حدثنا أبو الوليد قال حدثنا شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى عن البراء رضي الله عنه قال
كان ركوع النبي صلى الله عليه وسلم وسجوده وإذا رفع رأسه من الركوع وبين السجدتين قريبا من السواء
فتح الباري بشرح صحيح البخاري
وَحَدِيث الْبَرَاء تَقَدَّمَ التَّنْبِيه عَلَيْهِ فِي " بَاب اِسْتِوَاء الظَّهْر " . وَقَوْلُهُ " قَرِيبًا مِنْ السَّوَاء " فِيهِ إِشْعَار بِأَنَّ فِيهَا تَفَاوُتًا لَكِنَّهُ لَمْ يُعَيِّنهُ , وَهُوَ دَالّ عَلَى الطُّمَأْنِينَة فِي الِاعْتِدَال وَبَيْن السَّجْدَتَيْنِ لِمَا عُلِمَ مِنْ عَادَته مِنْ تَطْوِيل الرُّكُوع وَالسُّجُود .
قَوْلُهُ : ( وَإِذَا رَفَعَ )
أَيْ وَرَفْعه إِذَا رَفَعَ , وَكَذَا قَوْلُهُ " وَبَيْن السَّجْدَتَيْنِ " أَيْ وَجُلُوسه بَيْن السَّجْدَتَيْنِ , وَالْمُرَاد أَنَّ زَمَان رُكُوعه وَسُجُوده وَاعْتِدَاله وَجُلُوسه مُتَقَارِب , وَلَمْ يَقَع فِي هَذِهِ الطَّرِيق الِاسْتِثْنَاء الَّذِي مَرَّ فِي " بَاب اِسْتِوَاء الظَّهْر " وَهُوَ قَوْلُهُ " مَا خَلَا الْقِيَام وَالْقُعُود " وَوَقَعَ فِي رِوَايَة لِمُسْلِمٍ " فَوَجَدْت قِيَامه فَرَكْعَته فَاعْتِدَاله " الْحَدِيث , وَحَكَى اِبْن دَقِيق الْعِيد عَنْ بَعْض الْعُلَمَاء أَنَّهُ نَسَبَ هَذِهِ الرِّوَايَة إِلَى الْوَهْمِ ثُمَّ اِسْتَبْعَدَهُ لِأَنَّ تَوْهِيم الرَّاوِي الثِّقَة عَلَى خِلَاف الْأَصْل , ثُمَّ قَالَ فِي آخِر كَلَامه : فَلْيَنْظُرْ ذَلِكَ مِنْ الرِّوَايَات وَيُحَقِّقْ الِاتِّحَاد أَوْ الِاخْتِلَاف مِنْ مَخَارِج الْحَدِيث ا ه . وَقَدْ جَمَعْت طُرُقه فَوَجَدْت مَدَاره عَلَى اِبْن أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاء , لَكِنْ الرِّوَايَة الَّتِي فِيهَا زِيَادَة ذِكْر الْقِيَام مِنْ طَرِيق هِلَال بْن أَبِي حُمَيْدٍ عَنْهُ , وَلَمْ يَذْكُرهُ الْحَكَم عَنْهُ وَلَيْسَ بَيْنهمَا اِخْتِلَاف فِي سِوَى ذَلِكَ , إِلَّا مَا زَادَهُ بَعْض الرُّوَاة عَنْ شُعْبَة عَنْ الْحَكَم مِنْ قَوْلُهُ " مَا خَلَا الْقِيَام وَالْقُعُود " وَإِذَا جُمِعَ بَيْن الرِّوَايَتَيْنِ ظَهَرَ مِنْ الْأَخْذ بِالزِّيَادَةِ فِيهِمَا أَنَّ الْمُرَاد بِالْقِيَامِ الْمُسْتَثْنَى الْقِيَام لِلْقِرَاءَةِ , وَكَذَا الْقُعُود وَالْمُرَاد بِهِ الْقُعُود لِلتَّشَهُّدِ كَمَا تَقَدَّمَ , قَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد : هَذَا الْحَدِيث يَدُلّ عَلَى أَنَّ الِاعْتِدَال رُكْن طَوِيل , وَحَدِيث أَنَس يَعْنِي الَّذِي قَبْله أَصْرَح فِي الدَّلَالَة عَلَى ذَلِكَ , بَلْ هُوَ نَصّ فِيهِ فَلَا يَنْبَغِي الْعُدُول عَنْهُ لِدَلِيلٍ ضَعِيف وَهُوَ قَوْلُهُمْ : لَمْ يُسَنّ فِيهِ تَكْرِير التَّسْبِيحَات كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُود . وَوَجْه ضَعْفه أَنَّهُ قِيَاس فِي مُقَابَلَة النَّصّ وَهُوَ فَاسِد , وَأَيْضًا فَالذِّكْر الْمَشْرُوع فِي الِاعْتِدَال أَطْوَل مِنْ الذِّكْر الْمَشْرُوع فِي الرُّكُوع , فَتَكْرِير سُبْحَان رَبِّي الْعَظِيم ثَلَاثًا يَجِيء قَدْرَ قَوْلُهُ اللَّهُمَّ رَبّنَا وَلَك الْحَمْد حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ , وَقَدْ شُرِعَ فِي الِاعْتِدَال ذِكْر أَطْوَل كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن أَبِي أَوْفَى وَأَبِي سَعِيد الْخُدْرِيِّ وَعَبْد اللَّه بْن عَبَّاسٍ بَعْد قَوْلُهُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا " مِلْء السَّمَوَات وَمِلْء الْأَرْض وَمِلْء مَا شِئْت مِنْ شَيْء بَعْد " زَادَ فِي حَدِيث اِبْن أَبِي أَوْفَى " اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي بِالثَّلْجِ إِلَخْ " وَزَادَ فِي حَدِيثٍ الْآخَرَيْنِ " أَهْل الثَّنَاء وَالْمَجْد إِلَخْ " وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيث الَّذِي قَبْله تَرْك إِنْكَار النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ زَادَ فِي الِاعْتِدَال ذِكْرًا غَيْر مَأْثُور , وَمِنْ ثَمَّ اِخْتَارَ النَّوَوِيّ جَوَاز تَطْوِيل الرُّكْن الْقَصِير بِالذِّكْرِ خِلَافًا لِلْمُرَجَّحِ فِي الْمَذْهَب , وَاسْتُدِلَّ لِذَلِكَ أَيْضًا بِحَدِيثِ حُذَيْفَة فِي مُسْلِم أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي رَكْعَة بِالْبَقَرَةِ أَوْ غَيْرهَا ثُمَّ رَكَعَ نَحْوًا مِمَّا قَرَأَ ثُمَّ قَامَ بَعْد أَنْ قَالَ " رَبّنَا لَك الْحَمْد " قِيَامًا طَوِيلًا قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ . قَالَ النَّوَوِيّ : الْجَوَاب عَنْ هَذَا الْحَدِيث صَعْب , وَالْأَقْوَى جَوَاز الْإِطَالَة بِالذِّكْرِ ا ه . وَقَدْ أَشَارَ الشَّافِعِيّ فِي الْأُمّ إِلَى عَدَم الْبُطْلَان فَقَالَ فِي تَرْجَمَة " كَيْف الْقِيَام مِنْ الرُّكُوع " : وَلَوْ أَطَالَ الْقِيَام بِذِكْرِ اللَّه أَوْ يَدْعُو أَوْ سَاهِيًا وَهُوَ لَا يَنْوِي بِهِ الْقُنُوت كَرِهْت لَهُ ذَلِكَ وَلَا إِعَادَة , إِلَى آخِر كَلَامه فِي ذَلِكَ . فَالْعَجَب مِمَّنْ يُصَحِّح مَعَ هَذَا بُطْلَان الصَّلَاة بِتَطْوِيلِ الِاعْتِدَال , وَتَوْجِيههمْ ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا أُطِيلَ اِنْتَفَتْ الْمُوَالَاة مُعْتَرَض بِأَنَّ مَعْنَى الْمُوَالَاة أَنْ لَا يَتَخَلَّلَ فَصْل طَوِيل بَيْن الْأَرْكَان بِمَا لَيْسَ مِنْهَا , وَمَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْع لَا يَصِحّ نَفْي كَوْنه مِنْهَا , وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَأَجَابَ بَعْضهمْ عَنْ حَدِيث الْبَرَاء أَنَّ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ " قَرِيبًا مِنْ السَّوَاء " لَيْسَ أَنَّهُ كَانَ يَرْكَع بِقَدْرِ قِيَامه وَكَذَا السُّجُود وَالِاعْتِدَال بَلْ الْمُرَاد أَنَّ صَلَاته كَانَتْ قَرِيبًا مُعْتَدِلَة فَكَانَ إِذَا أَطَالَ الْقِرَاءَة أَطَالَ بَقِيَّة الْأَرْكَان وَإِذَا أَخَفَّهَا أَخَفَّ بَقِيَّة الْأَرْكَان , فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ قَرَأَ فِي الصُّبْح بِالصَّافَّاتِ وَثَبَتَ فِي السُّنَن عَنْ أَنَس أَنَّهُمْ حَزَرُوا فِي السُّجُود قَدْر عَشْر تَسْبِيحَات فَيُحْمَل عَلَى أَنَّهُ قَرَأَ بِدُونِ الصَّافَّات اِقْتَصَرَ عَلَى دُون الْعَشْر , وَأَقَلّه كَمَا وَرَدَ فِي السُّنَن أَيْضًا ثَلَاث تَسْبِيحَات .