molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: شبكة المعلومات - عبد العزيز بن محمد السدحان / الرياض الأحد 5 فبراير - 4:59:08 | |
|
شبكة المعلومات
عبد العزيز بن محمد السدحان / الرياض
الخطبة الأولى
أما بعد: فمعاشر المسلمين، لقد خلق الله الأسباب ورتب عليها المسببات، وسخر تلك الأسباب وسهل الوصول إليها، وهدى الناس بفطرهم وبتمييز عقولهم ومداركهم إلى النظر في تلك الأسباب والبحث في أسرارها؛ مما جعل ابن آدم بما وهب الله له من نظر وتمييز يتوصل إلى نتائج عظيمة في صالح حياته ومعاشه؛ فكم نسمع من حين إلى آخر من توصل بعض البشر إلى حقائق علمية هائلة يعقبها مخترعات تخدم البشرية جمعاء وتختصر عليهم أوقاتهم وتوفر لهم كثيرًا من جهودهم البدنية والمالية والذهنية، ففي مجال النقل مثلا طائرات وسيارات وسفن وقطارات، بل بلغ الأمر منهم في السعي منهم إلى الوصول إلى الكواكب الأخرى، وفي عالم الاتصالات ونقل الصوت والصورة بلغ الأمر ذروته، وما تلك الأجهزة المتنوعة كيفا وكما وأداء إلا شواهد صدق على ذلك. وقل مثل هذا في جميع مجالات الحياة كوسائل السلامة وما يتعلق بالطب واللباس وكماليات الحياة، وليس ذلك إلا دلائل صدق على عظيم حكمة الله تعالى وتدبيره.
معاشر المسلمين، ومن أعظم الأمور اكتشافًا في مجال الاتصال والمعلومات بل قد يكون ذلك الأمر عصبًا لأكثرها أو جميعها ما يسمى بشبكة المعلومات أو بالشبكة العنكبوتية؛ تلك الشبكة التي يقف المرء متعجبًا بل مذهولًا من عجيب أمرها وواسع محيط خزائن معلوماتها، ولقد أحسن من وصفها بأنها نافذة على العالم كله، فلا تريد أن ترى شيئًا إلا رأيته ولا تريد أن تقرأ شيئًا إلا قرأته ولا تريد أن تسمع شيئًا إلا سمعته، وهذا في غالب الأمر أو كثير منه.
معاشر المسلمين، وهنا وقفة عقدية تربط بشأن هذه الشبكة، فيقال: إذا كانت تلك الشبكة مما تحار فيها العقول من عجيب واسع علمها ودقة تنظيمها وسرعة استحضار معلوماتها من شتى أقطار المعمورة فإن ذلك كله -معاشر المسلمين- داخل تحت قوله تعالى: وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً، وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ، فسبحان الله العليم ما أعظم شأنه! سبحان الله العظيم ما أعظم علمه! سبحان الله العظيم ما أعز سلطانه! وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ.
معاشر المسلمين، وإن من أعظم منافع ومصالح وفوائد هذه الشبكة المعلوماتية أنها من أعظم الوسائل في نشر الإسلام وإيصاله إلى كل مكان، ولقد قام كثير من أهل العلم والديانة الصحيحة ببذل جهود عظيمة في إنشاء كثير من المواقع لنشر كثير من أحكام الإسلام وتعاليمه وآدابه، بل وبتوفيق من الله تعالى نشأت مواقع مخصصة للثلة المقدمة من علماء الشريعة في هذا العصر كشيخ الإسلام ابن باز وفقيه الإسلام ابن عثيمين ومحدث الإسلام الألباني جعل الله الفردوس الأعلى مثوانا ومثواهم؛ فأصبح بإمكان كل من دخل هذه الشبكة أن يحصل على كثير من المعلومات العقدية والفقهية والحديثية فضلًا عن السلوكية والآداب المتنوعة، بل متى ما أراد سماع ذلك أو قراءته أو نسخه تيسر له ذلك، وزد على ما سبق من العلم ما توفره هذه الشبكة من التلاوات المتنوعة للقرآن الكريم وما يتعلق بتفسيره ومفرداته وحكمه وأحكامه فضلًا عما يتعلق بلغة العرب ومفرداتها وأسرارها، وبالجملة فلقد وظفت هذه الشبكة لخدمة الإسلام بصورة باهرة فأوصلت الإسلام وكثيرًا من تعاليمه إلى كل بيت في المعمورة، ولعل تلك الشبكة تدخل تحت قوله : ((ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزًا يعز الله به الإسلام وذلا يذل به الكفر))، فمهما حاول أعداء الإسلام من صد انتشار الإسلام فإن هذه الشبكة تدخل الإسلام قعر كل بيت، فلعلها تكون داخلة تحت قوله في الحديث السابق، وهذا من باب الظن لا الجزم، فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان.
