تعريف الحوار
الحوار والجدال بمعنى واحد، والله عز وجل يقول في كتابه: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا [المجادلة:1] فالآية جمعت اللفظين، والحوار: (تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا) (وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا) فالحوار والجدال يدل أحدهما على الآخر.
والحوار في اللغة هو: مجرد مراجعة الكلام، فيقول: تحاور الرجلان، أو تحاور المتحدثان بمعنى: كل واحد تبادل الحديث، فمراجعة بعضنا لبعض في الكلام يسمى حواراً، وأحياناً قد تكون لفظة الجدال بمعنى الخصام، فهي أحياناً تعني الوصول إلى الحق، وأحياناً لا، والمجادل هو مجرد المخاصم، ولكن ليس هذا هو مقصودنا هنا، أما تعريف الحوار فهو: مناقشة بين طرفين، أو أطراف يقصد بها إما تصحيح، أو إظهار حجة، أو إثبات حق، أو دفع شبهة، أو رد باطل، هذا هو مقصود الحوار، وهذا هو غايته، فهو يراد به: إما أن نصحح خطأً، وإما أن نظهر حجةً، وإما أن نثبت حقاً؛ لأنه ليس بالضرورة في الحوار أن يكون غايته في الحق دائماً، وسوف نرى كيف أن الحوار قد يكون مجرد ممهد، وليس بالضرورة في كل لقاء أن نصل إلى الحق فيه، فإن من مقاصد الحوار التهيئة والتمهيد والتوطئة، وقد يكون تصحيحاً أو إظهار حجة أو دفع شبهة أو رد باطل من القول أو من الرأي.
فمن هنا نعرف غاية الحوار، فغايته إقامة الحجة، أو دفع الشبهة، أو هذا مجمل غايته في الحقيقة، لكنه في واقعه تصحيح.
فالحوار الناجح الصحيح تعاونٌ بين المتحاورين من أجل معرفة الحقيقة والتوصل إليها، هذه هي الغاية الأصلية؛ لكن هناك غايات تمهيدية منها مثلاً: إيجاد حل وسط يرضي الأطراف.
أنتم تلاحظون الخلافات بين الناس -حتى بين الزوجين- أحياناً قد ترى من المصلحة أنك لا تحسم القضية، لكنك تزيل بعض ما في الصدور فقط، حتى تجمع بين المختلفين على الأقل ليخف شيء من الشحناء.
فقد تكون غاية الحوار ليست بالضرورة أن تصل إلى ما تريد في هذه المرحلة، إنما تكون الغاية إيجاد حل وسط يرضي الأطراف.
وأحياناً يكون مقصود المحاور التعرف على وجهات نظر الأطراف الأخرى، وهذا هدفٌ تمهيدي قد يكون إحدى غايات الحوار، كذلك قد يكون من غايات الحوار -وهي ليس الغاية القصوى- البحث والتنقيب من أجل الاستقصاء والاستقراء في تنويع الرؤى والتصورات المتاحة، وذلك من أجل الوصول إلى نتائج أفضل وأمكن، ولو في حوارات تالية، وهذا مهمٌ جداً فالغايات التمهيدية مهم أن نفقهها، وبخاصة ونحن في صرح تربوي، ونعاني حقيقة في بعض الأحيان من مشكلات تربوية يعرفها المربون؛ كالمرشد الطلابي، والموجه، ومدير المدرسة، أحياناً قد تكون المشكلات مع الطلاب لم تصل بالضرورة إلى الغاية القصوى، أحياناً قد تكون تمهيدية، فكيف تعالج القضية التي وقع فيها؟
والحوار من أمثل الطرق التي تؤدي إلى حل لهذه المشاكل.
أما وقوع الخلاف بين الناس فلا أريد أن أتحدث عنه، وذلك لأن الله سبحانه وتعالى أشار إلى أن الخلاف موجود، كما أن الله جعل الناس مختلفين في صورهم ومختلفين في أشكالهم؛ قال سبحانه وتعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْعَالِمِينَ [الروم:22].
هذا الاختلاف الخلقي جزماً يترتب عليه اختلاف في الرؤى، واختلاف في التصورات، ولهذا قال الله سبحانه وتعالى في مقام آخر: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ [هود:118-119] فالخلاف موجود، ولا يمكن أن تنفك الدنيا عن الخلاف، وعندي فيه كلام طويل، لكن أرجئ الكلام فيه إلى مناسبة أخرى، أو إن بقي عندنا وقت، أو أن يكون ثمة أسئلة مثارة؛ لأن الوقت يعاجلنا.