molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: القلوب الرحيمة - عبد الكريم بن صنيتان العمري / المدينة المنورة السبت 21 يوليو - 4:50:14 | |
|
القلوب الرحيمة
عبد الكريم بن صنيتان العمري / المدينة المنورة
الخطبة الأولى الإسلام دين الرحمة والعطف والرأفة، جاء يدعو إليها، ويزرعها في قلوب أفراده، ويحث المجتمع بأن تخيم عليه الرحمة ظاهرًا وباطنًا، وتبدو الشفقة والعطف في سلوك وتعامل أفراده.كيف لا، وربنا جل في علاه متصف بالرحمة، فهو الرحمن الرحيم، وهو القائل في الحديث القدسي: ((إن رحمتي سبقت غضبي)) رواه مسلم. والرسول أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق، وبعثه رحمة للأمة، وكان يقول: ((إنما أنا رحمة مهداة)) رواه الحاكم، بل إنه من شدة رحمته بأمته جعل نفسه مثل الأب لابنه في قوله : ((إنما أنا لكم مثل الوالد لولده)) رواه أحمد وأبو داود. وإن مجال الرحمة في ديننا واسع لا حدود له، فهي لا تقتصر على الأهل والأولاد وذوي القربى، وإنما تشمل الناس جميعًا، بل والحيوان أيضًا. وفي سيرة النبي وحياته صور عديدة يتضح من خلالها كيف أنه وسع دائرة الرحمة في أقواله وأفعاله، ولم يكن يدعها حتى في صلاته، فعن أنس أنه قال: ((إني لأقوم إلى الصلاة وأنا أريد أن أطيلها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجّوز في صلاتي ـ أي: أخففها ـ مما أعلم من شدة وَجدِ أمه من بكائه)) متفق عليه. ودخل الأقرع بن حابس على رسول الله فرآه يقبل الحسن بن علي رضي الله عنهما، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبّلت منهم أحدًا. فنظر إليه رسول الله فقال: ((أوَلا أملك أن نزع الله الرحمة من قلبك؟! من لا يَرْحم لا يُرْحم)) متفق عليه. لقد حرص الإسلام على انتشار الرحمة بين المسلمين وشيوعها وظهورها في أفعالهم ومعاملتهم، فقال : ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)) رواه مسلم. فالتراحم إذا لم يكن صفة يتصف بِها أفراد المجتمع تكون بين الكبير والصغير والغني والفقير، وتُرى آثارها بينهم فإن هذا يدل على انتشار الكبر والترفع والتعالي، فإن الرحمة لا يترفَّع عنها إلا من مُلئ قلبه حسدًا وحقدًا وبُغضًا، وأنى لمجتمع مسلم أن يكون كذلك، قال : ((لا تُنزع الرحمة إلا من شقي)) رواه أحمد وأبو داود. وقد كان مجتمع الصحابة رضي الله عنهم تسوده الرحمة، إذ عرفوا منزلتها، فاتصفوا بِها، قال تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [الفتح:29]. وقد كانوا يتسابقون إلى فعل الخير رحمة بالمستحقين للعون والمساعدة، وطلبًا لما عند الله تعالى من الأجر والثواب، فهذا عمر يتعهد امرأة عمياء بالمدينة، ويتردد عليها، يوفر لها ما تحتاجه من الطعام والشراب واللباس، غير أنه لاحظ أن رجلاً آخر يتعهد هذه العجوز، ويأتيها بما تحتاجه، فإنه كلما جاءها وجد عندها ما يكفيها، فترصد عمر ، وأخذ يراقب هذا الرجل، من هو يا ترى؟ من هذا الذي سبقه على فعل الخير وعمل البر والإحسان؟ فيتضح له أنه أبو بكر خليفة المسلمين، كان على صلة دائمة بهذه المسكينة الضعيفة. لقد كان الصحابة رضي الله عنهم يعطف أثرياؤهم على فقرائهم، فيجودون على المحتاجين مما أعطاهم الله من واسع فضله، فهذا عثمان تأتيه قافلة محملة بما يحتاجه الناس من المؤنة، وفي وقت كانت المدينة تعيش فيه جدبًا وقحطًا، فيساومه التجار عليها، فيقول لهم عثمان: كم تزيدونني؟ قالوا: العشرة باثني عشر، فقال: قد زادني، قالوا: فالعشرة خمسة عشر، فيقول زادني، حتى أوصلوا الربح إلى سبعة أضعاف، وهو يقول: قد زادني أكثر، فيقولون: ما بقي من تجار المدينة أحد، فمن أعطاك؟ قال: إن الله أعطاني بكل درهم عشرة، فانصرف التجار عنه، وهو ينادي: اللهم إني وهبتها فقراء المدينة بلا ثمن ولا حساب. لقد كانت الرحمة تشيع في نفسه الحانية وقلبه الفياض بالجود والعطاء المتدفق بالعطف والحنان والسخاء. فالإسلام حَثَّ على غرس صفة الرحمة في نفوس أفراده، حتى في معاملتهم للحيوان بأن يكونوا رحماء به، فينظرون إليه بعين الشفقة والرحمة، فعن أبي هريرة أن رسول الله قال: ((بينما رجل يمشي في الطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئرًا فنزل فيها فشرب، ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثلُ الذي كان بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماءً، ثم أمسكه بفيه، حتى رقِيَ ـ أي: صعد ـ فسقى الكلبَ، فشكر الله له فغفر له))، فقال الصحابة رضي الله عنهم: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم لأجرًا؟! فقال: ((في كل ذات كبد رطبة أجر)) رواه البخاري ومسلم. وبيَّن رسول الله أن من حق الحيوان عدم إرهاقه في العمل أو تكليفه فوق طاقته، وأن يؤمِّن له صاحبه ما يحتاجه من العلف والماء، وأن لا يقصر عليه بشيء من ذلك، فقد ورد أن النبي دخل بستانًا في المدينة، فأتاه جمل فجَرْجَرَ وحَنَّ وذرفت عيناه، فمسح رسول الله سنامه ورأسه فسكن، فقال لصاحب الجمل: ((أما تتقي الله في هذه البهيمة التي ملَّككها الله؟! إن جملك يشتكي من كثرة الكُلَف وقلة العلف)) رواه أحمد والترمذي. أي: تزيد عليه في الحمل والعمل فوق طاقته، ثم لا تعطيه كفايته من الغذاء والطعام. وهكذا فإن الرحمة ينبغي أن تسري في نفوس المؤمنين وفي مشاعرهم على النحو الذي رسمه الإسلام، وأرسى قواعدها، وأسس دعائمها القرآن الكريم، وظهرت في معاملة المصطفى لأمته، وإرشاده لهم بالتحلي بها، حتى يعيش مجتمعًا متآلفًا متماسكًا، تذوب فيه كل الفوارق، وتجتمع فيه القلوب على نور الإسلام وهديه. روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((إن لله مائة رحمة، أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها، وأخَّر تسعًا وتسعين رحمة، يرحم بِها عباده يوم القيامة))، ورأى رسول الله امرأة أخذت صبيًا فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لأصحابه: ((أترون هذه طارحة ولدها في النار؟)) قالوا: لا يا رسول الله، فقال : ((لله أرحم بعباده من هذه بولدها)) متفق عليه. اللهم طهر قلوبنا من الحسد، ونَقِّها من البغضاء والكبر، واملأها بالعطف والرحمة، وروِّها باللطف والشفقة، وارحم ضعفنا، واجبر +رنا، واغفر ذنوبنا، برحمتك يا أرحم الراحمين.
الخطبة الثانية لم ترد.
| |
|