molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الإيمان الصادق - عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض الجمعة 3 فبراير - 5:40:13 | |
|
الإيمان الصادق
عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض
الخطبة الأولى
أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله، إن الإيمان بالله ورسوله لا بد فيه من اعتقاد القلب، ولا بد فيه من عمل الجوارح، وما ذكر الله الإيمانَ في القرآن إلا ذكره مقرونًا بالعمل: وَٱلْعَصْرِ إِنَّ ٱلإِنسَـٰنَ لَفِى خُسْرٍ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ [العصر:1-3].
فالعمل الصالح مقرون بالإيمان، إذ الاعتقاد وحده لا يكفي، بل لا بد من عمل يدل على صحَّة هذا الاعتقاد وحقيقة هذا الاعتقاد.
المؤمن يعمل الأعمالَ الصالحةَ منطلقًا من الاعتقاد في قلبه أنَّ الله أوجبَ عليه تلك الواجباتِ، وافترضَ عليه تلك الفرائض، فهو يؤدِّيها عن اعتقاد جازم، عن يقين لا شكَّ فيه، يؤدِّيها رجاءً لرحمة الله، وخوفًا من عقوبته، أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ءانَاء ٱلَّيْلِ سَـٰجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ ٱلآخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبّهِ [الزمر:9].
غيرُ المؤمن وهو المنافق قد يؤدِّي الأعمالَ الصالحة ظاهرًا، ولكن يؤدِّيها وقلبُه خلوٌ من اعتقادها والإيمان بوجودها، إنما الأداء لها ظاهرًا مجاملةً للناس، وإذا خلا وحدَه لم يؤدِّ لله فرضًا، ولم يقُم لله بحقّ، ذلك لخلوِّ قلبه من الاعتقاد، ولذا لا ترى للطاعة في نفسه أثرًا، فهو لا يذوق حلاوة الطاعة، ولا يلتذُّ بها، ولا نشرح بها صدرُه، إنّما هي عادةٌ من العادات، أمرٌ يؤدِّيه مجاملةً للناس فقط، وإلا فإنَّه يقوم في الصلاة بجسده، وقلبُه بعيد عن الخير والهدى، فلا تؤثِّر فيه الأعمال الصالحة، بخلاف المؤمن فإنَّ الأعمالَ الصالحة تزيد في إيمانه، وتقوِّي يقينه، ويظهر آثارها عليه في سلوكه وأقواله وكلِّ تصرفاتِه.
أيها المسلمون، ولذا بيَّن الله لنا حالَ المنافقين يوم القيامة، وأنَّ تصرفاتِهم وأعمالَهم في الدنيا تخونهم أحوجَ ما يكونون إليها: يَوْمَ يَقُولُ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ وَٱلْمُنَـٰفِقَـٰتُ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ٱرْجِعُواْ وَرَاءكُمْ فَٱلْتَمِسُواْ نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ ٱلرَّحْمَةُ وَظَـٰهِرُهُ مِن قِبَلِهِ ٱلْعَذَابُ يُنَـٰدُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَـٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَٱرْتَبْتُمْ وَغرَّتْكُمُ ٱلأَمَانِىُّ حَتَّىٰ جَاء أَمْرُ ٱللَّهِ وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ [الحديد:13، 14].
أيها المسلم، فتأمَّل الصلاةَ وال+اةَ مثلاً، المؤمنُ حينما يؤدِّي الصلاة يؤدِّيها معتقدًا فرضيتَها ووجوبَها عليه، وأنَّها أحدُ أركان دينه، بل هي عمودُ إسلامه، فهو يؤدِّيها من هذا المنطلَق، أنَّ الله افترضَها عليه، جعلَها أحدَ أركان الإسلام، جعلها الركنَ الثاني من أركان الإسلام، جعلها عمودَ الدين فهو يؤدِّيها كما يعتقدها، ولذا تجده في أدائها مطمئنًا فيها محبًّا لها راغبًا فيها، ينبعث لأدائها بنشاطٍ ورغبة، وحبٍّ لها وفرح بها، متى ما سمع منادي الله: حي على الصلاة، حي على الفلاح، قال: سمعًا وطاعة لربِّنا، فبادرَ بالوضوء وإتيان المسجد رغبةً في الخير، وحبًّا لهذه الصلاة، فهو يجدُ فيها راحةَ قلبه، ويجد فيها انشراحَ صدره، ويجد فيها طمأنينةَ نفسه، ويجد فيها قرَّة عينه، فهو لا يسأمُها ولا يملّها ولا يستثقلُها، بل أشرفُ اللحظاتِ وأسعدُ الأوقات أن يكون في صلاته مناجيًا لربّه، فتلك اللحظاتُ أسعدُ لحظاته وأكملها وأغلاها عنده، مقتديًا بنبيه القائل: ((حُبِّب إليَّ من دنياكم النساء والطيب، وجُعلت قرّة عيني بالصلاة))[1]، وقوله: ((أرِحنا يا بلال بالصلاة))[2]، فيجد في الصلاة لذَّةً وطمأنينة وراحة وانبساطًا، هكذا المؤمن.
