الأمانة
الشيخ عاطف شمس
بعد المقدمة
في سلسلة أخلاق المسلم تحدثنا عن – الرفق- الرضا – الوفاء – الستر – القناعة – الإيثار – الرحمة
واليوم مع خلق جليل على كل مسلم أن يتخلق به إنه خلق الأمانة
ماهى الأمانة / هي أداء الحقوق والمحافظة عليها وأعظم الأمانات التوحيد
قال تعالى ( إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ) الأحزاب
يعنى عرض الله الأمانة ( الفرائض ) على السموات والأرض والجبال فإن أدوها أثابهم وإن ضيعوها عذبهم – فلم يحملوها لا ردا لأمر الله بل تعظيما لدين الله
لما فتح النبي مكة ودخل المسجد الحرام وطاف حول الكعبة ودعا عثمان بن طلحة حامل مفتاح الكعبة فأخذ منه المفتاح وفتحت الكعبة لرسول الله فدخل ثم قام على باب الكعبة فقال لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ثم جلس في المسجد الحرام فقام على بن أب طالب فقال يا رسول الله اجعل لنا الحجابة مع السقاية فقال النبي أين عثمان بن طلحة فجاءوا به فقال له النبي هاك مفتاحك ياعثمان اليوم يوم بر ووفاء فنزل قوله تعالى ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) النساء 58
الله عز وجل في سورة المؤمنون بدأها سبحانه بالقول قد أفلح المؤمنون وذكر صفاتهم ومنه ( والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ) فأداء الأمانة والوفاء بالعهد من صفات المؤمنين
والأمانة من صفات الأنبياء فالله عز وجل يذكر قول نوح عليه السلام لقومه ( إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون ) الشعراء 107-108
وقول هود لقومه ( إني لكم رسول أمين – فأتقوا الله وأطيعون ) الشعراء 125-126
وقول صالح لقومه ( إني لكم رسول أمين – فاتقوا الله وأطيعون ) الشعراء 143-144
هل لاحظت شيئا - إن لكم رسول أمين تكررت ثلاث مرات وبينها عدد لايتغير 18 فنوح قال لقومه إني لكم رسول أمين الآية 107 تضيف عليها ثمانية عشر ستجد أن الآية 125 هي نفس القول على لسان هود ولو أضفت ثمانية عشر أخرى ستجد أن الآية 143 أيضا انى لكم رسول أمين على لسان صالح عليه السلام
والأمانة وصف الله بها جبريل فقال تعالى ( نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين )
ورسول الله كانوا يسمونه بالصادق الأمين في مكة
أما التحذير من عدم الأمانة فقد جاء قويا لعظم الأمانة فقد قال عز وجل ( يا أيها الذين امنوا لاتخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون ) الأنفال 27
وقال النبي ( أد الأمانة إلى من ائتمنك ولاتخن من خانك ) داود –الترمذي – الأرنؤوط وصححه في جامع الأصول
واليك هذا الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة ) متفق عليه فضيحة وسط الخلائق
الأمانة علامة على الإيمان والخيانة علامة على النفاق يقول المصطفى ( أية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان ) متفق عليه
وقال النبي ( أول ماتفقدون من دينكم الأمانة وأخر ماتفقدون من دينكم الصلاة ) السلسلة الصحيحة 1739
وتضييع الأمانة علامة على قرب الساعة فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله متى الساعة ؟ فقال النبي إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قال وكيف إضاعتها ؟ قال إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة ) البخاري
والأمانة تشمل كل أمور الدين
أمانة في العبادة يلتزم التكاليف ويؤدى الفرائض كاملة
