molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: عقوق الوالدين - عبد العزيز بن محمد القنام / وادي الدواسر الأحد 12 فبراير - 4:15:16 | |
|
عقوق الوالدين
عبد العزيز بن محمد القنام / وادي الدواسر
الخطبة الأولى
أيها الإخوة المؤمنون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، فهي وصية الله لنا ولمن قبلنا، وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ [النساء:131].
معاشر المسلمين، حديثنا في خطبة هذه الجمعة عن موضوع يهمّ كثيرا من الأبناء والأسر في المجتمع، وهو ما نسمع عن كثير من الناس وكثرة الأخبار المزعجة التي تفطّر القلوب وتدمي الأسماع، وهي نذير شؤم وعلامة خذلان، يجب على الأمة جميعها أن تتصدى لإصلاح هذا الخلل الذي بدأ ينتشر انتشار النار في الهشيم، ألا وهو عقوق الوالدين.
عقوق الوالدين ـ أيها الإخوة ـ من أكبر الكبائر بعد الإشراك بالله، وكيف لا يكون كذلك وقد قرن الله برهما بالتوحيد فقال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء:23]، وقال تعالى: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الأنعام:151]، بل هو من المواثيق التي أخذت على أهل الكتاب من قبلنا: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا [البقرة:83]. وها نحن نسمع بين الحين والآخر ـ وللأسف ـ من أبناء الإسلام من يزجر أمه وأباه أو يضربهما أو يقتل أمه أو أباه.
أقول: أيها الإخوة، إن انتشار مثل هذه الجرائم البشعة، وبشاعتها ليس في الإسلام فحسب، بل في عرف جميع بني آدم، أقول: إن انتشارها نذير شؤم وعلامة خذلان للأمة، ومن هنا وجب على جميع قنوات التربية والتوعية والإصلاح تنبيه الناس على خطر هذا الأمر، وإظهار هذه الصورة البشعة لمجتمعاتنا بأنها علامة ضياع وعنوان خسارة.
أيها الإخوة في الله، ما سبب انتشار أمثال هذه الجرائم؟ ولا أقول: وجودها لأنها قد وجدت من قديم الزمان، لكن ما سبب انتشارها إلا انتشار الفساد والأفلام المقيتة بوجهها الكالح وتشبه طبقة من طبقات المجتمع بصورة الشاب الغربي الذي يعيش وحده، وليست له أي صلة تربطه بذي رحم أو قريب، فيتأثر البعض بهذه المناظر فيحصل ما لا تحمد عقباه من العقوق؟!
وإليك قصة غاية في البشاعة والإجرام والجحود. الجريمة المروعـة التي طالعتنا بها جريدة الوطن ليوم السبت الماضي، لقد وقعت في محافظة بيشه جريمة مروعة شنعاء هي التي دفعتني إلى الحديث اليوم عن هذا الموضوع. وهو أنه في يوم الجمعة الماضية أثناء خطبة الجمعة والإمام يلقي الخطبة في الجامع أقدم شاب على طعن والده المسنّ بستّ طعنات حتى أرداه قتيلا.
من هو القاتل؟!! الابن. ومن هو المقتول؟! والده. ومتى؟! أثناء خطبة الجمعة. وأين؟! في بيت من بيوت الله. وما السبب؟! هو سوء تفاهم الولد وأبيه، ومهما كان السبب ما يصل الأمر إلى قتل الأب أو حتى التلفظ عليه بكلمة واحده. لا نقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل، وعليه من الله ما يستحق، والله إن الحلقَ ليجفّ، وإن القلب لينخلع، وإن العقـلَ ليشطّ، وإن الكلمات لتتوارى في خجل وحياء، بل وبكاء وعويل أمـام هذه المأساة المروعة الشنعاء بكل المقاييس.
عباد الله، فإنّ بر الوالدين فريضة عظيمة وعقوقهما حرام، والبر هو الصلة الحسنة والخير، وهو اسم جامع للخير.
وأما عقوق الوالدين فهو أذاهما ومعصيتهما والخروج عليهما، ولا ينكر فضل الوالدين إلا متوغل في النذالة، ولن يستطيع الأبناء والبنات مجازاة الآباء والأمهات على ما قاموا به نحوهم من الطفولة إلى الرجولة من عطفٍ ورعاية وتربية وعناية إلا أن يجد الولد الوالدَ مملوكًا فيشتريه فيعتقه، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه))، لو حصل أن وجد ولد والده عبدًا ومملوكًا فاشتراه فأعتقه لجزاه بما فعله معه وبما قام به نحوه من التربية والعناية والعطف والرعاية، على أن الفضل دائمًا للمتقدم بالفضل، للذي تقدم وبدأ.
فشكر المنعم واجب، ولله سبحانه على عباده نعم لا تحصى كما قال سبحانه: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [إبراهيم:34]، من ذلك نعمة الخلق والإيجاد، وجعل سبحانه وتعالى للوالدين نعمة الوِلاد والتربية الفالحة والعناية التامة بالأولاد، وأكثر الخلق وأفضلهم نعمة على الإنسان بعد رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم الوالدان اللذان جعلهما الله سببًا لوجوده واعتنيا به منذ أن كان حملاً إلى أن كبر، فأمه حملته شهورًا تسعة في الغالب تعاني به في تلك الأشهر ما تعاني من آلام من مرض ووحم وثقل، وإذا حان وقت الوضع وجاءها المخاض شاهدت الموت وقاست من الآلام ما الله به عليم، فتارة تموت وتارة تنجو، ويا ليت الألم والتعب ينتهي بالوضع، كان الأمر إذًا سهلاً، ولكن يكثر النصَب ويشتد بعده كما قال تعالى في سورة الأحقاف: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا [الأحقاف:15]، ثم ترضعه حولين كاملين غالبًا، فتقوم به مثقلة وتقعد به مثقلة، وفي أثناء ذلك صياح الليل يحرم الوالدين النوم، وكذلك بالنهار يقلق به راحتهما ويتعب قلبيهما ويذرف دموعهما، ومرض يصيب الولد من وقت لآخر ينخلع له قلبهما انخلاعا وتنهدّ به أبدانهما هدًا، وتعهُّد من الأم لجسمه بالغسل ولثيابه بالغسل ولإفرازاته بالإزالة، ليس يومًا ولا يومين، ولا شهرًا ولا شهرين، ولا سنة ولا سنتين، هما به في متاعب ليلاً ونهارً، ومشاق تصغر بجانبها متاعب المحكومين في الأعمال الشاقة، يضاف إلى ذلك امتصاص دمها الذي هو اللبن مدة الرضاع، ولو لم يكن منه إلا هدم بدنها وإضعافه وإذهاب قوتها لكفى، ومن أجل ذلك قدم بر الأم على بر الأب، وكان لها من البر ثلاثة أمثال ما للأب لأنها تشقى بالحمل والوضع والرضاع، ومما يدل على تقدمها عليه في البر ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً جاء للنبي فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: ((أمك))، قال: ثم من؟ قال: ((أمك))، قال: ثم من؟ قال: ((أمك))، قال: ثم من؟ قال: ((أبوك)).
فإذا شبّ الولد وبرزت أسنانه وقويت معدته على قبول الطعام وهضمه وانفتحت شهواته له انفتح للوالدين باب فكر وكدّ لجلب طعامه وشرابه وسائر شئونه، وربما احتمل الوالد ألم الغربة والسفر إلى بلد بعيد لطلب المعيشة للأولاد، وكثيرًا ما يضحي الوالدان في سبيل راحة الأبناء والبنات.
أيها الإخوة المؤمنون، لا أظن أنه تخفى علينا النصوص الواردة من الكتاب والسنة في فضل بر الوالدين وحرمة عقوقهما وأن عقوق الوالدين من كبائر الذنوب، ولكن ينقصنا العمل بما نعلم، ونغفل أحيانًا كثيرة عن مواضع البر مع زحمة الأعمال الدنيوية، كزيارة الوالدين وتفقد أخبارهما والسؤال عن أحوالهما وسؤالهما عن حاجتهما.
