الرضا بما قدره الله وقضاه 1
الشيخ عاطف شمس
بعد المقدمة
صغير يشتهى كبرا وشيخ ود لو صغرا
وخال يشتهى كبرا وذو عمل به ضجرا
ورب المال في تعب وفى تعب من افتقرا
وأفضل مما سبق قول النبي صلى الله عليه وسلم ( وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس )
تحدثنا عن الرضا وقلنا أن أنواعه ثلاثة
1- الرضا بما قسمه الله وأعطاه
2- الرضا بما قدره الله وقضاه
3- الرضا بالله عما سواه
رضي يعنى قنع وثبت
وشرعا / عدم الاعتراض على ما يجريه الحق من الأحكام
و هو سرور القلب بقضاء الرب
أو سكون القلب إلى اختيار الرب
أو هو ترك الاختيار
الكون كله لله فالله هو الخالق وهو الرازق وهو الرب وأنت العبد والكون كونه ملكه فهو المعطى وهو المانع وهو المعز وهو المذل وهو القابض وهو الباسط - وهو الرازق فلو فهم الإنسان علاقته بربه لألتزم بما يجب عليه
في الأسبوع قبل الماضي تحدثنا عن الرضا بما قسمه الله وأعطاه واليوم مع الرضا بما قدره الله وقضاه
قال تعالى ( الم - أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا أمنا وهو لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) العنكبوت 1-3
استفهام استنكاري هل يظن الناس بمجرد قولهم نحن مؤمنون يكونون بمنأى عن الفتن كلا إنها من سنن الكون
بل بخاطب رب العزة محمدا ومن معه قائلا ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين امنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ) البقرة 214
ويقول النبي ( عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وليس ذلك إلا للمؤمن ) مسلم
فالفتن والابتلاءات من سنن الكون وهى في المنع كما هي في العطاء قال تعالى ( ونبلوكم بالشر والخير فتنة ) الأنبياء 35
لذا كان اشد الناس بلاءا الأنبياء ثم الأقرب فالأقرب يبتلى المرء على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة شدد عليه البلاء وإن كان في دينه رقة خفف عنه ولا يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشى على الأرض وليس عليه خطيئة
ويقول عكرمة – ليس احد إلا وهو يفرح ويحزن ولكن اجعلوا الفرح شكرا والحزن صبرا
وهناك نعم كثيرة في الابتلاء نعم
- أن تكون مظلوما لا ظالما - مغلوبا لا غالبا - والمظلوم والمغلوب قريب من نصر الله له ورحمته به والظالم ماذا ينتظر انتقام الله وغضبه
- كل مصيبة هناك ماهو أعلى منها إلا مصيبة الدين ( اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا ) ولله المثل الأعلى استطعت جمع مبلغ من المال تشترى ثلاجة أو غسالة وذهبت إلى المعرض فاكتشفت أن المبلغ قد سرق لاشك أنه ابتلاء لكن أثناء تفكرك جاءك هاتف أن ولدك تعرض لحادث سيارة ساعتها ستنسى تماما فتنة وامتحان سرقة المال ويكون كل همك أين ولدك أبخير هو أين أصيب في زراعه أم في رأسه والشاهد أن كل مصيبة هناك ما هو أعلى منها فإذا نظرت إلى فتنتك ستجد أنها اخف من غيرك وأنك في امتحان اخف مما فيه غيرك
- كل ابتلاء له ثواب عند الله وهو إما لتكفير سيئة أو لرفع درجة هكذا اخبرنا الذي لاينطق عن الهوى وقال ( حتى الشوكة تشاكها ) لك بها اجر بشرط الرضا وعدم التسخط
جرحت عابده فى إصبعها بشوكة من شوك السعدان فنزفت دما فضحكت فقالوا جنت أم ماذا وعلمت مايدور بأذهانهم فقالت أقول لكم وتفهمون فقالوا قولي فقالت حلاوة أجرها في الآخرة انستنى مرارة وجعها
- عندما تتعرض لامتحان وابتلاء فلاشك أنك ستحس بالآم غيرك وتتألم لألمهم
-الابتلاء امتحان وفتنة أتدرى معنى فتنة - الذهب عندما يستخرج من باطن الأرض تكون به شوائب فيوضع في فرن درجة حرارته عالية جدا وبعد وقت يصير الذهب الخالص في مكان وتبقى الشوائب - والفتنة هي كذلك تدخل الفتنة ( الامتحان ) ثم تخرج منها إما ذهبا خالصا وإما شوائب فالراضي بما قضاه الله وقدره يخرج من الفتنة والابتلاء ذهبا خالصا ومن لايرضى ويتسخط فإنه يصير مثل الشوائب لا قيمة له
- وانظر إلى الأنبياء وهم اشرف الخلق -فها هو إبراهيم ابتلى بأبيه الذي يصنع الكفر ويبيعه ثم ابتلى بأن رزق الولد بعد أن كبر سنه ثم ابتلى بإلقائه في النار –ثم ابتلى بأمر أن يذبح ولده الذي رزق به على كبر ( قال يابنى إ نى أرى في المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى قال ياابت افعل ماتؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين ) الصافات
