molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: خذوا حذركم - عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض الخميس 2 فبراير - 2:29:54 | |
|
خذوا حذركم
عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض
الخطبة الأولى
أما بعد: فيا أيّها النّاس، اتّقوا الله تعالى حقَّ التّقوى.
أيّها المسلمون، ربُّنا جلّ وعلا خلقنا لعبادته وحدَه لا شريك له، ما خلقَنا ليستكثِر بنا من قِلّ، ولا ليستعزَّ بنا من ذِلّ، ولا ليستغني بِنا من فاقة، ولكن خلقنا لحكمةٍ عظيمة هي عبادتُه وحدَه لا شريك له، وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مّن رّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلْقُوَّةِ ٱلْمَتِينُ [الذاريات:56-58].
خلقَنا وما تركنا همَلاً، فحِكمتُه تأبى ذلك، أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَـٰنُ أَن يُتْرَكَ سُدًى [القيامة:36] لا، بل خلقَنا وأمرَنا ونهانا على أيدي رسلِه الذين بعثَهم مبشِّرين ومنذِرين ليقِيموا حجَّته على العبَاد، رُّسُلاً مُّبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ [النساء:165]، يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ إِنَّا أَرْسَلْنَـٰكَ شَاهِدًا وَمُبَشّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى ٱللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا [الأحزاب:45، 46].
جعَل الخلقَ خلائفَ في الأرض، يخلفُ بعضُهم بَعضًا ابتِلاءً وامتحانًا، ثُمَّ جَعَلْنَـٰكُمْ خَلَـٰئِفَ فِى ٱلأرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ [يونس:14].
جعلَ للعبادِ آجالاً معلومَة، فما ضمِن لأحدٍ البقاءَ في هذه الدّنيا، وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ أَفَإِيْن مّتَّ فَهُمُ ٱلْخَـٰلِدُونَ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:34، 35]، وأخبرَهم أن بقاءَهم على الأرض مقدَّر بزمن: وَلَكُمْ فِى ٱلأرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَـٰعٌ إِلَىٰ حِينٍ [البقرة:36]، فإذا انقضَت أيّام العبدِ التي قدَّرها الله فإنّه يحين أجلُه، فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:34]، وَلَن يُؤَخّرَ ٱللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المنافقون:11].
أيّها المسلم، خُلِقتَ لعبادةِ الله، فاعلَم أنّك محاسَبٌ عن أقوالك وأفعالِك، مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18]، وقال: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَـٰفِظِينَ كِرَامًا كَـٰتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [الانفطار:10-12]، فأعمالُنا وأقوالنا محصاةٌ علينا، وإن نسِيناها فالله محصيها وعالِمُها، يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ أَحْصَـٰهُ ٱللَّهُ وَنَسُوهُ [المجادلة:6]، أعمالُنا تعرَض على ربِّنا كلَّ يوم خميس واثنين، وأعمالنا ربُّنا محيط بها وعالمٌ بها، وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبّكَ مِن مّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي ٱلأرْضِ وَلاَ فِى ٱلسَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذٰلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ [يونس:61]، في الحديث يقول النبي : ((إنَّ اللهَ لا ينام، ولا ينبغي له أن ينَام، يخفِض القِسط ويرفعُه، يُرفَع إليه عمَل الليل قبل عمَل النهار، وعملُ النّهار قبلَ عمل الليل، حجابُه النّور، لو كشَفه لأحرقَت سُبُحَات وجهِه ما انتهى إليه بصرُه من خلقه))[1].
أيّها المسلم، هذه الأقوالُ والأعمال التي قُلناها وعمِلناها سنُوقَف عليها في ذلك اليوم العظيم، وسنطَّلع على كلِّ أعمالنا، وَوُضِعَ ٱلْكِتَـٰبُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يٰوَيْلَتَنَا مَا لِهَـٰذَا ٱلْكِتَـٰبِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرًا وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49]، وَكُلَّ إِنْسَـٰنٍ أَلْزَمْنَـٰهُ طَـئِرَهُ فِى عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ كِتَابًا يَلْقَـٰهُ مَنْشُورًا ٱقْرَأْ كَتَـٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [الإسراء:13، 14].
أيّها المسلم، فالأقوال والأعمال محصَاة، والله مطَّلع على الكلّ، ورحمتُه وسِعت كلَّ شيء، وبابُ التّوبة مفتوحٌ إلى أن تطلع الشمس من مغربِها، وربّك يبسُط يدَه بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسُط يدَه بالنار ليتوب مسيء الليل، يَمْحُو ٱللَّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ ٱلْكِتَـٰبِ [الرعد:39].
أيّها المسلم، ستقِف على كلِّ أعمالِك، وستعرِف حقًا كمالَ عدلِ الله، وأنَّ الله لم يظلِمك مثقال ذرّة، إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ ٱلنَّاسَ شَيْئًا وَلَـٰكِنَّ ٱلنَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [يونس:34]. وإن جحدتَ وأنكرتَ أنطقَ الله جوارحَك لتشهدَ عليك بكلّ أعمالك، وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَـٰرُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُواْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِى أَنطَقَ كُلَّ شَىْء وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَـٰرُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَـٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيرًا مّمَّا تَعْمَلُونَ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِى ظَنَنتُم بِرَبّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مّنَ ٱلُخَـٰسِرِينَ [فصلت:19-23].
