molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الظلم ظلمات يوم القيامة - عبد القادر ابن رحال / غرداية الثلاثاء 17 يوليو - 9:10:30 | |
|
الظلم ظلمات يوم القيامة
عبد القادر ابن رحال / غرداية
الخطبة الأولى معاشر المسلمين: يقول ربكم تعالى ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا ، وقال: وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ، وهذه الآية الكريمة أعظم تهديد وتحذير للمجتمعات التي تظلم وتدعوا إلى الظلم والله تعلى سريع الحساب.
وقال: فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين ، فحمد الله تعالى نفسه لما أهلك الظالمين وطهّر منهم الأرض.
وقال: وما للظالمين من نصير ، وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة))[1].
ومعنى اتقوا الظلم أي اجتنبوه، وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((صنفان من أمتي لن تنالهما شفاعتي: إمامٌ ظلوم غشوم، وكل غالٍ مارق ))[2]. وعن أبي موسى قال: قال رسول الله : ((إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ))[3].
عن أبي ذر الغفاري في الحديث القدسي الطويل وفيه ((يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا.. ))[4].
أيها المسلمون: إن الظلم ظلمات يوم القيامة كما أن العدل المأمور به الذي هو ضد الظلم نور يوم القيامة، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله : ((إن المقسطين عند الله على منابر من نور الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولّوا ))[5]. فإذن ما هو تعريف الظلم قال الإمام العييني: الظلم أصله الجور ومجاوزة الحد، وهو وضع الشيء في غير مكانه ومعناه في الشرع: وضع الشيء في غير موضعه الشرعي، والظلم نوعان اثنان :
النوع الأول: ظلم العبد لنفسه، وأعظمه الشرك بالله تعالى، قال تعالى: إن الله لا يغفر أن يشرك به وقال: إن الشرك لظلم عظيم وإنما سمي الشرك ظلماً لأن المشرك المسكين وضع العبادة في غير موضعها المختص بها المستحق لها وهو الله تعالى، وجميع الكبائر والمعاصي تسمى ظلماً لأنها من جنس الشرك وليست بشرك، ولأن المعاصي تعدٍّ لحدود الله، قال تعالى: ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون ، وقد سمى الله المذنبين بالظالمين فقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون .
فإذن الشرك ظلم، والقتل ظلم والفواحش ظلم والربا ظلم، والسحر ظلم وعقوق الوالدين ظلم إلى غير ذلك من كبائر الذنوب.
النوع الثاني من أنواع الظلم: ظلم العبد والإنسان لأخيه الإنسان وهو من أعظم الظلم لأن له تعلق بحقوق الإنسان وقد شدد الله على هذا الظلم في الدنيا والآخرة، ولا يترك منه شيئا، فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله قال: ((من ظلم قيد شبر من الأرض طوّقه الله من سبع أرضين))[6].
أيها المسلمون: إن الظلم محرّم في كل شيء ولكل إنسان، قال شيخ الإسلام ابن تيميه: ((ولهذا كان العدل أمرا واجبا في كل شيء، وعلى كل أحد والظلم محرما في كل شيء ولكل أحد فلا يحل ظلم أحد أصلاً سوءاّ كان مسلما أو كافرا أو كان ظالما قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى.. أ.هـ. ويكفي في تحريم الظلم أن الله تعالى ملك الملوك الجبار القاهر حرّم الظلم على نفسه المقدسة عن الظلم، جاء في الحديث القدسي: ((يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا...)).
أيها المسلمون: إن عاقبة الظلم الخسران وعدم الفلاح في الدنيا والآخرة والله يعاقب على الظلم بأنواع العقوبات، قال تعالى: إنه لا يفلح الظالمون وقال: إنه لا يحب الظالمين وقد أهلك الله أقواما وقرونا من الناس قبلنا وما زال يهلك الأمم لوجود الظلم في الأرض فصار هذا الأمر سنة كونية، كلما كثر الظلم والفساد في الأرض نزل العقاب الأليم، اسمعوا لقوله تعالى: وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا وقال: وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين وقال: ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا والله تعالى لم يظلم هذه القرى وهذه الأمم ولكن كانت هي الظالمة ظلمت نفسها وظلمت غيرها فحق عليها عقاب ربها قال تعالى: وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ، وقال تعالى: ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد .
يقول الإمام ابن كثير في هذه الآية: يقول تعالى وكما أهلكنا أولئك القرون الظالمة المكذبة لرسلنا كذلك نفعل بأشباههم.
أيها المسلمون: إن الظلم شين لا يبقى معه ملك ولا تبقى معه حضارة والعدل زين يدوم معه الملك ولو كان الملك كافرا، قال تعالى: وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون .
يقول الإمام الرازي: والمعنى أن الله تعالى لا يهلك أهل القرى بمجرد كونهم مشركين إذا كانوا مصلحين في المعاملات. أ.هـ. وقال الإمام ابن تيمية عليه رحمة الله: إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة. أ.هـ. ولهذا قيل: الدنيا تدوم مع العدل والكفر ولا تدوم مع الظلم والإسلام.
[1] رواه مسلم .
[2] حديث حسن رواه الطبراني.
[3] رواه البخاري ومسلم.
[4] رواه مسلم.
[5] رواه مسلم.
[6] متفق عليه.
الخطبة الثانية أما بعد:
فيا معاشر المسلمين إذا عرفنا أن الظلم حرام وأنه لا يفلح الظالمون فلابد من إزالة الظلم والتقليل منه فما هي طرق إزالة الظلم؟
1- من أعظم وسائل إزالة الظلم هي الدعوة إلى العدل بالحكمة والموعظة الحسنة واللين في القول والفعل قال تعالى: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن وقال : ((إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله))[1].
وهكذا كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يدعون أقوامهم إلى العدل وهو التوحيد بالحكمة والرفق، مهما ظلم وعتا أقوامهم، فهذا فرعون يطغى ويتجبر ويقتل بني إسرائيل بأنواع القتل قال تعالى: وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون لكن موسى وقومه قابلوا ذلك بالصبر الجميل حيث قال تعالى: قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين نعم إنها دعوة سامية فيها النور والحكمة وفيها الصبر مع القوة والأمل في الله تعالى.
2- من الوسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشرط الاستطاعة لقوله : ((من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فمن لم يستطع فبلسانه فمن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)) وإنما التغيير باليد يكون خاص بالدرجة الأولى للحاكم ويجوز لغيره إذا كان لا يؤدي إلى ضرر أكبر ولهذا قرر أهل العلم أن الأمر بالمعروف لا يكون إلا بالمعروف، والنهي عن المنكر لا يكون بالمنكر، وقالوا كذلك: من نهى عن منكر فعلم أنه سيؤدي إلى منكر أكبر منه فلا يجوز له النهي عن المنكر، وهذا يرجع إلى قاعدة الموازنة بين المصالح والمفاسد.
3- من الوسائل عدم الركون إلى الظالم لأنه سبب في انتشار الظلم قال تعالى: ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار و ما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون ولأن الركون إلى الظالم سكوت عن ظلمه.
4- هجر الظالم وعدم إعانته على ظلمه قال تعالى: وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينّك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين .
5- الدعاء على الظالم والظلم بالزوال قال : ((ليس بين الله ودعوة المظلوم حجاب)) وكان الأنبياء إذا يئسوا من ظلم الظالمين دعوا الله قال تعالى على لسان نوح: رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا وهذا موسى يدعو على آل فرعون قال تعالى: ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم وكان النبي يدعو على المشركين من قومه كما في غزوة بدر الكبرى: ((اللهم عليك بقريش ثلاثاً.. )).
وختاما فلابد لكل إنسان من التوبة من الظلم كل الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة وأعظم الظلم الشرك بالله وبعده ظلم العبد لأخيه الإنسان وقرر العلماء أنها لا تصح توبة حتى يرجع الحقوق إلى أصحابها، فإن لم يؤدها في الدنيا أداها في يوم القيامة بالحسنات لا بالدراهم والدولارات قال : ((أتدرون من المفلس؟، قال:المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصدقة ونسك ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وضرب هذا وسفك دم هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من سيئات المظلومين فطرحت عليه ثم طرح في النار))[2].
[1] متفق عليه.
[2] رواه مسلم.
| |
|