molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: سلاح ذو حدين - عبد الله بن علي الهزاني / الرياض الإثنين 30 يوليو - 5:36:25 | |
|
سلاح ذو حدّين
عبد الله بن علي الهزاني / الرياض
الخطبة الأولى أما بعد: فيا أيها الناس، إن التقوى حصنٌ حصين وملاذ أمين وأمانٌ للخائفين يوم يُجمَع الأولين والآخرين بين يدي رب العالمين، ألا فاتقوا الله تعالى ـ أيها الناس ـ لعلكم ترحمون. عباد الله، لأهمية الموضوع البالغة ولاعتماد الناس كلّ الناس على استخدامها سبق الحديث معكم في جمعَتين ماضيتين حول هذه التقنية الحديثة بآلاتها وأجهزتها ومخترعاتها المتسارعة، والتي غزَت العالم من كل حدَبٍ وصوب، فمنها المحرّم لذاته، ومنها ما يشمله حكم التحريم تبعًا للعمل المستخدم فيه، والمسلم ليس كغيره من الناس في تميّزه وانتمائه لهذه الشريعة الغراء التي رفعت قدر المسلم، وأعلت مكانته لما يحمله من توحيد لله تعالى وانتظام في صفوف الموحّدين خلف محمد بن عبد الله ، لذا عليه أن يحفظ هذا التميّز وهذه المكانة، ولا يتّبع كل ناعق، ولا يكون إمّعة إن أحسن الناسُ أحسن وإن أساؤوا أساء، ولكن عليك ـ أيها المسلم ـ أن توطِّن نفسك على نور من ربك وهدى نبيك. أيها المسلمون، ولِما نلحظه من سوءِ تعاملِ شريحة من الناس مع هذه التقنية الحديثة على اختلاف أنواعها كانت هذه التّذكرة على مدى ثلاث جمَع ذِكرى لقوم يعلمون، وإعذارًا إلى الله يومَ الوقوف بين يديه. أيها الناس، وإن الواجب علينا فيما سبق بيانه حولَ ذلك الاستخدام السيئ لهذه الآلة سواءً كانت مركبة أو مما يستخدِمه الناس في سائر شؤونهم مما ذكر لكم، فإنّه ينبغي لنا ونحن ندين الله تعالى بهذا الدين العظيم ورضينا به دينا نتعبّد الله به ونحتكم إليه أسلَمَةُ هذه التقنية، بمعنى جعلها مسخَّرة لخدمة تعاليم الإسلام والدعوة إلى الإسلام ونشر الفضيلة وتقديم النصيحة للمسلمين وتطويعها فيما ينفع الفردَ والمجتمع، لا أن يحصلَ ما لا يخفى عليكم من أمور منكرَة تنمّ عن عقلية أقرب ما تكون إلى البهيمية والجاهلية العمياء. أيّها الأحباب في الله، وإنّ مما طغى فعله من فئات عمريّة مختلفة في استخدام هذه التقنيات وجعلها مدخلاً جديدًا من مداخل الشيطان، والتي سوَّل بها لكثيرٍ من ضحايا التربية الإلكترونية والتربية الفضائية الخاطئة أن يسيئوا استخدامها بشكل تكون عاقبته وخيمة على المجتمع عاجلاً وعلى المستخدم آجلاً، وراح شرّها يستشري في المجتمع، فلم تعد تخلو مدارس أو جامعات أو أسواق أو مناسبات من وجود متربّصين عابثين وعابثات، همّهم أذية المسلمين وحبّ نشر الفاحشة بينهم، حيث تضمّنت هذه الأفعال المشينة ثلاثةَ محاذير شرعية وقع فيها من قلّ نصيبه من العقل والفهم والعلم والخشية والتقوى، وهذه المحاذير الثلاثة: أولها: حب نشر الفاحشة بين المسلمين، والله تعالى قد توعد مَنْ هذه حالُه وصفته فقال: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النور:19]، أي: يُحبون أن تشيعَ وتظهر وتنتشر، يحبون ذلك ويعمَلون له، كما قال قتادة رحمه الله: "أن يظهر الزنا وفعل القبيح"، وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله عند تفسيره لهذه الآية: "أي: الأمور الشنيعة المستقبحة المستعظمة، فيحبّون أن تشتهر الفاحشة فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:19]، أي: موجعٌ للقلب والبدن، وذلك لغشِّه لإخوانه المسلمين ومحبة الشَّرِّ لهم وجراءته على أعراضهم"، فإذا كان هذا الوعيد لمجرّد محبة أن تشيع الفاحشة واستحلاء ذلك بالقلب، فكيف بما هو أعظم من ذلك، وهو تولي نشره ونقله بالفعل والقول؟! وهذا من أبشع الظلم؛ لأنه من إشاعة الفاحشة بين المسلمين فعلاً". والأمر الثاني: ضدّ الأول، ألا وهو الستر على المسلمين وعدم التعرّض لهم بالأذى الحسّي والمعنوي، فالذي يحبّ الإشاعة تنافى فعله مع حبّ الستر، فعن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: ((الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ؛ لا يَظْلِمُهُ وَلا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) رواه البخاري، وعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ عن النبي قال: ((لا يستر عبدٌ عبدًا في الدنيا إلا سترهُ الله يوم القيامة)) رواه مسلم، فالواجب على المسلمين أن يكونوا جسدًا واحدًا وبنية متكاملة، يحنو بعضهم على بعض، ويستر بعضهم بعضا، لا أن يتقصّد بعضهم أذيّة بعض وإلحاق الضرر بأخيه المسلم، والله تعالى ذكره ستّير يحبّ الستر. أيّها المسلمون، إن هذا الاستخدام السيئ لهذه النعم تضمّن أمرًا خطيرًا على الأمّة والفرد، ألا وهو المجاهرة بالمعصية والتفاخر بها والتباهي بين الناس بفعلها، وهذا هو الأمر الثالث، فعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: ((كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ: يَا فُلانُ، عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ)) متفق عليه. قال ابن بطال: "في الجهر بالمعصية استخفاف بحقّ الله تعالى ورسوله وبصالحي المؤمنين، وفيه ضربٌ من العناد لهم، وفي التستّر بها السلامة من الاستخفاف، لأن المعاصي تُذلّ فاعلها، ومن إقامة الحدّ إن كان فيه حد، ومن التعزير، والذي يجاهر بالعاصي يفوته ذلك"، أرأيتم ـ يا عباد الله ـ كيف أن ربّكم تبارك وتعالى يحب الستر؟! بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، وأستغفر الله لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية الحمد لله الذي يمهل ولا يهمل وهو الحليم الغفور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه البررة. أما بعد: فاتقوا الله أيها الناس. أيها المسلمون، هذه الأمور الثلاثة آنفة الذكرِ شملها أمر عظيم، ألا وهو أذية المسلمين المؤمنين، فعن ابن عمرَ قال: صعد رسول الله المنبر فنادى بصوت رفيع فقال: ((يا معشر من قد أسلم بلسانه ولم يُفْضِ الإيمانُ إلى قلبِه، لا تُؤذُوا المسلمين، ولا تُعيِّروهم، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يَفْضَحْهُ ولو في جوف رحله)) رواه الترمذي وغيره، وقد قال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [الأحزاب:58]. أيها المسلمون، هذه الأمور الثلاثة ارتبطت ارتباطًا وثيقًا باستخدام التقنية وأجهزتها المختلِفة في هذا الزمن بين من لا خلاق لهم، بدل أن يستخدموها في نشر الفضيلة والدعوة إلى الله والنصيحة للمسلمين ونشر العلم النافع استخدمها أناس ماتت ضمائرهم وعميت قلوبهم وخربت ذممهم وغرّتهم الأموال التي بين أيديهم والفراغ الذي ملأ أوقاتهم، فلم يعد لأعراض المسلمين وحرماتهم ومشاعرهم قيمة عندهم، قال تعالى: فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ [الأعراف:6]، وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل:93]، وقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه عنه ابْنُِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ : ((نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ)) رواه البخاري، وقال القائل: إنّ الشبابَ والفراغَ والجِدَه مفسدة للمرءِ أيّ مفسَده فمن المسؤول ـ يا عباد الله ـ عن هذه المهازل؟! هل هم الآباء والأمهات؟! هل هي الجهات التي أناط بها ولي الأمر الحفاظ على الأمن وأعني بالأمن الأمن الشامل الذي أنيط بعدة جهات حكومية؟! هل هو المجتمع؟! في الحقيقة ـ أيها الإخوة ـ إننا جميعًا مسؤولون أمام الله تعالى حكامًا ومحكومين، ثم أمام ضمائرنا وأخلاقنا. يا عباد الله، إن القضية خطيرة جدًا، وإن سفينة المجتمع ستغرق إذا لم نقم لله بالحجة، إذا لم يقم كلّ واحد منا بواجبه المعلق في عنقه من النصيحة وإنكار المنكر والأخذ على أيدي السفهاء من البنين والبنات والزوجات، وعدم التساهل معهم فيما من شأنه أن يفضيَ إلى منكر ظاهر أو أذيّة للمسلمين بسبب التعامل السيئ والتصرف الأهوج مع هذه الآلات والأجهزة التي أنعم الله بها علينا، وإلا انقلبت علينا نقمة وشرا. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد...
| |
|