المدير العام المديرالعام
الجنس : عدد المساهمات : 12412 تاريخ التسجيل : 25/06/2009 الموقع : https://starmust2.ahlamontada.com
بطاقة الشخصية الدرجة: (4620/4620)
| موضوع: الآذان وجوب صلاة الجماعة الثلاثاء 10 نوفمبر - 7:05:03 | |
| باب وجوب صلاة الجماعة وقال الحسن إن منعته أمه عن العشاء في الجماعة شفقة لم يطعها |
| | | فتح الباري بشرح صحيح البخاري قَوْله : ( بَاب وُجُوب صَلَاة الْجَمَاعَة ) هَكَذَا بَتَّ الْحُكْم فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة , وَكَأَنَّ ذَلِكَ لِقُوَّةِ دَلِيلهَا عِنْدَهُ , لَكِنْ أَطْلَقَ الْوُجُوب وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ كَوْنه وُجُوب عَيْن أَوْ كِفَايَة , إِلَّا أَنَّ الْأَثَر الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْ الْحَسَن يُشْعِر بِكَوْنِهِ يُرِيد أَنَّهُ وُجُوب عَيْن , لِمَا عُرِفَ مِنْ عَادِتِهِ أَنَّهُ يَسْتَعْمِل الْآثَار فِي التَّرَاجِم لِتَوْضِيحِهَا وَتَكْمِيلهَا وَتَعْيِينِ أَحَد الِاحْتِمَالَات فِي حَدِيث الْبَاب , وَبِهَذَا يُجَاب مَنْ اِعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ قَوْل الْحَسَن يُسْتَدَلّ لَهُ لَا بِهِ , وَلَمْ يُنَبِّهْ أَحَد مِنْ الشُّرَّاح عَلَى مَنْ وَصَلَ أَثَر الْحَسَن , وَقَدْ وَجَدْتُهُ بِمَعْنَاهُ وَأَتَمّ مِنْهُ وَأَصْرَح فِي كِتَاب الصِّيَام لِلْحُسَيْنِ اِبْن الْحَسَن الْمَرْوَزِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيح " عَنْ الْحَسَن فِي رَجُل يَصُوم - يَعْنِي تَطَوُّعًا - فَتَأْمُرهُ أُمّه أَنْ يُفْطِر , قَالَ : فَلْيُفْطِرْ وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ , وَلَهُ أَجْر الصَّوْم وَأَجْر الْبِرّ . قِيلَ : فَتَنْهَاهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْعِشَاء فِي جَمَاعَة , قَالَ : لَيْسَ ذَلِكَ لَهَا , هَذِهِ فَرِيضَة " وَأَمَّا حَدِيث الْبَاب فَظَاهِر فِي كَوْنِهَا فَرْضَ عَيْن , لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ سُنَّة لَمْ يُهَدِّدْ تَارِكهَا بِالتَّحْرِيقِ , وَلَوْ كَانَتْ فَرْضَ كِفَايَة لَكَانَتْ قَائِمَة بِالرَّسُولِ وَمَنْ مَعَهُ . وَيَحْتَمِل أَنْ يُقَال : التَّهْدِيد بِالتَّحْرِيقِ الْمَذْكُور يُمْكِن أَنْ يَقَع فِي حَقّ تَارِكِي فَرْضِ الْكِفَايَة كَمَشْرُوعِيَّةِ قِتَال تَارِكِي فَرْضَ الْكِفَايَة , وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ التَّحْرِيق الَّذِي قَدْ يُفْضِي إِلَى الْقَتْل أَخَصّ مِنْ الْمُقَاتَلَة , وَلِأَنَّ الْمُقَاتَلَة إِنَّمَا تُشْرَع فِيمَا إِذَا