معاشر المسلمين، ولما كانت تلك الشبكة الهائلة مشاعة لكل من أراد الدخول إليها والمشاركة فيها كان لأهل الفساد والإفساد نصيب من ذلك، وكان أهل الكفر والفجور ممن سارع إلى تخصيص مواقع فاضحة تتضمن الفحش والخنا بجميع أشكاله صوتًا وصورة وكتابة، وقد سعى أولئك جاهدين إلى الإكثار من تلك المواقع إمعانًا في نشر الرذيلة والفساد، وإن من الخزي والعار أن يكون أكثر رواد تلك المواقع من بلاد الإسلام حسب بعض الاستقراءات العددية.
معاشر المسلمين، وقد بلغ الحال ببعض الناس أنه تعلق بتلك الشبكة تعلقًا تامًا وملكت عليه نفسه ووقته حتى بلغ الأمر بهم إلى حد الإدمان والانقطاع الكامل في مقابلة تلك الشبكة والتنقل بين مواقعها فأصبح أسيرًا لها لا يستطيع الانفكاك عنها ولا التخلص من براثنها، مما أثر على أدائهم الوظيفي والمدرسي والمصنعي، مما جعل الطب يتدخل في هذا الأمر فأنشئ في بلاد الكفر من جراء ذلك الإدمان عيادات تخصصية.
معاشر المسلمين، ولا يستغرب من الكافر إدمانه ذاك لأن غاية مراده ومبلغ همته التمتع بشهواته وشبهاته دون وازع من دين أو عقل أو عرف، يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنْ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ.
معاشر المسلمين، لا يستغرب هذا من الكافر الذي عرف ظاهرًا من الحياة الدنيا وغفل عن الآخرة، إنما المصيبة أن يقع في ذلك بعض المسلمين ومنهم بعض الموسومين بالخير؛ مما يزيد المصيبة عظمًا.
اللهم اكفنا شر أنفسنا والشيطان وشر طوارق الليل والنهار إلا طارقًا يطرق بخير يا رحمان.
أقول قولي هذا...
الخطبة الثانية
معاشر المسلمين، وعودًا على بدء، ولما كانت الوسائل سلاحًا ذا حدين وتخضع في ذلك لمقاصد مستعمليها كان استخدام هذه الشبكة بحسب نية صاحبها ومعرفته بنفسه وخوفه عليها، ولذلك كان من القواعد المقررة شرعًا أن الحكم يختلف بحسب حال الشخص فمن علم أنه سيستخدمها للإفادة والاستفادة منها مع عدم تضييع الواجبات الشرعية والمنزلية وغير ذلك فهي نعمة عرف قدرها. أما من أطلق لنفسه عنانها وألقى حبله على غاربها ولم يلق لذلك بالًا فهذا ممن جلب على نفسه أوزارًا وأصبحت تلك النعمة نقمة في حقه.
فيا عبد الله، إذا كنت تعلم من نفسك ضعفًا وخورًا، وأنك تعجز عن غلبة هواك وستقاد إلى تصفح مواقع الرذيلة والفجور فالحذر الحذر وبادر بالتخلص منها إن كانت في منزلك أو بعدم الذهاب إلى أماكنها إن كنت لا تملكها، فوالله إن بعض من بلي بمواقع الرذيلة قد أصبح متعلقًا بهواه وشهوته يتلذذ بالنظر إلى ما حرم الله تعالى قد ملكت تلك المواقع الفاحشة قلبه وأشغلت عقله، فأصبح لا ينفك عنها حتى يسارع بالرجوع إليها إلا من وفق لتوبة نصوح.
