molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: السعداء في الآخرة - عبد الله بن عبد المجيد بولحاج الإثنين 30 يوليو - 5:15:28 | |
|
السعداء في الآخرة
عبد الله بن عبد المجيد بولحاج
الخطبة الأولى أما بعد: فيا أيها الإخوة المؤمنون، أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102]. أيها المؤمنون، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه)). إخوة الإيمان، في هذا الحديث النبوي الشريف بيان شاف وتقسيم لطيف لأولئك السعداء الأبرار الذين نالوا الكرامةَ الإلهية والسعادةَ الأبدية في دار الخلد والنعيم بسبب الأعمال الصالحة التي قدموها في الدنيا والخصال الحميدة التي اتصفوا بها، فالرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم يحدّثنا عن شمول العناية الإلهية والرحمة الربانية تحت ظل عرش الله الكريم لكل من اتصف بواحدة من تلك الخصال الحميدة التي يحبها الله ورسوله، ولقد أوضحها عليه الصلاة والسلام في أجمل عرض وأقوى بيان؛ ليلهب نفوسَ المؤمنين ويحرّك فيهم روحَ الإخلاص والعمل الصالح، ليسيروا على المنهج القويم ويقتدوا بالأخيار الأطهار من عباد الله الصالحين. فأول السبعة الكرام المحبوبين عند الله المقربين إلى جلاله والمستظلين بظله الإمام العادل، والمراد به الخليفة السلطان الراعي الذي ولاّه الله أمور المسلمين وقلده شؤونهم في بلد من بلاد الإسلام، وبسط يده فيه لإقامة الدين وحفظ شريعته وأحكامه، ولتحقيق العدل والإنصاف بين الناس من أفراد رعيته، والسهر على المصالح الدينية والدنيوية للبلاد والعباد، وكذلك من ينوب عنه من ولاة الأمور وقضاةِ الأحكام، وكذلك من له سلطة على غيره إذا استقاموا في أعمالهم وأخلصوا في مسؤوليتهم وعدلوا في أحكامهم بين الناس، يكونون تحت ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله، مصداقا لهذا الحديث النبوي الشريف، ولقوله في حديث آخر: ((إنَّ المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين؛ الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا))، ومصداقا لقوله تعالى: وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الحجرات: 9]. وثاني السبعة الذين يظلّهم الله في ظله يوم القيامة الشابُّ الذي نشأ في عبادة الله، وكذلك الشابة المسلمة التي نشأت في عبادة الله، وذلك بامتثال أوامر الله عز وجل، من تلك الفرائض والطاعات الواجبات، ولا يقصر ولا يتهاون فيها، واجتناب نواهيه من الغش والخداع والبغض والحسد والمكر وأكل أموال الناس بالباطل وغير ذلك من المعاصي، وذلك منذ بداية شبابه ومقتبَل عمره، وفوق ذلك يجمع بين العمل الصالح لدينه ودنياه، وفي ذلك يقول نبينا عليه الصلاة والسلام: ((إن لربك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه)). وإذا أردنا أن نكون من هذا الصنف المبارك فلا يسعنا إلا أن نرجع إلى سيرة الحبيب المصطفى ، هذه السيرة العطرة التي مع الأسف أصبحت غريبة بين المسلمين، فشباب النبيّ يتميز بمسائل ثلاث، ما أحوج شباب الأمة إليها في عصر ظهر الفساد فيه في البر والبحر بما +بت أيديهم، المسألة الأولى: العفة والطهارة، فالنبي عفيف طاهر، لم يشرب خمرا قط، ولم يزنِ قط، ولم يسجد لصنم قط، فهو طاهر في سريرته، طاهر في صورته، طاهر في سيرته ، المسألة الثانية: الكد والعمل، فقلد كان يرعى الغنم لأهل مكةَ على قراريط، المسألة الثالثة: المشاركة الفعّالة في القضايا المهمة للدولة، فلقد اشترك في حرب الفجار وحِلف الفضول وفي بناء الكعبة المشرفة. وثالث السبعة ـ أيها الإخوة في الله ـ رجل قلبه معلّق بالمساجدِ، في رمضان وغير رمضان، فقلبه عامر بحب المساجد بالحضور إليها للصلاة مع الجماعة، واغتنام ثوابها وأجرها، والاستماع إلى تلاوة القرآن الكريم والدروسِ العلمية للتفقّه في الدين، وهو بذلك حين يخرج من المسجد يتشوّق إلى الساعة المقبلة واللحظة التي يعود فيها إليه، لأنه بيت