molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: التوكل على الله وفعل الأسباب - عبد الله بن صالح القصير / الرياض السبت 28 يوليو - 10:05:51 | |
|
التوكل على الله وفعل الأسباب
عبد الله بن صالح القصير / الرياض
الخطبة الأولى أما بعد:
فيا أيها الناس! اتقوا ربكم، وأخلصوا له دينكم، واشتغلوا فيما ينفعكم في دنياكم وآخرتكم، ولا تعطلوا فرائض الله، ولا تهتكوا محارم الله، ولا تحتالوا على الله بل اعبدوه واشكروه واذكروه، وخذوا حذركم.
عباد الله: ثبت في صحيح مسلم رحمه الله تعالى عن أبي هريرة رضي الله عن أن النبي قال: ((المؤمن القوي خير و أحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل: قدَّر الله وما شاء فعل. فإن لو تفتح عمل الشيطان)).
فهذا الحديث يا عباد الله من جوامع الكلم ومهمات الحكم؛ فهو بمثابة الموعظة الفصيحة والنصيحة الصحيحة من أنصح الخلق لأهل الحق محمد عبد الله ورسوله، أرشد فيه خاصة أهل الإيمان وعامة بني الإنسان إلى ما يصلح أمر معاشهم ومعادهم. أخبر فيه أن القوة في سبيل الحق والعدل، كما أنها محبوبة طبعاً فهي مطلوبة شرعاً، وهي شاملة للقوة في أمر الدين وأمور الدنيا، لكون القوي يقوم بأعماله بجد وعزم ويستكمل ما استطاع من أسباب الحزم، ولذا قال : ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير. احرص على ما ينفعك واستعن بالله…)).
فتلك كلمات من أجمع الكلمات وأبلغ العظات ،فيها إرشاد للعاقل أن يحرص على ما ينفعه في أمر دينه ودنياه وحياته وأخراه، فمتى احتاج إلى علاج لمرض في بدنه يغلب على الظن أنه يزيل ضرره ويدفع خطره، بادر إلى الأخذ به كما جاء عنه قوله: ((ما نزل من داء إلا وله دواء، علمه من علمه وجهله من جهله، فتداووا يا عباد الله، ولا تتداووا بحرام))، فيأخذ بالدواء الكريه المرِّ يرجوا الله أن يكشف به الضر.
وكما يحرص العاقل على علاج بدنه، فالمؤمن يحرص على علاج قلبه من سقمه وقطع أسباب درنه؛ فيداري قسوته بتلاوة كلام الله، والإكثار من ذكره، والتفكر في آلائه، ومجالسة من يذكره به، ويعينه على طاعته؛ فإن قسوة القلوب من صدأ وران الذنوب، فإذا لم تعالج صارت بعيدة من الله محجوبة عنه، وما عُذِّب معذَّب بأشد من الحجاب عن الله، مع أن القلوب القاسية التي لم تعالج قساوتها بما يلينها وينير بصيرتها متوعدة بالنار المؤصدة، التي تطلع على الأفئدة، فصدأ القلوب إذا لم يجل بذكر الله عرضة لأن يجلى بلهب نار جهنم التي تذيب الحجارة.
أيها المسلمون: وأعظم ما ينفع وينبغي الحرص عليه والقوة فيه أداء الفرائض؛ فإن سعادة الحياة والممات في الأعمال الصالحات التي تصلح القلوب وتقي الدنوب، وتدفع بها العقوبات عن الأفراد والشعوب وتقي الذنوب، وهي أسباب كثرة الخيرات وحلول البركات، وحفظ النعم وضمان استقرارها وزيادتها في سائر الأوقات، يقول سبحانه: من عمل صالحاً من ذكر أو أثنى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون [سورة النحل:97]، ويقول سبحانه: ولو أن أهل القرى ءامنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا ي+بون [سورة الأعراف:96]. ومن دعاء النبي قوله: ((اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وآخرتي التي إليها معادي)).
وقد مدح الله الذين يقولون: ربنا ءاتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار [سورة البقرة:201]. وأثنى على الذين يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله، ويسر الأحكام وعظم الأجور للذين يأخذون بأسباب الرزق الحلال، ويتقون ربهم في سائر الأحوال، ويواسون عباد الله بفضل ما عندهم من النوال.
