molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الصدق والنصيحة في التعامل - عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض الخميس 2 فبراير - 3:01:53 | |
|
الصدق والنصيحة في التعامل
عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض
الخطبة الأولى
أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله، إن من خُلق المؤمن الصدق في أحواله كلِّها، فالصدق خلق للمؤمن يلزمه ويستمر عليه؛ لقناعته أن الصدق سبيل الهدى والرشاد، وأن الصادق له عِزُّ في الدنيا ورفعة في الآخرة. هذا الصدق نجاة لصاحبه وسبب لعِزّه في الدنيا ورفعته في الآخرة، وقد أمر الله عباده المؤمنين بأن يلزموا الصدق ويكونوا مع الصادقين، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة: 119]، كونوا معهم في أقوالهم، في أفعالهم، في ما انطوت عليه سرائرهم من الخير والهدى.
إن الصدق صفة لأهل الإيمان ليضادوا به المنافقين الذين تظاهروا بالصدق وأبطنوا الكذب المحض، إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ [المنافقون: 1]. أجل إنهم أظهروا الصدق والوفاء وحب الدين حب الله ورسوله ودينه، ولكن يعلم الله ما في قلوبهم من الكفر والضلال، إذن فليسوا على هدى ولا على خير، لكن المؤمن حقًا مخالف لولئك، صادق في معتقده، صادق في قلبه، صادق بلسانه، صادق في أعمال جوارحه، فالقلب ممتل بالإيمان والخير، القلب مستنير بنور الإيمان مستضيئ بالهدى والطاعة، القلب عامر بالإيمان، قلب صلح فاستقام، ((ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها الجسد كله، وإذا فسدت فسد لها الجسد كله، ألا وهي القلب))[1].
ففي القلب تصديق بالله وتصديق بأمر رسوله، وتصديق بكتابه وتصديق بلقائه، وتصديق بقضائه وقدره. إيمانه بالله صادق، هذا الصدق في الإيمان بالله دعاه إلى الإيمان بالله، وأن الله رب كل شيء ومالكه وخالقه، والمتصرف كيف يشاء لكمال حكمته وعلمه ورحمته وعدله، فدعاه إلى الإيمان به والتصديق بأسمائه وصفاته، والإيمان بكمال علمه واطلاعه على الخَلْقِ، ودعاه إلى تصديق الرسول ، فآمن به نبيًا ورسولاً، صدقه فيما أخبر به، انقاد لسنّته، أحبه وحرص على اتباع شريعته؛ لأنه على يقين أنه لا سبيل له إلى الله إلا من طريق هذا النبي الكريم، إيمانه بالله دعاه إلى الصدق في عبادة الله، فعبد الله مخلصًا له الدين، وصرف كل العبادة لرب العالمين؛ لعلمه أن الله المستحق للعبادة دون سواه، أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:3].
صدق في إيمانه بكتب الله التي أنزلها على أنبيائه الصادقين، فاعتقد أنها حق وجاءت بالحق، وأن أنبياء الله صادقين فيما قالوا، لكن العمل والاتباع إنما هو لهذا الكتاب العزيز، فآمن بالقرآن وصدق أنه كلام الله، وآمن به حقًا وحكّمه وتحاكم إليه، وتأدب بآدابه ونفذ أوامره وابتعد عن نواهيه، وتخلق بأخلاق القرآن العظيم، هكذا حال المؤمن؛ آمن بهذا الدين الإسلامي إيمانًا صادقًا، فاعتقد حقًا كمال هذه الشريعة، وأنها الشريعة الحقه التي أكملها الله وارتضاها، وأتم بها علينا نعمته، ولن يقبل من أحد دينًا سوى هذا الدين، وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85].
