molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: عيد الفطر 1424هـ - عبد العزيز بن محمد القنام / وادي الدواسر الأحد 12 فبراير - 4:13:51 | |
|
عيد الفطر 1424هـ
عبد العزيز بن محمد القنام / وادي الدواسر
الخطبة الأولى
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واشكروه على إدراك رمضان بالصيام والقيام حتى أكملتم عدته وقضيتم مدته بأمن وإيمان ورغد واطمئنان وعافية في العقول والأبدان، فالحمد لله الذي بنعمته أتم الصالحات، وبفضل رحمته هدانا للطيبات، ونسأله قبول الطاعات وتكفير الخطايا والسيئات ورفيع الدرجات.
أيها المسلمون، إنكم في يومٍ تبسمت لكم فيه الدنيا، أرضُها وسماؤها، شمسُها وضياؤها، صمتم لله ثلاثين يومًا، وقمتم لله ثلاثين ليلة، ثم جئتم اليوم إلى مصلاكم تكبرون الله ربكم على ما هداكم إليه من دين قويم وصراط مستقيم وصيام وقيام وشريعة ونظام، وقد خرجتم إلى صلاة العيد وقلوبكم قد امتلأت به فرحًا وسرورًا، تسألون الله الرضا والقبول، وتحمدونه على الإنعام بالتمام والتوفيق للصيام والقيام، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
أيها المقبولون، هنيئًا لكم. أيها المردودون، جبر الله مصيبتكم، ماذا فات من فاته خير رمضان؟! وأي شيء أدرك من أدركه فيه الحرمان؟! كم بين من حظّه فيه القبول والغفران ومن حظّه فيه الخيبة والخسران؟! متى يصلح من لم يصلح في رمضان؟! ومتى يصحُّ من كان فيه من داء الجهالة والغفلة مرضان؟! فيا أرباب الذنوب العظيمة، الغنيمةَ الغنيمةَ في هذه الأيام الكريمة، فمن أُعتق فيها من النار فقد فاز ـ والله ـ بالجائزة العظيمة والمنحة الجسيمة، أين حَرَق المهتمين في نهاره؟! أين قلق المجتهدين في أسحاره؟! فيا من أعتقه مولاه من النار، إياك ثم إياك أن تعود بعد أن صرت حرًا إلى رق الأوزار.
فهنيئًا للمسلمين في هذا اليوم المبارك، هنيئًا لهم بحلول هذا العيد السعيد، واعلموا ـ رحمكم الله ـ أن السعادة في العيد لا تكمن في المظاهر والشكليات، وإنما تتجسد في المعنويات وعمل الصالحات، واذكروا نعمة الله عليكم مما تنعمون به من حلول العيد المبارك في أمن وأمان وصحة وخير وسلام وإيمان، فهذه النعم سلبها كثير من الناس. عندما يقبِل العيدُ تشرِق الأرضُ في أبهى صورَة، ويبدو الكونُ في أزهى حللِه، كلّ هذه المظاهر الرائعةِ تعبيرٌ عن فرحةِ المسلمين بالعيد، وهل أفرحُ للقلب من فرحةٍ نال بها رضا ربّ العالمين لِما قدّمه من طاعةٍ وعمل وإحسان. إنَّها فرحةٌ تشمَل الغنيَّ والفقير، ومساواةٌ بين أفرادِ المجتمع كبيرِهم وصغيرِهم، فالموسرون يبسطون أيديَهم بالجود والسخاء، وتتحرَّك نفوسهم بالشفقة والرحمة، وتسري في قلوبهم روحُ المحبّة والتآخي، فتذهب عنهم الضغائن وتسودُهم المحبّة والمودة.
