molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الإسلام والعلم الحديث - عبد الله بن علي الهزاني / الرياض الإثنين 30 يوليو - 5:34:57 | |
|
الإسلام والعلم الحديث
عبد الله بن علي الهزاني / الرياض
الخطبة الأولى أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا ربكم الذي خلقكم، ومن نعمه رزقكم، جعلكم في صحة وعافية، وألبسكم لباس الستر تسترون به سوأتكم، فاتقوا الله الذي لا يخفى عليه من أعمالكم ما تسرّون وما تعلنون. عباد الله، إن الإسلام دين حضارة وعلم وتقدّم، كما هو دين دعوة وعقيدة وشريعة، وما عرفت البشرية ذلك إلا بعد أن علّمها الإسلام وفتح لها آفاقًا واسعة في شتى أنواع العلوم، يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [المجادلة:11]، والرسول ندَب أصحابه والأمة من بعدهم إلى التعلم واستخدام كل ما هو مفيد للمسلم في دينه وحياته، وعندما تقهقرت الأمة الإسلامية في عصور الانحطاط وتقاعست وتفرقت دويلات وجماعات متناحرة تولّى زمام القيادة أعداؤها، فاغتنموا الفرصة، وسلبوا إرث الأمة العلمي بعد سقوط الأندلس، وفعلوا فيه الأفاعيل، ومن ثم نسبوه إلى أنفسهم إلى يومنا هذا الذي نعيش فيه تقدّمًا عاليًا في مجال التقنية وعالم الصّناعة الدقيقة والسريعة. والإسلام يشجّع العلم والبحث العلميّ ويرحّب بتقدّم شتى أنواع العلوم المفيدة للبشر؛ لأن فيها آية من آيات الله تعالى، لقوله سبحانه: وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ [النحل:8]، هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ [الملك:15]، فكل هذه الصناعات هي من فضل الله عز وجل على عباده، وهي آية من آياته الدالة على عظمته وقدرته وأنّ البشر ـ كما قال سبحانه عنهم: وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً [الإسراء:85] ـ عاجزون إلا ما هيّأه الله تعالى لهم، وحيث أنّنا نسمع دعوات مضلّلة يزعم قائلوهًا زورًا وبهتانًا أن المتديّنين يرفضون التقنيةَ والتطوّر والتقدّم العلمي، وأمثال من يطلقون هذه الترّهات من سقط الكلام قد ظلموا أنفسهم، وقبل ذلك ظلموا دينهم الذي يشجّع العلم والتعلّم بشتى أنواعِه المفيدة النافعة للبشر، والمتديّن لازمته هذه الصّفة لأنه ظهر عليه التمسّك والاستقامة على دينه أكثر من غيره، واتبع أوامره ونهى نفسه عما نهاها عنه دينه، فلم يكن متفلّتًا معطِيًا نفسَه العِنان كلّما اشتهت راح ينطلق معها حيثما توجهت. يقال هذا ـ أيها الإخوة في الله ـ لما نراه وترونَه من العجب العجاب من حال الناس وأفعال الناس مع كل جديد وحديث. نعم، النفس البشرية مولَعة بحبّ كل جديد وحب الاستطلاع عليه، لكن ـ أيها الإخوة ـ أجزم أنّ العقلاء منكم يتّفقون معي أنّ الله تعالى زوّدنا بعقول ندرك بها الضارّ والنافع، ثم هو سبحانه لم يتركنا هملاً لعقولِنا، بل أنزل علينا شريعةً تنظم حياتنا في الصغيرة والكبيرة والخاصة والعامة، مع ربّنا ومع أنفسنا ومع الناسِ ومع الحياة بشكل عام، وهذه الشريعة تتوافق مع العقلِ السليم، قال تعالى: وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [سبأ:6]، كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [البقرة:242]، إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [الرعد:4]، بل إنّ كثيرًا من علماءِ الغرب دخلوا في دين الله تعالى عندما ظهر لهم أنّ هذا الدين من خلال القرآن الكريم يشجّع العلومَ التطبيقيّة والبحثيّة، وظهرت لهم المسائل العلمية التي تطابقت مع آي القرآن الكريم، والتقنية الحديثة بشتى أنواعها في الغالب أنها تصنّع في دول غير مسلمة، وديننا كما أسلفت لكم لا يمنعنا من الاستفادة منها إذا لم يكن فيها ـ أي: في ذاتها ـ ضررٌ أو مخالفَة شرعية، أو استخدمت لغرضٍ ينافي مقاصدَ الشريعة كتحليل حرام أو تحريم حَلال أو إفساد في الأرض أو إيذاء لمسلم، فهنا ينبغي لنا أن ندرِك خطورةَ ذلك على الفردِ والمجتمَع، وأنها أصبحت محرّمة في هذه الحال، مثال آلاتِ التّصوير وغيرها من سائر الآلات والأجهِزة والأدوات، وهذه الأجهزة الدقيقة والمعدّات والمحرّكات الكبيرة وغيرها نعمة من نِعَم الله تعالى على عبادةِ سخّرها لهم: أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً [لقمان:20]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، وأستغفر الله لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية الحمد لله صاحبِ المنّة والفضل على عباده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمّدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلّم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين. أمّا بعد: فاتقوا الله ـ أيها الناس ـ لعلّكم تفلحون. أيّها المسلمون، لا شكّ أنّنا في عصرٍ اعتمَد النّاس فيه اعتمادًا كبيرًا على الآلة، وهذه الآلات كما أسلَفنا سلاح ذو حدّين، وهي على حسَب مستخدِمها، فإن كان المستخدِم ممن عرف حقَّ الله تعالى فيها وراقَب الله عز وجل عند استعمَالها صيّرها نعمةً مفيدة بل ووسيلةً نافعة للدّعوة إلى دين الله تعالى ونشر الفضيلة ونصح الأمة، ولنعلم جميعًا أنّنا محاسَبون على هذه النّعَم التي أوجدها العزيز الحكيم بتعليم الإنسان بما أعطاه من العقل، وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ [النحل:8]، عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق:5]، وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا [البقرة:31]، والرسول يقول: ((أنتم أعلم بشؤون دنياكم)) فيما يصلحها ولا يخرج عن حدود الشريعة، وربّنا عز وجل أخبرنا أنه سيُرِي خلقه آياته في الآفاق حتى يتبيّن لهم الحقّ من دين الله، فيهتدوا ويعرفوا لله حقّه من التوحيد والعبادة في كل ما أنعم الله به عليهم: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [فصلت:53]. اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد...
| |
|