ولتعلم أخي أن لغض البصر فوائد، من أهمّها تخليص القلب من ألم الحسرة، فإن من أطلق نظره دامت حسرته.
وكنـتَ متى أرسلت طرفك رائدًا لقلبـك يومًا أتعبتك الْمناظرُ
رأيـت الذي لا كلـه أنت قادرٌ عليه ولا عن بعضه أنت صابرُ
والنظرة تفعل في القلب ما يفعل السهم، فإن لم تقتل جرحت، وهي بمنزلة الشرارة من النار في الحشيش اليابس، فإن لم تحرقه كلّه أحرقت بعضه كما قيل:
كل الْحوادث مبداها مـن النظـر ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صـاحبها فتك السهام بلا قوس ولا وتـر
وغض البصر من أجلّ الأدوية لعلاج القلب، وفيه حسم لمادتها، وبامتثال المؤمن لغض البصر وحفظ الفرج يسلم من حبائل الشيطان وهواجس النفس وبلبلة الفكر وضياع دينه ودنياه، ويسلم المجتمع من إشاعة الفواحش والفوضى الجنسية بين أفراده.
ومن فوئد غض البصر أنه يورث قوة القلب وثباته وشجاعته، ويورث القلب سرورًا وفرحة وانشراحًا أعظم من اللذة والسرور الحاصل بالنظر، وذلك لقهرِه عدوَّه بمخالفته ومخالفة نفسه وهواه.
ومن فوائده أن يورث محبة الله، يقول مجاهد رحمه الله: "غض البصر عن محارم الله يورث حب الله".
أيها المؤمنون، وغضّ البصر في الشريعة على نوعين، قال ابن تيمية: "والله سبحانه قد أمر في كتابه بغضّ البصر وهو نوعان: غض البصر عن العورة، وغضه عن محلّ الشهوة، فالأول كغضّ الرجل بصره عن عورة غيره... وأما النوع الثاني من النّظر كالنظر إلى الزينة الباطنة من المرأة الأجنبيّة، فهذا أشدّ من الأول كما أن الخمر أشدّ من الميتة والدم ولحم الخنزير، وعلى صاحبها الحد، وتلك المحرمات إذا تناولها مستحلاّ لها كان عليه التّعزير؛ لأن هذه المحرمات لا تشتهيها النفوس كما تشتهى الخمر" اهـ. مجموع الفتاوى (15/414).
وليحذر المؤمن كذلك من إطلاق النظر إلى بيوت الناس؛ فهو من النظر الحرام، قال ابن القيم: "ومن النظر الحرام النظر إلى العورات وهي قسمان: عورة وراء الثياب، وعورة وراء الأبواب" اهـ. مدارج السالكين (1/117). وقال ابن تيمية: "وكما يتناول غضّ البصر عن عورة الغير وما أشبهها من النظر إلى المحرمات فإنه يتناول الغضّ عن بيوت الناس، فبيت الرجل يستر بدنه كما تستره ثيابه، وقد ذكر سبحانه غض البصر وحفظ الفرج بعد آية الاستئذان، وذلك أنّ البيوت سترة كالثياب التي على البدن، كما جمع بين اللباسين فى قوله تعالى: وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ [النحل:81]، فكل منهما وقاية من الأذى الذي يكون سموما مؤذيًا كالحرّ والشمس والبرد، وما يكون من بني آدم من النظر بالعين واليد وغير ذلك" اهـ مجموع الفتاوى (15/379)، وقال أيضًا: "وكذلك المرأة مع المرأة، وكذلك محارم المرأة مثل ابن زوجها وابنه وابن أخيها وابن أختها ومملوكها عند من يجعله محرَما متى كان يخاف عليه الفتنة أو عليها توجه الاحتجاب بل وجب... ـ وقال: ـ والنظر إلى وجه الأمرد لشهوة كالنظر إلى وجه ذوات المحارم والمرأة الأجنبية بالشهوة، سواء كانت الشهوة شهوة الوطء أو شهوة التلذّذ بالنظر، فلو نظر إلى أمّه وأخته وابنته يتلذّذ بالنظر إليها كما يتلذّذ بالنظر إلى وجه المرأة الأجنبيّة كان معلومًا لكل أحد أن هذا حرام، فكذلك النظر إلى وجه الأمرد باتفاق الأئمة". مجموع الفتاوى (15/377، 21/246).