تَمَالَأَ الْجَمِيع عَلَى التَّرْك , وَإِلَى الْقَوْل بِأَنَّهَا فَرْضُ عَيْن ذَهَبَ عَطَاء وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَد وَجَمَاعَة مِنْ مُحَدِّثِي الشَّافِعِيَّة كَأَبِي ثَوْر وَابْن خُزَيْمَةَ وَابْن الْمُنْذِر وَابْن حِبَّانَ , وَبَالَغَ دَاوُدُ وَمَنْ تَبِعَهُ فَجَعَلَهَا شَرْطًا فِي صِحَّة الصَّلَاة , وَأَشَارَ اِبْن دَقِيق الْعِيد إِلَى أَنَّهُ مَبْنِيّ عَلَى أَنَّ مَا وَجَبَ فِي الْعِبَادَة كَانَ شَرْطًا فِيهَا , فَلَّمَا كَانَ لَهُمْ الْمَذْكُور دَالًّا عَلَى لَازِمه وَهُوَ الْحُضُور , وَوُجُوب الْحُضُور دَلِيلًا عَلَى لَازِمه وَهُوَ الِاشْتِرَاط , ثَبَتَ الِاشْتِرَاط بِهَذِهِ الْوَسِيلَة . إِلَّا أَنَّهُ لَا يَتِمّ إِلَّا بِتَسْلِيمِ أَنَّ مَا وَجَبَ فِي الْعِبَادَة كَانَ شَرْطًا فِيهَا , وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ الْغَالِب . وَلَمَّا كَانَ الْوُجُوب قَدْ يَنْفَكُّ عَنْ الشَّرْطِيَّة قَالَ أَحْمَد : إِنَّهَا وَاجِبَة غَيْر شَرْط . اِنْتَهَى . وَظَاهِر نَصِّ الشَّافِعِيّ أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَة , وَعَلَيْهِ جُمْهُور الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَصْحَابه وَقَالَ بِهِ كَثِير مِنْ الْحَنَفِيَّة وَالْمَالِكِيَّة , وَالْمَشْهُور عِنْد الْبَاقِينَ أَنَّهَا سُنَّة مُؤَكَّدَة , وَقَدْ أَجَابُوا عَنْ ظَاهِر حَدِيث الْبَاب بِأَجْوِبَةٍ : مِنْهَا مَا تَقَدَّمَ . وَمِنْهَا وَهُوَ ثَانِيهَا وَنَقَلَهُ إِمَام الْحَرَمَيْنِ عَنْ اِبْن خُزَيْمَةَ , وَاَلَّذِي نَقَلَهُ عَنْهُ النَّوَوِيّ الْوُجُوب حَسْبَمَا قَالَ اِبْن بَزِيزَةَ إِنَّ بَعْضهمْ اِسْتَنْبَطَ مِنْ نَفْس الْحَدِيث عَدَم الْوُجُوب لِكَوْنِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمَّ بِالتَّوَجُّهِ إِلَى الْمُتَخَلِّفِينَ فَلَوْ كَانَتْ الْجَمَاعَة فَرْضَ عَيْن مَا هَمَّ بِتَرْكِهَا إِذَا تَوَجَّهَ . وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْوَاجِب يَجُوز تَرْكُهُ لِمَا هُوَ أَوْجَبُ مِنْهُ . قُلْت : وَلَيْسَ فِيهِ أَيْضًا دَلِيل عَلَى أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَتَدَارَكهَا فِي جَمَاعَة آخَرِينَ . وَمِنْهَا وَهُوَ ثَالِثهَا مَا قَالَ اِبْن بَطَّالٍ وَغَيْره : لَوْ كَانَتْ فَرْضًا لَقَالَ حِين تَوَعَّدَ بِالْإِحْرَاقِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْ الْجَمَاعَة لَمْ تُجْزِئْهُ صَلَاته , لِأَنَّهُ وَقْت الْبَيَان . وَتَعَقَّبَهُ اِبْن دَقِيق الْعِيد بِأَنَّ الْبَيَان قَدْ يَكُون