في العيد ـ عباد الله ـ تتصافى القلوب، وتتصافَح الأيدي، ويتبادَل الجميعُ التهانيَ. وإذا كان في القلوب رواسبُ خصامٍ أو أحقاد فإنها في العيد تُسلُّ فتزول، وإن كان في الوجوه العبوسُ فإنَّ العيدَ يدخل البهجةَ إلى الأرواح والبسمةَ إلى الوجوه والشِّفاه، كأنَّما العيد فرصةٌ لكلّ مسلمٍ ليتطهَّر من درن الأخطاء، فلا يبقى في قلبِه إلا بياضُ الألفة ونور الإيمان، لتشرق الدنيا من حوله في اقترابٍ من إخوانه ومحبِّيه ومعارفِه وأقاربِه وجيرانه. إذَا التقى المسلمان في يوم العيد وقد باعدت بينهما الخلافاتُ أو قعدت بهما الحزازات فأعظمُهما أجرًا البادئ أخاه بالسلام. في هذا اليوم ينبغي أن ينسلخَ كلّ إنسان عن كبريائه، وينسلخَ عن تفاخرِه وتباهيه، بحيث لا يفكّر بأنّه أغنى أو أثرى أو أفضل من الآخرين، وبحيث لا يتخيّل الغنيّ مهما كثُر مالُه أنّه أفضلُ من الفقير.
أيها المؤمن، العيد مناسبة طيبة لتصفية القلوب وإزالة الشوائب عن النفوس وتنقية الخواطر مما علق بها من بغضاء أو شحناء، فلنغتنم هذه الفرصة، ولتجدد المحبة وتحل المسامحة والعفو محلّ العتب والهجران مع جميع الناس، من الأقارب والأصدقاء والجيران، وتذكر قول النبي : ((وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزا)) رواه مسلم، وقوله : ((لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)) رواه البخاري ومسلم، وفي رواية عند أبي داود: ((فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار)) صححه الألباني. واستمع إلى حديث تقشعّر منه الجلود، قال : ((من هجر أخاه سنة فهو +فك دمه)) رواه أبو داود وصححه الألباني.
ألا فاتقوا الله معاشر المتباغضين، وسارعوا إلى إصلاح ذات بينكم، وكونوا عونًا لأنفسكم وإخوانكم على الشيطان، ولا تكونوا عونًا للشيطان على أنفسكم وإخوانكم.
عباد الله، وإن من أعظم التشاحن والتدابر أن يعقّ الولد أو البنت والديه أو أحدَهما، فذلك ذنب عظيم لعن الله فاعله في القرآن: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:22، 23]، وأي رحم أقرب من الوالدين؟!
فيا أيها العاق، ويا أيتها العاقة، اعلما أن رضاء الله في رضاء الوالدين، قرن طاعتهما بعبادته، فالحذر الحذر من العقوق، وإن من العقوق رفع الصوت عليهما وإحداد النظر اليهما والتأخر عن قضاء حوائجهما حتى يتضجرا. فيا من عق والديه، سارع الآن باسترضائهما، واطلب التحلل منهما، وقبِّل رأسيهما صباح مساء، وأكثر من الدعاء لهما، وسترى من الله ما تقر به عينك وينشرح به صدرك.
أيها المسلمون، لا تنسوا فقراءكم فهم إخوانكم، أدخلوا البهجة والسرور عليهم، وآتوهم من مال الله الذي آتاكم، فإدخال السرور عليهم قربة من القربات، ادعوهم إلى ولائمكم، فخير طعام الولائم وليمة يدعى إليها الفقراء، وشر الولائم وليمة يمنع منها الفقراء، أعينوهم بما أنعَم الله عليكم، فكثير من الكماليات عندنا هي من الضروريات عندهم، فكم من فقير يكتم حاجته بسبب جلباب الحياء والعفة، وكم من فقير غلبت فاقته صمته فأظهرها من طرف خفي، فمعونة الفقراء من أسباب الرزق والنصر.
يا أهل العيد، لا تنسوا مرضاكم، أشركوهم في عيدكم، واجعلوا لهم حظًا من زياراتكم، ففرحة العيد ليست موقوفة على الأصحاء، بل للمرضى فيها نصيب، زوروهم واتصلوا بهم، وهنئوهم بالعيد وأوصوهم بالاحتساب والصبر، فهم بحاجة ماسّة إلى ذلك، واحمدوا الله الذي عافاكم مما ابتلاهم به، ولله في خلقه شئون.