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وحشرني وإياكم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا. أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده سبحانه وأشكره على نعمه العظمى وآلائه التي تترى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي الأعلى، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله النبي المصطفى والخليل المجتبى، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أئمة الهدى وبدور الدجى، ومن سار على هديهم واقتفى، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: عباد الله، وإن من واجبنا تجاه هذه النعمة ـ ثالثًا ـ أن تحاط بمزيد العناية والتقدير من الإنسان، فلا يعرضها للآفات والأخطار، ويجب عليه أن يبادر لإزالة الضرر والأذى عنها، فما هي إلا أمانة استودعك الله فلا تفرط في حفظها ورعايتها.
رابعًا: ومن أهم الواجبات أن لا يجعل العبد عينه أداة للقتل والإيذاء، فالعين حقّ كما أخبر بذلك المصطفى، قال : ((العين حق)) رواه البخاري ومسلم.
وللعين حقيقة وتأثير بإذن الله الكوني القدري، وهي حقّ ثابت شرعًا وحسًا، قال الله تعالى: وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ [القلم:51]. قال أهل العلم في تفسيرها: أي: يعيّنوك بأبصارهم.
إن خطر العين عظيم، ولك أن تنظر هنا وهناك لترى كيف تزهق الأنفس وتدمّر البيوت وتنفق الممتلكات وتزول النعم بسبب نظرة من عين لم يبارك صاحبها ولم يخَف ربه تعالى، ولن أضرب لك هنا الأمثال من واقعنا المعاصر، فهي كثيرة، ولعلك تعرف ما لا أعرف وترى ما لا أرى، فما من بيت إلا ونال من شرّها واكتوى بنارها إلا ما رحم ربك، ولكني أكتفي هنا بما ورد في سنة النبي من قصة فيها بيان خطر العين، وأنها حقيقة ومؤثرة، فعن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال: اغتسل أبي سَهلُ بن حنيف رضي الله عنه بالحزار ـ من أودية المدينة ـ، فنزع جبّة كانت عليه وعامر بن ربيعة ينظر إليه، وكان سهل شديد البياض حسن الجلد، فقال عامر: ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبّأة عذارء، فوعك سهل مكانه واشتدَّ وعكه، فأخبر النبيّ بوعكه، فقيل له: ما يرفع رأسَه، فقال: ((هل تتّهِمون أحدا؟)) قالوا: عامر بن ربيعة، فدعاه رسول الله فتغيّظ عليه، فقال: ((عَلامَ يَقتُل أَحدكُم أَخاه؟! أَلا بَركتَ! اغتَسِل لَه))، فغسل عامر وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخِلة إزاره في قدح، ثم صبّ عليه من ورائه، فبرأ سهل من ساعته. رواه أحمد وهو في صحيح الجامع (3908).
نعم، علام يقتل المسلم أخاه بسببٍ ليس له فيه اختيار؟! فالله هو الذي أعطاه ومنعَك، ورزقه وقدَر عليك رزقَك ووسع له، أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النساء:54]. إذا رأيت ـ أخي ـ ما يسرّ فبارك عليه، ولا تؤذي غيرك بهذه النعمة.
عباد الله، وخطر العين عظيم وشرها مستطير، فكم من أنفس أزهقت وبيوت هدمت وممتلكات أتلفت بسبب نظرة عائن وحَسَد حاسد ولا حول ولا قوّة إلا بالله، فعلى المسلم الحذَر وتوخّي الأسباب والتي من أهمها تجديد الإيمان بالله والإخلاص له والتوكل عليه وكثرة ذكره، والإكثار من قراءة القرآن الكريم عموما، قال تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا [الإسراء:82]، والتحصن بما فيه من سور وآيات، ومن ذلك سورة الفاتحة والبقرة والمعوذات وآية الكرسي، والالتزام بسنة خير البرية ، والمحافظة على الصلاة في وقتها، والمحافظة على أذكار الصباح والمساء، وعدم إظهار المحاسن عند من يخشَى منه ذلك، قال سبحانه عن يعقوب عليه السلام: وَقَالَ يبَنِىَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرّقَةٍ وَمَا أُغْنِى عَنكُمْ مّنَ اللَّهِ مِن شَىْء إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكّلُونَ [يوسف:67]، قال ابن عباس وغيره: (إنه خشي عليهم العين)، والصدقة والإحسان فإن لهما تأثيرًا عجيبًا في دفع البلاء والعين وشرّ الحاسد.