الله، وأحبُّ البقاع إلى الله، ومكانُ سكينةِ النفس واطمئنانها، ومحل سعادتها وراحتها بالتوجه إلى الله وذكره وعبادته، قال الله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ [الرعد: 28، 29]. ورابع السبعة ـ أيها المؤمنون ـ رجلان تحابا في الله وفي طاعته وطاعة رسوله ، يجتمعان عليها كلما التقيا، بنفس طيبة وروح صادقة وقلب سليم وشعور صاف خالص، يتعاونون على خير الدنيا والآخرة، ويتبادلون الود والاحترام المطلوبين من المسلم تجاه أخيه المسلم، فليست محبتُهما قائمةً على طمع مادي، ولا مبنيةً على غرض دنيوي، ولا على مصلحة من المصالح الدنيوية، كما هو حال بعضِ الناس اليوم، فهناك بعض الإخوة يحبون هذا ويبغضون ذاك، يقرّبون هذا ويبعدون ذاك، يسلّمون على هذا ويعرضون عن ذاك، كل هذا بدعوى أو بحجة أنه فلان أو ابن فلان أو أنه من جماعتنا ومن ح+نا، فمن العار ـ أيها الإخوة ـ أن تكون هذه حالتنا ونحن أمةُ محمد ، هذه الأمة التي هي خير الأمم، يجمعها ربّ واحد ودين واحد، وتجمعها كلمة واحدة كلمة: "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، فهذه المحبة لا تكون صادقة راسخة، وقديما قال أهل العلم: ما كان لله دام واتَّصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل، فإذا كنت ـ أيها الأخ المسلم ـ تحبّ أخاك المسلم لوجه الله تعالى فأبشر بمحبّة الله لك، فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((قال الله تعالى: وجبت محبتي للمتحابّين، في وللمتجالسين فيّ، وللمتزاورين فيّ، وللمتباذلين فيّ)). وخامس السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم القيامة رجل دَعته امرأة ذات منصب وجمال للوقوع بها فيما حرم الله ولكنه استحضر عظمةَ الله ومراقبتَه في السرّ والعلن، وتذكّر حسابَه وعقابَه، فامتنع عن ذلك، وغالب نفسه على الوقوع في الإثم والمعصية، ولم يستسلم للإغراء، لا بالمكانة، ولا بالمال، ولا بالجاه، ولا بالجمال، وقال مثلَ ما قال سيدنا يوسف عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام: مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [يوسف: 23]، وذلك شأن عباد الله الصالحين المخلصين الذين يتّقون الله ويراقبونه في الظاهر والباطن، مستحضرين في ذلك قوله سبحانه: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [الحديد: 4]. وسادس السبعة رجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، والمراد به أنه يكتم الصدقة ويخفيها عن أعين الناس؛ حتى تكونَ سليمةً من كلّ سمعة ورياء، وتبقى خالصةً لوجه الله الكريم، مصداقا لقوله تعالى: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [البقرة: 271]. نفعني الله وإياكم بالقرآن المبين، وبحديث سيّد الأولين والآخرين، ووقانا وإياكم من عذابه المهين، وختم لي ولكم بالحسنى والزيادة يوم لقاء وجهه الكريم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على النبيّ الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يومِ الدّين. أما بعد: فيا أيها الإخوة المؤمنون، أما آخر السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله فرجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه، رجل ذكر الله عز وجل في مكان منفرد فيه عن أعين الناس، فتأمل في ملك الله وملكوته، أو قرأ آية من القرآن الكريم، فاستحضر قدرةَ الله وعظمتَه ورحمته وعذابه، أو تذكر ما صدر منه من الذنوب والآثام والتفريط في حقوق الله وحقوق عباد الله، فندم وتأثر، وتضرّع واستغفر، وبكت عيناه من خشية الله إشفاقا وخوفا من عذابه، يقول النبي في ثواب ذلك البكاء: ((عينان لا تمسّهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله)). ألا فاتقوا الله عباد الله، وأكثروا من الصلاة والسلام على النبيّ الأمين محمد بن عبد الله. اللهم صلّ على سيّدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد...
| |
|