المدير العام المديرالعام
الجنس : عدد المساهمات : 12412 تاريخ التسجيل : 25/06/2009 الموقع : https://starmust2.ahlamontada.com
بطاقة الشخصية الدرجة: (4620/4620)
| موضوع: الجمعة إذا رأى الإمام رجلا جاء وهو يخطب أمره أن يصلي ركعتين حدث رقم 878 الأحد 21 فبراير - 3:28:42 | |
| حدثنا أبو النعمان قال حدثنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله قال جاء رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوم الجمعة فقال أصليت يا فلان قال لا قال قم فاركع ركعتين |
| | | فتح الباري بشرح صحيح البخاري قَوْلُهُ : ( عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه ) صَرَّحَ فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيه بِسَمَاعِ عَمْرٍو لَهُ مِنْ جَابِر . قَوْلُهُ : ( جَاءَ رَجُل ) هُوَ سُلَيْك بِمُهْمَلَةٍ مُصَغَّرًا اِبْن هُدْبَة وَقِيلَ اِبْن عَمْرو الْغَطَفَانِيّ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَة ثُمَّ الْمُهْمَلَة بَعْدهَا فَاء مِنْ غَطَفَان بْن سَعْد بْن قَيْس عَيْلَان , وَوَقَعَ مُسَمًّى فِي هَذِهِ الْقِصَّة عِنْد مُسْلِم مِنْ رِوَايَة اللَّيْث بْن سَعْد عَنْ أَبِي الزُّبَيْر عَنْ جَابِر بِلَفْظِ " جَاءَ سُلَيْك الْغَطَفَانِيّ يَوْم الْجُمُعَة وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِم عَلَى الْمِنْبَر , فَقَعَدَ سُلَيْك قَبْل أَنْ يُصَلِّي , فَقَالَ لَهُ : أَصَلَّيْت رَكْعَتَيْنِ ؟ فَقَالَ : لَا . فَقَالَ : قُمْ فَارْكَعْهُمَا " وَمِنْ طَرِيق الْأَعْمَش عَنْ أَبِي سُفْيَان عَنْ جَابِر نَحْوه وَفِيهِ " فَقَالَ لَهُ : يَا سُلَيْك , قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا " هَكَذَا رَوَاهُ حُفَّاظ أَصْحَاب الْأَعْمَش عَنْهُ , وَوَافَقَهُ الْوَلِيد أَبُو بِشْر عَنْ أَبِي سُفْيَان عِنْد أَبِي دَاوُدَ وَالدَّارَقُطْنِيّ , وَشَذَّ مَنْصُور بْن أَبِي الْأَسْوَد عَنْ الْأَعْمَش بِهَذَا الْإِسْنَاد فَقَالَ " جَاءَ النُّعْمَان بْن نَوْفَل " فَذَكَرَ الْحَدِيث أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ , قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيَُّ : وَهُمْ فِيهِ مَنْصُور يَعْنِي فِي تَسْمِيَة الْآتِي , وَقَدْ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيق حَفْص بْن غِيَاث عَنْ الْأَعْمَش قَالَ : سَمِعْت أَبَا صَالِح يُحَدِّث بِحَدِيثِ سُلَيْك الْغَطَفَانِيّ , ثُمَّ سَمِعْت أَبَا سُفْيَان يُحَدِّث بِهِ عَنْ جَابِر , فَتَحَرَّرَ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّة لِسُلَيْك . وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيق أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي ذَرّ " أَنَّهُ أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُب فَقَالَ لِأَبِي ذَرّ : صَلَّيْت رَكْعَتَيْنِ ؟ قَالَ : لَا " الْحَدِيث , وَفِي إِسْنَاده اِبْن لَهِيعَة , وَشَذَّ بِقَوْلِهِ " وَهُوَ يَخْطُب " فَإِنَّ الْحَدِيث مَشْهُور عَنْ أَبِي ذَرّ أَنَّهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِس فِي الْمَسْجِد , أَخْرَجَهُ اِبْن حِبَّان وَغَيْره . وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيث أَنَس قَالَ " دَخَلَ رَجُل مِنْ قَيْس الْمَسْجِد " فَذَكَرَ نَحْو قِصَّة سُلَيْك , فَلَا يُخَالِف كَوْنه سُلَيْكًا فَإِنَّ غَطَفَان مِنْ قَيْس كَمَا تَقَدَّمَ , وَإِنْ كَانَ بَعْض شُيُوخنَا غَايَرَ بَيْنهمَا وَجَوَّزَ أَنْ تَكُون الْوَاقِعَة تَعَدَّدَتْ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَبَيَّن لِي ذَلِكَ . وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى الْأَعْمَش اِخْتِلَافًا آخَر رَوَاهُ الثَّوْرِيّ عَنْهُ عَنْ أَبِي سُفْيَان عَنْ جَابِر عَنْ سُلَيْك فَجَعَلَ الْحَدِيث مِنْ مُسْنَد سُلَيْك , قَالَ اِبْن عَدِيّ : لَا أَعْلَم أَحَدًا قَالَهُ عَنْ الثَّوْرِيّ هَكَذَا غَيْر الْفِرْيَابِيّ وَإِبْرَاهِيم بْن خَالِد ا ه . وَقَدْ قَالَهُ عَنْهُ أَيْضًا عَبْد الرَّزَّاق , أَخْرَجَهُ هَكَذَا فِي مُصَنَّفه وَأَحْمَد عَنْهُ وَأَبُو عَوَانَة وَالدَّارَقُطْنِيّ مِنْ طَرِيقه , وَنَقَلَ اِبْن عَدِيّ عَنْ النَّسَائِيِّ أَنَّهُ قَالَ : هَذَا خَطَأ ا ه . وَاَلَّذِي يَظْهَر لِي أَنَّهُ مَا عَنَى أَنَّ جَابِرًا حَمَلَ الْقِصَّة عَنْ سُلَيْك , وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ جَابِرًا حَدَّثَهُمْ عَنْ قِصَّة سُلَيْك , وَلِهَذَا نَظِير سَأَذْكُرُهُ فِي حَدِيث أَبِي مَسْعُود فِي قِصَّة أَبِي شُعَيْب اللَّحَّام فِي كِتَاب الْبُيُوع إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . وَمِنْ الْمُسْتَغْرَبَات مَا حَكَاهُ اِبْن بَشْكُوَال فِي الْمُبْهَمَات أَنَّ الدَّاخِل الْمَذْكُور يُقَال لَهُ أَبُو هَدِيَّة , فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَلَعَلَّهَا كُنْيَة سُلَيْك صَادَفَتْ اِسْم أَبِيهِ . قَوْلُهُ : ( فَقَالَ صَلَّيْت ؟ ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِحَذْفِ هَمْزَة الِاسْتِفْهَام وَثَبَتَ فِي رِوَايَة الْأَصِيلِيّ . قَوْلُهُ : ( قُمْ فَارْكَعْ ) زَادَ الْمُسْتَمْلِي وَالْأَصِيلِيّ " رَكْعَتَيْنِ " وَكَذَا فِي رِوَايَة سُفْيَان فِي الْبَاب الَّذِي بَعْده " فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ " , وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْخُطْبَة لَا تَمْنَع الدَّاخِل مِنْ صَلَاة تَحِيَّة الْمَسْجِد , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهَا وَاقِعَة عَيْن لَا عُمُوم لَهَا فَيَحْتَمِل اِخْتِصَاصهَا بِسُلَيْك , وَيَدُلّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي حَدِيث أَبِي سَعِيد الَّذِي أَخْرَجَهُ أَصْحَاب السُّنَن وَغَيْرهمْ " جَاءَ رَجُل وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُب وَالرَّجُل فِي هَيْئَة بَذَّة , فَقَالَ لَهُ : أَصَلَّيْت ؟ قَالَ : لَا . قَالَ : صَلِّ رَكْعَتَيْنِ , وَحَضَّ النَّاس عَلَى الصَّدَقَة " الْحَدِيث فَأَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّي لِيَرَاهُ بَعْض النَّاس وَهُوَ قَائِم فَيَتَصَدَّق عَلَيْهِ , وَيُؤَيِّدهُ أَنَّ فِي هَذَا الْحَدِيث عِنْد أَحْمَد أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إِنَّ هَذَا الرَّجُل دَخَلَ الْمَسْجِد فِي هَيْئَة بَذَّة فَأَمَرْته أَنْ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يَفْطِن لَهُ رَجُل فَيَتَصَدَّق عَلَيْهِ " وَعُرِفَ بِهَذِهِ الرِّوَايَة الرَّدّ عَلَى مَنْ طَعَنَ فِي هَذَا التَّأْوِيل فَقَالَ : لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقَالَ لَهُمْ : إِذَا رَأَيْتُمْ ذَا بَذَّة فَتَصَدَّقُوا عَلَيْهِ , أَوْ إِذَا كَانَ أَحَد ذَا بَذَّة فَلْيَقُمْ فَلْيَرْكَعْ حَتَّى يَتَصَدَّق النَّاس عَلَيْهِ . وَاَلَّذِي يَظْهَر أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَنِي فِي مِثْل هَذَا بِالْإِجْمَالِ دُون التَّفْصِيل كَمَا كَانَ يَصْنَع عِنْد الْمُعَاتَبَة , وَمِمَّا يُضْعِف الِاسْتِدْلَال بِهِ أَيْضًا عَلَى جَوَاز التَّحِيَّة فِي تِلْكَ الْحَال أَنَّهُمْ أَطْلَقُوا أَنَّ التَّحِيَّة تَفُوت بِالْجُلُوسِ , وَوَرَدَ أَيْضًا مَا يُؤَكِّد الْخُصُوصِيَّة وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسُلَيْك فِي آخِر الْحَدِيث " لَا تَعُودَنَّ لِمِثْلِ هَذَا " أَخْرَجَهُ اِبْن حِبَّان , اِنْتَهَى مَا اِعْتَلَّ بِهِ مَنْ طَعَنَ فِي الِاسْتِدْلَال بِهَذِهِ الْقِصَّة عَلَى جَوَاز التَّحِيَّة , وَكُلّه مَرْدُود , لِأَنَّ الْأَصْل عَدَم الْخُصُوصِيَّة . وَالتَّعْلِيل بِكَوْنِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصَدَ التَّصَدُّق عَلَيْهِ لَا يَمْنَع الْقَوْل بِجَوَازِ التَّحِيَّة , فَإِنَّ الْمَانِعِينَ مِنْهَا لَا يُجِيزُونَ التَّطَوُّع لِعِلَّةِ التَّصَدُّق , قَالَ اِبْن الْمُنِير فِي الْحَاشِيَة : لَوْ سَاغَ ذَلِكَ لَسَاغَ مِثْله فِي التَّطَوُّع عِنْد طُلُوع الشَّمْس وَسَائِر الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة وَلَا قَائِل بِهِ , وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى أَنَّ أَمْره بِالصَّلَاةِ لَمْ يَنْحَصِر فِي قَصْد التَّصَدُّق مُعَاوَدَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَمْرِهِ بِالصَّلَاةِ أَيْضًا فِي الْجُمُعَة الثَّانِيَة بَعْد أَنْ حَصَلَ لَهُ فِي الْجُمُعَة الْأُولَى ثَوْبَيْنِ فَدَخَلَ بِهِمَا فِي الثَّانِيَة فَتَصَدَّقَ بِأَحَدِهِمَا فَنَهَاهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَابْن خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيد أَيْضًا , وَلِأَحْمَد وَابْن حِبَّان أَنَّهُ كَرَّرَ أَمْره بِالصَّلَاةِ ثَلَاث مَرَّات فِي ثَلَاث جُمَع , فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَصْد التَّصَدُّق عَلَيْهِ جُزْء عِلَّة لَا عِلَّة كَامِلَة . وَأَمَّا إِطْلَاق مَنْ أَطْلَقَ أَنَّ التَّحِيَّة تَفُوت بِالْجُلُوسِ فَقَدْ حَكَى النَّوَوِيّ فِي شَرْح مُسْلِم عَنْ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ ذَلِكَ فِي حَقّ الْعَامِد الْعَالِم , أَمَّا الْجَاهِل أَوْ النَّاسِي فَلَا , وَحَال هَذَا الدَّاخِل مَحْمُولَة فِي الْأُولَى عَلَى أَحَدهمَا وَفِي الْمَرَّتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ عَلَى النِّسْيَان , وَالْحَامِل لِلْمَانِعِينَ عَلَى التَّأْوِيل الْمَذْكُور أَنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّ ظَاهِره مُعَارِض لِلْأَمْرِ بِالْإِنْصَاتِ وَالِاسْتِمَاع لِلْخُطْبَةِ , قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : عَارَضَ قِصَّة سُلَيْك مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى ( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا ) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِذَا قُلْتُ لِصَاحِبِك أَنْصِتْ وَالْإِمَام يَخْطُب يَوْم الْجُمُعَة فَقَدْ لَغَوْت " مُتَّفَق عَلَيْهِ , قَالَ : فَإِذَا اِمْتَنَعَ الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَهُوَ أَمْر اللَّاغِي بِالْإِنْصَاتِ مَعَ قِصَر زَمَنه فَمَنْع التَّشَاغُل بِالتَّحِيَّةِ مَعَ طُول زَمَنهَا أَوْلَى . وَعَارَضُوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُب لِلَّذِي دَخَلَ يَتَخَطَّى رِقَاب النَّاس " اِجْلِسْ فَقَدْ آذَيْت " أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ اِبْن خُزَيْمَةَ وَغَيْره مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن بِشْر , قَالُوا : فَأَمَرَهُ بِالْجُلُوسِ وَلَمْ يَأْمُرهُ بِالتَّحِيَّةِ . وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيث اِبْن عُمَر رَفَعَهُ " إِذَا دَخَلَ أَحَدكُمْ وَالْإِمَام عَلَى الْمِنْبَر فَلَا صَلَاة وَلَا كَلَام حَتَّى يَفْرُغ الْإِمَام " وَالْجَوَاب عَنْ ذَلِكَ كُلّه أَنَّ الْمُعَارَضَة الَّتِي تَئُول إِلَى إِسْقَاط أَحَد الدَّلِيلَيْنِ إِنَّمَا يُعْمَل بِهَا عِنْد تَعَذُّر الْجَمْع , وَالْجَمْع هُنَا مُمْكِن أَمَّا الْآيَة فَلَيْسَتْ الْخُطْبَة كُلّهَا قُرْآنًا , وَأَمَّا مَا فِيهَا مِنْ الْقُرْآن فَالْجَوَاب عَنْهُ كَالْجَوَابِ عَنْ الْحَدِيث وَهُوَ تَخْصِيص عُمُومه بِالدَّاخِلِ , وَأَيْضًا فَمُصَلِّي التَّحِيَّة يَجُوز أَنْ يُطْلَق عَلَيْهِ أَنَّهُ مُنْصِت , فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي اِفْتِتَاح الصَّلَاة مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة أَنَّهُ قَالَ " يَا رَسُول اللَّه سُكُوتك بَيْن التَّكْبِير وَالْقِرَاءَة مَا تَقُول فِيهِ ؟ " فَأَطْلَقَ عَلَى الْقَوْل : سِرًّا السُّكُوت , وَأَمَّا حَدِيث اِبْن بِشْر فَهُوَ أَيْضًا وَاقِعَة عَيْن لَا عُمُوم فِيهَا , فَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون تَرْك أَمْره بِالتَّحِيَّةِ قَبْل مَشْرُوعِيَّتهَا , وَقَدْ عَارَضَ بَعْضهمْ فِي قِصَّة سُلَيْك بِمِثْلِ ذَلِكَ , وَيَحْتَمِل أَنْ يُجْمَع بَيْنهمَا بِأَنْ يَكُون قَوْلُهُ لَهُ " اِجْلِسْ " أَيْ بِشَرْطِهِ , وَقَدْ عُرِفَ قَوْلُهُ لِلدَّاخِلِ " فَلَا تَجْلِس حَتَّى تُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ " فَمَعْنَى قَوْلُهُ اِجْلِسْ أَيْ لَا تَتَخَطَّ , أَوْ تَرَكَ أَمْره بِالتَّحِيَّةِ لِبَيَانِ الْجَوَاز فَإِنَّهَا لَيْسَتْ وَاجِبَة , أَوْ لِكَوْنِ دُخُوله وَقَعَ فِي أَوَاخِر الْخُطْبَة بِحَيْثُ ضَاقَ الْوَقْت عَنْ التَّحِيَّة , وَقَدْ اِتَّفَقُوا عَلَى اِسْتِثْنَاء هَذِهِ الصُّورَة . وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون صَلَّى التَّحِيَّة فِي مُؤَخَّر الْمَسْجِد ثُمَّ تَقَدَّمَ لِيَقْرَب مِنْ سَمَاع الْخُطْبَة فَوَقَعَ مِنْهُ التَّخَطِّي فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ . وَالْجَوَاب عَنْ حَدِيث اِبْن عُمَر بِأَنَّهُ ضَعِيف فِيهِ أَيُّوب بْن نَهِيك وَهُوَ مُنْكَر الْحَدِيث , قَالَهُ أَبُو زُرْعَة وَأَبُو حَاتِم الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة لَا تُعَارَض بِمِثْلِهِ . وَأَمَّا قِصَّة سُلَيْك فَقَدْ ذَكَرَ التِّرْمِذِيّ أَنَّهَا أَصَحّ شَيْء رُوِيَ فِي هَذَا الْبَاب وَأَقْوَى , وَأَجَابَ الْمَانِعُونَ أَيْضًا بِأَجْوِبَةٍ غَيْر مَا تَقَدَّمَ , اِجْتَمَعَ لَنَا مِنْهَا زِيَادَة عَلَى عَشَرَة أَوْرَدْتهَا مُلَخَّصَة مَعَ الْجَوَاب عَنْهَا لِتُسْتَفَادَ : ( الْأَوَّل ) قَالُوا : إِنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَاطَبَ سُلَيْكًا سَكَتَ عَنْ خُطْبَته حَتَّى فَرَغَ سُلَيْك مِنْ صَلَاته , فَعَلَى هَذَا فَقَدْ جَمَعَ سُلَيْك بَيْن سَمَاع الْخُطْبَة وَصَلَاة التَّحِيَّة , فَلَيْسَ فِيهِ حُجَّة لِمَنْ أَجَازَ التَّحِيَّة وَالْخَطِيب يَخْطُب , وَالْجَوَاب أَنَّ الدَّارَقُطْنِيّ الَّذِي أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيث أَنَس قَدْ ضَعَّفَهُ وَقَالَ : إِنَّ الصَّوَاب أَنَّهُ مِنْ رِوَايَة سُلَيْمَان التَّيْمِيِّ مُرْسَلًا أَوْ مُعْضَلًا , وَقَدْ تَعَقَّبَهُ اِبْن الْمُنِير فِي الْحَاشِيَة بِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ لَمْ يَسُغْ عَلَى قَاعِدَتهمْ , لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِم جَوَاز قَطْع الْخُطْبَة لِأَجْلِ الدَّاخِل , وَالْعَمَل عِنْدهمْ لَا يَجُوز قَطْعه بَعْد الشُّرُوع فِيهِ لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ وَاجِبًا . ( الثَّانِي ) قِيلَ : لَمَّا تَشَاغَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمُخَاطَبَةِ سُلَيْك سَقَطَ فَرْض الِاسْتِمَاع عَنْهُ , إِذْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ حِينَئِذٍ خُطْبَة لِأَجْلِ تِلْكَ الْمُخَاطَبَة , قَالَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ وَادَّعَى أَنَّهُ أَقْوَى الْأَجْوِبَة . وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ مِنْ أَضْعَفهَا لِأَنَّ الْمُخَاطَبَة لَمَّا اِنْقَضَتْ رَجَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خُطْبَته , وَتَشَاغَلَ سُلَيْك بِامْتِثَالِ مَا أَمَرَهُ بِهِ مِنْ الصَّلَاة , فَصَحَّ أَنَّهُ صَلَّى فِي حَال الْخُطْبَة . ( الثَّالِث ) : قِيلَ كَانَتْ هَذِهِ الْقِصَّة قَبْل شُرُوعه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخُطْبَة , وَيَدُلّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي رِوَايَة اللَّيْث عِنْد مُسْلِم " وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِد عَلَى الْمِنْبَر " وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقُعُود عَلَى الْمِنْبَر لَا يَخْتَصّ بِالِابْتِدَاءِ , بَلْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون بَيْن الْخُطْبَتَيْنِ أَيْضًا , فَيَكُون كَلَّمَهُ بِذَلِكَ وَهُوَ قَاعِد , فَلَمَّا قَامَ لِيُصَلِّيَ قَامَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْخُطْبَةِ لِأَنَّ زَمَن الْقُعُود بَيْن الْخُطْبَتَيْنِ لَا يَطُول . وَيَحْتَمِل أَيْضًا أَنْ يَكُون الرَّاوِي تَجَوَّزَ فِي قَوْلُهُ " قَاعِد " لِأَنَّ الرِّوَايَات الصَّحِيحَة كُلّهَا مُطْبِقَة عَلَى أَنَّهُ دَخَلَ وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُب . ( الرَّابِع ) قِيلَ : كَانَتْ هَذِهِ الْقِصَّة قَبْل تَحْرِيم الْكَلَام فِي الصَّلَاة , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ سُلَيْكًا مُتَأَخِّر الْإِسْلَام جِدًّا وَتَحْرِيم الْكَلَام مُتَقَدِّم جِدًّا كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعه فِي أَوَاخِر الصَّلَاة , فَكَيْف يُدَّعَى نَسْخ الْمُتَأَخِّر بِالْمُتَقَدِّمِ مَعَ أَنَّ النَّسْخ لَا يَثْبُت بِالِاحْتِمَالِ , وَقِيلَ : كَانَتْ قَبْل الْأَمْر بِالْإِنْصَاتِ , وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَاب عَنْهُ , وَعُورِضَ هَذَا الِاحْتِمَال بِمِثْلِهِ فِي الْحَدِيث الَّذِي اِسْتَدَلُّوا بِهِ وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ اِبْنِ عُمَر " إِذَا خَرَجَ الْإِمَام فَلَا صَلَاة وَلَا كَلَام " لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُون ذَلِكَ قَبْل الْأَمْر بِصَلَاةِ التَّحِيَّة , وَالْأَوْلَى فِي هَذَا أَنْ يُقَال عَلَى تَقْدِير تَسْلِيم ثُبُوت رَفْعه : يُخَصّ عُمُومه بِحَدِيثِ الْأَمْر بِالتَّحِيَّةِ خَاصَّة كَمَا تَقَدَّمَ . ( الْخَامِس ) قِيلَ : اِتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْع الصَّلَاة فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة يَسْتَوِي فِيهِ مَنْ كَانَ دَاخِل الْمَسْجِد أَوْ خَارِجه , وَقَدْ اِتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ دَاخِل الْمَسْجِد يَمْتَنِع عَلَيْهِ التَّنَفُّل حَال الْخُطْبَة فَلْيَكُنْ الْآتِي كَذَلِكَ قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ قِيَاس فِي مُقَابَلَة النَّصّ فَهُوَ فَاسِد , وَمَا نَقَلَهُ مِنْ الِاتِّفَاق وَافَقَهُ عَلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْره , وَقَدْ شَذَّ بَعْض الشَّافِعِيَّة فَقَالَ : يَنْبَنِي عَلَى وُجُوب الْإِنْصَات , فَإِنْ قُلْنَا بِهِ اِمْتَنَعَ التَّنَفُّل وَإِلَّا فَلَا . ( السَّادِس ) قِيلَ : اِتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الدَّاخِل وَالْإِمَامُ فِي الصَّلَاة تَسْقُط عَنْهُ التَّحِيَّة , وَلَا شَكّ أَنَّ الْخُطْبَة صَلَاة فَتَسْقُط عَنْهُ فِيهَا أَيْضًا , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْخُطْبَة لَيْسَتْ صَلَاة مِنْ كُلّ وَجْه وَالْفَرْق بَيْنهمَا ظَاهِر مِنْ وُجُوه كَثِيرَة , وَالدَّاخِل فِي حَال الْخُطْبَة مَأْمُور بِشَغْلِ الْبُقْعَة بِالصَّلَاةِ قَبْل جُلُوسه , بِخِلَافِ الدَّاخِل فِي حَال الصَّلَاة فَإِنَّ إِتْيَانه بِالصَّلَاةِ الَّتِي أُقِيمَتْ يُحَصِّل الْمَقْصُود , هَذَا مَعَ تَفْرِيق الشَّارِع بَيْنهمَا فَقَالَ " إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاة فَلَا صَلَاة إِلَّا الْمَكْتُوبَة " وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْض طُرُقه " فَلَا صَلَاة إِلَّا الَّتِي أُقِيمَتْ " وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فِي حَال الْخُطْبَة بَلْ أَمَرَهُمْ فِيهَا بِالصَّلَاةِ . ( السَّابِع ) قِيلَ : اِتَّفَقُوا عَلَى سُقُوط التَّحِيَّة عَنْ الْإِمَام مَعَ كَوْنه يَجْلِس عَلَى الْمِنْبَر مَعَ أَنَّ لَهُ اِبْتِدَاء الْكَلَام فِي الْخُطْبَة دُون الْمَأْمُوم , فَيَكُون تَرْك الْمَأْمُوم التَّحِيَّة بِطَرِيقِ الْأَوْلَى , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ أَيْضًا قِيَاس فِي مُقَابَلَة النَّصّ فَهُوَ فَاسِد , وَلِأَنَّ الْأَمْر وَقَعَ مُقَيَّدًا بِحَالِ الْخُطْبَة فَلَمْ يَتَنَاوَل الْخَطِيب . وَقَالَ الزَّيْن ابْن الْمُنِير : مَنْع الْكَلَام إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ شَهِدَ الْخُطْبَة لَا لِمَنْ خَطَبَ , فَكَذَلِكَ الْأَمْر بِالْإِنْصَاتِ وَاسْتِمَاع الْخُطْبَة . ( الثَّامِن ) قِيلَ : لَا نُسَلِّم أَنَّ الْمُرَاد بِالرَّكْعَتَيْنِ الْمَأْمُور بِهِمَا تَحِيَّة الْمَسْجِد , بَلْ يَحْتَمِل أَنْ تَكُون صَلَاة فَائِتَة كَالصُّبْحِ مَثَلًا قَالَهُ بَعْض الْحَنَفِيَّة وَقَوَّاهُ اِبْن الْمُنِير فِي الْحَاشِيَة وَقَالَ : لَعَلَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ كُشِفَ لَهُ عَنْ ذَلِكَ , وَإِنَّمَا اِسْتَفْهَمَهُ مُلَاطَفَة لَهُ فِي الْخِطَاب , قَالَ : وَلَوْ كَانَ الْمُرَاد بِالصَّلَاةِ التَّحِيَّة لَمْ يَحْتَجْ إِلَى اِسْتِفْهَامه لِأَنَّهُ قَدْ رَآهُ لَمَّا دَخَلَ . وَقَدْ تَوَلَّى رَدّه اِبْن حِبَّان فِي صَحِيحه فَقَالَ : لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَتَكَرَّر أَمْره لَهُ بِذَلِكَ مَرَّة بَعْد أُخْرَى . وَمِنْ هَذِهِ الْمَادَّة قَوْلُهُمْ : إِنَّمَا أَمَرَهُ بِسُنَّةِ الْجُمُعَة الَّتِي قَبْلهَا , وَمُسْتَنَدهمْ قَوْلُهُ فِي قِصَّة سُلَيْك عِنْد اِبْن مَاجَهْ " أَصَلَّيْت قَبْل أَنْ تَجِيء " لِأَنَّ ظَاهِره قَبْل أَنْ تَجِيء مِنْ الْبَيْت , وَلِهَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : إِنْ كَانَ صَلَّى فِي الْبَيْت قَبْل أَنْ يَجِيء فَلَا يُصَلِّي إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِد . وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمَانِع مِنْ صَلَاة التَّحِيَّة لَا يُجِيز التَّنَفُّل حَال الْخُطْبَة مُطْلَقًا , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَعْنَى قَبْل أَنْ تَجِيء أَيْ إِلَى الْمَوْضِع الَّذِي أَنْتَ بِهِ الْآن وَفَائِدَة الِاسْتِفْهَام اِحْتِمَال أَنْ يَكُون صَلَّاهَا فِي مُؤَخَّر الْمَسْجِد ثُمَّ تَقَدَّمَ لِيَقْرَب مِنْ سَمَاع الْخُطْبَة كَمَا تَقَدَّمَ فِي قِصَّة الَّذِي تَخَطَّى , وَيُؤَكِّدهُ أَنَّ فِي رِوَايَة لِمُسْلِمٍ " أَصَلَّيْت الرَّكْعَتَيْنِ " بِالْأَلِفِ وَاللَّام وَهُوَ لِلْعَهْدِ وَلَا عَهْد هُنَاكَ أَقْرَب مِنْ تَحِيَّة الْمَسْجِد . وَأَمَّا سُنَّة الْجُمُعَة الَّتِي قَبْلهَا فَلَمْ يَثْبُت فِيهَا شَيْء كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابه . ( التَّاسِع ) قِيلَ : لَا نُسَلِّم أَنَّ الْخُطْبَة الْمَذْكُورَة كَانَتْ لِلْجُمُعَةِ , وَيَدُلّ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ لِغَيْرِهَا قَوْلُهُ لِلدَّاخِلِ " أَصَلَّيْت " لِأَنَّ وَقْت الصَّلَاة لَمْ يَكُنْ دَخَلَ ا ه . وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الِاسْتِفْهَام وَقَعَ عَنْ صَلَاة الْفَرْض فَيَحْتَاج إِلَى ثُبُوت ذَلِكَ , وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيث الْبَاب وَفِي الَّذِي بَعْده أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْم الْجُمُعَة فَهُوَ ظَاهِر فِي أَنَّ الْخُطْبَة كَانَتْ لِصَلَاةِ الْجُمُعَة . ( الْعَاشِر ) قَالَ جَمَاعَة مِنْهُمْ الْقُرْطُبِيّ : أَقْوَى مَا اِعْتَمَدَهُ الْمَالِكِيَّة فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة عَمَل أَهْل الْمَدِينَة خَلَفًا عَنْ سَلَف مِنْ لَدُنْ الصَّحَابَة إِلَى عَهْد مَالِك أَنَّ التَّنَفُّل فِي حَال الْخُطْبَة مَمْنُوع مُطْلَقًا , وَتُعُقِّبَ بِمَنْعِ اِتِّفَاق أَهْل الْمَدِينَة عَلَى ذَلِكَ , فَقَدْ ثَبَتَ فِعْل التَّحِيَّة عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيِّ وَهُوَ مِنْ فُقَهَاء الصَّحَابَة مِنْ أَهْل الْمَدِينَة وَحَمَلَهُ عَنْهُ أَصْحَابه مِنْ أَهْل الْمَدِينَة أَيْضًا , فَرَوَى التِّرْمِذِيّ وَابْن خُزَيْمَةَ وَصَحَّحَاهُ عَنْ عِيَاض بْن أَبِي سَرْح " أَنَّ أَبَا سَعِيد الْخُدْرِيَّ دَخَلَ وَمَرْوَان يَخْطُب فَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ , فَأَرَادَ حَرَس مَرْوَان أَنْ يَمْنَعُوهُ فَأَبَى حَتَّى صَلَّاهُمَا ثُمَّ قَالَ : مَا كُنْت لِأَدَعهُمَا بَعْد أَنْ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُر بِهِمَا " اِنْتَهَى . وَلَمْ يَثْبُت عَنْ أَحَد مِنْ الصَّحَابَة صَرِيحًا مَا يُخَالِف ذَلِكَ . وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ اِبْن بَطَّال عَنْ عُمَر وَعُثْمَان وَغَيْر وَاحِد مِنْ الصَّحَابَة مِنْ الْمَنْع مُطْلَقًا فَاعْتِمَاده فِي ذَلِكَ عَلَى رِوَايَات عَنْهُمْ فِيهَا اِحْتِمَال , كَقَوْلِ ثَعْلَبَة بْن أَبِي مَالِك " أَدْرَكْت عُمَر وَعُثْمَان - وَكَانَ الْإِمَام - إِذَا خَرَجَ تَرَكْنَا الصَّلَاة " وَوَجْه الِاحْتِمَال أَنْ يَكُون ثَعْلَبَة عَنَى بِذَلِكَ مَنْ كَانَ دَاخِل الْمَسْجِد خَاصَّة , قَالَ شَيْخنَا الْحَافِظ أَبُو الْفَضْل فِي شَرْح التِّرْمِذِيّ : كُلّ مَنْ نُقِلَ عَنْهُ - يَعْنِي مِنْ الصَّحَابَة - مَنَعَ الصَّلَاة وَالْإِمَام يَخْطُب مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ كَانَ دَاخِل الْمَسْجِد لِأَنَّهُ لَمْ يَقَع عَنْ أَحَد مِنْهُمْ التَّصْرِيح بِمَنْعِ التَّحِيَّة , وَقَدْ وَرَدَ فِيهَا حَدِيث يَخُصّهَا فَلَا تُتْرَك بِالِاحْتِمَالِ , اِنْتَهَى . وَلَمْ أَقِف عَلَى ذَلِكَ صَرِيحًا عَنْ أَحَد مِنْ الصَّحَابَة . وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ " عَنْ عَبْد اللَّه بْن صَفْوَان أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِد وَابْن الزُّبَيْر يَخْطُب فَاسْتَلَمَ الرُّكْن ثُمَّ سَلَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ جَلَسَ وَلَمْ يَرْكَع " وَعَبْد اللَّه بْن صَفْوَان وَعَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر صَحَابِيَّانِ صَغِيرَانِ فَقَدْ اِسْتَدَلَّ بِهِ الطَّحَاوِيُّ فَقَالَ : لَمَّا لَمْ يُنْكِر اِبْن الزُّبَيْر عَلَى اِبْن صَفْوَان وَلَا مَنْ حَضَرَهُمَا مِنْ الصَّحَابَة تَرْك التَّحِيَّة دَلَّ عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَاهُ , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ تَرْكهمْ النَّكِير لَا يَدُلّ عَلَى تَحْرِيمهَا بَلْ يَدُلّ عَلَى عَدَم وُجُوبهَا , وَلَمْ يَقُلْ بِهِ مُخَالِفُوهُمْ . وَسَيَأْتِي فِي أَوَاخِر الْكَلَام عَلَى هَذَا الْحَدِيث الْبَحْث فِي أَنَّ صَلَاة التَّحِيَّة هَلْ تَعُمّ كُلّ مَسْجِد , أَوْ يُسْتَثْنَى الْمَسْجِد الْحَرَام لِأَنَّ تَحِيَّته الطَّوَاف ؟ فَلَعَلَّ اِبْن صَفْوَان كَانَ يَرَى أَنَّ تَحِيَّته اِسْتِلَام الرُّكْن فَقَطْ . وَهَذِهِ الْأَجْوِبَة الَّتِي قَدْ قَدَّمْنَاهَا تَنْدَفِع مِنْ أَصْلهَا بِعُمُومِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث أَبِي قَتَادَةَ " إِذَا دَخَلَ أَحَدكُمْ الْمَسْجِد فَلَا يَجْلِس حَتَّى يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ " مُتَّفَق عَلَيْهِ , وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَام عَلَيْهِ . وَوَرَدَ أَخَصّ مِنْهُ فِي حَال الْخُطْبَة , فَفِي رِوَايَة شُعْبَة عَنْ عَمْرو بْن دِينَار قَالَ " سَمِعْت جَابِر بْن عَبْد اللَّه يَقُول : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُب : إِذَا جَاءَ أَحَدكُمْ وَالْإِمَام يَخْطُب - أَوْ قَدْ خَرَجَ - فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ " مُتَّفَق عَلَيْهِ أَيْضًا , وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيق أَبِي سُفْيَان عَنْ جَابِر أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي قِصَّة سُلَيْك وَلَفْظه بَعْد قَوْلُهُ فَارْكَعْهُمَا وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا " ثُمَّ قَالَ : إِذَا جَاءَ أَحَدكُمْ يَوْم الْجُمُعَة وَالْإِمَام يَخْطُب فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا " قَالَ النَّوَوِيّ : هَذَا نَصّ لَا يَتَطَرَّق إِلَيْهِ التَّأْوِيل وَلَا أَظُنّ عَالِمًا يَبْلُغهُ هَذَا اللَّفْظ وَيَعْتَقِدهُ صَحِيحًا فَيُخَالِفهُ . وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بْن