molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: حقيقة محبة الله تعالى - عبد الله العلوي الشريفي / فاس الأحد 22 يوليو - 12:34:51 | |
|
حقيقة محبة الله تعالى
عبد الله العلوي الشريفي / فاس
الخطبة الأولى أما بعد: فيا إخوة الإيمان، إن محبَّةَ الله هي الغايةُ القصوى من مقامات الإيمان، فما بعد إدراكِ المحبَّةِ مَقامٌ إلا وهو ثمرةٌ من ثمارها، وتابعٌ من توابعها، فحبُّ الله تعالى أصلُ كُلِّ عمل في الدنيا، وأصلُ كلِّ جزاءٍ في الآخرة، فمن فاتَهُ حُبُّ اللهِ تعالى فاتهُ كلُّ خير، لأن أصلَ هذا الوجودِ، وأصلَ هذا الخلق هو الله تعالى وحده لا شريك له، خالقُ هذا الوجود، فمن أحبَّ غيرَ اللهِ فقد أحبَّ الفرْعَ وتركَ الأصلَ، فـدَلَّ على نقصان عقله وضلاله. إن محبة الله يدَّعيها كلُّ الناس حتى الكافر، فيقولُ أحَدُهم: أنا أحِبُّ اللهَ وهو كاذبٌ، فما أسهلَ الدعوى وأعزَّ المعنى، فلا ينبغي أن يُفتَن الإنسانُ بتلبيسِ إبليس، وخداعِ النفسِ الأمارةِ بالسُّوءِ إذا ادَّعتْ محبَّةَ الله، ما لم يمتحنْها بعلاماتٍ ويطالبْها بالبراهين، فنحن نرى ونُبْصرُ أن من أحبَّ المالَ جَمَعَهُ وتعِبَ من أجله، ومن أحب العلم طلبه، ومن أحب الجاه والرئاسة أفنى عمره فيها وما يملك، وقد ذم الله أقواماً قبلنا ادعوا حب الله كذباً وبهتاناً وهم اليهود والنصارى قال تعالى: وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ نَحْنُ أَبْنَاء ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ [المائدة:18]. ... محبة العبد لربه لها علاماتٌ تدلُّ عليها، قال تعالى: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31]. فعلامة محبة العبد لله أن يُطاع فلا يُعصى، فمن عصى الله تعالى لم يحبه... وقد قال القائل: تعصى الإلـهَ وتزعم حبَّه هذا لعمرك في القياس بديعُ لو كان حبك صادقاً لأطعتَهُ إن المحبَّ لمن يحب مطيعُ الحب لله يكون سبباً للطاعة بلا حدود، ويبعد عن المعصية، فهـو درعٌ حصينٌ من المعاصي، لأن المحب لا يغضب حبيبه، بل يتقرب إليه بشتى الوسائل والطرق. ومن علامة صدق العبد في محبته لله ما جاء في قوله تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِى ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ يُجَـٰهِدُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ يَخَـٰفُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ [المائدة:54]. فذَكَرَ سبحانه في هذهِ الآيةِ الكريمةِ أن محبَّةَ العبدِ لربِّهِ لها أربعُ علامات: الأولى: الذِّلةُ على المؤمنين. بمعنى أن يكون رحيماً بهم عطوفاً عليهم، محسناً إليهم. الثانية: العزَّةُ على الكافرين، بمعنى أنه يكون شديداً عليهم مبغضاً لهم، كما قـال الله تعالى: أَشِدَّاء عَلَى ٱلْكُفَّارِ [الفتح:29]. الثالثة: أن يكون مجاهداً في سبيل الله بالنفس والمال واللسان والقلب. الرابعة: أن لا تأخذه في الله لومة لائم، بحيث لا يؤثِّر فيه لومُ الناس له على ما يبذله من الجهادِ والدعوةِ والأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكرِ. فلا يمنعه لومُ الناسِ له عن الاستمرار في ذلك. ومن علامةِ صدقِ العبدِ في محبته للهِ، أن يُقَدِّمَ ما يحبُّه اللهُ على ما تحبُّهُ نفسُهُ، وما يميل إليه هواهُ وطبعُهُ من المال والقرابة والوطن، قال تعالى: قُلْ إِن كَانَ ءابَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوٰنُكُمْ وَأَزْوٰجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوٰلٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَـٰرَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَـٰكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْفَـٰسِقِينَ [التوبة:24]. فهذا وعيدٌ من الله لمن قدّم محبة هذه المحاب الثمانية: ـ الآباء، والأبناء، والإخوان، والأزواج، والعشيرة (القرابة القريبة)، والأموال، والتجارة، والمساكن ـ على محبة الله ورسوله، والجهاد في سبيله. ولهذا آثر السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ما يحبه الله على ما يحبونه، فقدموا أنفسَهم وأموالَهم للجهادِ والإنفاقِ في سبيلهِ مع ما في ذلك من القتلِ ونفادِ الأموالِ. وترك المهاجرون ديارهم وأموالهم وأولادهم، وانتقلوا من وطنهم الأصلي إلى دار الهجرة يبتغون فضلاً من الله ورضواناً، وينصرون الله ورسوله، وقال الله فيهم: أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلصَّـٰدِقُونَ [الحجرات:15]. أورد ابنُ الجوزي وابنُ النحاس عن رجل من الصالحين اسمه أبو قدامة الشامي... وكان رجلاً قد حُبِّبَ إليه الجهادُ والغـزوُ في سبيل الله، فلا يسمع بغزوة في سبيل الله، ولا بقتال بين المسلمين والكفار إلا وسارعَ وقاتل مع المسلمين فيه، فجلس مرة في الحرم المدنيِّ فسأله سائل فقال: يا أبا قدامة أنت رجلٌ قد حُبِّبَ إليك الجهادُ والغزوُ في سبيل الله، فحدِّثنا بأعجبِ ما رأيتَ من أمرِ الجهادِ والغزوِ. فقالَ أبو قدامةَ: إني مُحَدِّثُكُمْ عن ذلك: خرجت مرة مع أصحابٍ لي لقتال الصليبيين على بعض الثغور (والثغور هي مراكز عسكرية تجعل على حدود البلاد الإسلامية لصد الكفار عنها) فمررت في طريقي بمدينة الرِّقَّة (مدينةٍ في سوريا على نهر الفرات)، واشتريت منها جملاً أحمِلُ عليه سلاحي، ووعظتُ الناس في مساجدها، وحثثتهم على الجهادِ والإنفاقِ في سبيلِ الله، فلما جَنَّ عَلَيَّ الليلُ اكتريتُ منزلاً أبِيتُ فيه، فلما ذهب بعضُ الليلِ فإذا بالباب يُطْرَقُ عَلَيَّ، فلما فتحتُ البابَ فإذا بامرأةٍ متحصِّنةٍ قد تلفَّعَتْ بجلبابها، فقلت: ما تريدين؟ قالت: أنت أبو قدامة؟ قلت: نعم، قالت: أنت الذي جمعتَ المالَ اليومَ للثغور؟ قلت: نعم، فدفعتْ إلَيَّ رقعةً وخِرْقَةً مشدودةً وانصرفتْ باكيةً، فنظرتُ إلى الرقعة فإذا فيها: إنك دعوتنا إلى الجهاد ولا قدرة لي على ذلك، فقطعتُ أحسنَ ما فيَّ وهما ضفيرتايَ وأنفذتُهما إليك لتجعلهما قيد فرسكَ، لعلَّ اللهَ يرى شعْري قيدَ فرسِك في سبيله فيغفر لي، قال أبو قدامة: فعجبتُ والله من حرصها وبذلها... فلما أصبحنا خرجت أنا وأصحابي من الرِّقَّةِ، فلما بلغنا حصن مسلمة بن عبد الملك، فإذا بفارس يصيحُ وراءنا وينادي يقول: يا أبا قدامة، يا أبا قدامة، قِفْ عليَّ يرحمك الله، قال أبو قدامة: فقلت لأصحابي: تقدموا عني وأنا أنظر خبر هذا الفارس، فلما رجعتُ إليه، بدأني بالكلام وقال: الحمد لله الذي لم يَحْرمني صحبتكَ ولم يرُدَّني خائباً، فقلتُ له ما تريد: قال أريد الخروجَ معكم للقتال. فقلت له: أسفرْ عن وجهك أنْظُرْ إليك، فإن كنت كبيراً يلزمُكَ القتال قبِلتُك، وإن كنتَ صغيراً لا يلزمُك الجهاد رددتُك. فقال: فكشفَ اللثامَ عن وجهه فإذا بوجهٍ مثل القمر، وإذا هو غلام عمره سبع عشرة سنة.. فقلت له: يا بني؟ عندك والد؟ قال: أبي قد قتله الصليبيون... قلت: أعندك والـدة؟ قال: نعم، قلت: ارجع إلى أمك فأحسن صحبتها، فإن الجنة تحت قدمها. فقال: أمَا تعرف أمي؟ قلت: لا، قال: أمي هي صاحبة الوديعة، قلت: أي وديعة؟ قال: هي صاحبة الشكال، قلت: أي شكال؟ قال: سبحان الله ما أسرع ما نسيت!! أما تذكر المرأة التي أتتك البارحة وأعطتك الكيس والشكال؟ قلت: بلى، قال: هي أمي، أمرتني أن أخرج إلى الجهاد، وأقسمتْ عليَّ أن لا أرجـع... وإنها قالت لي: يا بني إذا لقيت الكفار فلا تولهم الدُبر، وهَب نفسك لله، واطلب مجاورة الله، ومساكنةَ أبيك وأخوالك في الجنة، فإذا رزقك الله الشهادة فاشفع فيَّ ثم ضمتني إلى صدرها، ورفعتْ رأسها إلى السماء، وقالت: إلهي وسيدي ومولاي، هذا ولدي، وريحانةُ قلبي، وثمرةُ فؤادي، سلمته إليك فقرّبه من أبيه. سألتك بالله ألا تحرمني الغـزو معك في سبيل الله، أنا إن شاء اللهُ الشهيد ابن الشهيد، فإني حافظٌ لكتاب الله، عارفٌ بالفروسية والرمي، فلا تحقرَنِّي لصغر سني. قـال أبو قدامة: فلما سمعت ذلك منه أخذتُهُ معنا، فوالله ما رأينا أنشطَ منه، إن ركبنا فهو أسرعُنا، وإن نزلنا فهو أنشطُنا، وهو في كل أحواله لا يفتـر لسانه عن ذكـر الله تعالى أبـداً. فجالتِ الأبطال، ورميتِ النبال، وجُرِّدتِ السيوف، وت+رت الجماجم، وتطايرت الأيدي والأرجل .. واشتد علينا القتال حتى اشتغل كلٌ بنفسه. إلى أن التفت أبو قدامة إلى مصدر صوت فإذا جسد الغلام، وإذا الرماح قد تسابقت إليه، والخيلُ قد وطئت عليه، فمزقت اللحمان، وأدمت اللسان، وفرقت الأعضـاء، و+رت العظام .. وإذا هو يتيم ملقى في الصحراء. قال أبو قدامة: فأقبلت إليه، وانطرحت بين يديه، وصرخت: هاأنا أبو قدامة .. هاأنا أبو قدامة. فقال: الحمد لله الذي أحياني إلى أن أوصي إليك، فاسمع وصيتي. قال أبو قدامة: فبكيت والله على محاسنه وجماله، ورحمةً بأمه، وأخذتُ طرفَ ثوبي أمسحُ الدَّمَ عن وجهه. فقال: تمسحُ الدَّمَ عن وجهي بثوبك!! بل امسح الدم بثوبي لا بثوبك، فثوبي أحق بالوسخ من ثوبك .. قال أبو قدامة: فبكيت والله ولم أحِرْ جواباً. فقال: يا عم، أقسمت عليك إذا أنا مت أن ترجع إلى الرقة، ثم تبشر أمي بأن الله قد تقبل هديتها إليه، وأن ولدها قد قتل في سبيل الله مقبلاً غير مدبر، وأن الله إن كتبني في الشهداء فإني سأوصل سلامها إلى أبي في الجنة .. ثم قال: يا عم إني أخاف ألا تُصَدِّقَ أمي كلامك، فخذ معك بعضَ ثيابي التي فيها الـدم، فإن أمي إذا رأتها صدقت أني مقتول، وأن الموعد الجنة إن شاء الله. يا عم: إنك إذا أتيت إلى بيتنا ستجد أختاً لي صغيرة عمرها تسع سنوات... ما دخلتُ المنزلَ إلا استبشرتْ وفرحتْ، ولا خرجتُ إلا بكت وحزنت، وقد فُجِعَتْ بمقتلِ أبي عام أول وفجعت بمقتلي اليوم، وإنها قالت لي عندما رأت علي ثياب السفر: يا أخي لا تبطئ علينا وعجِّلِ الرجوعَ إلينا، فإذا رأيتها فطيب صدرها بكلمات .. ثم تحامل الغلام على نفسه وقال: يا عمّ صدقت الرؤيا ورب الكعبة، والله إني لأرى المرضية الآن عند رأسـي وأشـم ريحهـا .. ثم انتفض وشهق شهقتين، ثم مات .. قال أبو قدامة: فلما دفناه لم يكن عندي هم أعظم من أن أرجعَ إلى الرقة وأبلغَ رسالته لأمه. قدمت هذه المرأة الصالحة كلَّ ذلك حباً لله، في سبيل أن تدخل الدار التي اشتد شوقها إليها، وقدَّم ولدُها نفسَه رخيصةً لله، وتناسى لذَّاتِه وشبابَه، فليت شعري ماذا قـدَّم المفرطون أمثالُنا؟! أكنت مبالغاً حين أقسمت أننا لا نحب الله في الجمعة الماضية؟ قارنوا يا عباد الله بين حال أكثرنا اليوم وحال هؤلاء الصادقين، فالكثير منا اليوم يقدم هوى نفسه على طاعة ربه، فإذا دعي إلى الصلاة في المسجد آثر النوم والراحة أو اللهو واللعب ولم يخرج إلى الصلاة ولم يجب داعي الله. وإنما يجيب داعي الشيطان والهوى والنفس، وإذا دعي إلى الصلاة وهـو في متجره أو عمله، آثر طلب الدنيا على طلب الآخرة، فأقبل على البيع والشراء وانشغل بأداء العمل الدنيوي ولم يذهب إلى الصلاة، وعصى أمر ربه في قوله تعالى:فِى بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوّ وَٱلاْصَالِ رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَـٰرَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَاء ٱلزَّكَـوٰةِ يَخَـٰفُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلْقُلُوبُ وَٱلاْبْصَـٰرُ[النور:36، 37]. والتاجر الذي يأخذ المال بطرق محرمة كالربا والغش والكذبِ قد آثَـرَ حبَّ المال على حبِّ الله، والبخيل الذي يمنع الحقوقَ الواجبةَ في ماله كال+اة والإنفاق في سبيل الله قد آثرَ حبَّ المالِ على حبِّ الله... والوالد حينما يؤمر بإلزام أولاده بالصلاة، وإحضارِهِم إلى المسجد، وإنقاذِهِم من النار كما قال الله تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ [التحريم:6]. وقال : ((مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ...)) فإنه لا يبالي بأمر الله ورسوله، ويترك أولاده في بيته لا يشهدون صلاة ولا يعرفون مسجداً، لأنه آثر حبَّ أولاده على محبة الله، فهو لا يريد أن يضربهم أو يغضبهم ولو عصوا ربَّهم وتركوا واجبهم، فصارتْ محبةُ الأولاد أشدّ عنده من محبة الله، واتقاءُ غضبِ الأولادِ أهم في نظره من اتقاءِ غضبِ الله، وإلا لو كان الأمر بالع+ لقدَّم أمرَ الله على محبتهم. فاللهم اجعل حبك أحب إلينا من أنفسنا وأهلينا والناس أجمعين... أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.. أما بعد: فيا إخوة الإيمان، ومن علامة محبة العبد لله: حبُّ لقاء اللهِ، والنظرِ لوجهه ألا تروا أن الإنسان منا إذا أحبَّ آخرَ حبّاً صادقاً أحَبَّ لقاءَهُ... بل أخذ يفكِّر فيه جُلَّ وقته... وكلما حانت لحظة اللقـاء لم يستطع النـوم... حتى يلاقي حبيبه. ومن علامات محبة الله، بغض ما يبغضه الله من الأشخاص والأعمال والأقوال، والمؤمن الذي يحب الله يبغض الكفر والفسوق والعصيان لأن الله يبغضها. ومن أحب الله تعالى أحب فيه، ووالى أولياءه وعادى أعداءه، فمن كان كذلك تولاه الله. ومن لم يكن كذلك فإن الله لا يتولاه، وإذا لم يتوله الله تولاه أعداؤه. ومن أعظم علامات حب الله، محبةُ رسولِه، واتباعُ سنَّتِه، والتمسكُ بها، ومحاربةُ كلِّ بدعةٍ تخالف طريقتَه، فمنِ ادَّعى محبةَ اللهِ وهو يخالف رسولَه فهو كاذبٌ في دعواه. وبعد ـ أيها الإخوة ـ إن حبَّ الله سبحانه وتعالى هو أساسُ الكمالات، وهو السبب في السعادة البشرية، وهو المحرك نحو التخلق بالأخلاق الفاضلة، وهو الداعي لنيل الدرجات الأخروية والمبادرة إلى الطاعات مع اللذة وعدم السأم والملل والتذمر، بل هو أساسُ التضحيات الحقة من أجل إسعاد البشرية. قال رسول الله : ((ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ، أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ)). فاتقوا الله عباد الله، وبادروا كي تكونوا ممن يحبهم الله ويحبونه، وإياكم والاغترار بنعم الله من مال وبنين وعافية، لأن النبيَ يقول: ((إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنْ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ. ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ : فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلّ شَىْء حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَـٰهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ)) [الأنعام:44]. هذا وصلوا وسلموا على محمد سيد الأولين والآخرين، وأفضل الخلق أجمعين، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وارض اللهم عن الخلفـاء الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين لهم بإحسـان إلى يـوم الديـن.
| |
|