molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: حقوق الأولاد في الإسلام - عبد العزيز بن محمد القنام / وادي الدواسر الأحد 12 فبراير - 3:54:52 | |
|
حقوق الأولاد في الإسلام
عبد العزيز بن محمد القنام / وادي الدواسر
الخطبة الأولى
أوصيكم ـ عباد الله ـ ونفسي بتقوى الله، وأحثكم على طاعته، وأحذركم وبال عصيانه ومخالفة أمره، وأستفتح بالذي هو خير: فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة:7، 8].
أما بعد: فيا إخوة الإيمان والعقيدة، نعيش هذه الدقائق الطيبة في هذا اليوم المبارك مع موضوع من أهم الموضوعات، يحتاج إليه كل أب وكل أم وولد، وذلك من أجل الحياة الطيبة السعيدة، ألا وهو حقوق الولد على أبويه. يقول مولانا تبارك وتعالى في كتابه العزيز:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6].
أيها الإخوة المؤمنون، إن أولادَنا ثمراتُ قلوبنا، وفلذاتُ أكبادنا، وهديةُ الله إلينا، وزينةُ حياتنا، والأثرُ الصالح الذي نُذكَر به إذا كانوا صالحين، وهم من +بنا، ودعاؤهم من العمل الذي لا ينقطع بموتنا، قال رسول الله : ((إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ: إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ)) رواه مسلم والبخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي والنسائي.
أيها الإخوة، إن أبناءَنا وبناتِنا هم جسدُ الأمة وعَقلُها المفكر وقلبُها النابض، جعلهم الله أمانةً في أعناقنا، يقول رسول الله : ((أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِىَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ)) متفق عليه.
أيها الإخوة الكرام، إن دينَنا الإسلاميَّ الحنيفَ وازَنَ بين الحقوق والواجبات، فكما أوجب على الأولاد برَّ والديهم وأوصاهم بهم فقد أوجبَ على الآباءِ رعايةَ أولادهم والعنايةَ بهم، ليكونوا مصدرَ خيرٍ وقرةَ عينٍ لهم في الدنيا والآخرة، وليستجيب الله عز وجل لهم إذا دعَوا: رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا.
أيها الأحبة في الله، إذا أردنا أن تقرَّ أعينُنا بأولادنا ونأخذَ بأسباب نجابتهم وسعادتهم فعلينا باختيار الأرض الطيبة التي يخرج نباتُها بإذن ربها طيبًا مباركًا، ولا بدَّ أن يبحثَ مريدُ الزواج عن الزوجةِ التَّقِيَةِ النَّقِيَةِ، قال رسول الله : ((فاظفرْ بذاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ)) رواه البخاري ومسلم وأبوداود والنسائي.
وقد اعتبر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه انتقاء الزوجة واختيارها حقًا من حقوق الولد على أبيه، وكذلك اختيارَ اسمِهِ وتعليمَهُ القرآنَ والدِّين. واسمع ـ يا أخا الإسلام ـ إلى الرجل الذي يشكو عقوق ولده إلى سيدِنا عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه، فأحضرَ أميرُ المؤمنين الغلامَ وأنَّبه، فقال الغلام: يا أمير المؤمنين، أليس للولد حق على أبيه؟ قال: بلى، قال: فما حقه على أبيه؟ قال: أن يَنْتَقِيَ أُمَّهُ، ويُحْسِنَ اسمَهُ، ويُعَلِّمَهُ الكتابَ. قال الغلامُ: يا أميرَ المؤمنينَ، إنَّ أبي لم يفعلْ شيئًا من ذلك، استولدني من أَمَةٍ زنجية كانت لمجوسيّ، وقد سماني جُعلاً، ولم يعلّمْني من الكتاب حرفًا واحدًا، فالتفتَ أميرُ المؤمنينَ عُمرُ رضي الله عنه إلى الرجل وقال له: جئتَ إليَّ تشكو عقوقَ ولدِكَ وقد عقَقْتَهُ قبلَ أن يَعقَّك، وأسأْتَ إليه قبْلَ أنْ يُسيء إليك!
