molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: وقفات مع تفجير مبنى الأمن العام - عبد الله بن عبد العزيز التميمي / الرياض الأحد 29 يوليو - 6:35:06 | |
|
وقفات مع تفجير مبنى الأمن العام
عبد الله بن عبد العزيز التميمي / الرياض
الخطبة الأولى أما بعد: فقد جاء هذا الدين العظيم الكامل شاملاً لجميع ما يُصلِح حال المرء في دينه ودنياه وآخرته، وصالحًا لكل زمان ومكان، ذلك أنه بُني على أصول وقواعد تقتضيها الفِطَر السليمة وترتضيها العقول الصحيحة. ومن تلك القواعد القاعدة العريضة العظيمة؛ وهي حفظ الضروريات التي بها قوام حياة الإنسان ولا بد منها لقيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فُقِدت لم تَجْرِ مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وتَهَارُج وفَوْت حياة، وفي الأخرى فَوْتُ النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين، وهذه الضروريات مرتبة حسب الأولوية والأهمية، هي حفظ الدين والنفس والعقل والنسب والمال. ومن كمال هذا الدين وعظمته أنه جاء بالخير والسلام للعالمين، وجاء بحفظ الحقوق للناس وتحريم سفك دمائهم بغير حق أو الاعتداء عليهم بأي شكل من أشكال الاعتداء؛ سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين. وإن ما حدث من التفجير الذي أفجع الناس يوم الأربعاء الماضي عمل إجرامي خطير وكبير لا يرضاه الله ورسوله، ولا يقره دين الإسلام، ولا يقبله من كان عنده أدنى ذرة من إيمان أو عقل، بل دين الإسلام وأهله منه بُرَآء. إنه محض إفساد وإجرام تأباه الشريعة والفطرة، وهو صادر من صاحب فكر منحرف وعقيدة ضالة. ولنا مع هذا الحَدَث الجَلَل وقفات: الوقفة الأولى: إن من أعظم الشنائع التي حواها هذا الجُرْم العظيم قتل النفس المؤمنة عَمْدًا بغير حق، إضافة إلى ما فيه من ترويع للآمنين والاعتداء على حرمة بلاد المسلمين وعلى نفوس بريئة، وهو ضرب من الإفساد في الأرض وإتلاف للأموال المعصومة. إن قتل النفس المسلمة بغير حق جريمة عظيمة وكبيرة من الكبائر، وقد قرنه الله بالشرك، وقدّمه على الزنا، فهو أعظم منه، يقول تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا [الفرقان:68، 69]، وأخرج الشيخان ـ واللفظ للبخاري ـ عن عبد الله بن مسعود قال: قال رجل: يا رسول الله، أي الذنب أكبر عند الله؟ قال: ((أن تدعو لله ندًّا هو خلقك))، قال: ثم أي؟ قال: ((ثم أن تقتل ولدك خشية أن يَطْعَم معك))، قال: ثم أي؟ قال: ((ثم أن تُزَانِي حَلِيلَة جارك)). قال عبد الله: فأنزل الله تصديقها: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ الآية. وقال تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]، ويقول الله تعالى: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا [المائدة:32]، فمن قتل نفسًا واحدة حرّمها الله فهو مثل من قتل الناس جميعًا في استيجاب غضب الله وعقابه ولعنه وعذابه العظيم. وفي حديث أبي هريرة في الصحيحين: ((اجتنبوا السبع الموبقات))، وذكر منها: ((قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق))، وعن أنس قال: قال رسول الله : ((أكبر الكبائر الإشراك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين وقول الزور ـ أو قال: ـ شهادة الزور)) أخرجه البخاري، وأخرج أيضًا عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((لن يزال المؤمن في فُسْحَة من دينه ما لم يُصِب دمًا حرامًا))، وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله قال: ((لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم)) رواه الترمذي والنسائي وصححه الألباني، وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما عن رسول الله قال: ((لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبّهم الله في النار)) رواه الترمذي وصححه الألباني، وعن معاوية قال: قال رسول الله : ((كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافرًا، أو الرجل يقتل مؤمنًا متعمدًا)) رواه النسائي والحاكم وقال: "صحيح الإسناد" وصححه الألباني، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حِلّه) أخرجه البخاري. قال ابن حجر رحمه الله: "وقد ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال لمن قتل عامدًا بغير حق: تزوّد من الماء البارد؛ فإنك لا تدخل الجنة" اهـ. وقال ابن حجر الهيتمي رحمه الله ما نصه: "واختلفوا في أكبر الكبائر بعد الشرك، والصحيح المنصوص أن أكبرها بعد الشرك القتل" اهـ. ما ذنب الضحايا من القتلى والجرحى في هذا العدوان الأثيم؟! ما ذنب الأبرياء الذين على مكاتبهم يقومون بواجبهم المناط بهم؟! وما ذنب المساكين الذين جاؤوا لمتابعة شؤونهم ومراجعة أوراقهم؟! وما ذنب المارّة والمجاورين لذلك المبنى