وكم نجد ونسمع من يلتمس رضا زوجه ويقدمه على رضا والديه، فربما لو غضبت الزوجة لأصبح طوال يومين حزينًا كئيبًا لا يفرح بابتسامة، ولا يسرّ بخبر، حتى ترضى زوجه الميمون، وربما لو غضب عليه والداه ولا كأن شيئًا قد حصل
أيها المسلمون، إنّ بعض الناس يسمع لزوجته ويلبي مطالبها ويسعى لمرضاتها، وهذا حسن، ولكنه يسيء إلى أمه، فيهملها ولا يسأل عنها، ولا يجلس معها، وربما يسمع ما يقال فيها من قِبَل زوجته وأولاده فيغضب عليها ويتمنى فراقها.
هذه صورة من صور العقوق، يدخل الزوج وهو يعيش مع والديه أو أن والديه يعيشان عنده، يدخل البيت معبس الوجه مكفهرّ الجبين، فإذا دخل غرفة نومه سمعت الأمّ الضحكات تتعالى من وراء باب الحجرة، أو يدخل ومعه هدية لزوجه فيعطي زوجته، ويدع أمه، هذا نوع من العقوق والعياذ بالله، بل الواجب أن يسعى الإنسان إلى إرضاء والدته ولو غضب كل الناس.
عليك ـ أيها المسلم ـ أن تمنع أولادك من أذية أمك بقول أو فعل، وأن لا تقبل بحال من الأحوال شكوى زوجتك نحو أمك، بل عليك بحض زوجتك على احترام أمك والصبر على ما قد يصدر منها، فإن في ذلك خيرا كثيرا وبرا وفيرا.
ويا أخي المسلم، مَن أحق بالبر؟! أمك التي هي سبب وجودك، والتي حملتك في بطنها تسعة أشهر، وتألمت من حملك، وكابدت آلام وضعك، بل وغذتك من لبنها، وسهرت ونمتَ، وتألمت لألمك، وسهرت لراحتك، وحملت أذاك وهي غير كارهة، وتحملت أذاك وهي راضية، فإذا عقلتَ ورجَت منك البر عققتَها، وبررت امرأة لم تعرفها إلا سنةً أو سنتين أو شهرًا أو شهرين.
إني أدعوكم جميعًا ـ أيها الإخوان ـ أن لا تخرجوا من هذا المسجد المبارك إلا وقد عاهدتم الله أنه من كان بينه وبين والديه شنآن أو خلاف أن يصلح ما بينه وبينهم، ومن كان مقصرًا في بر والديه فعاهدوا الله من هذا المكان أن تبذلوا وسعكم في بر والديكم، ومن كان بارًا بهما فليحافظ على ذلك، وإذا كانا ميتين فليتصدق لهما ويبرهما بدعوة صالحة أو عمل صالح يهدي ثوابه لهما.
وأما أنت ـ أيها العاق ـ فاعلم أنك مجزي بعملك في الدنيا والآخرة، يقول العلماء: كلّ معصية تؤخر عقوبتها بمشيئة الله إلى يوم القيامة إلا العقوق، فإنه يعجل له في الدنيا، وكما تدين تدان.
ذكر العلماء أن رجلاً حمل أباه الطاعن في السن، وذهب به إلى خربة فقال الأب: إلى أين تذهب بي يا ولدي؟! فقال: لأذبحك، فقال: لا تفعل يا ولدي، فأقسم الولد ليذبحنّ أباه، فقال الأب: فإن كنت ولا بد فاعلاً فاذبحني هنا عند هذه الحجرة؛ فإني قد ذبحت أبي هنا، وكما تدين تدان.
اللهم أعنا على بر والدينا، اللهم وفق الأحياء منهما، واعمر قلوبهما بطاعتك، ولسانهما بذكرك، واجعلهم راضين عنا، اللهم من أفضى منهم إلى ما قدم فنور قبره، واغفر خطأه ومعصيته، اللهم اجزهما عنا خيرًا، اللهم اجزهما عنا خيرًا، اللهم اجمعنا وإياهم في جنتك ودار كرامتك، اللهم اجعلنا وإياهم على سرر متقابلين، يسقون فيها من رحيق مختوم، ختامه مسك.
