خلق العفة
الشيخ عاطف شمس
بعد المقدمة
في سلسلة من أخلاق المسلم نتكلم اليوم بحول الله وقوته عن خلق العفة
الشباب في عنفوانه وقوته وتهوره يمكن أن يتجرأ على محارم الله تدفعه الشهوة الجارفة فقال تعالى ( وليستعفف الذين لايجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله ) النور 33
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الله عز وجل قائلا ( اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ) مسلم
فالعفة خلق طيب يجب أن يتحلى به المسلم مع خلق الحياء والورع والكرم والشجاعة والزهد والرفق والوفاء والشكر وحفظ اللسان والصدق والإخلاص والأمانة والعدل والرحمة
ماهى العفة ؟
هي البعد عن الحرام وسؤال الناس والكف عما لايحل والكف عن الأطماع الدنية
الاستعفاف / طلب العفاف والكف عن الحرام
والعفة أنواع منها عفة الجوارح أن يعف المسلم يده ورجله وعينه وأذنه وفرجه عن الحرام فلا تغلبه الشهوة
وأمر النبي الشباب بطلب العفة ( من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) متفق عليه
وعفة الجسد فالمسلم يستر جسده ويبتعد عن إظهار عوراته وعورة الرجل من السرة إلى الركبة والمرأة جسدها كله عورة
قال عز وجل (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما ) الأحزاب 59
وعفة النظر فقد حرم الإسلام النظر إلى المرأة الأجنبية وحرم على المرأة ذلك أيضا
قال تعالى ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك ا+ي لهم إن الله خبير بما يصنعون ) النور 30 وقال تعالى ( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ) النور 31
والنظرة سهم من سهام إبليس من تركها مخافة لله أبدله الله إيمانا يجد حلاوته في قلبه فمن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه
سئل النبي عن نظرة الفجأة فقال ( اصرف بصرك )
وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( من يضمن لي مابين لحييه ومابين رجليه أضمن له الجنة ) أي اللسان والفرج – البخاري 6474
قال تعالى ( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ) الإسراء 36
ومن العفة أن يعف المسلم عن أموال الغير قال تعالى ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا )
وأمر الله عز وجل الولي على أموال اليتيم إن كان غنيا أن يستعفف أي لا يأخذ شيئا من أموال اليتيم
وإن كان الولي فقيرا فليأكل بالمعروف أي القليل فقط مايكفيه ولا يدخر
العفاف خلق الأنبياء والمرسلين
فهاهو موسى عليه السلام لما سقى لإبنتى الرجل الصالح جلس في الظل فجاءته ِإحداهما تمشى على استحياء قالت إن أبى يدعوك ليجزيك أجر ماسقيت لنا ) القصص
تمشى على استحياء ؛ على استحياء قالت ؛ يعنى حياؤها في مشيتها وفى كلامها وكان موسى عليه السلام قدوة في العفاف فطلب منها أن تسير وراءه وتشير إليه يمينا أو يسارا حتى لاينظر إليها أو يطير الهواء ملابسها أو يلتصق بجسدها إن هو سار وراءها
وهاهو يوسف عليه السلام
الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام
ومع هذا فقد بيع في سوق العبيد كما يباع العبيد فاشتراه عزيز مصر فلما رأى فيه كرم الأصل وجمال الوجه طلب من امرأته أن تكرمه ( عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا ) وكبر يوسف في بيت العزيز وصار شابا قويا جميلا فأعجبت به امرأة العزيز ووسوس لها الشيطان وجاء اليوم الذي أغلقت فيه الأبواب وصرفت الخدم وقالت ليوسف هيت لك تهيأت لك لكنه أجاب بكل عفة وطهارة ( معاذ الله إنه ربى أحسن مثواي إنه لايفلح الظالمون ) يوسف 23 معاذ الله أي أستعيذ بالله وألجأ إليه 0
وهاهو سيد البشر صلى الله عليه وسلم جاءته صفية بنت حيى تحدثه وكان معتكفا بالمسجد فقام إليها يوصلها إلى بيتها فرآهما شابان فأسرعا فقال النبي على رسلكما ِإنها صفية فقالا سبحان الله يارسول الله أنت أعظم وأجل من أن نقول شيئا عنك فقال إن الشيطان يجرى من الإنسان مجرى الدم – فخاف النبي عليهما من وسوسة الشيطان فالإنسان العفيف لايضع نفسه موضع شبهة
ولم يمد يده ليصافح امرأة قط
