القناعة
الشيخ عاطف شمس
بعد المقدمة
في سلسلة أخلاق المسلم تحدثنا عن الرفق – الحياء – العفو – الوفاء – الستر
أخوتي في الله موقفنا من قصص أهل الكتاب ألا نصدقها ولا نكذبها ومما ورد عن أعل الكتاب عموما فإن ماوافق شرعنا أخذنا به وما خالف شرعنا تركناه وما سكت الشرع عنه لانصدق ولا نكذب من هذا الباب ومن باب الترغيب والترهيب نقول يروى أن المسيح عليه السلام سار معه رجل ومعهما ثلاثة أرغفة فجاعا فأكلا رغيفين وبقى الثالث فأكله الرجل فقال المسيح من أكل الرغيف فقال لم أكله ومرا على مقبرة رجل مات قريبا فناداه المسيح أن يقوم بإذن الله فقام ثم رجع قبره مرة أخرى فقال المسيح بحق الذي أحيا هذا الرجل من أكل الرغيف فقال لا أعلم ومرا على كوم تراب فدعا المسيح أن يتحول إلى ذهب فصار ذهبا بإذن الله فقسم المسيح الذهب ثلاثة أقسام قائلا واحد لي والثاني لك والثالث لمن أكل الرغيف فصاح الرجل أنا أكلت الرغيف فقال المسيح عليه السلام الذهب كله لك ولكن فارقني لا أريدك معي لحظات وظهر رجلان رأيا الذهب فقالا إما أن نقتسم معك وإلا فقال تعالوا نقسم على ثلاثة وجاعوا فقالوا ليذهب أحدنا يشترى طعاما ولن نتحرك وسنظل ننتظره فذهب رجل وفى الطريق أنا أشترى الطعام وأضع فيه السم فإذا أكلوا ماتوا وقال الرجلان عندما يأتي بالطعام نقوم عليه فنقتله ونقتسم الذهب وبمجرد أن ظهر الرجل قاما عليه فقتلاه ثم جلسا يأكلان فماتا مسمومين ورجع المسيح فرآهم قتلى والذهب كما هو فقال هذه نهاية الطمع ولو قنع ماحدث له ماحدث
لذا يقال عز من قنع وذل من طمع
وهاهو حكيم بن حزام رضي الله عنه سأل النبي مالا فأعطاه ثم سأله مرة أخرى فأعطاه وثالثة فأعطاه وهنا أعطاه النبي الدرس قائلا ( إن هذا المال خضر حلو فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع – اليد العليا خير من اليد السفلى ) متفق عليه فأقسم حكيم ألا يسأل أحدا شيئا حتى يفارق الدنيا
فكان أبو بكر يرسل إليه ليعطيه مالا فيرفض ثم جاء عمر وكلما دعاه ليعطيه يرفض فقال عمر يامعشر المسلمين أشهدكم على حكيم أعرض عليه حقه فيرفض - ولا يقبل المال
وظل حكيم على عهده مع رسول الله حتى مات
وهاهو سلمان الفارسي كان أميرا وكان راتبه خمسة آلاف درهم فكان يتصدق به ثم يشترى بدرهم خوصا يصنع به أنية يبيعها بدرهم ويشترى طعاما بدرهم والدرهم الثالث يشترى به خوصا جديدا
القناعة أخوتي في الله / هي الرضا بما قسم الله لك ولو كان قليلا وعدم التطلع إلى ماعند الغير
القناعة طريق الجنة قال النبي من يكفل لي أن لا يسأل الناس شيئا وأتكفل له الجنة ) فقال ثوبان أنا يارسول اله فكان لايسأل أحدا شيئا - رواه أبو داود – الترمذي – احمد
قال على بن أبى طالب الطمع رق مؤبد ( عبودية )
وقال أحد الحكماء من أراد أن يعيش حرا فلا يسكن قلبه الطمع
والقناعة سبيل للراحة النفسية فيعيش في أمان وراحة والطماع يعيش مهموما
فأطول الناس هما الحسود وأهناهم عيشا القنوع
والقناعة طريق الفلاح قال النبي ( قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما أتاه ) مسلم
ويقول النبي ( ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس ) متفق عليه
القانع لايعيش ذليلا بل عزيزا قال النبي ( وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس ) الترمذي – احمد
وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا ) الترمذي – بن ماجة
تريد أن تطمئن أن رزقك مكفول قال تعالى ( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين ) هود 6
وقال عز وجل ( وكأين من دابة لاتحمل رزقها الله يرزقها وإياكم ) العنكبوت 60
وقال تعالى ( وفى السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والأرض إنه لحق مثلما أنكم تنطقون ) الداريات 22-23
القناعة تمنعك من الحسد والغيبة والنميمة والكذب - الجالب لهذه الشرور إنما هو حب الدنيا والوجاهة والرياسة
فإن قنعت بما أعطاك الله فلن تحسد أحدا ولن تغتاب أحدا
إليك هذه النصيحة في الدنيا وعطائها انظر إلى من هو أسفل منك ولا تنظر إلى من هو أعلى منك
واعلم أن الرزق ليس بالذكاء ولا كثرة الحركة وسعة المعارف هناك من هو أقل منك ذكاءا و أقل منك حركة وأغنى منك