اللهم أصلحنا وأصلح شبابنا وبناتنا، اللهم أعلِ همتهم، وارزقهم العمل لما خلقوا من أجله، واحمهم من الاشتغال بتوافه الأمور، وأيقظهم من سباتهم ونومهم العميق وغفلتهم الهوجاء والسعي وراء السراب.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي حكم بالخسران على العاقين لوالديهم وهم لا يظلَمون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يعلم ما تبدون وما تكتمون، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها المسلمون، اتقوا الله تعالى، واعلموا أن البر والعقوق دَين ووفاء، فإذا أطعت ـ أيها المسلم ـ والديك أطاعك أولادك، وإذا أكرمت والديك أكرمك أولادك، وبالع+ إذا توليت عن والديك وأعرضتَ عنهما سلط الله عليك من ذريتك من لا يراعي فيك عهدا ولا يحفظ لك ودًا ولا يقيم لك وزنًا ولا يعرف لك حقّ أبوّة ولا واجب بنوّة، جاء في الحديث: ((بروا آباءكم تبركم أبناؤكم)).
أيها المسلم، احذر عقوبة الله نتيجة لعقوقك، قال النبي : ((كل الذنوب يؤخر الله تعالى ما شاء منها إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين، فإن الله يعجله لصاحبه في الحياة قبل الممات))، وقال النبي : ((رغم أنفه، رغم أنفه رغم أنفه))، قيل: من يا رسول الله؟ قال: ((من أدرك والديه عند الكبر أو أحدهما ثم لم يدخل الجنة)).
وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: "لا تصحب عاقا لوالديه، فإنه لن يبرك وقد عقّ والديه".
فاحذر ـ أيها المسلم ـ من العقوق وتضييع الحقوق، قال عمر رضي الله عنه: (إبكاء الوالدين من العقوق)، وقال مجاهد رحمه الله: "لا ينبغي للولد أن يدفع يد والده إذا ضربه، ومن شدّ النظر إلى والديه لم يبرهما، ومن أدخل عليهما ما يحزنهما فقد عقهما"، وسئل كعب الأحبار عن العقوق فقال: "إذا أمرك والداك بشيء فلم تطعهما فقد عققتهما العقوق كله".
ثم اعلم ـ أخي المسلم ـ أن لوالديك حقّا عليك بعد وفاتهما، ومن البر بهما بعد موتهما:
أولا: الدعاء لهما بالرحمة والمغفرة ودخول الجنة والنجاة من النار، قال تعالى: وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [الإسراء:24]، وللحديث: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له)).
ثالثا: سداد الديون المالية وقضاء الفرائض التعبدية كالحج والنذر.
رابعا: صلة أقربائهما، فقد جاء رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: ((نعم الصلاة عليهما ـ أي: الدعاء لهما ـ، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما ـ أي: العمل بوصيتهما ـ من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما ـ مثل الجد والجدة والعم والخالة والخال وغيرهم ـ، وإكرام صديقهما)).
وأمّا العقوق فهو مأخوذ من العقّ وهو القطع، والمراد به الإساءة إلى الوالدين في القول والفعل، وصور العقوق كثيرة، ومنها تقديم رضا الزوجة على رضاهم، سألت عائشة رضي الله عنها النبي : أيّ الناس أعظم حقا على المرأة؟ قال: ((زوجها))، قالت: فعلى الرجل؟ قال: ((أمه)). وكذا الغلظة والفظاظة ورفع الصوت والعبوس وعدم تلبية ندائهما وعدم الإنفاق عليهما وعدم استئذانهما لسفر فيه مشقة وعدم المبالاة بمشاعرهما أو التسبب في سبهما.
وأما عاقبة العقوق فالعقوبة العاجلة لحديث: ((كل الذنوب يؤخر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين، فإن الله يجعله لصاحبه في الحياة قبل الممات))، الخسران والهلاك لحديث: ((رغم أنفه، ثم رغم أنفه))، قيل: من يا رسول الله؟ قال: ((من أدرك والديه عند الكبر أو أحدهما ثم لم يدخل الجنة)).
