اليقين
الشيخ عاطف شمس
سلسلة من أعمال القلوب
بعد المقدمة
أهل اليقين هم أهل الانتفاع بالآيات والبراهين ( وفى الأرض آيات للموقنين ) الداريات 20
أهل اليقين هم أهل الإيمان قال تعالى ( وبالآخرة هم يوقنون) البقرة 4
ويذم الله من لا يقين عنده ( أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ) النمل 82
وأخرج البخاري في صحيحه قول بن مسعود ( اليقين الإيمان كله ) تعليقا مجزوما
ولما سمع النبي بلالا ينادى بالصلاة فلما سكت قال ( من قال مثل هذا يقينا من دخل الجنة) النسائي واحمد
لكن بعض الناس يعلو يقينه إذا استقر أمره ويضعف إذا اختبره ربه( ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن إصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين ) الحج11
الذي عنده يقين قوى يبادر فورا بالتوبة لم ؟ لأنه يعلم يقينا انه سيموت وسوف يبعث وسوف يحاسبه الله على الفتيل والنقير والقطمير أما ضعيف اليقين فيحتاج إلى مواعظ وخطب وقصص وإقناع ربما طول صحبة لينصلح حاله ويتوب – سؤال - لماذا أعطى النبي البعض من الغنيمة وترك الآخرين ؟ الذين تركهم تركهم ليقينهم أما الذين أعطاهم فلأن يقينهم مزعزع ضعيف فأعطاهم ليقوى إيمانهم ويقينهم
هناك بعض الناس يعرفون آيات الصبر والثبات ويعرفون ثواب الصابرين ويعرف أحاديث الصبر لكن إذا وقعت مصيبة اضطرب اهتز وتحرك قلبه لا رضا بل تسخطا وربما يشق جيبه أو يلطم خده فمن هم أهل اليقين
إبراهيم الخليل عليه السلام توعده قومه بالإحراق فلم يتردد ولا طرفة عين ولم يقل سأفكر سأعيد أقوالي ضد ألهتكم
وموسى عليه السلام أمام فرعون وجيشه قال فرعون لقومه أنا ربكم الأعلى وقال له موسى ( وإني لأظنك يافرعون مثبورا ) الإسراء 102
يعنى مغلوبا – ملعونا – لا عقل لك – هالكا
ولما أدرك فرعون وجنوده موسى ومن معه قالوا لموسى ( إنا لمدركون ) قال موسى لقومه ( كلا إن معي ربى سيهدين ) الشعراء
ثبات النبي صلى الله عليه وسلم ( الذين قال لهم الناس أن الناس جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل – فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم ) أل عمران173 -174
ثبات أبى بكر قالوا له صاحبك يزعم انه ذهب إلى بيت المقدس ثم عرج به الى السماء وعاد كل ذلك في ليلة فقال أبو بكر الصديق – إن كان قاله فقد صدق – يقين أن رسول الله لايكذب أبدا
أم حارثة الصحابية تقول للنبي وقد أخبروها بوفاة ولدها شهيدا فقالت للنبي قد عرفت منزلة حارثة منى فإن يكن في الجنة اصبر واحتسب وإن تكن الأخرى ترى ما أصنع فقال الجنة أو جنة واحدة بل إنها جنان كثيرة – فلم تذرف دمعة واحدة على ولدها
والأنصارية التي جاءت تسأل عن زوجها قيل استشهد فسالت عن أبيها قالوا استشهد فسالت عن أخيها فقالوا استشهد فقالت أين رسول الله قالوا بخير فقالت أريد أن أراه فلما رأته بخير قالت كل مصيبة بعدك جلل يارسول الله (هينة ) ولم تذرف دمعة واحدة – يقين وإيمان
صاحب اليقين إذا جاءه – مال - ينفق منه – يتصدق –ي+ى
عديم اليقين –إذا جاءه مال قال إنما اوتيته على علم عندي ويتكبر على الناس ويطغى
فما هو اليقين ؟
ضد الريب والشك وهو يحدث لصاحبه ثباتا ويقينا – وقيل هو طمأنينة القلب
وقال بعضهم هو مشاهدة الإيمان بالغيب – يعنى يوقن أن الجنة حق وأن النار حق وكأنه يراهما
ويوقن أن الله رب كل شئ ويعمل بمقتضى ذلك
مراتب اليقين
علم اليقين – عين اليقين – حق اليقين
علم اليقين – وهو الاعتقاد الجازم الذي ليس فيه تردد ولا شبهة والعلم بالجنة والنار وأنهما حق وأنهما موجودتان وأنهما لا تفنيان
فإذا جاء اليوم الآخر ورأينا الجنة والنار رأى العين – فهذا عين اليقين
إبراهيم عليه السلام أراد الوصول إلى درجة عين اليقين فقال ( رب ارني كيف تحيى الموتى ) البقرة 260 ولم يقل هل تحيى الموتى ؟ لأن السؤال بهل فيه شك وريب وحاشا إبراهيم ذلك
شيخ الإسلام بن تيمية أرسل إلى السلطان في مصر وحثه على الجهاد وحرض أهل الشام
