التنبيه على بطلان نشرتين يتداولهما الناس حول حديث موضوع فيمن تهاون بالصلاة
الشيخ بدالعزيز بن باز
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد اطلعت على نشرة بعنوان: "عقوبة تارك الصلاة" جاء فيها ما نصه: (روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من تهاون في الصلاة عاقبه الله بخمس عشرة عقوبة، ثم عددها، وجاء في آخرها: كل من يتفضل بقراءة هذه النسخة الرجاء نسخها وتوزيعها على المسلمين جميعاً، ثم قال: الفاتحة لفاعل الخير).
كما اطلعت على نشرة أخرى صدرت بثلاث آيات من القرآن الكريم التي أولها قوله سبحانه: بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ[1] ثم ذكر بعدها: (أنها تجلب الخير بعد أربعة أيام، وطلب إرسال خمس وعشرين نسخة منها إلى من هو في حاجة، وأَتْبَع ذلك بذكر عقوبات يزعم وقوعها بمن أهملها).
وحيث إن هاتين النشرتين من الباطل والمنكرات رأيت التنبيه على ذلك؛ حتى لا يغتر بهما من تخفى عليهم أحكام الشرع المطهر، فأقول وبالله التوفيق:
لا شك أن هذه الطريقة من الأمور المبتدعة في الدين، ومن القول على الله بلا علم، وقد بين الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز أن ذلك من أعظم الذنوب فقال تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ[2]، فليتق الله عبد يسلك هذه الطريقة المنكرة، وينسب إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم ما لم يصدر عنهما، فإن تحديد العقوبات وتعيين الجزاءات على الأعمال إنما هو من علم الغيب، ولا علم لأحد به إلا من طريق الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يرد في الكتاب والسنة شيء من ذلك البتة.
أما الحديث الذي نسبه صاحب النشرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في عقوبة تارك الصلاة، وأنه يعاقب بخمس عشرة عقوبة.. الخ، فإنه من الأحاديث الباطلة المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم، كما بين ذلك الحُفَّاظ من العلماء رحمهم الله؛ كالحافظ الذهبي في "الميزان" رحمه الله، والحافظ ابن حجر رحمه الله وغيرهما.
قال الحافظ ابن حجر في كتابه "لسان الميزان" في ترجمة محمد ابن علي بن العباس البغدادي العطار: (أنه ركَّب على أبي بكر بن زياد النيسابوري حديثاً باطلاً في تارك الصلاة. روى عنه محمد بن علي الموازيني شيخ لأبي النرسي، زعم المذكور أن ابن زياد أخذه عن الربيع، عن الشافعي، عن مالك، عن سمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه ورفعه: "من تهاون بصلاته عاقبه الله بخمس عشرة خصلة.." الحديث، وهو ظاهر البطلان من أحاديث الطرقية) أ.هـ.
وقد أصدرت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فتوى ببطلان ذلك الحديث بتاريخ 10/6/1401هـ، فكيف يرضى عاقل لنفسه بترويج حديث موضوع؟، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من روى عني حديثاً وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين))، وإن فيما جاء عن الله وعن رسوله في شأن الصلاة وعقوبة تاركها ما يكفي ويشفي، قال تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا[3]، وقال تعالى عن أهل النار: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ[4] الآيات، فذكر من صفاتهم ترك الصلاة.
وقال سبحانه: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ[5]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء ال+اة، وصوم رمضان، وحج البيت))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر))، والآيات والأحاديث الصحيحة في هذا كثيرة معلومة.
وأما النشرة الثانية التي صدرت بالآيات التي أولها قوله سبحانه: بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ[6] وذكر كاتبها: أن من وزعها يحصل له كذا من الخير، ومن أهملها يعاقب بكذا من العقاب؛ فإنها من أبطل الباطل، وأعظم الكذب، وإنها من أعمال الجهلة والمبتدعة الذين يريدون إشغال العامة بالحكايات والخرافات والأقاويل الباطلة، ويصرفونهم عن الحق الواضح البين الذي جاء في كتاب الله وسنة رسوله، وأن ما يحدث للناس من خير أو شر هو من الله سبحانه، وهو العالم به وحده، قال سبحانه: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ[7]، ولم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من كتب ثلاث آيات، أو أكثر منها يكون له كذا، ومن تركها يصيبه كذا، وادعاء هذا كذب وبهتان إذا علم هذا، فإنه لا يجوز كتابة النشرتين، ولا توزيعهما، ولا المشاركة في ترويجهما بأي وجه من الوجوه، وعلى من سبق له شيء من ذلك أن يتوب إلى الله سبحانه، ويندم على ما حصل منه، ويعزم على عدم العودة إلى ذلك مطلقاً.
والله المسئول سبحانه أن يرينا جميعاً الحق حقا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وأن يعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
[1] سورة الزمر الآية 66.
[2] سورة الأعراف الآية 33.
[3] سورة النساء الآية 103.
[4] سورة المدثر الآيتان 42 – 43.
[5] سورة الماعون الآيات 4 – 7.
[6] سورة الزمر الآية 66.
[7] سورة النمل الآية 65.