أيها الإخوة الأعزاء، إن لأولادنا حقوقًا علينا، فينبغي تخيّرُ الأمهاتِ لهم، وقد نبَّه مبعوثُ الرسالة الإلهية وشمسُ الهداية الربانية سيدُنا محمدٌ إلى هذا فيما روي عنه: ((تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ، وَانْكِحُوا الأَكْفَاءَ، وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ)) رواه ابن ماجه والديلمي.
فإذا أطلَّ المولودُ على الوجود فيستحبُّ الأذانُ بلطفٍ في أذنه اليمنى والإقامةُ في اليسرى؛ ليكونَ أولَ ما يطرقُ سَمْعَهُ ويستقرُّ في أعماقه تكبيرُ الله عز وجل وشهادةُ أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسولُ الله والدعوةُ إلى الصلاة والفلاح.
كما أمرنا النبي باختيار أسماء أولادنا، وأن تكون الأسماءُ متصلةً بمَنْ اختارهم الله من الصفوة المباركة من الأنبياء والصديقين والصالحين، قال رسولُ الله : ((إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ فَأَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ)) رواه أبو داود بإسناد جيد عن أبي الدرداء.
ولم يكتفِ رسولُ الله بالإرشادِ القولي، بل أكَّدَ ذلك بالفعل عندما خرج على الناس صبيحةَ يومٍ وقال لهم: ((وُلِدَ لِيَ اللَّيْلَةَ غُلاَمٌ فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَبي إِبْرَاهِيمَ)) رواه مسلم. فالنبي في هذا الحديث يلفتُ الأنظارَ إلى أن نسميَ أبناءنا بأسماء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقد أخرج أبو داود والنسائي أن رسولَ الله قال: ((تَسَمَّوْا بِأَسْمَاءِ الأَنْبِيَاءِ، وَأَحَبُّ الأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ، وَأَقْبَحُهَا حَرْبٌ وَمُرَّةُ)).
أيها الإخوة الأحباب، إن من السنة أيضًا في حقوق الأولاد أن نذبحَ عن الغلام شاتينِ، وعن الأنثى شاةً، وتجزئ شاة عن الغلام أيضًا وهو مذهب الإمام مالك رحمه الله، وهو ما يسمى بالعقيقة أو النسيكة.
ومن حِكَم مشروعيتها شكرُ اللهِ عز وجل على عطائه وآلائه، والتقربُ إليه بالذبح والتصدق والإطعام، والتكافل والتعاون، يقول رسولُ الله : ((كُلُّ غُلاَمٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ، تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ، وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ، وَيُسمَّى)) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد، وقوله: ((رهينة بعقيقته)) معناه: محبوسٌ عن الشفاعة في أبويه.
أيها الإخوة المؤمنون، إن من حقوقِ أولادنا الرضاعةَ الطبيعيةَ، قال الله تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ [البقرة:233], ويخطئ بعض الآباء والأمهات حين يلجؤون ـ دون ضرورة ـ إلى إرضاع أولادهم رضاعةً صناعية، وهذا أمرٌ خطيرٌ على صحةِ الطفلِ وأخلاقهِ وطباعهِ، فينبغي الحذرُ من ذلك إلا في ضرورة.
وإذا تجاوزَ الطفلُ فترةَ الرضاعةِ فعلينا أن نرفقَ به ونلينَ في معاملته؛ لأن ذلك أدعى إلى استجابته لتوجيهات أبويه، وهكذا كان شأن سيدنا محمد مع أبنائه وبناته رضي الله عنهم، فعن عبد الله بن شداد عن أبيه قال: خرجَ علَيْنا رسولُ الله في إحدى صلاتي العَشِيِّ: الظهرِ أو العصرِ، وهو حاملٌ أحدَ ابنيه: الحسنَ والحسين، فتقدم رسولُ الله فوضعَهُ عند قدمه اليمنى، فسجدَ رسولُ الله سجدةً أطالها، قال أبي: فرفعتُ رأسي من بين الناس فإذا رسولُ الله ساجدٌ، وإذا الغلامُ راكبٌ على ظهره، فعدتُ فسجدتُ، فلما انصرفَ رسولُ الله قال الناسُ: يا رسولَ الله، لقد سجدتَ في صلاتكَ هذه سجدةً ما كنتَ تسجدُها، أفشيءٌ أُمِرْتَ به أو كان يوحى إليك؟ قال: ((كلُّ ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني، فكرهتُ أن أُعْجِلَهُ حتى يقضيَ حاجتَه)) رواه الحاكم.
