molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: أسباب محبة الله تعالى (2) - عبد الله بن علي الهزاني / الرياض الإثنين 30 يوليو - 5:33:13 | |
|
أسباب محبة الله تعالى (2)
عبد الله بن علي الهزاني / الرياض
الخطبة الأولى أما بعد: فاتقوا الله ـ أيها المسلمون ـ واعلموا أن التقوى عمل القلب والجوارح، وليست قولاً باللسان أجوف، بل هي مخافة القلب من الله، ومراقبة القلب لله.
عباد الله، تسعد وإياكم في هذه الجمعة بمعرفة خمس لآلئ من الأسباب العشرة الموجبة لمحبة الله تعالى، إذ الشأن كله أن تُحَب وليس أن تُحِب فقط، كما قال المولى عز وجل عن عبادة المخلصين له القائمين له بما أوجب حيث أحبوا ربهم فأحبهم رَّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ [المائدة:119]، داعياً ربي القريب المجيب أن ينفعني وإياكم بها، وأن يجعلني وإياكم من العالمين العاملين.
أيها المسلمون، إن اللؤلؤة السادسة هي: مشاهدة بره عز وجل وإحسانه، وآلائه الباطنة والظاهرة فيك وعليك أيها الإنسان وفي الكون، فإنها داعية إلى محبة الله تعالى، وكما قيل فإن العبد أسير الإحسان، فالإنعام والبر واللطف، معاني تسترق مشاعر الإنسان، وتستولي على أحاسيسه، وتدفعه إلى محبة من يسدي إليه النعمة، ويهدي إليه المعروف.
ولا مُنعم على الحقيقة، ولا محسن على الحقيقة إليك وعليك إلا الله، فكل ما في هذا الكون خلقه الله من أجلك أيها العبد، أيها المخلوق الصغير، حتى ملائكته جعلهم في خدمتك، لتعرف بذلك مدى بره وإحسانه إليك، ولطفه ورحمته بك، فأنت حينما تتفكر في آلاء الله، وتمعن النظر في قدرة الله عز وجل، يقودك ذلك إلى محبته، أليس التفكر والتأمل في كل هذا الكون الفسيح، وما فيه، من دواعي محبته سبحانه؟ أليس هو من دواعي زيادة الإيمان؟ بلى والله، ولكن كما قال الله عز وجل عنك أيها الإنسان.
وأما الجوهرة السابعة من ذلك الكنز الذي لا يقدر بثمن فهي: انكسار القلب بكليته بين يدي الله تعالى، والان+ار هو الخشوع لله والإخبات له، والتذلل والافتقار، ومراعاة الأدب مع الله، وكلها معان تدل على خشوع القلب لله تعالى، كان الحسن بن علي إذا توضأ اصفر لونه، فقيل له: ما هذا الذي يعتادك عند الوضوء ؟ فيقول: أتدرون بين من أريد أن أقوم؟ لقد كان القوم يحبون ويحيون الصلاة، فتحيا قلوبهم بها، وتقر أعينهم فيها، وكيف لا تقر أعينهم بها وهي حية في قلوبهم، والرسول يقول: ((... وجعلت قرة عيني في الصلاة...)) أحمد والنسائي.
أخي المبارك، وإني على ثقة أنك ذو فطنة وفهم، بأنك تعي أن المقصود بالخشوع ليس الخشوع في الصلاة فقط، وإنما أيضاً خارج الصلاة وذلك بمعناه الذي ذكرت لك.
والجوهرة الثامنة هي: الخلوة به سبحانه وتعالى وقت النزول الإلهي، لمناجاته وتلاوة كلامه، والتأدب بأدب العبودية بين يديه، ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة، وهذا السبب من أبلغ أسباب المحبة، لأنه من أصدق دلائل الأدب في العبودية مع الله، ولقد أثنى الله على أهل قيام الليل، ومدحهم بقوله، وهذا رسول الله يقول لمعاذ بن جبل : ((ألا أدلك عل أبواب الخير؟ الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ النارَ الماءُ، وصلاة الرجل من جوف الليل))، ثم قرأ: تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ [السجدة:16]، أحمد والترمذي والنسائي، وقال عليه الصلاة والسلام: ((وأفضل الصلاة بعد الفريضة، صلاة الليل)) مسلم، وهذا الفضل لا يمتنع عن الدخول في العبادات الأخرى، قال ابن رجب: "فيدخل فيه من انتظر صلاة العشاء فلم ينم حتى يصليها، لا سيما مع حاجته إلى النوم، ومجاهدة نفسه على ذلك، ومن انتظر الصلاة بعد الصلاة" ولكن صلاة الليل لا يزال لها مزية خاصة، ولهذا فلا عجب أن يتنزل أمين الوحي جبريل عليه السلام على الأمين الصادق المصدوق ويقول له: ((واعلم أن شرف المؤمن، قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس)) الطبراني والحاكم.
أما اللؤلؤة التاسعة فهي: مجالسة الأخيار المحبين الصادقين في الله، وطلب الاستفادة منهم وإفادتهم، مع حفظ اللسان عما لا يفيد من لغو القول وفضوله، ولعل أحدكم يتسأل فيقول: كيف يكون هذا من أسباب محبة الله، وهو أمر قائم بين العباد؟ فأقول لك: هون على نفسك وهاك الدليل على ما ذكرنا، فلعلها تطمئن نفسك، لقد جاءت البشرى بذلك، وزُفت إلى أهل المحبة في الله عبر الوحي، قال رسول الله : ((قال الله عز وجل: وجبت محبتي للمتحابين فيَّ، والمتجالسين فيَّ، والمتزاورين فيَّ والمتباذلين فيَّ)) أحمد ومالك في الموطأ وهو صحيح.