وأمانة في حفظ الجوارح والأعضاء كلها فهي أمانة يجب الحفاظ عليها ولا يستعملها فيما يغضب واهبها وخالقها – العين أمانة – اليد أمانة – السمع أمانة
وأمانة في حفظ الودائع فيحفظها لأصحابها ويردها عند الطلب
أمانة في الكلمة وليعلم أن الكلمة التي يقولها تدخله الجنة وقد تهوى به في النار قال تعالى ( ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ) إبراهيم 24
وكلمة السوء ( ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار ) إبراهيم 26
أمانة المسؤولية سواء كان حاكما أو والدا أو رئيسا في عمل ما
أمانة في حفظ الأسرار فاحفظ سر أخيك ولا تخونه ولاتفشى سره
أمانة في البيع فلاغش ولا تدليس ولا نجش ولاتصرية الضروع
مر النبي على رجل يبيع طعاما فأدخل يده فوجده مبلولا فقال النبي ماهذا يا صاحب الطعام قال الرجل أصابته السماء ( مطر ) فقال النبي أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس ( من غشنا فليس منا ) مسلم
أيها المعلم إياك أن تخون الأمانة فلا تشرح الدرس اعتمادا على الدروس وإياك أن تضع درجات مرتفعة لمن يأخذ درسا عندك وتقلل درجات الآخرين هذه خيانة
يا رئيس العمل إياك أن ترقى من لايستحق لكنه ينقل إليك كلام المرؤوسين ويتجسس على زملائه هذه خيانة
أيها الزوج إياك أن تخون الأمانة فتفشى سر زوجتك
وأنتي إياكى أن تفعلي ولاتحدثى أحدا بما يحدث بينك وبين زوجك ولو كانت أمك هذه خيانة
قال المصطفى (إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل يفضى إلى امرأته وتفضي اليه ثم ينشر سرها ) مسلم
أيها الأب لاتخن الأمانة وتترك ولدك للشات والبنات والمخدرات فأنت مسؤول عنه أحفظت أم ضيعت
أيها الأم لاتخونى الأمانة وتتركي ابنتك بلا حجاب قائلة عندما تتزوج تلبسه فأنتي مسؤولة
قال النبي إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة وهذا ماحدث الآن رأينا العلمانيين قد تمكنوا من الصحافة وأغلب أجهزة الإعلام
ورأينا رجلا يجب أن يجرم رأيناه يكرم وهو المشكوك في إسلامه بشهادة رجال الأزهر
ورأينا رجلا وصل إلى الوزارة فإذا هو مرتشي وسارق فأقالوه
ورأينا رجلا أو رجالا يصرون على الدعوة إلى الاختلاط وأمامهم تجارب الآخرين فالاختلاط بداية المنكرات وكشف العورات وفساد المعتقدات – لهذا نخاطب علماء الحرمين قائلين أن اثبتوا فإنما نحن بكم
كل من خان الأمانة في الدنيا سيرى العاقبة
قال النبي (ويل للأمراء ويل للعرفاء ويل للأمناء ليتمنين أقوام يوم القيامة أن ذوائبهم كانت معلقة بالثريا يتذبذبون بين السماء والأرض ولم يكونوا قد عملوا على شئ ) رواه أحمد بسند جيد
وقال النبي (ليأتين على القاضي العدل يوم القيامة ساعة يتمنين أنه لم يقضى بين اثنين في تمرة قط ).
الخطبة الثانية
أخوتي في الله يوم القيامة يؤتى بجهنم تقاد بسبعين ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك فلا يبقى ملك مقرب ولانبى مرسل إلا جثا على ركبتيه ثم يضرب الصراط على متن جهنم وينادى الله عز وجل بأن يسير العباد عليه وعندها تكون دعوة الأنبياء اللهم سلم سلم فإذا ضرب الصراط على متن جهنم قامت الأمانة والرجم على جنبتى الصراط أما الأمانة فإنها تكبكب في نار جهنم كل من خالفها وأما الرحم فإنها تزل أقدام من قطعها وظلمها
بالأمس أخبرني أحد الأخوة بخبر كالصاعقة أخ زنا بأخته حتى حملت ووضعت فألقى بالطفل في البحر المجاور لقريتنا –والمصيبة أنهما يعيشان في بيت واحد مع والديهما إلى هذا الحد ضيعنا الأمانة فلم يحس الأب ولا الأم بأي خطأ يحدث في بينهما