فيجب على المسلم ألا يضع نفسه موضع شبهة فيقف مثلا في الظلام يكلم امرأة أو يكلم امرأة بصوت منخفض لايسمعه أحد أو يخلو بامرأة
وكذا المسلمة العفيفة لايجوز لها الوقوف مع رجل بالشارع أو تتكلم معه بصوت منخفض
وبعد الأنبياء والمرسلين يأتي أصحاب رسول الله
هاهو أبو بكر رضي الله عنه عندما صار خليفة رسول الله وكان تاجرا وجده الصحابة في السوق يبيع ويشترى فقالوا له لاتعمل ونعطيك راتبا وعند الموت تبقى فى بيته بضعة دنانير فأرسل إلى عائشة قائلا هذه الدنانير أعطيها لعمر تبقت من راتب هذا الشهر ولم أعمل بها فهل رأيتم مثل هذا 0
وجاء الفاروق الذي تعلم من سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم وكان وزير أبى بكر الأول فلما صار أميرا للمؤمنين كان ينظر إلى بيت مال المسلمين كمال اليتيم وهو الولي عليه فيقول إن استغنيت استعففت وِإن افتقرت أكلت بالمعروف فكان إذا لم يجد في بيته مالا يأخذ من بيت مال المسلمين إلا أقل القليل لقوله تعالى ( ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف ) النساء 6
ويوما مرض رضي الله عنه فقال له الطبيب عليك بالعسل فإنه دواؤك ووجد عكة فيها عسل في بيت مال المسلمين فقيل له خذها فلم يرضى وذهب إلى المسجد وبعد أن صلى بالناس قال لهم توجد عكة عسل وأنا أريدها علاجا لي أتأذنون فقالوا نأذن لك
فى عهده فتحت الفتوح وازدادت الرقعة الإسلامية وجاء المال من كل البلاد ومع ذلك ظل على عادته زاهدا متقشفا حتى شكاه الصحابة إلى ابنته حفصة فجاءته تقول يا أبت قد أوسع الله الرزق فكل طعاما ألين مما تأكل والبس لباسا ألين مما تلبس
فظل يذكرها بطعام رسول الله الخشن والقمح غير المنخول ويذكرها بالأيام التي قضتها مع رسول الله وأنه كان يعيش أياما على التمر والماء وكيف أنه كان يمر الهلال تلو الهلال ولا يوقد في بيته عليه الصلاة والسلام نار
وكيف كان ينام على حصير من ليف كان له اثر في جنبه الشريف وظل بها هكذا حتى بكت رضي الله عنها وتركته وكان آخر ماقاله أريد أن الحق بصاحبي ( رسول الله وأبى بكر ) على ماتركونى عليه وأموت على مثل ما ماتا 0
وبعد معركة القادسية جاءت الرسل معهم الغنائم وفيها تاج +رى الجوهرة الواحدة تغنى قبيلة والتاج ملئ بالجواهر ومع التاج أموال كثيرة فقال عمر إن قوما أدوا هذا لقوم أمناء فقال على ابن أبى طالب عففت فعفت رعيتك ولو رتعت لرتعوا
عمر بن عبد العزيز حفيد عمر بن الخطاب
ورث عن أبيه الكثير من الأموال والمتاع والدواب وكان إيراده السنوي يزيد على أربعين ألف دينار وزوجته فاطمة بنت عبد الملك بن مروان لك أن تتخيل ماعندها من مجوهرات وهى أميرة بنت أمير للمؤمنين ولها أخوة أربعة كلهم كان أميرا للمؤمنين
يوم تولى عمر الخلافة بكى فسألته فقال تذكرت الفقير والجائع والشيخ الكبير والعاري والمريض والمظلوم والغريب وربى سيسألني عنهم يوم القيامة فخشيت على نفسي ألا أجد ما أقوله لربى فبكت معه وتنازل عن أمواله لبيت مال المسلمين وطلب من زوجته صندوق مجوهراتها تضعه في بيت مال المسلمين فأطاعته ونعلم قيمة الذهب عند النساء
وجاءه يوما تفاح فأمر بتوزيعه على المسلمين ودخل ولد له فأخذ واحدة فانتزعها منه بسرعة فخرج الصبي يبكى وبعد أن انتهى من توزيع التفاح رجع بيته فوجد طفله يأكل تفاحا فغضب وقال من أين له هذا ؟ فقالت اشتريت له
فقال يافاطمة والله وأنا انتزع منه التفاحة فكأني انتزع قلبي من بين أضلاعي لكنى لا أريده أن يأكل من مال المسلمين لما مات ووزعوا تركته نال كل صبى تسعة عشر درهما والبنت عشرة دراهم فقط فكان الناس يتعجبون من هذا الورع وهذه العفة 0
ونسمع أخبارا مفزعة عن رجال أعمال عندهم المال الكثير لكنهم ولا عفة عندهم كانوا يسرقون أموال الشعب
ورجل كان يمتلك شركات ثم عين وزيرا ورغم كل ذلك استولى على أراضى من الدولة بدون حق
وسبحان الله في نفس المجتمع الذي يحدث فيه هذا تجد أناسا قال الله فيهم ( لايستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لايسألون الناس إلحافا ) البقرة فقير عفيف يغلق عليه بابه ولا يسأل الناس فهذا هو الذي يجب أن نبحث عنه ونعطيه