فينبغي للعبد أن يتحرى القوة في كل عمل يزاوله من أعمال الدنيا والآخرة، ومما يدخل في ذلك تحري أفضل العلم وأداؤه على الوجه الأحسن والأكمل، والإخلاص فيه، وسلامته، من الغش والزلل.
أيها المسلمون: وأضر ما ابتلي به بعض العجز وال+ل عن طلب الرزق والتماس الحق. فينبغي للعاقل الحرص على تحصيل ما يعود عليه نفعه، والسعي في صد ما يضره ودفعه، وأن يحذر العجز؛ فإن نتيجته الحرمان، ومن أهان بذلك نفسه فهو حري أن يهان، ولكن بعض الناس يجعلون عجزهم توكلاً، وفجورهم قضاء وقدراً، فتجد من هؤلاء من يطعن في الأسباب أو يعرض عن الأخذ بها، شأن أهل الشك والارتياب، والطعن في الأسباب قدح في الشرع، وتعطيلها مع العلم بنفعها نقص في العقل.
ومن هؤلاء من يترك عبادة ربه ويحتج بالقدر ويجادل، وهو من العقوبة على خطر، فإذا نصحت أحدهم عن التخلف عن الصلوات أو اقتراف بعض المنكرات اعتذر إليك بقوله: هذا مكتوب عليَّ، أو هذا قضاء وقدر، فهو عند الطاعات قدري وعند الشهوات جبري، وهذا نظير ما حكى الله عن المشركين بقوله: وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا ءاباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسـل إلا البلاغ المبين [سورة النحل:35].
أما أهل الإيمان فإنهم يأخذون بكل عمل صالح، ويتوبون إلى الله من القبائح، ويؤمنون بالقضاء والقدر، ويعالجون القدر بالقدر، فيدافعون قدر المرض بقدر الدواء، كما يدافعون قدر الظمأ بقدر الشرب، وقدر الجوع بقدر الشبع، وهكذا يدافعون قدر الهوى بقدر التقوى، وقدر ال+ل بقدر العمل، وقدر الجهل بقدر العلم، وهكذا.
فأولوا النهى يأخذون أمورهم بالحذر والحزم وفعل أولي العزم، ومتى غلبهم ما لا يطيقون دفعه ولا رفعه قالوا: قدر الله وما شاء فعل؛ ليسلوا بذلك أنفسهم، ويبرأوا من القوة والحول إلا بالله ذي الطول. فإن العمل بالأسباب محله الأعضاء على رب الأرباب، قال تعالى: فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون [سورة العنكبوت:17]. وقال سبحانه: هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور [سورة الملك:15].
فالاعتماد على الأسباب نقص في الإيمان بالله، وتعاطي الأسباب لا ينافي التوكل على الله؛ فإن التوكل إنما يكون من الأخذ بالأسباب وهو أقواها وأعظمها أثراً، وإن ترك الأسباب بدعوى التوكل لا يكون إلا عن جهل بالشرع أو فساد في العقل. وقد سئل النبي عما يتقى به المرض من حمية وعلاج هل ترد من قدر الله شيئا ؟ فقال: ((هي من قدر الله)). وروي عنه أنه قال: ((بادروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطاها))، وروي عنه قوله: ((حصِّنوا أموالكم بال+اة، وداووا مرضاكم بالصدقة، واستعينوا على حمل البلاء بالدعاء والتضرع))، وأخبر أن الدعاء والبلاء يعتلجان بين السماء والأرض حتى يدفع الدعاء البلاء.
فاتقوا الله عباد الله، وحققوا التوكل بصالح النية وصادق العمل وكمال الثقة بالله عز وجل وتعاطي الأسباب المشروعة، وهجر الوسائل الممنوعة؛ خذوا ما حل ودعوا ما حرم، واجتهدوا في صالح العمل، وتوبوا من التقصير والزلل، وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون [سورة النور:52].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الذكر الحكيم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين والمسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية لم ترد.
| |
|