molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: النوم من آيات الله - عبد الله بن صالح القصير / الرياض الخميس 26 يوليو - 6:22:09 | |
|
النوم من آيات الله
عبد الله بن صالح القصير / الرياض
الخطبة الأولى
أما بعد، فيا أيها الناس، اتقوا الله ـ تعالى ـ واشكروه على سابغ نعمته واستعينوا به على طاعته، ولا تجعلوها ذريعة لمعصيته ،بل اتخذوها سلماً للفوز بمغفرته، ورضوانه وجنته، وتذكروا أنكم منقلبون إليه، فموقوفون بين يديه، ومسؤولون عما أنتم فيه من النعمى والخير العميم، وقد أبلغ في الإعذار من تقدم بالإنذار، فأعدوا للسؤال جواباً وليكن الجواب صواباً: هَـٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ ٱلصَّـٰدِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّـٰتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ [سورة المائدة:119].
أيها المسلمون، من آيات الله الباهرة، ونعمه الظاهرة، هذا الليل الذي جعله الله لكم لتسكنوا فيه، فتنقطع معه حركاتكم، وتهدؤوا فيه بنومكم، ولهذا ذكره الله ـ تعالى ـ من جملة آلائه امتناناً وتذكيراً، فقال: وهو الذي جعل لكم الليل لباساً والنوم سباتاً [ سورة الفرقان:47]. أي يغشاكم بسواده، فتسبت حركاتكم أي تنقطع فيه؛ ليحصل لكم السكون والراحة فيه: وَجَعَلَ ٱلنَّهَارَ نُشُوراً [سورة الفرقان :47]. أي تنتشرون فيه لتجارتكم وأعمالكم وسائر تصرفاتكم التي تتحقق بها معايشكم، فجعل هذا للارتياح وهذا لطلب الأرباح؛ فتقوم بذلك المصالح، ويستعان بهما على العمل الصالح، ولهذا قال ـ سبحانه ـ: أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا ٱلَّيْلَ لِيَسْكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِى ذَلِكَ لاَيَـٰتٍ لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [سورة النمل:86].
أي ألم يشاهدوا هذه الآيات العظيمة، والنعم الجسيمة، في تسخير الليل والنهار يتعاقبان، هذا بظلمته وهدوئه، ليسكنوا فيه ويستريحوا من التعب ويستعدوا للعمل، وهذا بضيائه لينتشروا فيه لمعايشهم وتصرفاتهم، فليشكروا الله، وليحسنوا العمل، إن في ذلك لآيات واضحات دالات على كمال وحدانيته، وسبوغ نعمته، ووجوب الإخلاص له في عبادته، ينتفع بها المؤمنون ويجحدها المبطلون.
عباد الله: ومما قرر الله ـ تبارك وتعالى ـ به إلهيته، واحتج به على المشركين به في عبادته، ونبه به على أنه هو الإله الحق المستحق للحب والذل والتعظيم والإجلال والإكرام من جميع الخلق قوله: وَهُوَ ٱلَّذِى يَتَوَفَّـٰكُم بِٱلَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِٱلنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [سورة الأنعام:60]. فأخبر بأنه وحده المتفرد بتدبير عباده في يقظتهم ومنامهم، وأنه يتوفاهم بالليل وفاة النوم، فتهدأ حركاتهم، وتستريح أبدانهم ويبعثهم في اليقظة من نومهم؛ ليتصرفوا في مصالحهم ومعاشهم ومعادهم، وليستكملوا الأرزاق والآجال، وهو سبحانه يعلم ما جرحوا و+بوا من الأعمال، ومنهم من يتوفاه الله على نومه ثم لا يبعثه الله إلا يوم القيامة، لأنه سبحانه قد قضى بنفاد أجله وانقطاع عمله فاخترم دون أمله، ولذا كان الرسول يقول إذا أراد أن ينام: ((باسمك اللهم أموت وأحيا)) وإذا استيقظ من منامه قال: ((الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور))[1] وكان يقول: ((باسمك اللهم وضعت جنبي وبك أرفعه، فإن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين)) [2]، وكان يقول: ((اللهم أنت خلقت نفسي وأنت تتوفاها، لك مماتها ومحياها، إن أحييتها فاحفظها وإن أمتها فاغفر لها، اللهم إني أسألك العافية)) [3].