والأخ الذي من المفترض أن يغار على أخته وعلى شرفها وإذا وصل اليه خبر من يعا+ها فيجرى في وجهه دم الكرامة والشرف هو الذي يعتدي على أخته حتى تحمل وتضع
وهذه البنت كيف تفرط في شرفها إلى أقرب الناس إليها واعلموا أن الله لايفضح عبده من المرة الأولى فهذان الزانيان صار لهما وقت طويل على هذا - زنا المحارم في قريتنا – إنا لله وإنا اليه راجعون
تجرأ الناس على المحارم فانتهكوها وأول المسئولين هم علماء السوء الذين يتحدثون عن الرحمة والمغفرة فقط ولا يتحدثون الله القهار الجبار ولا عذاب جهنم ولا عذاب القبر بل يتهمون من يتحدث عنها أنه يقنط الناس من رحمة الله – قبحكم الله ديننا رغبة ورهبة – ترغيب وترهيب – وعد ووعيد – جنة ونار
فلا يجوز أن نجعل الناس يتجرؤون ولا يجوز أن نيئسهم من رحمة الله بل وسط نقول لهم المحسن سوف يلقى الله الرحمن الرحيم والمفرط سوف يلقى الله الجبار القهار والمستقيم تنتظره الجنة والمسئ تنتظره النار
قال محمد بن المنكدر لولده والله يابنى إني لأزيد في صلاتي ابتغاء صلاحك
وقال والد البخاري وهو يحتضر والله لا أعلم أنى أدخلت على أهل بيتي درهما حراما أو درهما فيه شبهة
حافظ على الأمانة فما النتيجة - أمير المؤمنين في الحديث البخاري رحمه الله وسيكون في ميزان حسنات والده إن شاء الله
وزير اسمه محمد بن حسين أرسلت اليه امرأة تقول فيها عندي أربعة أولاد والآن نحن في الشتاء يكاد الأولاد يموتون بردا – فماذا فعل الوزير خلع ملابسه إلا مايستر عورته ونادي أعوانه قائلا إلى المخزن فخذوا سمنا ودقيقا وعسلا وملابس إلى هذه المرأة وأولادها ولن ارتدى ملابسي حتى ترجعوا فتبلغوني أنهم الآن في دفئ
وشاب حكم القاضي عليه أن تقطع يده فقال اقطعوا يد أمي أولا فقد سرقت وأنا صغير بيضة فتهلل وجهها وضحكت لي
عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مر بشاب يرعى غنما لسيده فقال أيها الراعي أعطنا شاة فقال أنا مؤتمن فقال سنعطيك ثمن الشاة وقل لسيدك أكلها الذئب فقال الشاب إن كذبت على سيدي فما أقول لله عز وجل فأعجب به بن عمر واشتراه من سيده وأعتقه
وهاهو عمر بن عبد العزيز تربية القصور وكان له خادم كل عملها أنها ترجل شعره وملابسه من أغلى الثياب وعطره من أغلى العطور بعد أن تولى الإمارة صار لايملك إلا ثوبين أحدهما يغسل فيلبس الأخر وأحيانا يجلس ينتظر أن تجف ملابسه
وجده عمر بن الخطاب يوما كان يتعسس بالمدينة ومعه عبد الرحمن بن عوف فوجدا قافلة قد وصلت المدينة ليلا فقالوا ننتظر إلى الصباح فجلس أمير المؤمنين يحرسهم هو وعبد الرحمن بن عوف فسمعا بكاء طفل فقال عمر لأمه يا أمة الله اتق الله وأحسني إلى صبيك وبعد وقت ليس بالطويل بكى الطفل فقال يا أمة الله اتق الله وأرضعي ولدك وبعد وقت ليس بالطويل سمع بكاء الطفل فاقترب عمر من مكان الأم قائلا ويحك إني لأراك أم سوء فقالت ترد عليه وهى لاتعرفه ياعبد الله لقد أضجرتني إني أحمله على الفطام قال عمر لم ؟ وكم عمره ؟ قالت بضعة أشهر وأفطمه لأن عمر لايفرض العطاء إلا للفطيم والآن إليك عنى فظل عمر يمشى ويقول إذن الأمهات يفطمن أطفالهن قبل الموعد حتى يأخذن العطاء ووضع رأسه بين يديه يبكى قائلا كم من الأطفال قتلت ياعمر وظل هكذا حتى أذن المؤذن بصلاة الصبح وأمهم عمر فما فهموا من قراءته شيئا من شدة بكائه