بِالتَّنْصِيصِ وَقَدْ يَكُون بِالدَّلَالَةِ , فَلَّمَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَقَدْ هَمَمْت إِلَخْ " دَلَّ عَلَى وُجُوب الْحُضُور وَهُوَ كَافٍ فِي الْبَيَان . وَمِنْهَا وَهُوَ رَابِعهَا مَا قَالَ الْبَاجِيُّ وَغَيْره إِنَّ الْخَبَر وَرَدَ مَوَرِدَ الزَّجْر وَحَقِيقَته غَيْر مُرَادَة . وَإِنَّمَا الْمُرَاد الْمُبَالَغَة . وَيُرْشِد إِلَى ذَلِكَ وَعِيدُهُمْ بِالْعُقُوبَةِ الَّتِي يُعَاقَب بِهَا الْكُفَّار , وَقَدْ اِنْعَقَدَ الْإِجْمَاع عَلَى مَنْعِ عُقُوبَة الْمُسْلِمِينَ بِذَلِكَ , وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَنْع وَقَعَ بَعْد نَسْخِ التَّعْذِيب بِالنَّارِ , وَكَانَ قِيلَ ذَلِكَ جَائِزًا بِدَلِيلِ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة الْآتِي فِي الْجِهَاد الدَّالِّ عَلَى جَوَاز التَّحْرِيق بِالنَّارِ ثُمَّ عَلَى نَسْخِهِ , فَحَمْلُ التَّهْدِيد عَلَى حَقِيقَته غَيْر مُمْتَنِع . وَمِنْهَا وَهُوَ خَامِسهَا كَوْنه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ تَحْرِيقهمْ بَعْد التَّهْدِيد , فَلَوْ كَانَ وَاجِبًا مَا عَفَا عَنْهُمْ , قَالَ الْقَاضِي عِيَاض وَمَنْ تَبِعَهُ : لَيْسَ فِي الْحَدِيث حُجَّة لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام هَمَّ وَلَمْ يَفْعَل , زَادَ النَّوَوِيّ : وَلَوْ كَانَتْ فَرْضَ عَيْن لَمَا تَرَكَهُمْ , وَتَعَقَّبَهُ اِبْن دَقِيق الْعِيد فَقَالَ : هَذَا ضَعِيف لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَهِمّ إِلَّا بِمَا يَجُوز لَهُ فِعْلُهُ لَوْ فَعَلَهُ , وَأَمَّا التَّرْك فَلَا يَدُلّ عَلَى عَدَم الْوُجُوب لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونُوا اِنْزَجَرُوا بِذَلِكَ وَتَرَكُوا التَّخَلُّف الَّذِي ذَمَّهُمْ بِسَبَبِهِ , عَلَى أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي بَعْض الطُّرُق بَيَان سَبَب التَّرْك وَهُوَ فِيمَا رَوَاهُ أَحْمَد مِنْ طَرِيق سَعِيد الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة بِلَفْظِ : " لَوْلَا مَا فِي الْبُيُوت مِنْ النِّسَاء وَالذُّرِّيَّة لَأَقَمْت صَلَاة الْعِشَاء وَأَمَرْت فِتْيَانِي يُحَرِّقُونَ " الْحَدِيث . وَمِنْهَا وَهُوَ سَادِسهَا أَنَّ الْمُرَاد بِالتَّهْدِيدِ قَوْم تَرَكُوا الصَّلَاة رَأْسًا لَا مُجَرَّد الْجَمَاعَة , وَهُوَ مُتَعَقَّبٌ بِأَنَّ فِي رِوَايَة مُسْلِم : " لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاة " أَيْ لَا يَحْضُرُونَ , وَفِي رِوَايَة عَجْلَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عِنْد أَحْمَد " لَا يَشْهَدُونَ الْعِشَاء فِي الْجَمِيع " أَيْ فِي الْجَمَاعَة , وَفِي حَدِيث أُسَامَة بْن زَيْد عِنْد اِبْن مَاجَهْ مَرْفُوعًا " لَيَنْتَهِيَنَّ رِجَال عَنْ تَرْكِهِمْ الْجَمَاعَات أَوْ لَأُحَرِّقَنَّ بُيُوتهمْ " . وَمِنْهَا وَهُوَ سَابِعهَا أَنَّ الْحَدِيث وَرَدَ فِي الْحَثّ عَلَى مُخَالَفَة فِعْلِ أَهْل النِّفَاق وَالتَّحْذِير مِنْ التَّشَبُّه بِهِمْ لَا لِخُصُوصِ تَرْكِ الْجَمَاعَة فَلَا يَتِمُّ الدَّلِيل , أَشَارَ إِلَيْهِ الزَّيْن بْن الْمُنِير , وَهُوَ قَرِيب مِنْ الْوَجْه الرَّابِع . وَمِنْهَا وَهُوَ ثَامِنهَا أَنَّ الْحَدِيث وَرَدَ فِي حَقّ الْمُنَافِقِينَ , فَلَيْسَ التَّهْدِيد لِتَرْكِ الْجَمَاعَة بِخُصُوصِهِ فَلَا يَتِمّ الدَّلِيل , وَتُعُقِّبَ بِاسْتِبْعَادِ الِاعْتِنَاء بِتَأْدِيبِ الْمُنَافِقِينَ عَلَى تَرْكِهِمْ الْجَمَاعَة مَعَ الْعِلْم بِأَنَّهُ لَا صَلَاة لَهُمْ , وَبِأَنَّهُ كَانَ مُعْرِضًا عَنْهُمْ وَعَنْ عُقُوبَتهمْ مَعَ عِلْمه بِطَوِيَّتِهِمْ وَقَدْ قَالَ " لَا يَتَحَدَّث النَّاس أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُل أَصْحَابه " وَتَعَقَّبَ اِبْن دَقِيق الْعِيد هَذَا التَّعْقِيب بِأَنَّهُ لَا يَتِمّ إِلَّا إِذَا اِدَّعَى أَنَّ تَرْكَ مُعَاقَبَة الْمُنَافِقِينَ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَلَا دَلِيل عَلَى ذَلِكَ , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ مُخَيَّرًا فَلَيْسَ فِي إِعْرَاضه عَنْهُمْ مَا يَدُلّ عَلَى وُجُوب تَرْكِ عُقُوبَتهمْ . اِنْتَهَى . وَاَلَّذِي يَظْهَر لِي أَنَّ الْحَدِيث وَرَدَ فِي الْمُنَافِقِينَ لِقَوْلِهِ فِي صَدْر الْحَدِيث الْآتِي بَعْد أَرْبَعَة أَبْوَاب " لَيْسَ صَلَاة أَثْقَل عَلَى الْمُنَافِقِينَ مِنْ الْعِشَاء وَالْفَجْر " الْحَدِيث , وَلِقَوْلِهِ " لَوْ يَعْلَم أَحَدُهُمْ إِلَخْ " لِأَنَّ هَذَا الْوَصْف لَائِق بِالْمُنَافِقِينَ لَا بِالْمُؤْمِنِ الْكَامِل , لَكِنْ الْمُرَاد بِهِ نِفَاق الْمَعْصِيَة لَا نِفَاق الْكُفْر بِدَلِيلِ قَوْله فِي رِوَايَة عَجْلَانَ " لَا يَشْهَدُونَ الْعِشَاء فِي الْجَمِيع " وَقَوْله فِي حَدِيث أُسَامَة " لَا يَشْهَدُونَ الْجَمَاعَة " وَأَصْرَح مِنْ ذَلِكَ قَوْله فِي رِوَايَة يَزِيد بْن الْأَصَمّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عِنْد أَبِي دَاوُدَ " ثُمَّ آتِي قَوْمًا يُصَلُّونَ فِي بُيُوتهمْ لَيْسَتْ بِهِمْ عِلَّة " فَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ نِفَاقهمْ نِفَاق مَعْصِيَة لَا كُفْر , لِأَنَّ الْكَافِر لَا