الحرمان من كلمة التوحيد عند الموت فعن عبد الله بن أبي أوفي قال: كنا عند النبي فأتاه آت، فقال: شاب يجود بنفسه، فقيل له: قل: لا إله إلا الله، فلم يستطع، فقال: كان يصلي؟! فقال: نعم، فنهض رسول الله ونهضنا معه، فدخل على الشاب، فقال له: ((قل: لا إله إلا الله))، فقال: لا أستطيع، قال: ((لم؟)) قال: كان يعقّ والدته؟ فقال النبي : ((أحيّة والدته؟)) قالوا: نعم، قال: ((ادعوها))، فدعوها فجاءت، فقال: ((أهذا ابنك؟)) فقالت: نعم، فقال لها: ((أرأيت لو أجّجت نارا ضخمة، فقيل لك: إن شفعت له خلينا عنه وإلا حرقناه بهذا النار، أكنت تشفعين له؟)) قالت: يا رسول الله إذًا أشفع له، قال: ((فأشهدي الله وأشهديني أنك قد رضيت عنه؟))، قالت: اللهم إني أشهدك وأشهد رسولك أني قد رضيتُ عن ابني، فقال له رسول الله : ((يا غلام، قل: لا إله إلا الله))، فقالها، فقال رسول الله : ((الحمد لله الذي أنقذه من النار)). الجنة محرمة على العاقّ لحديث: ((ثلاثة حرم الله تبارك وتعالى عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق، والديوث الذي يقرّ الخبث في أهله)).
وأما موقف المسلم من البر بالوالدين فطاعتهما، وإن لطاعة الوالدين حدّا محدودا، فلا يجوز طاعتهما في أمر فيه معصية الله سبحانه، فلقد كان سعد بن أبي وقاص بارا بأمه فقالت: لتدعن دينك أو لا آكل ولا أشرب شرابا حتى أموت فتعيّر بي ويقال: قاتل أمه، فقلت لها: يا أماه، لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسًا نفسًا ما تركت ديني، فلما رأت ذلك أكلت، قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا [لقمان:15].
ولا يجب أن يطلّق الرجل زوجته إذا طلبا منه ذلك، سأل رجل الإمام أحمد فقال: إن أبي يأمرني أن أطلق زوجتي، قال: لا تطلقها، قال: أليس عمر أمر ابنه عبد الله أن يطلق امرأته فطلقها؟! فقال الإمام أحمد: حتى يكون أبوك مثل عمر. أي: في تحريه للحق وعدم اتباع الهوى.
قال العلماء: إذا كانت الزوجة مؤذية للوالدين أو محرّضة للزوج أو الأبناء على إيذائهما وجب عليه طلاقها.
وإن تعارضت طاعة الأم مع طاعة الأب فطاعة الأم مقدّمة كما قال الجمهور، قال رجل: يا رسول الله، من أحق بحسن صحابتي؟ قال: ((أمك))، قال: ثم من؟ قال: ((أمك))، قال: ثم من؟ قال: ((أمك))، قال: ثم من؟ قال: ((أبوك)). إلا أن تكون في طاعة أحدهما معصية فعليه أن يطيع الذي يأمر منهما بطاعة، وأما إذا تعارض برهما في غير معصية فيحرص على إرضائهما ما أمكن.
روي أن رجلا قال للإمام مالك رحمه الله: والدي في السودان كتب إلي أن أقدِم عليه، وأمي تمنعني من ذلك، فقال له مالك: أطع أباك ولا تعص أمك، أي: يبالغ في طاعة أمه ولو بأخذها معه مثلا.
اللهم وفقنا لصلة الرحم وبر الوالدين، وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم صلّ وسلم وبارك على نبينا وسيدنا وقدوتنا وحبيبنا محمد بن عبد الله، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين: أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان ذي النورين وعلي أبي السبطين، وعن السبطين العلمين وعن أصحاب بدر والعقبة وعن آل بيته الطيبين الطاهرين وعن الطاهرات أمهات المؤمنين وعن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
| |
|