molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: فضل لين القلوب ورقتها وأسبابه - عبد الله بن صالح القصير / الرياض السبت 28 يوليو - 10:07:29 | |
|
فضل لين القلوب ورقتها وأسبابه
عبد الله بن صالح القصير / الرياض
الخطبة الأولى أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى، واجتهدوا في الأخذ بما فيه صلاح قلوبكم وأعمالكم؛ فإن القلب هو محل نظر الله من العبد، وبصلاحه تستقيم الجوارح، وتصلح الأعمال، وتسدد الأقوال، ففي الصحيح عن النبي قال: ((إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم، ولكن إلى قلوبكم وأعمالكم)) رواه مسلم. وفي الصحيحين من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله قال: ((إن الحلال بيِّن وإن الحرام بين)) الحديث، وفيه قال : ((ألا وإن في الجسد مضغة؛ إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب)).
وكم في الكتاب والسنة من آيات صريحة وأحاديث صحيحة اشتملت على التنويه بشرف القلب الصالح وأن صلاحه أصل كل عمل صالح ذلكم يا عباد الله لأن القلب هو أشرف ما في الإنسان، ومحل العلم منه والعرفان، فإذا صلح قلب المرء استنارت بصيرته، وطابت سريرته، وخلصت نيته، وعظمت في الله معرفته، وامتلأ من تعظيم الله وهيبته، وخوفه ومحبته، ورجائه وخشيته؛ ولهذا بعثت إليه الرسل من الرحمن، وخوطب بالقرآن؛ لإخلاص التوحيد وتحقيق الإيمان، وكان أشرف العطايا وأجل المنح، والمبارك على الجسد إذا صلح، وإنما الجوارح أتباع للقلب يستخدمها استخدام الملوك للعبيد، فسبحان مقلب القلوب ومودعها ما يشاء من الأسرار والغيوب، الذي يحول بين المرء وقلبه، ويعلم ما ينطوي عليه من طاعته وأسباب حبه؛ ولذا كانت أكثر يمين النبي : ((لا، ومقلب القلوب))، ومن مأثور دعائه: ((اللهم مصرف القلوب، صرف قلوبنا على طاعتك)) وكان أكثر دعائه: ((يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك)).
أيها المسلمون: إن القلب الصالح هو الخاشع اللين الوجل عند ذكر الله، الرحيم الرقيق لعباد الله، وهو الموعود بكل خير من الله في دنياه وأخراه: إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم ءاياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقاً لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم [سورة الأنفال:2-4].
الذين ءامنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب الذين ءامنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مئاب [سورة الرعد:28-29].
وفي صحيح مسلم من حديث عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله قال ذات يوم في خطبته: ((ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم، مما علمني يومي هذا)) الحديث. وفيه قال : ((وأهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال)) رواه مسلم.
عباد الله: إن القلوب اللينة الرقيقة الرحيمة الوجلة هي القلوب الصالحة القريبة من الله، التي تخشع إذا سمعت القرآن يتلى؛ فتنتفع بالذكرى، وتزداد من الهدى، وتشتمل على التقوى، وتلكم هي القلوب المرحومة التي تحرم أجسادها على النار، وتفتح لها أبواب الجنة، ونعم دار المتقين الأخيار.
فخذوا عباد الله بأسباب لين القلوب، واسألوا الله أن ينفعكم بها؛ فيلين قلوبكم حتى ترحموا وعلى النار تحرموا وبلقاء ربكم وجنته تفرحوا.
أيها المسلمون: إن تلاوة القرآن واستماعه رغبة في الهدى، وطلباً للزلفى، من أعظم أسباب لين القلوب ورقتها؛ قال تعالى: إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد [سورة ق:37]. وقال تعالى: الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء [سورة الزمر:23].
ومن أعظم ما يلين القلوب ويذهب قسوتها ذكر الموت، وشهود الجنائز، وزيارة القبور، قال : ((أكثروا ذكر هادم اللذات)). وجعل الصلاة على الجنازة وتشييعها إلى المقبرة من حقوق المسلم على أخيه؛ لما يترتب عليها من لين القلب، والتزهيد في الدنيا. وقال : ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ؛ فإنها تذكركم الآخرة)).
ومن أعظم ما يلين القلوب كثرة ذكر الله، وحضور مجالس الذكر؛ فإنها تجلو عن القلوب صداها، وتذكرها بحقوق مولاها، وتحرضها على شكر نعماها، والتوبة إلى الله من خطاياها. قال تعالى: الذين ءامنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب الذين ءامنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مئاب [سورة الرعد:28-29].
ومن أعظم أسباب لين القلوب زيارة المرضى، ومخالطة المساكين والفقراء والضعفاء، والاعتبار بحال أهل البلاء.
ولهذا قال تعالى: واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداوة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً [سورة الكهف:28]. وقال : ((انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم)).
ومن أعظم ما يلين القلوب الاعتبار بما جرى ويجري على المكذبين من الماضين والمعاصرين من أنواع العقوبات وشديد الأخذات، قال تعالى: فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو ءاذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور [سورة الحج:45-46].
معشر المؤمنين: وأسباب لين القلوب ورقتها كثيرة، وهي بحمد الله محبوبة ميسورة، ومن أهمها: أكل الحلال، والتقرب إلى الله بنوافل الأعمال، والإلحاح على الله بالدعاء، والعطف على المساكين والأيتام والضعفاء، والرحمة بالحيوان، ومجالسة أهل العلم والإيمان، وكل ذلك بحمد الله من أبواب الخير وخصال البر، من تحراها وجدها ومن أخذ بها حمدها.
فاتقوا الله عباد الله، وتحروا ما يلين قلوبكم ويحييها، واحذروا من كل ما من شأنه أن يظلم بصيرتها ويقسيها؛ فإنكم إلى ربكم منقلبون، وبأعمالكم مجزيون، وعلى تفريطكم نادمون: وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون [سورة الشعراء:227].
بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعنا بما فيه من الهدى والبيان.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمؤمنين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه يحب التوابين وهو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية لم ترد.
| |
|