على الجهاد – التتار يرعبون الدول التي يصلون إليها – فكلن يقسم أن النصر حليف المسلمين يقولون له قل إن شاء الله فيقول إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا – وذهب إلى قائدهم فزجره وشتمه ورماه بالكفر ومعه وفد كلهم على يقين أن بن تيمية سيقتله السلطان بعد كل ما قال له وانتهى الموقف وقال الرجل لابن تيمية سننظر فيما قلت وتركه يخرج من عنده سليما فقال الوفد لابن تيمية لن نسير معك في طريق بعد اليوم كدنا نقتل بسببك من السلطان وتركوه وحده يعود من
طريق وهم من طريق آخر سار بن تيمية وجاءه كثير من الجنود يسيرون حوله الكل يتسابق في تقبيل رأسه ويديه أما الآخرون فقد خرج عليهم بعض قطاع الطرق فأخذوا كل ما معهم
وعبد الله بن مسعود ذهب إلى الكعبة واسمع المشركين القران فقاموا إليه يضربوه – ورجع يترنح لا يستطيع أن يقيم صلبه فقال له الصحابة – يكفى أنك أسمعتهم مايكرهون فضربوك فقال والله لو طلب منى رسول الله لذهبت إليهم فأسمعتهم مرة أخرى
الطريق إلى اليقين
1- العلم – بالعلم تعرف الله معرفة صحيحة بربوبيته وإلوهيته وأسمائه وصفاته
2- العمل بالعلم ( قد قيل العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل ) وهذا قول سفيان الثوري
3- مفارقة الشهوات وحظوظ النفس فالمنغمس في الشهوات أنى له اليقين
ثمرات اليقين
الثبات لأن القلب إذا امتلأ يقينا ونورا وإشراقا فهو مستريح مطمئن - يقول بن تيمية إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة لما حبسوه في سجن القلعة قال ما يصنع بى أعدائي جنتي وبستاني في صدري أنى رحت لا تفارقني – إن حبسي خلوة – وقتلى شهادة – وإخراجي من بلدي سياحة
وكان يردد وهو ساجد اللهم اعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك وكان يقول المأسور من أسره هواه والمحبوس من حبس عن ربه وعند دخوله السجن نظر إلى سوره قائلا ( فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب )الحديد
يقول بن قيم الجوزية – كنا إذا اشتد البأس وساءت منا الظنون وضاقت بنا الأرض أتيناه فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله وينقلب انشراحا وقوة ويقين
الهدى والفلاح ( أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ) البقرة 4
الصبر فلا يمكن للعبد أن يصبر إلا إذا كان عنده يقين بالثواب والأجر وأن ماعند الله خير وأبقى
( فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ) الروم 60
فالمؤمن رزين – ثابت – ذو لب وعقل – ومن لا يقين عنده خفيف – طائش – تلعب به الرياح
فالرزق قسمه الله للعبد وهو في بطن أمه لا يجلبه حرص حريص لذا قال النبي ( اتقوا الله وأجملوا في الطلب ) بن ماجة – ولن يستطيع احد على وجه الأرض أن يمنع رزقا كتبه الله لك ( ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه ) التغابن 11
يقول بن مسعود العبد تصيبه مصيبة فيعلم أنها من الله فيرضى ويسلم – وقيل بعد الصبر رضا
وبعد الرضا يقين وهنا يعتبر العبد المحنة منحة
يقول بن عيينة – من لم يعد البلاء نعمة فليس بفقيه
الخطبة الثانية
يصل العبد إلى درجة أعلى وهى أن يقدم على المخاطر والأهوال لا يأبه لها
هاهو سعد بن أبى وقاص سأل وزيره ومعاونه (محمد بن مسلمة ) فمر عليهم ليلا فوجدهم في خيامهم بعضهم يصلون وبعضهم يقرأون وسمع لهم دوى كدوى النحل فأخبر سعدا بما رأى هنا قال سعد أسرع طريق للوصول إلى العدو وهزيمته هو عبور دجلة وإن شاء الله نعبره غدا على خيولنا
في الصباح خاطب جنوده قائلا اعبروا وقولوا حسبنا الله ونعم الوكيل والله لينصرن الله وليه وقال إن لم يكن بنا ذنوب نغلب إن شاء الله
وعودة إلى بن تيمية عندما ناظر البطائحية والرفاعية وهم طائفة من الصوفية كانوا يطلون أجسادهم بطلاء معين ثم يدخلون النار فلا يحترقون فأضلوا الناس وقالوا كرامات فاستعان بن تيمية بالله وقال سأناظرهم وادخل النار مثلهم بدون أن يضع احد شيئا على جسده لا انا ولا هم ثم ندخل النار – ومن تحرقه النار فعليه لعنة الله – فلما علموا أنه مصمم على هذه المناظرة رجعوا وانسحبوا وقالوا لشيخ الإسلام لن ندعوا إلى بدعة بعد اليوم
فكن آخى في الله صاحب يقين – واعلم أن من يركن إلى الله فهو إلى ركن ركين فالرزق بيده والحياة بيده والموت بيده فكن على يقين تعش عيش السعداء
الثلاثاء 20 سبتمبر - 1:26:30