صدق في إيمانه بهذه الشريعة فاعتقد كمالها، واعتقد شمولها، واعتقد أنها الشريعة الصالحة المصلحة لكل زمان وفئة من الناس، وأن هذه الشريعة هي الشريعة الحق، مشتملة على أسباب السعادة في الدنيا والآخرة، شريعة باقية منذ أنزلها الله إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين، الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3]، فهو يعتقد كمال هذه الشريعة، وأنها مغنية للخلق عما سواها، ولا يمكن أحد من الخلق أن يوجد للناس أحكامًا غير هذه الشريعة، فكل أحكام غير أحكام هذه الشريعة فمبنية على الجور والظلم والعدوان.
أيها المسلم، إن المؤمن صادق في قوله، صادق فيما يخبر عن الله، صادق فيما يخبر عن رسول الله، صادق فيما يخبر عن شرع الله، فلا يقول على الله إلا الحق، ولا يقول عن رسوله إلا الحق، ولا يقول عن شرع الله إلا الحق. صادق فيما أخبر به من الدعوة إلى الحق والهدى، والتحذير من الباطل والضلال.
إن أعظم صدق يتخلق به المسلم صدقه فيما يُخبر به عن الله ورسوله، فإنه لا يُخبر إلا بالحق، ولا يقول على الله وعلى نبيه ودينه إلا الحق.
إنه صادق في أفعاله، فأعمال جوارحه بأركان الإسلام وواجبات الدين كلها تنبعث عن إخلاص وصدق، وإيمان جازم لا رياء ولا سمعة، ولكن إيمان في القلب صّدقه العمل، فليس إيمانه دعوى ولكن إيمانًا ظاهرًا وباطنًا، إيمان في القلب صّدقه العمل الصالح، كالصلاة وال+اة والصوم والحج وواجبات الإسلام وفرائض الدين، كلها يؤديها العبد عن صدق ويقين، موقنًا بالثواب راجيًا من الله ذلك، خائفًا من عقابه. قال بعض السلف: "التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجوا بذلك ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله".
أيها المسلم، المسلم صادق مع نفسه؛ فهو يسعى لتخليص نفسه وفكها من عذاب الله، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9، 10]، هو صادق في تعامله مع زوجته وأولاده، صادق مع أولاده فيصدق معهم في تربيتهم وتوجيههم بالخير والهدى، وتربيتهم على الأخلاق الكريمة والصفات العالية. صادق مع زوجته بحسن المعاشرة وقلة الأداء وبذل المعروف. صادق في البر بالأبوين، فهو يَبُرُ بهما برِّ الصادق الموقن بالثواب الراجي للخير، الخائف من عقوبة الله. صادق مع جيرانه؛ فلا ينالون منه أذى ويأمنون بوائقه وغدراته، وهو صادق مع رحمه في صلته لهم والإحسان إليهم.
المؤمن صادق في تعامله مع الخلق، فإنه يكن في ميدان البيع والشراء ترى هذا المسلم صادق، صادق فيما يخبر عن قِيم سِلَعه، صادق إن كان ذا مصنع فلا ينتج إلى خير، ويوضح الأمر ويجلوا الأمر، فليس غاش ولا خادعًا ولا مدلسًا، ولكن وضوح في أموره، ((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لها في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيتعهما))[2], صادق في تعامله مع الناس، فإذا استدان أدى الحق وحرص على إيفاء الحقوق، ((مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ، يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ)) [3].
صادق في تعامله مع الناس فليس يخبر بخلاف الواقع، ولكن يخبر بالواقع، وكم من أناس تظاهروا بالخير وأظهروا الصدق في كثير من معاملتهم، ولكن الواقع خلاف ذلك؛ فهم يظهرون للناس شيئًا ويخفون أشياء، كم ينخدع بهم الناس ويوعطونهم الأموال، واثقون بهم وبأحاديثهم وإخبارهم، ثم تنع+ القضية عليهم وإذا القول الذي قالوه كذبًا وافتراءً.
