molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الإسلام والتقنيات الحديثة - عبد الله بن علي الهزاني / الرياض الإثنين 30 يوليو - 5:35:53 | |
|
الإسلام والتقنيات الحديثة
عبد الله بن علي الهزاني / الرياض
الخطبة الأولى أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى الذي يراكم حين تقومون، وإياكم والتنافس في الدنيا فتهلكَكم. أيها المسلمون، يكتنف جوانحي أملٌ عظيم فيمن حضر منكم لفريضةِ ربّه يحدوهم داعي الخير في نفوسهم لسماع الموعظةِ والذكرى أن يكون قد استقرّ في أذهانكم شيءٌ مما ذكر في الخطبة الماضية، حيث تكلّمنا فيما سبق عن ثلاثة محاور: أُولاها: حثّ الإسلام معتنقيه على العلم بأنواعِه وأنه يدعو إلى البحث وزيادة التعلّم: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا [طه:114]، والثاني: أنّ التقنية العلمية نِعمة من نعم الله تعالى وآية من آياته الدالة على عظمتِه ورحمته بعباده، والثالث: أنّ هذه التقنية العلمية بآلاتها وأجهزتها المتعددة إذا استُخدمت في الخير كانت خيرًا ونعمة، وإذا استخدِمت ع+َ ذلك كانت شرًّا على مستخدميها. والأصل في هذه الأجهزة كما قرّرناه سابقًا هو الإباحة، وما أدّى استخدامُه إلى الحرام فهو حرام، وحينئذ يكون درء المفاسد مقدّم على جلب المصالح، فالحكم يدور مع العلّة وجودًا وعدمًا. وحيث إننا نعيش انفتاحًا فجًّا واستخدامًا للآلاتِ معوجًّا غير مدروس ولا مقنّن لاستخدام هذه التقنية فإني لا أستبعِد ـ والعلم عند الله تعالى ـ تفاقمَ الحالة التي نعيشها، فالتغيّر الاجتماعي وتسهيل سبُل الفسادِ عن طريق القنوات الفضائية والشبكة العنكبوتية والسفر إلى البلدان التي تنتشِر فيها الإباحية ومصاحبة أصحاب الشهوات، كلّها تضرم الفساد في البر والبحر، وتدفع إلى إشعال الشهوات والشبهات دفعا، وتؤجّج الغرائز المكبوتة في النفوس حتى تنفجِر في لحظة غيابِ الرقيب وضعف الدين وزخرفة أهل الباطل لباطلهم، حتى أضحى هذا العالم الكبير كأنه فندق يقطنه شتى أنواع البشر، يؤثّر بعضهم في بعض، فبقدر ما حقّقته التقنيات الحديثة من خدمة للبشرية سهّلت الحياة وجعلَتها أكثر رفاهيّة ومكّنت بني البشر من التواصل فيما بينهم، إلا أنها في نفس الوقت حرّفت كثيرًا منهم عن الطريق السوي، بسبب سوء التعامل مع هذه النّعم التي هي في واقع الأمر جديدة على المجتمع، وما هذا الهوَس من الصغير والكبير والشباب والشابات لاقتناء هذه التقنية وخاصة فيما يتعلق بأجهزة الهاتف النقال وأجهزة التصوير ومثيلاتها مما يخصّ القنوات ودفع الأموال الطائلة لشراء كلّ جديد تباهيًا وتفاخرًا وتنافسًا في ملذّات الدنيا، فإن هذا دليلٌ على ضعف الوازع الديني واستحكام الفراغ والخواء الفكريّ على العقول، مع توفّر المال في أيدي السفهاء، وتناسي القيَم والمبادئ التي حثّ عليها ديننا الإسلاميّ، ولقد تمثَّل هذا على وجه الخصوص في تصوير العورات وإرسال الرسائل قبيحة اللّفظ سيئة المعنى وسوء الظن ونشر الرذيلة والكذب والبهتان في أوساط المجتمع، وليس هذا فحسب بل إنّه يترتب عليه مفاسد ومنكرات، منها الإخلال بأعراض المسلمين، إذكاء المشكلات الأسرية، إشاعة الفواحش في المجتمع، أذيّة المؤمنين والمؤمنات، سوء عاقبة فاعِله في الدنيا والآخرة، وكل هذه العواقب مما تظاهرت النصوص على تحريمه وتبشيعه. ولستُ هنا أفشِي سرًّا أو أذيعُ مخبوءًا حين أقول: إنّ ثمة عددًا من الوقائع من هذا القبيل، فاحت رائحتُها ونشرت صورها عن طريق هذه التقنية، حتى ضَجِر منها الأسوياء وأعلنوا النكير الكبير عليها، وهو أيضًا دليلٌ قويٌ على ضحالة وسطحية هذه العقلية التي تتعامَل مع هذا النوع من التقنية التي تحتاج بحقّ إلى دراية بكيفيّة استغلالها استغلالاً ينفَع المرء في نفسه ومجتمعه وأمّته, مع تقوَى الله تعالى في ذلك، وربّما كان هؤلاء