معشر المؤمنين، في هذه الأذكار النبوية تذكير للنفس بأن النوم أخو الموت، وأنه مذكر به، وقد يكون طرفا له؛ فإن استحضر العاقل الأجل، خاف من الله ـ عز وجل ـ، وحرص على الختام بصالح العمل؛ فقد ثبت عن النبي قوله: ((يبعث كل عبد على ما مات عليه)) [4] وثبت عنه : أن الناس إذا ماتوا يبعثون على نياتهم[5]، وكم من الناس اليوم يفرطون في هذا الجانب؛ فيختمون يقظتهم بعمل المنكرات، ينامون مصرين على السيئات، عازمين متواطئين على ترك صلاة الفجر مع الجماعات، فماذا لو ماتوا حال نومهم، وبعثوا على نياتهم فماذا يقولون لربهم ـ تبارك وتعالى ـ إذا وقفوا بين يديه وسأل كل واحد منهم عن إحسانه إليه وحقه عليه؟ يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْء مِنْ أَخِيهِ وَأُمّهِ وَأَبِيهِ وَصَـٰحِبَتِهُ وَبَنِيهِ لِكُلّ ٱمْرِىء مّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [سورة عبس:34-37]. يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوء تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَا بَعِيدًا وَيُحَذّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ وَٱللَّهُ رَءوفُ بِٱلْعِبَادِ [آل عمران:30].
ألا فاتقوا الله أيها المؤمنون، وأحسنوا النيات، وبادروا فرص العمل بعمل الصالحات، واتقاء السيئات، وسرعة التوبة إلى الله ـ تعالى ـ من الزلات واختموا يقظتكم بخير، واستعينوا بالنوم على عمل البر، وأظهروا لله الشكر، ولا تكونوا ممن قال ـ تعالى ـ فيهم في معرض الذم والتهديد والإنذار والوعيد بسبب ما كانوا يقترفون: إَنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِٱلْحَيوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَٱطْمَأَنُّواْ بِهَا وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنْ ءايَـٰتِنَا غَـٰفِلُونَ أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ [سورة يونس:7-8].
نفعني وإياكم بهدي كتابه، وجعلنا من خاصة أوليائه.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين والمؤمنين من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
[1] أخرجه البخاري ح (6312) ، ومسلم ح (2711).
[2] أخرجه البخاري ح (6320) ، ومسلم ح (2714).
[3] أخرجه مسلم ح (2712).
[4] أخرجه مسلم ح (2714).
[5] أخرجه البخاري ح (2118) ، واللفظ له ، ومسلم ح (2884) عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((يغزو جيش الكعبة ، فإذا كانوا ببيداء من الأرض يُخسف بأولهم وآخرهم)) قالت: قلت يا رسول الله كيف يُخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم ، قال : ((يُخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم)).
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الصادق الأمين، والناصح المبين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه، أولئك هم المفلحون.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله واستقيموا على دينه وهداه، واشكروه على سابغ نعماه، ولا تكونوا ممن غفل فأعرض واتبع هواه، فإن الله تعالى قد قال في وحيه الذي أوحى: فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَاىَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ أَعْمَىٰ [سورة طه:123-124].
واعلموا أن لنبيكم صلى الله عليه وسلم هدياً كريماً، وسنناً معلوماً، كان يأخذ به عند نومه ويوصي به أهله وصحابته، وهو وصيته لكل أحد من أمته، وبالأخذ به ينتفع من النوم ويتقرب إلى الحي القيوم، وتتقى الشرور والمكارم والهموم؛ فمن ذلك أنه أرشد إلى إزالة زفر الطعام من الأيدي قبل النوم فقال: ((إذا نام أحدكم وفي يده ريح غمر فلم يغسل يده فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه)) [1]، وقال : ((إذا نمتم فأطفئوا سرجكم؛ فإن الشيطان يدل مثل هذه على هذا فيحرقكم))[2]. ولما رأى رجلا قد نام على بطنه قال: ((إن هذه ضجعة لا يحبها الله تعالى))[3]، وروى أنها حال أهل النار وهم يعذبون[4]، وقال : ((إياك والسهر بعد هدأة الرِّجل؛ فإنكم لا تعلمون ما يأتي الله في خلقه)) [5]، وكان إذا أخذ مضجعه جعل يده اليمنى تحت خده الأيمن[6]، وكان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة[7] وقال : ((من اضطجع مضطجعاً لم يذكر الله فيه كان عليه ترة))[8]، أي حسرة وندامة يوم القيامة، وكان يقول: ((يعقد الشيطان على قافية أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب مكان كل عقدة عليك ليل طويل فارقد)) [9].
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله! إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإْحْسَانِ وَإِيتَآء ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْى يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [سورة النحل:90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
[1] صحيح ، أخرجه الترمذي ح (1859) ، وابن ماجه ح (3297) ، والغَمَر : الدسم وزهومة اللحم . لسان العرب مادة [غمر].
[2] صحيح ، أخرجه أبو داود ح (5247).
[3] صحيح ، أخرجه أحمد (2/304) ، وأبو داود ح (5040) ، والترمذي ح (2768).
[4] صحيح ، أخرجه أحمد (3/430) ، وابن ماجه ح (3724).
[5] حسن ، أخرجه الحاكم (4/284) وقال صحيح على شرط مسلم.
[6] صحيح ، أخرجه أحمد (6/287) ، والنسائي ح (2367).
[7] أخرجه مسلم ح (305).
[8] صحيح ، أخرجه أبو داود ح (4856).
[9] أخرجه البخاري ح (1142) ، ومسلم ح (776).
| |
|