معاشر المسلمين، وإن من سوء استخدام تلك الشبكة إهمال بعض الأولياء لمسؤولية بيوتهم بسبب الانقطاع والغفلة عنهم لمتابعته لكثير من المواقع من خلال تلك الشبكة حتى ثبت بشكاوى بعض البيوت أن بعض الأزواج لا يقضي مع أولاده إلا ساعة من نهار أو نحو ذلك، بينما تراه محتجبًا في غرفته ساعات كثيرة دون كلل أو ملل، بل قد يمتنع من مشاركتهم في غذاء أو عشاء بدعوى عدم الرغبة في الطعام والشراب أو أنه يرغب في تأخر طعامه وشرابه، ذلك لأن إدمانه على مطالعة تلك الشبكة قد ملك عليه أمره وإحساسه فأصبح منقادًا لا يقود وأسيرًا يرسف في قيود، بل وصل الأمر ببعض المصلين إلى الإخلال بأداء الصلاة مع الجماعة حتى اشتكت بعض البيوت من أزواجها وأولادها الذين ظهر منهم التأخر المستمر عن الخروج إلى المسجد، وأدهى من ذلك أن التأخر أصبح عادة مستديمة لهم، وأدهى منه وأمر أن بعض أولئك تكرر منهم ترك الصلاة مع الجماعة حتى وصل الحال ببعضهم إلى الجمع بين صلاتين وثلاث.
معاشر المسلمين، ومن سوء استخدام تلك الشبكة أن بعض الناس جعلها سهمًا للتراشق والتنابز والجدل العقيم فأصبحت لدى بعضهم ميدانًا لتبادل التهم والطعن في المقاصد والنيات حتى بلغ الأمر ببعض الناس إلى أن وظف طاقاته لهذا الأمر بخصوصه، بل وصل الحال ببعضهم إلى الطعن في كبار العلماء والتشفي منهم بساقط القول عياذًا بالله، وبعضهم جعل ديدنه القدح في الحكام بأمور لا ترد شرًا ولا تجلب خيرًا بل قد تجلب عليه وزرًا وذلك بأن يستمرئ أمر الغيبة والنميمة حتى يكون ذلك طبعًا له لا يستطيع أن ينفك منه.
معاشر المسلمين، ومن سوء استخدام تلك الشبكة أن بعض الناس جعل جل وقته في تصفح ومتابعة مواقع مخصصة للفكاهة والسخرية لا خير فيها فيرجى، بل تهكم ببعض الأقاليم والجنسيات والقبائل والعادات، ونشر مثل هذا أو نقله على سبيل التهكم والتنقص من المحرم شرعًا لأنه داخل في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ، وداخل أيضًا تحت قوله : ((ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له ويل له)) أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم عن معاوية بن جيدة .
معاشر المسلمين، ومن آثار ضررها بسبب سوء استخدامها فضلًا عما تقدم ذكره من الأضرار الإسراف في سداد فواتير الاتصال حتى بلغ الحال ببعضهم إلى تقصيره في حاجاته الضرورية بينما تراه يسارع بل قد يستدين حتى يقوم بسداد فواتير اتصال تلك الشبكة خشية انقطاعها عنه، ومثل هذا يكون ممن ينفق أمواله في غير وجه حق بل يزيد إثمه إذا كان ممن يتقصد النظر إلى مواقع الفحشاء والرذيلة؛ فاعلم -يا هذا- أنك ستسأل عن مالك ذاك كما قال : ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع))، وعد منها: ((وعن ماله: من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟)).
اللهم اجعل نعمك علينا عونًا على طاعتك، ولا تجعلها سبيلًا لمعصيتك، اللهم زدنا بك علمًا ولك خشية، اللهم استعملنا في طاعتك ومرضاتك، وجنبنا مواقع سخطك وعقابك. اللهم أعز أهل طاعتك، واهد من ضل إلى صراطك المستقيم، اللهم رد المسلمين إليك ردًا جميلًا، اللهم من أراد بلادنا وبلاد المسلمين بسوء أو كيد أو خداع، اللهم رد كيده في نحره...
| |
|