أيها الإخوة الأعزاء، إن الإسلامَ يحمِّلُ الأبوين مسؤوليةَ التربيةِ لأولادِهم، قال رسولُ الله : ((كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ)) أخرجه البخاري ومسلم. فكلُّ مولودٍ يولَدُ على الفطرة وعلى الإيمانِ والتوحيدِ والحقِ والخيرِ والفضيلةِ والنفورِ من الباطلِ والشرِ والرذيلةِ، فلا يولدُ أحدٌ يهودِيًا ولا نصرانيًا، ولا فاسقًا ولا منافقًا، إنما يوجهه إلى ذلك أبواه ومربوه، وأهله وجيرانه، وأصحابه ومعلّموه.
وينشأ ناشئُ الفتيـانِ فينا على ما كان عوَّده أبوه
وما دان الفتى بحِجًى ولكنْ يعوِّدهُ التدَيُّنَ أقربـوه
معاشرَ الآباء، يجب علينا أن نباشرَ تربيةَ أولادِنا مباشرةً دونَ وساطةٍ، بحيثُ نعلمُ مدخلَهم ومخرجَهم، ونعلمُ أينَ يذهبون، ومَنْ يُصاحِبُون ويُصَادِقُون، وماذا يفعلون؛ لأن الصغارَ لا يوجدُ لديهم الوعيُ الديني الكاملُ الذي يمنعهم من المنكرات والآثام، ولا توجدُ عندهم العقولُ الكاملةُ التي تمنعهم من الفساد والانحراف.
إن كثيرًا من الآباء والأمهات شُغِلُوا عن أبنائهم وبناتهم، فلم تَعُدْ لهم أوقاتٌ يجلسون فيها مع عائلاتهم، يسألون عن أخلاقهم وأحوالهم، ولكنهم يهتمون في الغالب بمن يمرضُ فيداوونه، وبمن يجوعُ فيشبعونه، وغابَ عنهم أنهم في هذا الاهتمام يخدمون الجسمَ، ويهملون النفسَ والقلبَ والروحَ، والحكيم يقول:
يـا خادمَ الجسمِ كمْ تشقى لخدمتِهِ أتطلبُ الربحَ مما فيـه خسرانُ
أقبلْ على النفسِ واستكملْ فضائلَها فأنتَ بالنفسِ لا بالجسمِ إنسانُ
عباد الله، إن أولادَنا أحوجُ إلى التربيةِ والتزكيةِ والرعايةِ منهم إلى الطعامِ والشرابِ والدواءِ؛ لأن الطعامَ والشرابَ والدواءَ ينفعُ البدنَ ويدفعُ عنه الأخطارَ بمشيئة الله تعالى، أما التربيةُ والت+يةُ فإنها تحفظُ الدينَ والعقلَ والعرضَ والنسلَ والجسمَ والمالَ، وأفضلُ هدية يقدمها الوالدان والمربون لأولادهم هي التربيةُ والتأديب، قال رسولُ الله : ((مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدًا مِنْ نَحْلٍ أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ)) أخرجه الترمذي.
وقد كان العلماءُ والخلفاءُ والصالحون يهتمون بذلك أعظمَ الاهتمام، قال عبدُ الملك بن مروان الخليفة الأموي ينصحُ مُؤَدِّبَ ولده: "علِّمْهم الصدقَ كما تعلمُهُمُ القرآنَ، واحملْهمْ على الأخلاقِ الجميلةِ، وجالسْ بهم أشرافَ الرجال وأهلَ العلم منهم، واضرْبهم على الكذب، فإن الكذبَ يدعو إلى الفجور، وإن الفجورَ يدعو إلى النار".
أيها المسلمون، يجبُ علينا تعهّدُ أبنائنا وبناتنا وتوجيهُهم وتعويدُهم على فعلِ الطاعات وتركِ المنكرات، وتقويةُ الوازع الديني في نفوسهم، قال رسولُ الله : ((مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ)) أخرجه أبو داود والحاكم .