وإذا أصيب المرء بالعين فعليه أن يبحث عمّن عانه ويطلب منه أن يغتسل له، قال عليه الصلاة والسلام: ((عَلامَ يَقتُل أَحدكُم أَخاه؟! أَلا بَركتَ! اغتَسِل لَه))، فغسل عامر وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح، ثم صب عليه من ورائه فبرأ سهل من ساعته. قال ابن باز رحمه الله: "وقد جربنا أن غسلَ الوجه والمضمضة وغسل اليدين وحدَه يكفي في إزالة العين إذا اتَّهم إنسانًا معينًا، ولو لم يغتسل".
فيجب على المسلم إذا أصاب شخصًا بعينه أن يغتسل له، ولا يتكبر وينفر وتأخذه العزة بالإثم ويقول: "لست أنا السبب، أنتم تبالغون، أنتم تتهمونني" إلى غير ذلك من الكلام والعبارات.
ثم لتعلم أن شربَ ماء زمزم والاغتسال به له تأثير عجيب، ففي الحديث: ((إِنَها مُبارَكة، هِي طَعامُ طُعمٍ وشِفَاء سُقم)) صحيح الجامع (2435)، وفي الحديث الآخر: ((مَاءُ زَمزمَ لما شُرب لَه)) صحيح الجامع (5502)، وكذلك الحبة السوداء، في الحديث: ((فِيْ الحَبَّة السَّودَاء شِفَاء مِن كُل دَاء إلا السَّام)) متفق عليه، والسام الموت.
ولا يجوز الذهاب للسحرة والمشعوذين، لا للعلاج ولا غيره، قال : ((مَنْ أَتى عَرافًا فَسأله عَن شَيء لم تُقبَل لَه صَلاةٌ أَربعينَ لَيلة)) رواه مسلم، وقال : ((مَن أَتى كَاهنًا أو عَرافًا فَصدقَهُ بما يَقولُ فَقد كَفرَ بِما أُنزلَ عَلى محمد)) رواه أحمد والحاكم وصححه الألباني في صحيح الجامع (5939).
ولا ينبغي التوهّم وكلما حصل للمرء مكروه ظنه من العين أو نحوها، إلا ما بان وظهرت علاماته أنه عين.
وأعظم الأسباب في دفع البلايا والأمراض هو الالتجاء إلى الله تعالى بالدعاء والتضرع بين يديه بأن يدفع عنك شرّ الأشرار ويكشف ما بك.
والواجب على المسلم إذا رأى شيئًا فأعجَبه أن يبرّك عليه، بمعنى أن يدعو بالبركة، سواء كان هذا الشيء له أو لغيره، فالدعاء بالبركة له يمنع تأثير العين بإذن الله، قال : ((إِذَا رَأى أَحدُكُم مِنْ نَفسِه أَو مَالِه أو أَخِيه مَا يحب فَليُبرك فِإنَّ العينَ حَقٌ)) رواه أحمد والحاكم وصححه الألباني.
خامسًا: من الآداب مع هذه النعمة نعمة البصر أن من فقد هذه النعمة أو جزءًا منها فليتحلَّ بالصبر، ففي الحديث القدسي: أن النبي قال فيما يريه عن ربه: ((إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة)) يريد عينيه. رواه البخاري.
سادسًا: الدعاء بأن يديمها الله عليك، وأن يمتعك بها، فقد كان من دعاءه : ((اللهم متعني بسمعي وبصري، واجعلهما الوارث مني)) رواه الترمذي وحسنه الألباني.
| |
|