نصيحة ليس في الدنيا أحد إلا وهناك من هو أعلى منه ومن هو أسفل منه
فإذا كنت تنظر إلى من هو أقل منك ذكاءا أو اقل حركة ومع ذلك أغنى منك فلم لاتنظر إلى من هو أعلى منك ذكاءا وأفقر منك
وأنتي يا أختي تقولين أنك جميلة وتستحقين قصرا وبيتا أفضل من الذي تعيشين فيه انظري حولك لابد أن هناك من هي أجمل منكى وتعيش أفقر منكى
وأنت يامن تتعب نفسك ليرتاح ولدك كلما سأله احد متى ترتاح ألا يكفيك ما عندك يقول ولدى أريد أن أتركه مرتاحا نقول ( شقي بجمعها مأخوذ بوزرها ) أ الأموال التي يجمعها يشقى ويجمعها ولو فيها حرام ويله ويتنعم ولده بها ولا وزر عليه
مات عمر بن عبد العزيز ولم يترك لأولاده إلا بضعة دراهم وكان أميرا للمؤمنين حتى مجوهرات زوجته وضعها بيت مال المسلمين ينفق منها على مصالح المسلمين وأواخر أيامه لم يكن يملك إلا ثوبا واحدا وساعة الموت توفى وهو يقرأ أو يسمع ( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين ) القصص
وأغلب المعاصي التي نراها بسبب الطمع - القمار الميسر – حلوان الكاهن – السحرة – العرافين – المشعوذين – +ب البغايا – ثمن الخمر – الدخان – التلاعب فى السلع – الغش – التطفيف في المكيال – زيادة الأسعار – التقاتل بين الأخوة – التقاطع بينهم
وما قطعت الأرحام إلا بسبب المال - الطمع - وماكره الرجل أخته إلا بسبب الطمع وما كرهت الأخت أخاها إلا بسبب الميراث والطمع
الذي معه ألف يريد عشرة والذي عنده عشرة آلاف يريدهم مائة ألف والذي معه مائة ألف يريد المليون لايشبع
وأغلب الديون التي على الناس الآن بسبب الطمع يستلف ليجهز ولده ويستلف ليغير العفش ( الجهاز ) ويستلف ليزوج ولده في صالة ويستلف ليغير الأجهزة الكهربائية
أشرف بيت على وجه الأرض هو بيت النبي محمد صلى الله عليه وسلم تقول السيدة عائشة ( ما أكل آل محمد صلى الله عليه وسلم أكلتين في يوم إلا أحداهما تمر )
وقالت ( ما شبع آل محمد من خبز وشعير يومين متتابعين حتى قبض )
ولم يأكل النبي القمح المنخول
يوما لم يخرج النبي للصلاة وسرت إشاعة أن النبي طلق زوجاته ووقف الناس بالباب واستأذن عمر في الدخول وأبو بكر فأذن النبي لهما حاول عمر أن يجعل النبي يضحك فقال يارسول الله لو أن ابنة زيد امرأة عمر سألتني النفقة آنفا فوجأت عنقها فضحك النبي حتى بدا ناجزه وقال هن حولي يسألنني النفقة فقام أبو بكر على ابنته يريد أن يضربها وكذلك فعل عمر إلا أن النبي نهاهما فقلن لن نسأل رسول الله ما ليس عنده ونزلت آية التخيير ( يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما ) الأحزاب 28-29
فبدأ بعائشة فقالت ماكنت لاختار عليك يارسول الله وكلهن اخترن الله ورسوله والدار الآخرة
وحبيبة قلبه فاطمة تعبت من عمل البيت فسألت أباها خادما فأمرها أن تستعين على عمل البيت بالتسبيح والتكبير والتحميد عند نومها وقال يا ابنتي لا أعطيكى وأهل الصفة تطوى بطونهم من الجوع
انتبه / القناعة لاتمنع التاجر من تنمية تجارته ولا الصانع من أن يتقن صنعته فيزيد دخله -لا
لكن القناعة تمنع الموظف من التسخط على مرتبه
وتمنع التاجر من الغش وتمنع الصانع من عدم الإتقان
لاقناعة في فعل الخير /
المسلم يقنع بما قسم الله له في الدنيا أما في عمل الخير والأعمال الصالحة فلا بل يحرص دائما على المزيد ويطمع فى عمل الخير والثواب لقوله سبحانه ( وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ) البقرة 197
( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين ) آل عمران 132
الخطبة الثانية
أتى عثمان بن عفان بألف دينار فوضعها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فقال ( ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم مرتين )
وقال أحدهم
هي القناعة لاترضى بها بدلا فيها النعيم وفيها راحة البدن
انظر لمن ملك الدنيا بأجمعها هل راح منها بغير القطن والكفن
يحلف عروة بن ال+ير أن معاوية بن أبى سفيان أرسل إلى السيدة عائشة مائة ألف درهم فيقول والله ما أمست حتى فرقتها فقالت لها مولاتها لو اشتريت منها بدرهم لحما فقالت ألا قلتي لي لو ذكرتينى لفعلت