أيها المؤمنون، إن من حق الدين والأخوة أن لا ننسى أولئك الإخوة الوافدين إلى بلادنا من المسلمين، فبعضهم قد ترك أولاده وفلذات كبده، وآثروا الغربة طلبًا للقمة العيش والتعفف عن سؤال الناس، فلهم حق البشاشة ولهم نصيب في العيد لا يقلّ عن نصيبكم.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أمة الإسلام، نحن اليوم بأمسِّ الحاجة إلى اجتماع الصفِّ ووحدة الكلمة والوقوف مع قيادتنا ضدَّ من يهدّد ديننا وأمنَنا وخيرنا، نحن بأمسِّ الحاجة إلى التحامٍ قويّ واتفاقِ الكلمة والتعاونِ المطلوب في حماية الدين والعقيدة وأمن هذا البلد ورخائه. هذا البلد الذي يعيش أمنا واستقرارًا يحسده الأعداء على نعمته، ولن يجدوا لذلك سبيلاً بتوفيق من الله إن نحن تمسكنا واجتمعت كلمتنا.
أيها المسلمون، احذروا مكائدَ الأعداء ووسائلَهم الخبيثة التي يخدعون بها من يخدعون، يريدون تشتيت كلمتنا وتفريق صفنا وبثَّ الفوضى بين مجتمعنا، ويأبى الله عليهم ذلك. إن بلادنا المسلمة بلادُ خير وبلاد دعوة إلى الخير، وبلادٌ تمدّ يد الخير لكل من أراد، وبلاد ـ ولله الحمد ـ سياستها قائمةٌ على العدل والإنصاف، ليس فيها ظلم ولا تعدٍّ، ولكن الخير وبثّ الخير والكلمة الطيبة هي الصادرة من هذا البلد، فهذا بلدٌ منّ الله عليه بهذه النعمة، فلنشكر الله على نعمته، ولنحذر من أسباب زوالها، فإن الله إذا أنعم على قوم أحبّ منهم أن يقابلوه بشكره على هذه النعمة، وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7]. لنحذر من أسباب زوال النعم، ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيّرًا نّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الأنفال:53].
ألا فلتسلمي يا أرضَ الحرمين الشريفين، ولتهنئي يا موئِلَ العقيدة ومأرز الإيمان، فلقد أثبتِّ بفضلِ الله الخروجَ من الأزمات أكثرَ تماسكًا وأشدّ تلاحمًا بحمد الله، ولتبقَي بإذن الله على مرّ الدهور وكرّ العصور شامةً في دنيا الواقع وأنموذجًا يحتذَى ومَثلاً يُقتفى في الأمن والإيمان، وشاهَت وجوه الأعداء المتربّصين، وخسِئت أعمال المعتدِين المفسِدين المجرمين، وردّ الله كيدَ الكائدين إلى نحورهم، وحفِظ اللهَ بلادَنا وسائر بلاد المسلمين من شرّ الأشرار وكيد الفجّار، حفِظ الله على هذه البلاد أمنَها وإيمانَها، ووفّق قيادتَها وولاةَ أمرِها لكلّ خير، وزادَهم تمسّكًا بدين الله والعمَل على رفعتِه، وحفِظ ديارَ المسلمين من كلّ سوء ومكروه، إنّه سميع مجيب، إنّه خير مسؤول وأكرمُ مأمول.
أيها الفضلاء، أثمنُ ما في الأمة شبابها، فيا شباب الإسلام، تمسكوا بدينكم، وإياكم والاغترار بعمر الزهور واكتمال القوى.
فيا شباب الإسلام، أنتم أمل الأمة المشرق، وعدة المستقبل الوضاء، ورجال الغد المتلألئ، عليكم بالقيام برسالتكم، قوموا بواجبكم، واعرفوا مكانتكم، وتمسكوا بدينكم، وتلاحموا مع علمائكم، واسلكوا المنهج الوسط، فلا غلوّ ولا جفاء، ولا إفراط ولا تفريط، حذار والاسترسالَ في الغفلة والشهوات والانخداع بالشبهات، واحذروا وسائل الشر فالمتربصون بكم كثير، احذروا أن تقعوا فيما نصبوه من الفخاخ فهم لا يرضون إلا بإفسادكم، بل إنهم ينفقون الأموال من أجل إفساد الأخلاق لدى الشباب والشابات، والمصيبة أنهم دخلوا كل بيت من بيوت المسلمين عبر الإنترنت وعبر الأطباق الفضائية المسماة بالدشوش وعبر الأغنية الماجنة وعبر المجلات الخليعة التي وللأسف أصبح يروجها لهم كثير من المحلات التجارية، نساءٌ فاتنات كاسيات عاريات، ما أرادوا بهن إلا إفسادكم.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
عباد الله، أخلصوا لله توحيدكم. الصلاة الصلاة، حافظوا عليها واحفظوها، فهي الركن الثاني من أركان الإسلام، فهي عمود الإسلام، وهي الركن العملي الأول من أركان الإسلام، فحافظوا عليها ـ رحمكم الله ـ جماعةً، وأدوها في وقتها في المسجد، واعتنوا بها، ولتكن من أهمّ أموركم، فإن علامة حب الإسلام العناية بهذه الصلوات والاهتمام بها. أدوا +اة أموالكم، وصوموا رمضان، احذروا السحرة والمشعوذين، واحذروا أن تقصدوهم وتأتوهم فما وراءهم إلا البلاء، ((من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد)).
كن ـ أخي المسلم ـ داعيًا إلى الله على علم وبصيرة، آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر، على حكمة وعلم، صابرًا على ما أصابك.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها المسلمون، ليقم كل واحد منكم بحقوق إخوانه المسلمين عليه، ومن ذلك السلام وعيادة المريض وتشميت العاطس وإجابة الدعوة وأداء الأمانة ونشر المحبة والوئام وتحقيق التعاون على البر والتقوى، وأن يحب المرء المسلم لإخوانه المسلمين ما يحب لنفسه، بعيدًا عن الأثرة والأنانية وحب الذات والحسد والحقد والبغضاء والغيبة والنميمة والشحناء والغش والتزوير وأكل أموال الناس بالباطل والوقوع في المعاملات المحرمة من الربا والسرقة والغصب والرشوة وبخس المكاييل والموازين وتنفيق السلع بالأيمان الكاذبة وغيرها، واحذروا الربا والزنا والمسكرات والمخدّرات، فإن وبالها عظيم وشرها مستديم، تقود إلى الجريمة بشتى صورها، واحفظوا جوارحكم في هذا اليوم وغيره، احفظوا أسماعكم وأبصاركم وألسنتكم وبطونكم وفروجكم وأيديكم وأرجلكم أن تمتدّ إلى الحرام وتلتبس به وتتلطخ بسوئه، إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً [الإسراء:36].
وقوموا بما أوجب الله عليكم نحو أهليكم وأولادكم ونسائكم، فمروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر واحفظوهم عن المحرمات وأبعدوهم عن المنكرات ووسائلها وربوهم تربية إسلامية ووجهوهم وجهة صالحة.
فيا أيها الآباء والأمهات، اتقوا الله في أولادكم، كونوا قدوة لهم في الخير، أبعدوهم عن قرناء السوء، تابعوهم في صلواتهم وخلواتهم وجلواتهم، كونوا الرقابة المكثفة المقرونةَ بمشاعر المحبة والحنان والشفقة، حذار أن تتسلل إلى الأسر ألوان من الغزو الفكري والأخلاقي، فتهدم ما بنيتموه، وتنقضَ ما شيدتموه، نشِّئوهم على الخير والفضيلة والهدى والبعد عن الرذيلة والشر والردى.
اللهم اجعل عيدنا فوزًا برضاك، واجعلنا ممن قبلتهم فأعتقت رقابهم من النار، اللهم اجعل رمضان راحلاً بذنوبنا، قد غفرت فيه سيئاتنا ورفعت فيه درجاتنا.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58].
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله ولي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله اكبر، ولله الحمد.
الحمد لله معيد الجمع والأعياد، ومبيد الأمم والأجناد، وجامع الناس ليوم لا ريب فيه، إن الله لا يخلف الميعاد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ند ولا مضاد، وأشهـد أن محمدًا عبده ورسوله المفضل على جميع العباد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم التناد، وسلم تسليمًا.
أيها المسلمون، إن عيدكم هذا عيد كريم وجمع عظيم، تفضل الله فيه على أمة الإسلام بكل خير، وقد شُرع لهذا العيد أحكام مرعية وسنن نبوية.