هو صادق في نصيحته عندما تستنصحه أو تستشيره، يعطيك الرأي الصادق ويشير عليك بالرأي الحق الذي يعتقده لنفسه، وإما كون ذلك يخطئ فالخطأ فهذا معفو عنه، لكن لا يشير عليك بأمر وهو يعتقد أن الحق بخلافه، ولا يعطيك نصيحة تراه صادقًا وتعتقد صدقه والله يعلم أنه كاذب، يشير عليك فيقول: هذه المساهمة طيبة، وهذه كذا وكذا، فإذا أعطيته المال وتطلعت إلى الأمر وجدت أن صاحبك قد كذب عليك، له مصالح فيما يدعوا إليه ومنافع لا يبالي أن يُخبر الناس بحديث خلاف الواقع، يثني على مساهمته، ويثني على هذه التجارة، ويمدح لك تلك الشركة، ويثني على تلك المساهمات مهما كان يثني عليها ويدعوك للاشتراك بكذا وكذا، وإذا استبان لك الأمر وجدته صاحب مطمع وصاحب هوى، يشير عليك بخلاف الواقع، وينصحك بخلاف الحق؛ لأن له مصالح ذاتية فهو يقدم مصلحة نفسه، ويغش إخوانه ولا يبالي.
إن شاركته في التجارة صدق معك فلا كذب ولا تزوير، إن استشهد به أدى الشهادة بصدق فلا زور ولا كذب، وإن تحمل الشهادة تحملها بصدق، إن أخبرك عن أشياء أخبرك بالصدق، هكذا يكون المسلم، إن أقام دعوى على أحد فهو لا يقيمها دعوى كيدية لأجل الضرر والإيذاء، وإنما يقيم دعوى هو على حق أنه هو صادق فيما يقول، ليس دعواه لأجل الإضرار والمكائد وتأخير حاجات الناس، هو صادق مع خَدَمِه ومن عنده من يد عامله، فهو صادق معه في العقود التي بينهم وبينه، وفي الأعمال التي تناط بهم، فلا يغشهم ولا يخدعهم ولا يكذب عليهم، ولكن يصدقهم في كل تعامله معهم، هكذا يكون المؤمن حقًا.
فالمتخلق بالصدق يجعل الله في قلوب الناس محبتًا له وثقتًا به وطمأنينة إليه، لاسيما إن صحب ذلك تدين وورع وخوف من الله، وصار صدقه في تجارته مبنيًا على الإيمان الحق، فذاك نعمة من الله على العبد، قد يصدقك أحيانًا لمصلحة دنيوية، لكنه يكذب في غيره، لا. المؤمن إن صدقك فصدقه لك منطلق من إيمان الحق الذي تلقاه عن ربه وعن نبيه ، صادق فيما وكل إليه من عمل، فيؤدي الأمانة العملية بصدق وإخلاص، لا يظلم أحد ولا يحابي ولا تأخذه العاطفة ويسوقه الهوى، بل من عنده ومن تحت يده يعاملهم بالصدق ويعاملهم بالوفاء، إن وعد صدق في وعده وأنجز وعده، وإن قال صدق في قوله، فلا تسوقه العاطفة والهوى أن يكذب على هذا ويغش هذا، بل يعامل من تحت يده ومن هو المسؤول عنهم بالصدق في الأحوال كلها، فيعطي كل ذي حق حقه عن أمانة وديانة، إن ائتمن ـ فهو على المال ـ وجدته الأمين الصادق الذي يخاف الله ويرجوه، وإن ائتمنه على السِرِّ وجدته الصادق في حفظ الأسرار، وإن استشرته وجدته الصادق فيما يشير به، والناصح فيما ينصح، إنه المؤمن حقًا الذي تحلى بالأخلاق الفاضلة، ((ولا يزال الصدق يهدي إلى البِرَّ، والبِرُّ يهدي إلى الجنة، ولا يزال العبد يتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا)) [4].