أمَّا غير المؤمن فلا، الصلاة ثقيلةٌ عليه، الصلاة شاقّة عليه، الصلاة مُتعِبة له، الصلاة لا يحبّها، لا يألفُها، لا يطمئنّ إليها، لكن إن رأى المسلمين يصلّون صلّى معهم بجسده وقلبُهُ غائبٌ عنها، هو غيرُ مؤمِن بها، غيرُ معتقد لفرضيتِها، بل يسخَر بها وبأهلها والعياذ بالله، وهذا لِما قام بقلبِه مِن داءِ النفاق، قال تعالى: وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَـٰتُهُمْ إِلا أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ ٱلصَّلَوٰةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَـٰرِهُونَ [التوبة:54]، وقال عنهم: إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ يُخَـٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَاءونَ ٱلنَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً [النساء:142]، هكذا حالُهم فلمَّا فُقد الإيمان من القلب صارت الصلاةُ أشقَّ شيء عليهم، وصارت لحظاتُها أكرَهَ لحظةٍ عليهم في الدنيا، لأنهم لم يعتقدوها ولم يؤمنوا بها، فاستثقلوها وسئموها وملّوا منها.
أما المؤمن فبخلاف ذلك، الصلاةُ محبَّبةٌ لنفسه، فرضُها ونفلها، يؤدِّي الفرائض، ويتقرَّب إلى الله بعد ذلك بأداء النوافل، ويعلم أن الصلاةَ صلةٌ تربطه بربّه، وتجعله على صلةٍ دائمة بربه، فهو في صلاةٍ يناجي ربَّه، ويقف بين يدَيه، فيسأَله ويستغيث به ويستَعين به، ويشكو إلى الله بثَّه وحزنَه.
أيها المسلم، إذًا فالكَسل في الفرائض والتهَاون بها وعدم الرغبة فيها إنما هي من أخلاق المنافقين، فكن ـ أخي المسلم ـ على خلاف تلك الصّفة، كن محبًّا للصلاة، كن معظّمًا لها، كن حريصًا عليها، كن مطمئنًا فيها، لتكن الصلاةُ من أحبِّ الأعمال إليك، يقول الله جل وعلا: وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَوٰةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَـٰشِعِينَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَـٰقُوا رَبّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رٰجِعُونَ [البقرة:46]. فالموقنون بلقاء الله، الموقنون بالموقف بين يدي الله، الموقنون بأن إلى الله مردّهم ومصيرهم، الصلاةُ محببةٌ لنفوسهم، الصلاة معظَّمَة عندهم، الصلاةُ لها وقعٌ في نفوسهم، يحبّونها ويألفونها ويرتاحون فيها، هكذا الإيمان الصادق.
المؤمن يؤدِّي زكاةَ ماله طيبةً بها نفسه، شاكرًا الله على فضله وامتنانه وإحسانه، راجيًا من الله أن يخلف عليه ما أنفق، كلَّما ذكر نعمَ الله وقارن بين الزكاة وعظيمِ النعم علم أنَّ الزكاةَ جزءٌ يسير من كثير مما تفضّل الله به عليه، فهو يؤدِّي +اتَه طيبةً بها نفسُه، فرحًا مستبشرًا بها، شاكرًا الله على نعمته وإفضاله.