أيها المسلمون، زيّنوا عيدكم بالتكبير وعموم الذكر، يقول المصطفى : ((أيام العيد أيام أكل وشرب وذكر لله تعالى))، وأدخلوا السرور على أنفسكم وأهليكم، واجعلوا فرحتكم بالعيد مصحوبة بتقوى الله وخشيته، ولا تنفقوا أموالكم أيام العيد فيما حرم الله، يقول علي : (كل يوم لا نعصي الله فيه فهو لنا عيد).
وما أعظم المناسبة بين هذا الذكر وتمام الصيام، قال الله تعالى: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185].
ثم اعلموا أن نبيكم قد ندبكم لصيام ستة أيام من شوال، ففي صحيح مسلم عن أبي أيوب رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر))، فبادروا إلى فعل الطاعات وتسابقوا إلى الخيرات.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
عباد الله، تمشيًا مع سنة المصطفى في تخصيص موعظة للنساء فإني أقول لأخواتي المسلمات: اتقين الله عز وجل في أنفسكن، يا نساء المسلمين، يا أمهاتنا يا أخواتنا يا بناتنا يا زوجات المؤمنين، أنتن المربيات، أنتن القدوات الصالحات، كل رجل عظيم حملته امرأة، وكل رجل صالح حضنته امرأة، فصلاحكن صلاح للبيوت والأولاد، بل صلاح للأسر وللمجتمعات، فعليكن رعاكن الله بتقوى الله تعالى في السر والعلن، احذروا دعاة السوء والفجور، دعاة التبرج والسفور، أصحاب الأقلام المسمومة والألسن المزعومة والأفكار المجذومة، لا يرقبون في العفة والحياء إلاًّ ولا ذمة، لا همّ لهم إلا أن ينزع الجلباب ويرمى الحجاب ويخدش الحياء والحشمة، يزعمون أن المرأة مظلومة بقوامة الرجل عليها، يشوّهون صورة الحجاب، ويثيرون التساؤلات.
يا أمة الله، أنتِ جوهرة مصونة، أنت أعراضنا، نفاخر بك وبأخواتك المسلمات، نفاخر بكن أمم الشرق والغرب، فاللهَ الله في لزوم الخير والحذر من دواعي الفتنة والشر، كيف ترضين ـ أيتها المسلمة ـ أن تزاحمي الرجال في المجامع العامة وأعين الرجال تنظر إليك من كل جانب والأجساد تكاد أن تتلامس؟!
يا أمة الله، يا من قدوتها حفصة وعائشة وزينب وفاطمة، عليك بالحجاب الساتر واللباس الواسع، إياك والملابس التي تبدي مفاتنك أو تصف عورتك، لا تنخدعي بالموضات الشيطانية ولا تغرّك من سقط الحياء من وجهها، فلبست ملابس تستحي الطفلة أن تلبسها، فضلاً عن الجارية، بل فضلاً عن المرأة العاقلة، فكيف بالمرأة المسلمة؟! يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الأحزاب:59].
اللهم تقبل صيامنا وقيامنا، واجعلنا من عبادك الفائزين المرحومين، اللهم أعد علينا رمضان ومن َّ علينا بالصيام والقيام، اللهم إن كان سبق في علمك أن تجمعنا في مثله في الأيام القادم فبارك لنا في أيامه ولياليه، وإن قضيت بزوال أعمارنا فأحسن الخلافة على باقينا، ووسع الرحمة على ماضينا، وعمّنا جميعًا برحمتك ومغفرتك، برحمتك يا أرحم الراحمين اجعل هذا العيد عيد عز ونصر وتمكين للإسلام والمسلمين.
اللهم وفق ولاة أمرنا إلى ما فيه صلاح البلاد والعباد، اللهم اجعلهم مفاتيح للخير مغاليق للشر، اللهم كما جمعتنا في هذا المكان المبارك فاجعل جمعنا الأخير في روضات الجنات في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
وصلوا على رسول الله امتثالا لأمر الله، فقد قال عز قائلا عليما: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد، صاحب اللواء المعقود والحوض المردود والمقام المحمود، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة والتابعين، وعنا معهم بمنك وفضلك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
| |
|