molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: مماطلة الدائن - عبد الكريم بن صنيتان العمري / المدينة المنورة السبت 21 يوليو - 4:29:33 | |
|
مماطلة الدائن
عبد الكريم بن صنيتان العمري / المدينة المنورة
الخطبة الأولى يلجأ بعض الناس في حالات خاصة إلى اقتراض شيء من المال أو الاستدانة من الآخرين، حتى يتهيأ له إعادتها وييسر الله سدادها، وذلك أمر مباح، بل هو من باب الرفق بالمسلم والتعاون وتفريج الكرب الذي حث عليه النبي بقوله: ((ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه بِها كربة من كرب يوم القيامة)) متفق عليه. وهناك من الناس ممن أنعم الله عليهم بنعمة المال، لا يتردد في إجابة أخيه وقضاء حاجته وإعانته، احتسابًا للأجر والثواب، وطلبًا للخير والبركة والزيادة من الرب الوهاب، قال : ((إن لله خلقًا خلقهم لحوائج الناس، يفزع إليهم الناس في حوائجهم، أولئك الآمنون من عذاب النار)) رواه الطبراني. وإذا كان ذلك من الأمور المشروعة والتي يؤجر فيها المقرضُ والدائن لإعانته المحتاج وتفريج كربته فإن الدين يتعلق به كثير من الأحكام التي يجدر بنا أن نقف على أهمها في هذه الوقفات: الوقفة الأولى: إنَّ آية الدين الواردة في سورة البقرة قد دلت على مشروعية تسجيل الدين وتوثيقه بالكتابة، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ [البقرة:282]. فينبغي توضيح مقدار المبلغ الذي استدانه، وبيان نوع الدين وصفته، وتحديد المدة التي اتفق الطرفان عليها، وأن يكون ذلك بينًا واضحًا لا لبس فيه؛ لأنه قد يحدث إشكال بين الطرفين فيما بعد، فيلجأ إلى الورقة المدون عليها الدين، فيزول الإشكال، ويرتفع اللبس الحاصل بينهما. الوقفة الثانية: توثيق الدين بالشهادة لقوله تعالى: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى [البقرة:282]. وذلك لتكون الشهادة وثيقة احتياط؛ لأن إثبات الدَّين بشهادة الشهود تنفي أيّ شك، وترفع أدنى خلاف أو نزاع يحصل بين الطرفين، وهي طريقة لسلامة الدائن والمدين، وملزمة لكل منهما بما تضمنته. الوقفة الثالثة: أن يبادر المدينُ أو المقترض إلى سداد الدين عند حلول الأجل المتفق عليه، وأن لا يماطل دائنه مع قدرته على السداد؛ لأن أمر الدين عظيم، فقد يفاجئه الموت، ويأتي الأجل وهو مستمر في مماطلته، فتبقى حقوق الناس في ذمته، وقد بين النبي خطورة ذلك، وحث على التعجيل في قضاء الدين. بل إنه كان يستعيذ من الدين ابتداء، قالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله يدعو في الصلاة: ((اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم))، فقال له قائل: يا رسول الله، ما أكثر ما تستعيذ من المغرم! فقال: ((إن الرجل إذا غرم حدَّث فكذب، ووعد فأخلف)) رواه البخاري ومسلم. وشدد في أمر الدين، وبيَّن أنه من حقوق الآدميين التي يجب قضاؤها، وأن دخول الجنة متوقف على قضائه، فقد قال لأصحابه مرة وقد وضع راحته على جبهته: ((سبحان الله، ماذا أنْزِلَ الليلة مِن التشديد؟)) فسكت الصحابة رضي الله عنهم وخافوا، ثم سألوه من الغد: يا رسول الله، ما هذا التشديد الذي نزل؟ فقال : ((في الدَّين، والذي نفسي بيده، لو أن رجلاً قُتل في سبيل الله ثم أُحيي ثم قتل ثم أحيي ثم قتل وعليه دين ما دخل الجنة حتى يقضى عنه)) رواه النسائي. كما أن المسلم إذا مات وعليه دين ـ لم يقضه ولم أو يُقْضَ عنه ـ يُخشى عليه من عذاب القبر، فإن النبي لما امتنع في بداية الأمر من الصلاة على مَن عليه دين وتكفل أبو قتادة رضي الله عنه بأدائه ولقيه من الغد، قال: ((ما فعل الديناران؟)) فقال: يا رسول الله، إنما مات أمسِ، ثم لقيه في اليوم التالي وقال: ((ما فعل الديناران؟)) فقال: يا رسول الله، قد قضيتُها، فقال : ((الآن بردت جلدته)) رواه أحمد. وفي الحديث الآخر قال : ((نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه)) رواه أحمد والترمذي. الوقفة الرابعة: أن على من احتاج إلى أخيه باقتراض شيء من ماله أو الاستدانة منه أن يُبيت النية الحسنة بسداد الدين وإعادة المال المقترض عند حلول أجله أو توفر المال لديه، وأن لا ينوي استغلاله ومماطلته وأكل ماله، فإنه إن نوى ذلك فقد عرض نفسه للعقوبة، قال رسول الله : ((من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله)) رواه البخاري. فإن كان في نيته الأداء أعانه الله تعالى ويسر ردها بالتي هي أحسن ووفقه لذلك، وهيأ له من الأسباب ما يعينه على قضاء الدين ورده، وإن كان في نيته غير ذلك سلَّط الله عليه عقوبة في نفسه وماله بكثرة المصائب ومحقِ البركة، والجزاء من جنس العمل. لقد انتشر في الآونة الأخيرة بين كثير من المقترضين والمستدينين ظاهرة عدم وفاء القرض أو وفاء الدين، فتجد الشخص يأتي إلى أخيه في بداية الأمر ليطلب منه سلفةً نقدية أو سلعة يشتريها بالدَّين، ويظهِر له حسنَ النية بكلام معسول وعبارات مُنَمَّقَة، وأنه سيسدّده في الوقت الذي يحدّده المقرِض، وهو في الحقيقة يضمر خلافَ ذلك، ثم يأخذ المال وتمر عليه شهورٌ وربما سنوات دون أن يعتذِر منه، أو يطلب فسحة في الأجل. وهذا ليس من خلق المسلم، وليس من الأدب الإسلامي في شيء، فإن ديننا يحثّ على رد الجميل، والمكافأة للمعروف بمثله أو أحسن منه والدعاء لصاحبه، وقال : ((خير الناس أحسنهم قضاء)) متفق عليه. فعلى المسلم أن يتقي الله تعالى في ذلك، ويخشى عقوبته ووعيده الذي أخبر به ، وليبادر إلى رد القرض وأداء الدين عند حلوله دون تسويف أو مماطلة.
الخطبة الثانية
| |
|