أما غيرُ المؤمن فلا، هو لا يزكِّي، لكن لو طُلبَت الزكاة منه، لكن لو أُلجئ إلى إخراج الزكاة أخرجَها ونفسُه كارهة لها، نفسُه كارهةٌ لإخراج الزكاة، يقول: هذه ضريبة، وهذا مالٌ أُخذ مني بغير حق، كما قال الله: ٱلشَّيْطَـٰنُ يَعِدُكُمُ ٱلْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِٱلْفَحْشَاء وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مّنْهُ وَفَضْلاً وَٱللَّهُ وٰسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:268]، إذًا فهو لا يخرجها عن رغبة فيها، ولا عن إيمان بوجوبها، ولذا قال الله: وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَـٰرِهُونَ، فإنفاقُهم عن كراهيةٍ وعن عدمِ قناعة، ولذا قال الله: وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَـٰتُهُمْ إِلا أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ ٱلصَّلَوٰةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَـٰرِهُونَ [التوبة:54]، فصلاتُهم عن +ل وعدم رغبة، و+اتُهم عن كراهية لها وتسخُّطٍ منها، هكذا حال المنافق.
أما المؤمنُ فبخلاف ذلك، [هو] فرِح بالصلاة، فرِح بال+اة، فرِحٌ بكل واجب يؤدّيه، فرحٌ بكلِّ فريضة يؤدّيها، هكذا الإيمان الذي استقرّ في القلب، يزداد قوةً بقوة الأعمال الصالحة وكثرتِها.
أسأل الله أن يوفّقني وإياكم لصالح العمل، وأن يشرَح صدورَنا لقبول الحقّ والعمل به، وأن يثبّتنا وإياكم على قوله الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
[1] أخرجه أحمد (3/128)، والنسائي في عشرة النساء، باب: حب النساء (3939)، وأبو يعلى (3482) من حديث أنس رضي الله عنه، وصححه الحاكم (2/174)، والمقدسي في المختارة (4/367)، وجوّد إسناده العراقي، وقواه الذهبي في الميزان (2/177)، وحسنه الحافظ في التلخيص الحبير (3/116)، وصححه في الفتح (3/15).
[2] أخرجه أحمد (5/364)، وأبو داود في الأدب، باب: في صلاة العتمة (4986) عن رجل من الأنصار، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (4172).
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله، إن للأعمال الصالحة أثرًا في زكاة قلبِ العبدِ ونفسه، فالأعمالُ الصالحة ت+يِّ قلبَه وتهذِّب أخلاقَه وت+بُه الخيرَ والأعمالَ الصالحة، ولذا قال الله: خُذْ مِنْ أَمْوٰلِهِمْ صَدَقَةً تُطَهّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ بِهَا [التوبة:103].
والصلوات الخمس كفارةٌ لما بينها من صغائر الذنوب، ومَثَل الصلواتِ الخمس كمثَل نهر جارٍ بباب أحدِنا يغتسلُ منه كلَّ يوم خمسَ مرات، وما فائدة ذلك؟ لا يبقى من درنه شيء.
فكلّ الأعمال الصالحة التي يعملُها المؤمن عن إخلاصٍ لله فيها ومحبّة لها وقوَّة يقين بذلك، هذا يزيدُه إيمانًا وتقوى، إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءايَـٰتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَـٰنًا وَعَلَىٰ رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ أُوْلـئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقًّا [الأنفال:2-4].
فالإيمان الحق هو الذي يدعو إلى الأعمالِ الصالحة، ويحثّ على الأعمال الصالحة، فكلّما قويَ الإيمان في القلب انبعَثت الجوارحُ للعمل، ولذا يقول : ((ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلَحت صلَح لها الجسد كله، وإذا فسدت فسد لها الجسد كله، ألا وهي القلب))[1].
فنسأل الله أن يصلحَ قلوبَنا وأعمالَنا، وأن يرزقَنا اليقينَ الصادق والإيمانَ الحق، إنه على كل شيء قدير.
واعلموا ـ رحمكم الله ـ أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار.
وصلوا ـ رحمكم الله ـ على عبد الله ورسوله محمد، كما أمركم بذلك ربكم قال تعالى: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين...
[1] أخرجه البخاري في الإيمان (52)، ومسلم في المساقاة (1599) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.
| |
|