وإن كنت ـ يا أخي ـ ممن لا تطمئن نفوسهم بالدليل الواحد... فهاك آخر فعن أبي هريرة عن رسول الله : ((أن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى، فأرصد الله تعالى على مَدْرَجته ملكاً، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخاً لي في هذه القرية، قال: هل لك من نعمة تَرُبُّها؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله تعالى، قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه)) مسلم، وكما تعلم: ((أوثق عرى الإيمان الحب في الله، والبغض في الله)) وكما لا يخفاك ـ أيها العاقل الفطن ـ فإن ((الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل)). ونسوق لك الأدلة من أجل أن تتبين الحق وتعلمه وتعمل به.
قال عمر بن الخطاب قال رسول الله : ((إن من عباد الله لأناساً ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله تعالى)) قالوا: يا رسول الله تخبرنا من هم؟ قال: ((هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم على نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس)) ثم قرأ هذه الآية: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، أبو داود وابن حبان.
ثم اعلم بأنك مأمور أن تقول خيراً أو تصمت؛ لأن ذلك من مقتضيات الإيمان، وكما قال لك نبيك وحبيبك محذراً لك: ((إن العبد ليتكلم بالكلمة، ما يتبين ما فيها، يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب)) مسلم، وإليك هذا الحديث الذي الوجيز في ألفاظه، العميق في معانيه، حيث تزداد الحاجة إليه في مواضع الخلطة مع الناس، وفي مواطن الفتن، حيث يكون الصمت حكمة ونجاة، قال رجل للنبي يا رسول الله ما النجاة؟ قال: ((أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك)) الترمذي.
أما الجوهرة العاشرة: فدعني وإياك نعمل بما عمل به المصطفى في خطبه، حيث كان يجلس ما بين الخطبتين جلسة خفيفة، ثم نتعرف وإياكم عليها . نفعني الله وإياكم بما سمعنا.. وبارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا ..
الخطبة الثانية الحمد لله الذي منَّ على عباده بالعطايا والهبات، وهداهم للإيمان به وهم يسألونه الثبات، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد الأحد، الذي بيده المحيا والممات، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، عليه من الله أفضل السلام وأ+ى الصلوات، وعلى آله وأصحابه الذين صبروا وجاهدوا في الله حتى الممات، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الحسرات.
أما بعد: فيا أيها المسلمون، اتقوا الله، وخذوا حذركم، ولا تغرنكم الحياة الدنيا، وقدموا لأنفسكم ما تحبون أن تجدوه غداً في صحائف أعمالكم، يوم الوقوف بين يدي الله تعالى.
أيها الناس، وقفنا على نظم الجوهرة العاشرة من ذلك العقد، الذي نظمه لك عالم من علماء أمتك، عالم ذاع صيته في الآفاق، فنفع الله به خلقاً كثيراً، ألا وهو العلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله رحمة واسعة، حيث قال فيها: مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل.
أيها الإخوة في الله، لا خيار للإنسان إذا أراد حقيقة محبة الله، في أن يسعى للمحافظة على قلبه من كل آفة وعيب وفساد ينافي ما يحبه الله تعالى، فالقلب إذا فسد فلن يجد المرء فائدة فيما يصلحه من شؤون الدنيا المادية، ولن يجد نفعاً أو +باً في أخراه، وكان يقول في دعائه: ((وأسألك قلباً سليماً)) ومحمد بن سيرين يذكر لنا بعضاً من المعاني، التي يظل القلب بها سليماً حياً، ليصدق عليه وصف السلامة، فيقول: "القلب السليم هو أن يعلم أن الله حق، وأن الساعة حق آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور" وهذه وصية جامعة من عالم عارف.
أما ابن تيمية .. فله اختيار جامع في معنى القلب السليم، يقول فيه: هو "القلب السليم مما سوى الله، أو مما سوى عبادة الله، أو مما سوى إرادة الله، أو مما سوى محبة الله".
و اعلم أن أمراض القلوب كثيرة، أحصرها لك في ثلاثة أمور، الأول منها: الشبهات، فإنها تورث شكاً في دين الله، والثاني الشهوات، فإنها تورث تقديم الهوى على طاعة الله ورضاه، الثالث: الغضب، فإنه يورث العدوان على خلق الله، ومن خلال هذه الأبواب الثلاثة تلج الذنوب والمعاصي المفسدة للقلوب.
وتلك الأمور الثلاثة ترجع في أصولها إلى أصول ثلاثة هي: 1) تعلق القلب بغير الله، وغايته الشرك بالله، وهو للأول. 2) طاعة النفس في الشهوة، وغايتها الزنا وهو الثاني. 3) طاعة النفس في الغضب، وغايتها القتل، وهو لثالث. وقد نزه الله عبادة المتقين أصحاب القلوب السليمة عنها، فقال في وصف عباد الرحمن.
فيا عبد الله، هذه خمسة أسباب كالجواهر، نُظمت لك في عقد ينفعك الله بها في دينك ودنياك وآخرتك، فانتفع بها ـ يا رعاك الله ـ وكن ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، فإن الناس يسمعون كثير ويعلمون كثيراً ولكن المنتفعين العاملين قليل. هذا وصلوا على خير الورى، نبي الرحمة والهدى، محمد النبي المصطفى، فقد أمركم الله بهذا ودعاكم نبيكم إلى الإكثار من الصلاة والسلام عليه، فصلوا عليه حين يذكر اسمه، وخاصة ليلة الجمعة ويومها.
| |
|