ممن حصّل على الثقافة والفهم، ولكنهم يفتقدون الأخلاق الإسلامية، بل وحتى الأخلاقيّات الإنسانية، ولم يراقبوا الله تعالى فيما بين أيديهم منها، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:124]، يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنْ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [الروم:7]. أيها المسلمون، وبعد أن علمنا وتذكّرنا ذلك فيما يتعلّق بشرعية استخدام الآلة وحكم الإسلام فيها، ونظرة بعض من أفراد المجتمع لهذه الآلة وكيفية التعامل معها، فإنه يجدر بنا القول بحتمية الأخذ على أيدي السفهاء من الناس وبقوّة وحزم حتى وإن كانوا كبارًا وذوي جاهٍ ومنصب ومكانه؛ لأنّ كثيرًا من العوائق والمشاكل في المجتمع يكون وراءها في غالب الأحيان أولئك الأصناف من الناس، فإنّ مَن أمِن العقاب أساء الأدب، وإن الله ليزَع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، والله عز وجل أعطى ولاةَ الأمر هذا الحقّ وجعله أمانة في أعناقهم تجاه من ولاّهم الله أمرهم، قَالَ أَبو بَكرٍ : إِنَّا سَمِعْنَا النَّبِيَّ يَقُول: ((إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابٍ))، وفي رواية أخرى عَنْه يَقُولُ: ((مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي ثُمَّ يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا ثُمَّ لا يُغَيِّرُوا إِلاَّ يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ مِنْهُ بِعِقَابٍ)) رواه أبو دَاوُد، وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنها قالت: َقَالَ رَسُولُ اللَّهِ لأسامة: ((أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟!)) ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ فَقَالَ: ((أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ. وَايْمُ اللَّهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا)) رواه مسلم. فاتقوا الله يا عباد الله، ولا تكونوا من المسرفين، فإنّ من تعدى الحدّ في استخدام النعمة انقلبت عليه نقمة وباء بالخسران، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ[المائدة:87]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، وأستغفر الله لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية الحمد لله الذي وفق من شاء للهُدى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله أيها الناس، ولا تغرنكم الحياة الدنيا. عباد الله، لقد وَجد الباحثون والمحققون من علماء الإسلام أن البدايات الأولى للفواحش هي إبداء ما أمر الله بستره، وما يتعامل به مَن في قلوبهم مرض من تشجيعٍ لانتشار الرذيلة والفساد وكشف العورات وابتزاز النساء بصورهنّ، ومطالبتهنّ بما فيه انتهاك أعراضهن، وهذا حاصل عبر الصور التي يحتالون في الحصول عليها، فالله جلَّ شأنه يأمر بالستر ويرغب فيه ويمنع من هتكه، لكنَّ شياطين الأنس والجن يأبون ذلك ويسعون لكشف العورات وإظهار السوءات كما أخبر الله عنهم في كتابه الكريم، وحذر من متابعة سبيلهم، فقال عزَّ من قائل: يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ [الأعراف:27]، وقال سبحانه قبل هذا مخبرًا عمَّا ناله إبليسُ من الأبوين الكريمين عليهما السلام: فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا [الأعراف:20]، فأين العقلاء من رجال بلدي؟! وأين أهل الغيرة من رجال بلدي؟! أين الناصحون؟! أليس منهم رجل رشيد يأخذ على يد السفيه بل السفهاء الذين كثر سوادهم وظهر نقيقهم وقلّ نفعهم لأنفسهم ومجتمعهم؟! ألا فاتقوا الله أيها الناس، وكونوا أكثر وعيا وإدراكًا، واحفظوا هذه النعَم من الزوال بالشكر واستعمالها فيما يرضي الله تعالى وفيما ينفع. هذا وصلوا وسلموا على النبي المختار محمد بن عبد الله...
| |
|