وقد كان أصحابُ النبي يدَرِّبُون أولادَهم ويروِّضُونَهم على الصلاةِ والصيامِ والأخلاقِ الحسنةِ، ويعلمونهم سيرةَ النبي العطرةَ، قال سعدُ بنُ أبي وقاصٍ رضي الله عنه :كنا نعلِّمُ أولادَنا مَغازيَ رسولِ اللهِ كما نُعَلِّمُهُمُ السورةَ من القرآن.
وفي الختام: نصيحتي للآباء أن يهتموا بأولادهم تربيةً وتعليمًا، وأن لا يسْلموهم لأناسٍ غيرِ ثقاتٍ ولا طيبين من خدم أو معلمين، وبخاصة إذا كانوا كافرين أو فاسقين، وأن لا يتيحوا لأولادهم فُرَصَ مشاهدةِ الأفلامِ والقنواتِ والمجلاتِ والإنترنت وغيرها من الوسائل التي تدمر الخُلُق والدين، كما ينبغي حفظُهم من أصحابِ السوءِ ورفقاءِ الشر أهلِ المعاصي والفواحشِ والمنكراتِ والمسكرات والمخدرات وتضييعِ الأخلاقِ والأوقات؛ لأن الأمة ما وصلت إلى ما وصلت إليه من الذل والهوان وتداعي الأمم عليها إلا بتضييع نشئها والتفريط في أبنائها وبناتها، فاحفظوهم ـ عباد الله ـ وأصلحوهم حتى يكونوا صالحين مصلحين هادين مهديين غيرَ ضالين ولا مضلين.
رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا، اللهم لا تَدَعْنا في غَمْرَة، ولا تَأْخُذْنا على غِرَّة، ولا تجعلْنا من الغافلين.
فاتقوا الله أيها المسلمون، وأدوا ما عليكم من واجبات الذرية، قال الله تعالى: رَبّ ٱجْعَلْنِى مُقِيمَ ٱلصَّلوٰةِ وَمِن ذُرّيَتِى رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء رَبَّنَا ٱغْفِرْ لِى وَلِوَالِدَىَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ ٱلْحِسَابُ [إبراهيم:40، 41].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين وبقوله القويم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله يقول الحق وهو يهدي السبيل، أحمده سبحانه وأشكره وهو حسبنا ونعم الوكيل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ندّ ولا مثيل، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله جاء بأشرف تنزيل، ودعا إلى كل خلق جميل، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، أدّوا الأمانة، ونصحوا الأمة، وحفظوا هذا الدين من التحريف والتبديل، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله ـ أيها المسلمون ـ وأطيعوه، واجتنبوا سخطه ولا تعصوه، واعلموا أن أولادكم ومن ولاكم الله أمره أمانة في أعناقكم ومسؤولية عليكم، بأن تحملوهم على أصلح الأمور، وتدلوهم على كل خلق قويم ونهج مستقيم، واحذروا عليهم من الانفلات وقرناء السوء ومضار الفراغ والسفر بلا رقيب ولا حسيب. أعينوهم على تنظيم حياتهم في نومهم ويقظتهم، وعودوهم على ما يصلحهم، وجنبوهم السهر، ولا سيما في الشوارع، فإن ذلك قد يجرّ الشاب إلى أمور لا يقدر على التخلص منها مستقبلاً، فيندم على ما اكتسب من الأخلاق المنحرفة حيث لا ينفع الندم، وأخطر شيء على الشباب المخدرات والانحرافات الخلُقية، فحذِّروا من ذلك دائمًا، وهيِّئوا لأولادكم الوسائل المباحة النافعة، ووجِّهوهم إلى ما يفيد من الأعمال؛ لأنكم تُسألون عنهم، ففي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالرجل راع في أهل بيته ومسؤول عنهم، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عنه، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عنه، وكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته)).
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70، 71].
وصلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين وإمام المرسلين، فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه في قوله تبارك وتعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، وقد قال : ((من صلى عليَّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرًا)).
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد...
| |
|