المدمّر؟! ما ذنب الطفلة الصغيرة التي قُتِلت في هذا الحادث أم أنّ قَدَرها أنها سكنت بجوار هذا المبنى المستهدف؟! الوقفة الثانية: إن من قام بهذه الجريمة المنكرة فئة أغواها الشيطان، سَوَّل لهم وأملى لهم، زيّن لهم أعمالهم وقال: لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم. لقد ادعوا أنهم ما جاؤوا إلا للجهاد، وما هذا ـ والله ـ صنيع المجاهدين، فالجهاد إنقاذ وليس إتلافًا، والمجاهدون مصلحون وليسوا مفسدين. لقد أساء هؤلاء فهمَ الدين بسبب أخْذه عن الكتب أو عمن لم يُعرف بعلم أو بحسن طريقة فضلّوا وأضلّوا، وإن الدين من صنيعهم بَرَاء، وما أومأ إلى هذا من قريب ولا من بعيد، بل هو دين الرحمة للعالمين: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]. صحيحٌ أن في ديننا الولاءَ والبراءَ، لكنّ الولاء أن نحب المؤمنين ونواليهم وننصرهم، والبراء أن نبغض الكافرين ونعاديهم، لا أن نعتدي عليهم. ومن ديننا أن ولي أمر المسلمين واجبة طاعته ما لم يأمر بمعصية، ولا يجوز الخروج عليه إلا إذا رأينا كفرًا بواحًا وقدرنا على إزالته وتولية غيره من المسلمين، والمنكر إذا ترتّب على إنكاره منكر أعظم منه حرم إنكاره إجماعًا؛ لأن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها. قال شيخ الإسلام رحمه الله: "وقلّ مَن خرج على إمام ذي سلطان إلا كان ما تولّد على فعله من الشر أعظم مما تولّد من الخير" اهـ. عن عوف بن مالك أن النبي قال: ((خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم))، فقلنا: يا رسول الله، أفلا ننابذهم بالسيف عند ذلك؟ قال: ((لا، ما أقاموا فيكم الصلاة. ألا من ولي عليه والٍ فرآه يأتي شيئًا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعنّ يدًا من طاعة)) رواه مسلم، وعن أم سلمة أن رسول الله قال: ((ستكون أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن كره بَرِئ، ومن أنكر سَلِم، ولكن من رضي وتابع))، قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: ((لا، ما صلَّوا)) رواه مسلم، وعن ابن مسعود أن رسول الله قال: ((إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها))، قالوا: يا رسول الله، فما تأمرنا؟ قال: ((تؤدّون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم)) متفق عليه. الوقفة الثالثة: إن من أعظم ما يجب أن يتحلّى به المسلم خاصة في مثل هذه النازلة الإيمان بالقضاء والقدر، أن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، فيصبر ويحتسب. وعلى المرء أن يلجأ إلى الله في كل حين، لكن حين الشدائد والمحن يزيد من تعلّقه بربه، ويلح عليه أن يرزقه الثبات حين تزل الأقدام، والسداد حين تزيغ الأفهام، ويسأله حسن العاقبة وصلاح المآل. ثم إن علينا أن نعلم أن ما يصيبنا من البلاء فإنما هو بسبب ذنوبنا، فما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رُفِع إلا بتوبة، وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30]. فلنراجع أنفسنا، ولنصلح من حالنا وحال من ولاّنا الله أمره من الرعية من زوج وولد، ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ [الروم:41]. اللهم اهد ضال المسلمين، وردّه إليك ردًّا جميلاً. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية هذه رسالة أوجّهها إلى رجال الأمن، وأقول فيها: يا رجال الأمن، استعينوا بالله واصبروا، ولا تهنوا ولا تحزنوا، فالله معكم ولن يَتِرَكُم أعمالكم، إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ [آل عمران:140]، وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ [النساء:104]. واعلموا أن المؤمن لا يصيبه نَصَب ولا وَصَب ولا تعب حتى الشوكة يُشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه. وأمر المؤمن كله خير؛ صبور عند الضراء، شكور عند السراء. احفظوا الله يحفظكم، وأنّى لعبد حفظه الله أن يطاله أحد بسوء. داوموا على كل ما يكون سببًا في حفظكم بإذن الله، ((من صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله))، والْهَجُوا بالأذكار صباح مساء، فهي حافظة بإذن الله، واثبتوا واذكروا الله كثيرًا لعلكم تفلحون. نسأل الله أن يوفقكم ويسددكم، إنه على كل شيء قدير. وختامًا، ليعلم الجميع وليخبروا من وراءهم أن من الواجب الشرعي هنا على كل من علِم حول هذه المخططات الإجرامية ومنفّذيها التبليغ عنهم؛ لأن هذا من باب التعاون على البر والتقوى، والسكوت عن شيء من ذلك ذنب عظيم، وهو داخل فيمن لعنهم رسول الله في حديث علي بن أبي طالب عند مسلم حين قال: ((لعن الله من آوى مُحدِثًا)) يعني: ضَمّ جَانِيًا. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظ على أرض الحرمين وسائر بلاد المسلمين دينها وأمنها وإيمانها...
| |
|