يُصَلِّي فِي بَيْته إِنَّمَا يُصَلِّي فِي الْمَسْجِد رِيَاء وَسُمْعَة , فَإِذَا خَلَا فِي بَيْته كَانَ كَمَا وَصَفَهُ اللَّه بِهِ مِنْ الْكُفْر وَالِاسْتِهْزَاء , نَبَّهَ عَلَيْهِ الْقُرْطُبِيّ . وَأَيْضًا فَقَوْله فِي رِوَايَة الْمَقْبُرِيِّ " لَوْلَا مَا فِي الْبُيُوت مِنْ النِّسَاء وَالذُّرِّيَّة " يَدُلّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا كُفَّارًا لِأَنَّ تَحْرِيق بَيْت الْكَافِر إِذَا تَعَيَّنَ طَرِيقًا إِلَى الْغَلَبَة عَلَيْهِ لَمْ يَمْنَع ذَلِكَ وُجُود النِّسَاء وَالذُّرِّيَّة فِي بَيْته , وَعَلَى تَقْدِير أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِالنِّفَاقِ فِي الْحَدِيث نِفَاق الْكُفْر فَلَا يَدُلّ عَلَى الْوُجُوب مِنْ جِهَة الْمُبَالَغَة فِي ذَمّ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا , قَالَ الطِّيبِيّ : خُرُوج الْمُؤْمِن مِنْ هَذَا الْوَعِيد لَيْسَ مِنْ جِهَة أَنَّهُمْ إِذَا سَمِعُوا النِّدَاء جَازَ لَهُمْ التَّخَلُّف عَنْ الْجَمَاعَة , بَلْ مِنْ جِهَة أَنَّ التَّخَلُّف لَيْسَ مِنْ شَأْنهمْ بَلْ هُوَ مِنْ صِفَات الْمُنَافِقِينَ , وَيَدُلّ عَلَيْهِ قَوْل اِبْن مَسْعُود " لَقَدْ رَأَيْتنَا وَمَا يَتَخَلَّف عَنْ الْجَمَاعَة إِلَّا مُنَافِق " رَوَاهُ مُسْلِم , اِنْتَهَى كَلَامه . وَرَوَى اِبْن أَبِي شَيْبَة وَسَعِيد بْن مَنْصُور بِإِسْنَادٍ صَحِيح عَنْ أَبِي عُمَيْر بْن أَنَس حَدَّثَنِي عُمُومَتِي مِنْ الْأَنْصَار قَالُوا : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَا يَشْهَدهُمَا مُنَافِق " يَعْنِي الْعِشَاء وَالْفَجْر . وَلَا يُقَال فَهَذَا يَدُلّ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ صَاحِب هَذَا الْوَجْه لِانْتِفَاءِ أَنْ يَكُون الْمُؤْمِن قَدْ يَتَخَلَّف , وَإِنَّمَا وَرَدَ الْوَعِيد فِي حَقّ مَنْ تَخَلَّفَ لِأَنِّي أَقُول بَلْ هَذَا يُقَوِّي مَا ظَهَرَ لِي أَوَّلًا أَنَّ الْمُرَاد بِالنِّفَاقِ نِفَاق الْمَعْصِيَة لَا نِفَاق الْكُفْر , فَعَلَى هَذَا الَّذِي خَرَجَ هُوَ الْمُؤْمِن الْكَامِل لَا الْعَاصِي الَّذِي يَجُوز إِطْلَاق النِّفَاق عَلَيْهِ مَجَازًا لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ مَجْمُوع الْأَحَادِيث . وَمِنْهَا وَهُوَ تَاسِعهَا مَا اِدَّعَاهُ بَعْضهمْ أَنَّ فَرْضِيَّة الْجَمَاعَة كَانَتْ فِي أَوَّل الْإِسْلَام لِأَجْلِ سَدّ بَاب التَّخَلُّف عَنْ الصَّلَاة عَلَى الْمُنَافِقِينَ ثُمَّ نُسِخَ حَكَاهُ عِيَاض , وَيُمْكِنُ أَنْ يَتَقَوَّى بِثُبُوتِ نَسْخِ الْوَعِيد الْمَذْكُور فِي حَقّهمْ وَهُوَ التَّحْرِيق