أَبِي جَمْرَة : هَذَا الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِم نَصٌّ فِي الْبَاب لَا يَحْتَمِل التَّأْوِيل . وَحَكَى اِبْن دَقِيق الْعِيد أَنَّ بَعْضهمْ تَأَوَّلَ هَذَا الْعُمُوم بِتَأْوِيلٍ مُسْتَكْرَهٍ , وَكَأَنَّهُ يُشِير إِلَى بَعْض مَا تَقَدَّمَ مِنْ اِدِّعَاء النَّسْخ أَوْ التَّخْصِيص . وَقَدْ عَارَضَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّة الشَّافِعِيَّةَ بِأَنَّهُمْ لَا حُجَّة لَهُمْ فِي قِصَّة سُلَيْك , لِأَنَّ التَّحِيَّة عِنْدهمْ تَسْقُط بِالْجُلُوسِ , وَقَدْ تَقَدَّمَ جَوَابه . وَعَارَضَ بَعْضُهُمْ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيد رَفَعَهُ " لَا تُصَلُّوا وَالْإِمَام يَخْطُب " وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا يَثْبُت , وَعَلَى تَقْدِير ثُبُوته فَيُخَصّ عُمُومه بِالْأَمْرِ بِصَلَاةِ التَّحِيَّة . وَبَعْضُهُمْ بِأَنَّ عُمَر لَمْ يَأْمُر عُثْمَان بِصَلَاةِ التَّحِيَّة مَعَ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ الِاقْتِصَار عَلَى الْوُضُوء , وَأُجِيبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُون صَلَّاهُمَا . وَفِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد غَيْر مَا تَقَدَّمَ جَوَاز صَلَاة التَّحِيَّة فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة , لِأَنَّهَا إِذَا لَمْ تَسْقُط فِي الْخُطْبَة مَعَ الْأَمْر بِالْإِنْصَاتِ لَهَا فَغَيْرهَا أَوْلَى . وَفِيهِ أَنَّ التَّحِيَّة لَا تَفُوت بِالْقُعُودِ , لَكِنْ قَيَّدَهُ بَعْضهمْ بِالْجَاهِلِ أَوْ النَّاسِي كَمَا تَقَدَّمَ , وَأَنَّ لِلْخَطِيبِ أَنْ يَأْمُر فِي خُطْبَته وَيَنْهَى وَيُبَيِّن الْأَحْكَام الْمُحْتَاج إِلَيْهَا , وَلَا يَقْطَع ذَلِكَ التَّوَالِي الْمُشْتَرَط فِيهَا , بَلْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُول كُلّ ذَلِكَ يُعَدّ مِنْ الْخُطْبَة . وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْمَسْجِد شَرْط لِلْجُمُعَةِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ لَا تُشْرَع التَّحِيَّة لِغَيْرِ الْمَسْجِد وَفِيهِ نَظَر . وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَاز رَدّ السَّلَام وَتَشْمِيت الْعَاطِس فِي حَال الْخُطْبَة لِأَنَّ أَمْرهمَا أَخَفّ وَزَمَنهمَا أَقْصَر وَلَا سِيَّمَا رَدّ السَّلَام فَإِنَّهُ وَاجِب , وَسَيَأْتِي الْبَحْث فِي ذَلِكَ بَعْد ثَلَاثَة أَبْوَاب . ( فَائِدَة ) : قِيلَ يُخَصّ عُمُوم حَدِيث الْبَاب بِالدَّاخِلِ فِي آخِر الْخُطْبَة كَمَا تَقَدَّمَ , قَالَ الشَّافِعِيّ : أَرَى لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْمُر الْآتِي بِالرَّكْعَتَيْنِ وَيَزِيد فِي كَلَامه مَا يُمْكِنهُ الْإِتْيَان بِهِمَا قَبْل إِقَامَة الصَّلَاة , فَإِنْ لَمْ يَفْعَل كَرِهْت ذَلِكَ . وَحَكَى النَّوَوِيّ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ الْمُخْتَار إِنْ لَمْ يَفْعَل أَنْ يَقِف حَتَّى تُقَام الصَّلَاة لِئَلَّا يَكُون جَالِسًا بِغَيْرِ تَحِيَّة أَوْ مُتَنَفِّلًا حَال إِقَامَة الصَّلَاة . وَاسْتَثْنَى الْمَحَامِلِيّ الْمَسْجِد الْحَرَام لِأَنَّ تَحِيَّته الطَّوَاف , وَفِيهِ نَظَر لِطُولِ زَمَن الطَّوَاف بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرَّكْعَتَيْنِ . وَاَلَّذِي يَظْهَر مِنْ قَوْلُهُمْ إِنَّ تَحِيَّة الْمَسْجِد الْحَرَام الطَّوَاف إِنَّمَا هُوَ فِي حَقّ الْقَادِم لِيَكُونَ أَوَّل شَيْء يَفْعَلهُ الطَّوَاف , وَأَمَّا الْمُقِيم فَحُكْم الْمَسْجِد الْحَرَام وَغَيْره فِي ذَلِكَ سَوَاء , وَلَعَلَّ قَوْل مَنْ أَطْلَقَ أَنَّهُ يَبْدَأ فِي الْمَسْجِد الْحَرَام بِالطَّوَافِ لِكَوْنِ الطَّوَاف يَعْقُبهُ صَلَاة الرَّكْعَتَيْنِ فَيَحْصُل شَغْل الْبُقْعَة بِالصَّلَاةِ غَالِبًا وَهُوَ الْمَقْصُود , وَيَخْتَصّ الْمَسْجِد الْحَرَام بِزِيَادَةِ الطَّوَاف , وَاَللَّه أَعْلَم . |
| |
|