ماذا قال رب العزة عن هذا الابتلاء ( إن هذا لهو البلاء المبين )
وهاهو يوسف الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم نبي بن نبي بن نبي بن نبي يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بالله عليك هل هناك أعلى من هذا الأصل وانظر إلى الابتلاءات التي تعرض لها - ألقاه إخوته في البئر – ثم بيع كما يباع الرقيق - ثم فتنته مع امرأة العزيز ( وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله) 9 يوسف
ثم فتنة أخرى أدخلوه السجن ظلما وزورا
داود وسليمان ابتلوا بفتنة العطاء -نبوة وحكمة - وملك فكان كلما رأى سليمان نعمة من نعم الله عليه يقول (هذا من فضل ربى ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربى غنى كريم ) النمل 40
وأيوب مثال الصبر والرضا احترقت أرضه ومات أولاده وماتت أنعامه وابتلى في جسده فانفض الناس من حوله كل ذلك وهو راض بما قدره الله وقضاه
رأيت الناس قد مالوا إلى من عنده مال
ومن لاعنده مال فعنه الناس قد مالوا
رأيت الناس قد ذهبوا إلى من عنده ذهب
ومن لاعنده ذهب فعنه الناس قد ذهبوا
رأيت الناس منفضة إلى من عنده فضة
ومن لاعنده فضة فعنه الناس منفضة
لم يبقى حوله ومعه إلا زوجته الطاهرة ولم يشتكى يوما ولم يعترض يوما ولو بكلمة
ولا ننسى موسى وكيف ابتلى بتربيته في بيت فرعون - ثم الملأ يأتمرون ليقتلوه - ذهابه لبى مدين – فتنة الامتحان أمام سحرة فرعون - ثم خروجه وبنو إسرائيل من مصر
وسيد الأولين والآخرين تعرض لفتن عديدة - وفاة الزوجة الرءوم - وفاة عمه – معاناة الجوع والحصار – أدموا قدمه الشريفة فنزفت دما +روا رباعيته – وضعوا على ظهره الشريف سلا الجزور وخاضوا في عرضه وهو اشرف عرض
وهكذا اخى في الله كلما تعرضت لفتنة وابتلاء فتذكر الأنبياء والمرسلين فهم القدوة والأسوة
واعلم أن في داخل كل محنة منحة لايحصل عليها إلا الراضي بما قدره الله وقضاه
فإن تسخطت فستجرى عليك الفتنة ولا أجر وإن رضيت فستجرى عليك الفتنة ولك الأجر فأيهما تختار
الخطبة الثانية
مات ولدها في صباه فحزنت عليه كثيرا وبكت كثيرا ثم قررت أن تلبس النقاب ثم بدأت في حفظ القران - لو خيرت الأخت قبل وفاة ولدها سيموت ولدك وبعد وفاته ستلبسين النقاب ثم تحفظين القران لو خيرت لاختارت بقاء ولدها - لذا كان العارفون بالله ( الذين يفهمون الكتاب والسنة بفهم السلف ) دائما مايدعون الله قائلين الله خرلى واختر لي - فاختيار الله لك أفضل من اختيارك لنفسك
واليكم هذه القصة الحزينة
رجل ماتت زوجته وكانت طيبة القلب متسامحة ودود فقرر الرجل ألا يتزوج وساعدته أخته التي كانت تقيم بالبيت المجاور فعاونته في تربية ولديه حتى كبرا وتخرج الأكبر فقرر الأب أن يزوجه فورا يريد أن يفرح بولده ويرى أحفاده يملأ ون البيت ويوم إشهار عقد النكاح والدخول قرر الولدان أن يخرجا بسيارة أبيهم مع العروس وقال الرجل لولده الصغير انتظر هنا لتقابل الناس حتى يرجع أخوك وزوجته وصمم الابن أن يكون مع أخيه وقد كان سارا بالسيارة وكلهم فرح وسرور وفجأة انحرفت عجلات السيارة فوقعت في البحر المجاور وهرع الناس لنجدتهم إلا أن الموت كان أسرع منهم فماتوا جميعا وبدلا من أن يزف الرجل ولده إلى زوجته زفه إلى قبره ومعه أخوه الصغير وبعد أن دفن أولاده رجع إلى البيت فدخل شقة العريس مهيأة مجهزة بما يريد ولده لكن أين ولده أذن الصبح وذهب الناس إلى بيوت الله في الأرض وصلوا فلما قفلوا راجعين إلى بيوتهم لاحظوا أن بيت الرجل مفتوح فدخلوا ونادوا عليه لم يجبهم احد ففتشوا على الرجل في القرية كلها ولم يجدوه قابلهم احد رجال القرية صائحا بهم لقد رأيته عند المدافن فتعالوا معي وذهب الجميع إلى الرجل فوجده جالسا بجوار قبر أبنائه فقالوا يافلان الاترضى بقضاء الله وقدره قال نعم ولكن الولد الصغير كان يخاف من الظلمة وكان دائما يقول لي لا تطفأ أنوار الصالة أخاف من الظلمة فقلت اجلس بجواره هو وأخيه حتى تطلع الشمس وأعود
اخوتى في الله أين هذا الرجل الآن إنه في المسجد من بعد الفجر إلى الشروق وكل صلاة في موعدها وفى اغلب أيامه صائم يفطر في المسجد بعد صلاة المغرب ثم يجلس يقرأ القران حتى أذان العشاء
الرضا هو سكون القلب لاختيار الرب أو هو سرور القلب باختيار الرب أو هو ترك الاختيار
وقضاء الله وقدره نافذ فيك لا محالة فإن رضيت فلك الرضا وإن سخطت فلك السخط