بِالنَّارِ كَمَا سَيَأْتِي وَاضِحًا فِي كِتَاب الْجِهَاد , وَكَذَا ثُبُوت نَسْخِ مَا يَتَضَمَّنُهُ التَّحْرِيق مِنْ جَوَاز الْعُقُوبَة بِالْمَالِ , وَيَدُلّ عَلَى النَّسْخ الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي تَفْصِيل صَلَاة الْجَمَاعَة عَلَى صَلَاة الْفَذّ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه فِي الْبَاب الَّذِي بَعْد هَذَا , لِأَنَّ الْأَفْضَلِيَّة تَقْتَضِي الِاشْتِرَاك فِي أَصْلِ الْفَضْل , وَمِنْ لَازِم ذَلِكَ الْجَوَاز . وَمِنْهَا وَهُوَ عَاشِرهَا أَنَّ الْمُرَاد بِالصَّلَاةِ الْجُمُعَة لَا بَاقِي الصَّلَوَات , وَنَصَرَهُ الْقُرْطُبِيّ , وَتُعُقِّبَ بِالْأَحَادِيثِ الْمُصَرِّحَة بِالْعِشَاءِ , وَفِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ الْأَحَادِيث اِخْتَلَفَتْ فِي تَعْيِين الصَّلَاة الَّتِي وَقَعَ التَّهْدِيد بِسَبَبِهَا هَلْ هِيَ الْجُمُعَة أَوْ الْعِشَاء , أَوْ الْعِشَاء وَالْفَجْر مَعًا ؟ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَحَادِيث مُخْتَلِفَة وَلَمْ يَكُنْ بَعْضهَا أَرْجَح مِنْ بَعْض وَإِلَّا وَقَفَ الِاسْتِدْلَال , لِأَنَّهُ لَا يَتِمّ إِلَّا إِنْ تَعَيَّنَ كَوْنُهَا غَيْر الْجُمُعَة , أَشَارَ إِلَيْهِ اِبْن دَقِيق الْعِيد , ثُمَّ قَالَ فَلْيُتَأَمَّلْ الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي ذَلِكَ . اِنْتَهَى . وَقَدْ تَأَمَّلْتُهَا فَرَأَيْت التَّعْيِين وَرَدَ فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة وَابْن أُمّ مَكْتُوم وَابْن مَسْعُود , أَمَّا حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة فَحَدِيث الْبَاب مِنْ رِوَايَة الْأَعْرَج عَنْهُ يُومِئُ إِلَى أَنَّهَا الْعِشَاء لِقَوْلِهِ فِي آخِره " لَشَهِدَ الْعِشَاء " وَفِي رِوَايَة مُسْلِم " يَعْنِي الْعِشَاء " وَلَهُمَا مِنْ رِوَايَة أَبِي صَالِح عَنْهُ أَيْضًا الْإِيمَاء إِلَى أَنَّهَا الْعِشَاء وَالْفَجْر , وَعَيَّنَهَا السَّرَّاج فِي رِوَايَة لَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْه الْعِشَاء حَيْثُ قَالَ فِي صَدْر الْحَدِيث " أَخَّرَ الْعِشَاء لَيْلَة فَخَرَجَ فَوَجَدَ النَّاس قَلِيلًا فَغَضِب " فَذَكَرَ الْحَدِيث . وَفِي رِوَايَة اِبْن حِبَّانَ مِنْ هَذَا الْوَجْه " يَعْنِي الصَّلَاتَيْنِ الْعِشَاء وَالْغَدَاة " وَفِي رِوَايَة عَجْلَانَ وَالْمَقْبُرِيّ عِنْد أَحْمَد التَّصْرِيح بِتَعْيِينِ الْعِشَاء , ثُمَّ سَائِر الرِّوَايَات عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَلَى الْإِبْهَام . وَقَدْ أَوْرَدَهُ مُسْلِم مِنْ طَرِيق وَكِيع عَنْ جَعْفَر بْن بُرْقَانَ عَنْ يَزِيد بْن الْأَصَمّ عَنْهُ فَلَمْ يَسُقْ لَفْظه وَسَاقَهُ التِّرْمِذِيّ وَغَيْره مِنْ هَذَا الْوَجْه بِإِبْهَامِ الصَّلَاة , وَكَذَلِكَ رَوَاهُ السَّرَّاج وَغَيْره عَنْ طُرُق عَنْ جَعْفَر , وَخَالَفَهُمْ مَعْمَر عَنْ جَعْفَر فَقَالَ " الْجُمُعَة " أَخْرَجَهُ عَبْد الرَّزَّاق عَنْهُ , وَالْبَيْهَقِيّ طَرِيقَهُ وَأَشَارَ إِلَى ضَعْفهَا لِشُذُوذِهَا , وَيَدُلّ عَلَى وَهْمِهِ فِيهَا رِوَايَة أَبِي دَاوُدَ وَالطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَط مِنْ طَرِيق يَزِيد بْن يَزِيد بْن جَابِر عَنْ يَزِيد بْن الْأَصَمّ فَذَكَرَ الْحَدِيث , قَالَ يَزِيد : قُلْت لِيَزِيدَ بْن الْأَصَمّ : يَا أَبَا عَوْف الْجُمُعَة عَنَى أَوْ غَيْرهَا ؟ قَالَ : صُمَّتْ أُذُنَايَ إِنْ لَمْ أَكُنْ سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَة يَأْثِرُهُ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا ذَكَرَ جُمُعَة وَلَا غَيْرهَا . فَظَهَرَ أَنَّ الرَّاجِح فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة أَنَّهَا لَا تَخْتَصّ بِالْجُمُعَةِ , وَأَمَّا حَدِيث اِبْن أُمّ مَكْتُوم فَسَأَذْكُرُهُ قَرِيبًا وَأَنَّهُ مُوَافِق لِأَبِي هُرَيْرَة . وَأَمَّا حَدِيث اِبْن مَسْعُود فَأَخْرَجَهُ مُسْلِم وَفِيهِ الْجَزْم بِالْجُمُعَةِ وَهُوَ حَدِيث مُسْتَقِلّ لِأَنَّ مَخْرَجه مُغَايِر لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة , وَلَا يَقْدَح أَحَدهمَا فِي الْآخَرِ فَيُحْمَل عَلَى أَنَّهُمَا وَاقِعَتَانِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ النَّوَوِيّ وَالْمُحِبّ الطَّبَرِيّ , وَقَدْ وَافَقَ اِبْن أُمّ مَكْتُوم أَبَا هُرَيْرَة عَلَى ذِكْر الْعِشَاء , وَذَلِكَ فِيمَا أَخْرَجَهُ اِبْن خُزَيْمَةَ وَأَحْمَد وَالْحَاكِم مِنْ طَرِيق حُصَيْن بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ عَبْد اللَّه بْن شَدَّاد عَنْ اِبْن أُمّ مَكْتُوم " أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِسْتَقْبَلَ النَّاس فِي صَلَاة الْعِشَاء فَقَالَ : لَقَدْ هَمَمْت أَنِّي آتِي هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الصَّلَاة فَأُحَرِّق عَلَيْهِمْ بُيُوتهمْ . فَقَامَ اِبْن أُمّ مَكْتُوم فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه قَدْ عَلِمْت مَا بِي ؟ وَلَيْسَ لِي قَائِد - زَادَ أَحْمَد - وَأَنَّ بَيْنِي وَبَيْن الْمَسْجِد شَجَرًا وَنَخْلًا وَلَا أَقْدِر عَلَى قَائِد كُلّ سَاعَة . قَالَ : أَتَسْمَعُ الْإِقَامَة ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ فَاحْضُرْهَا . وَلَمْ يُرَخِّص لَهُ " وَلِابْنِ حِبَّانَ مِنْ حَدِيث جَابِر قَالَ " أَتَسْمَعُ الْأَذَان ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : فَأْتِهَا وَلَوْ حَبْوًا " وَقَدْ حَمَلَهُ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ كَانَ لَا يَشُقّ عَلَيْهِ التَّصَرُّف بِالْمَشْيِ وَحْده كَكَثِيرٍ مِنْ الْعُمْيَان . وَاعْتَمَدَ اِبْن خُزَيْمَةَ وَغَيْره حَدِيث اِبْن أُمّ مَكْتُوم هَذَا عَلَى فَرْضِيَّة الْجَمَاعَة فِي الصَّلَوَات كُلّهَا وَرَجَّحُوهُ بِحَدِيثِ الْبَاب وَبِالْأَحَادِيثِ الدَّالَّة عَلَى الرُّخْصَة فِي التَّخَلُّف عَنْ الْجَمَاعَة , قَالُوا : لِأَنَّ الرُّخْصَة لَا تَكُون إِلَّا عَنْ وَاجِب , وَفِيهِ نَظَرٌ , وَوَرَاء ذَلِكَ أَمْر آخَر أَلْزَمَ بِهِ اِبْن دَقِيق الْعِيد مَنْ يَتَمَسَّك بِالظَّاهِرِ وَلَا يَتَقَيَّد بِالْمَعْنَى , وَهُوَ أَنَّ الْحَدِيث وَرَدَ فِي صَلَاة مُعَيَّنَةٍ فَيَدُلّ عَلَى وُجُوب الْجَمَاعَة فِيهَا دُون غَيْرهَا , وَأَشَارَ لِلِانْفِصَالِ عَنْهُ بِالتَّمَسُّكِ بِدَلَالَةِ الْعُمُوم , لَكِنْ نُوزِعَ فِي كَوْنِ الْقَوْل بِمَا ذُكِرَ أَوَّلًا ظَاهِرِيَّة مَحْضَة فَإِنَّ قَاعِدَة حَمْل الْمُطْلَق عَلَى الْمُقَيَّد تَقْتَضِيه , وَلَا يَسْتَلْزِم ذَلِكَ تَرْكَ اِتِّبَاع الْمَعْنَى , لِأَنَّ غَيْر الْعِشَاء وَالْفَجْر مَظِنَّة الشُّغْل بِالتَّكَسُّبِ وَغَيْره , أَمَّا الْعَصْرَانِ فَظَاهِر , وَأَمَّا الْمَغْرِب فَلِأَنَّهَا فِي الْغَالِب وَقْت الرُّجُوع إِلَى الْبَيْت وَالْأَكْل وَلَا سِيَّمَا لِلصَّائِمِ مَعَ مُضِيِّ وَقْتهَا , بِخِلَافِ الْعِشَاء وَالْفَجْر فَلَيْسَ لِلْمُتَخَلِّفِ عَنْهُمَا عُذْر غَيْر الْكَسَل الْمَذْمُوم , وَفِي الْمُحَافَظَة عَلَيْهِمَا فِي الْجَمَاعَة أَيْضًا اِنْتِظَام الْأُلْفَة بَيْن الْمُتَجَاوِرِينَ فِي طَرَفَيْ النَّهَار , وَلِيَخْتِمُوا النَّهَار بِالِاجْتِمَاعِ عَلَى الطَّاعَة وَيَفْتَتِحُوهُ كَذَلِكَ . وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَة عَجْلَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عِنْد أَحْمَد تَخْصِيص التَّهْدِيد بِمَنْ حَوْل الْمَسْجِد , وَسَيَأْتِي تَوْجِيه كَوْنِ الْعِشَاء وَالْفَجْر أَثْقَل عَلَى الْمُنَافِقِينَ مِنْ غَيْرهمَا . وَقَدْ أَطَلْت فِي هَذَا الْمَوْضِع لِارْتِبَاطِ بَعْض الْكَلَام بِبَعْضٍ , وَاجْتَمَعَ مِنْ الْأَجْوِبَة لِمَنْ لَمْ يَقُلْ بِالْوُجُوبِ عَشَرَة أَجْوِبَة لَا تُوجَد مَجْمُوعَة فِي غَيْر هَذَا الشَّرْح |
| |
|