تخلف كعب بن مالك عن غزوة تبوك فلما رجع النبي من غزوة تبوك إلى المدينة، اعتذر من اعتذر من المنافقين، وقالوا قولاً كذب وافتراءً، وكعب بن مالك أبان الحق وقال: والله، ما هناك سببًا يدعوني إلى عدم الخروج، وما ذاك عن نقص في إيماني، لا، ولكن أمر قضاه الله وقدره. وجاء للنبي قائلاً: يا رسول الله، إني صدقتك فأرجو الله أن ينجيني الله بالصدق، وليعلم الله أني صاحب جدل استطيع أن أكذب كذبا ترضاه عني، ولكن أخشى أن يسخط الله علي، فنجاه الله بصدقه وتاب عليه بصدقه، فالصدق فيما يقول : ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) [5]، فالصدق طمأنينة والكذب ريبة.
أيها المسلم، فأعظم الكذب أن تخبر عن الله بما لم يقل، أو تنسب إلى نبينا ما لم يقل، ففي الحديث: ((من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار))[6]، والله يقول: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ [الأنعام:93].
ومن الكذب: أن تخبر الناس بأخبار لا أصل لها ولا صحة لها، تَثَبَّتَ فيما تُخبر فكفى بامرئ كذبًا أن يحدث بكل ما سمع. من أنواع الكذب والمخالفة للصدق أن تفشي إشاعات باطلة، وترجف بأقوال كاذبة لا أصل ولا صحة لها، فليحذر المسلم أن يكون كذلك.
إن الصدق خلق للمسلم ينال به ثواب الله والعِزَّة في الدنيا، قال الله: هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [المائدة:119]. فكن مع الصادقين أخي المسلم، كن مع الصادقين؛ فالصدق نجاة لك، ولا تقل الكذب سلعة رائجة، والصدق صعب، الصدق هو الحق وإن تحملت شيئًا فالعاقبة للصادقين، وأما الكذب فعاقبته النار. نسأل الله لنا ولكم السلامة والهداية.
أيها المسلم، الزم الصدق وكن صادقًا في الظاهر والباطن، كم أناس خدعوا الناس فتظاهروا بالصلاح والتقى، وأنهم الصادقون في أحوالهم كلها، انخدع بهم بعض الناس، فربما خطبوا من رجل ابنته فزوجه نظرًا لما يتحرى فيه من الخير والهدى، ويسمع من الأقوال الطيبة، فما هو إلا أن يكتشفوا سَبُعًا ضاريًا لا يقيم للنكاح قدرًا، ولا يعرف للزوجة حقًا، خلق سيء وتعامل سيء، وظلم وعدوان. كم ينخدع الناس ببعض أناس تزعموا شركات ومساهمات وأمور مالية، فظن الناس بهم الخير ووثقوا بهم، فما هو إلا أن انقلبوا لصوص يسرقون وينهبون ويتكاثرون بالحرام، ويهربون عن الناس، ويبدون من الأعذار والأشياء ما الله به عليم، والله يعلم أنهم كاذبون في ذلك. كم من متظاهر بالصلاح وكاتب كتابات يرى أنها إصلاح وخير، وهو يعلم في باطن أمره أن ما كتبه باطل وضلال، فليحذر المسلم وليخش من الله، وليتذكر قول الله: وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [يونس:61].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب. فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
[1] أخرجه البخاري في الإيمان (52)، ومسلم في المساقاة (1599)، من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.
[2] أخرجه البخاري في البيوع (2079)، ومسلم في البيوع (1532)، من حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه.
[3] هذا النص مركب من حديثين: الأول قوله : ((مطل الغني ظلم)) أخرجه البخاري في الحوالات (2287)، ومسلم في المساقاة (1564)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والثاني قوله : ((لَيّ الواجد يحلّ عرضه وعقوبته)) علّقه البخاري في الاستقراض، باب: لصاحب الحق مقال، ووصله أحمد (4/389)، وأبو داود في الأقضية (3628)، والنسائي في البيوع (4689)، وابن ماجه في الأحكام (2427)، من حديث الشريد بن سويد رضي الله عنه، وصححه ابن حبان (5089)، والحاكم (4/102)، وحسنه الحافظ في الفتح (5/62).
[4] أخرجه البخاري في الأدب (6094)، ومسلم في البر (2607)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
[5] أخرجه البخاري في المغازي (4418)، ومسلم في التوبة (2769)، من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه.
[6] أخرجه مسلم في المقدمة (3)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله، من أعظم الكذب والفرية أن ينسب إلى الإسلام ما الإسلام بريء منه، فكم من متقولين على الإسلام ومحملين الإسلام أمور، الإسلام ضدها وتعاليمه تخالفها، نسبوا إلى الإسلام ـ ظلمًا وعدوانًا ـ: أن الإسلام دين الإرهاب، ودين التعدي وسفك الدماء وظلم العباد، ويأبى الله ذلك. الدين الإسلامي دين الحق والرحمة والعدل، والصدق والوفاء، بعيد عن الضرر والأذى، دين الإسلام جاء لحقن الدماء، وأن الدماء المعصومة من مسلم لغيره لا يجوز التعدي عليها بغير حق، جاء الإسلام ليحفظ العهود والعقود ويراعي العهود والأمانات والذمم، فالإسلام برئ من كل ما نسب إليه أعدائه الذي يحاولون تشويه صورته، وأنه دين الإرهاب والظلم والعدوان، وإنهم كاذبون في ذلك؛ لأنهم يعلمون كذبهم، فالإسلام دين الصدق والوفاء واحترام العقود والوفاء بالعهود، وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المؤمنون: 8].
أيها المسلم، المسلم عندما يرى حب وطنه فهو صادق في ذلك، نعم صادق يحب وطن الإسلام فيدافع عنه بكل ممكن، ويرى أن كل ضرر يصيب بلاد الإسلام يراه ضرر حائط به، فتراه يحمي بلاد الإسلام عن كل مبدئ خطير، وعن كل رأي ضال، وعن كل فكر منحرف، لا يعين المفسدين ولا يستر على المجرمين، ولا يقيم الأعذار للمنحرفين، وإنما هو صادق في حب وطن الإسلام، يدعوا المنحرفين إلى الحق ويرشدهم إلى الهدى، لا يضحى ببلاد الإسلام لمصالح مادية أو مصالح ذاتية، هو أرفع من ذلك فوطن الإسلام غال في نفسه، يدافع عنه بكل مستطاع، وهو عين ساهرة على أمنه واستقراره، على دينه وقيمه وأخلاقه، على قيادته وانتظام حاله، هكذا المسلم المحب لبلاد الإسلام، والصادق في وطنيته ليست دعوى فقط ولكن منبثقة عن إيمان، يحب أهل الإسلام ويواليهم، ويحب أوطان المسلمين ويدافع عنهم، ويبغض كل من أراد الشر بالإسلام وأهله، سواء في المعتقد أو في القيم والسلوك، فلا يقر مجرمًا على إجرامه، ولا يتستر على مفسد في فساده، وإنما هو دائمًا ناصحًا لله ولكتابه ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، يحمي بلاد الإسلام من كل من يريدها بسوء مهما كان حاله؛ لأن محبته لوطن الإسلام محبة صادقة منبثقة عن إيمانه الصادق، فهو يحب الله ورسوله ودينه، ويحب إخوانه المسلمين، ويحب أوطان الإسلام، فلا يرضى لها بالنقص من أي إنسان كائنًا من كان، هكذا الصدق في محبة وطن الإسلام، صدق حقيقي لا مجرد تظاهر، والله يعلم منه خلاف ذلك.
أيها المسلمون، اعلموا أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ...
| |
|