أيّها المسلم، سنُسأَل عن أعمارنا فيم أفنيناها؟ أفي طاعةٍ أو معصية؟ سنُسأل عن الشباب فيم أبليناه؟ سنسأَل عن المال مِن أين أتى؟ وأينَ ذهب؟ سنُسأَل عن العِلم الذي علِمناه: ماذا عمِلنا فيه؟ لن تزال قدمُ واحدٍ منّا يوم القيامة حتى يكونَ هذا السؤال، عمرك فيم أفنيتَه؟ شبابَك فيمَ أبليتَه؟ مالك مِن أين اكتسبته؟ مالك فيم أنفقتَه؟ علمك ماذا عملت فيه؟ سيكون هذا السؤال غدًا من العليم الخبير.
((ما [منكم] مِن أحدٍ إلا سيكلِّمه ربّه ليس بينه وبينَه ترجمان، ينظر عن يمينه فلا يرى إلا ما عمل، وينظر عن يساره فلا يرى إلا ما عمِل، وينظر تلقاءَ وجهه فلا يرى إلا النّار، فاتّقوا النّار ولو بشقّ تمرة))[2].
أيّها المسلم، هل فكَّرنا في هذا الحساب؟ وهل تدبَّرنا هذه الأمور؟ هل وقَفنا مع أنفسِنا وقفةً لنأخُذ عِبرةً من انقضاء الأيّام وتصرُّم الأحوال؟
إنَّ كلَّ عام مضى فإنّه يقرِّبنا إلى الآخرة مرحلةً، ويباعدنا عن الدنيا مَرحلة، إلى أن يقضيَ الله قضاءَه، فعلى العبدِ أن يقفَ مع نفسِه وقفات، يحاسِب نفسَه، يفكِّر في الأعمال التي مضَت، فعَسى توبة نصوح يمحُو بها ما سلف ممَّا مضى، يفكِّر في مظالمِه لعباد الله في دمائهم وأموالِهم وأعراضهم، يتخلَّص من حقوقِهم، يتخلَّص من مظالمِهم، يردّ المظالمَ لأهلها، ويحاسِب نفسَه قبلَ أن يحاسبَ عَن كلّ قليلٍ وكثير. حاسِبوا أنفسَكم قبل أن تحاسَبوا، وزنوها قبلَ أن توزَنوا. إنَّما يخِفّ الحساب غدًا على الذين وقفوا عندَ همومِهم ومرادِهم، فما كان لله مضوا فيه، وما كان لغيرِه أمسَكوا، وإنّما يثقُل الحسابُ على الذين جازَفوا الأمورَ، فوجَدوا الله قد أحصَى عليهم مثاقلَ الذرّ.
أيّها المسلم، سيتبعُك بعدَ موتِك أشياء ثلاثة، يتبعُك الأهلون والمال والعمل، فيرجِع المال ويرجع الولد، ويبقى العمَل قرينًا لك في لحدِك، فإن يكن صالحًا ازدَدت به أُنسًا وانشِراحًا، وإن يكُن سيّئًا وازددتَ به سوءًا وهمًّا وغمًّا.
فيا أخي المسلم، البِدار البدار فيما خالفتَ فيه شرعَ الله، وفيما ظلمتَ به عبادَ الله، تخلَّص اليومَ قبل أن لا ينفعَك الدينار والدرهم، تخلَّص ما دُمتَ في هذه الدّنيا، وحاسِب نفسَك فوالله إنّها لبأمَسِّ الحاجة إلى مَن يحاسِبها، إلى من يَعود على نفسه، ما هي أعماله؟ ماذا جنى؟ ماذا عمِل؟ فعسى توبةٌ نصوح تهدم بها سيّئات الأقوال والأعمال، وَإِنّى لَغَفَّارٌ لّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحًَا ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ [طه:82].
أيّها المسلم، كم خدعَتنا الدّنيا بزخارِفها، وكم أغرتنا بملهِياتِها، فشغَلتنا عن طاعةِ ربّنا، وصرفَتنا عمّا لأجلِه خُلقنا، نلهو بزخارِفها وغُرورها، ونتناسى الموقفَ بين يدَي الله، نظلِم العبَاد ولا نُبالي، نجحَد الحقوقَ ولا نُبالي، نرتكِب المخالفَات ولا نبالي، اللّسانُ يخطئ، واليَد تُخطئ، والبصر والسمع وكلّ هذه الجوارح صادّةٌ عن سبيل الله، قال جل وعلا: إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36]. شغلتنا زخارفُها، فخدعتنا عن الخير، وألهتنا عن التفكّر فيما أمامنا، أَلْهَـٰكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ [التكاثر:1، 2].
أيّها المسلم، فاتّق الله في نفسك، وفكّر في الأعوام عامٍ يمضي وعام يأتي، فتُب إلى الله ممَّا مضى، واعقِد العزم الصادق في المستقبل، واعلم أنَّ الله جلَّ وعلا أمهَلك لتعتبِر وتتَّعظ، ((أعذَر الله لعبدٍ بلّغه الستين))[3]، أي: ما جعل له من عذرٍ وقد بلغ من السنّ مبلغًا يعتبِر وينزجر فيه.
فلنتّقِ اللهَ في أنفسِنا، ولنحاسِب أنفسَنا، فـ((كلّ الناسِ يغدو، فبائعٌ نفسَه، فمعتقُها أو موبِقها))[4]، إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ [الليل:4]، فساعٍ [لإنقاذ] نفسه من عذاب الله، وساع لإيباق نفسه في عذاب الله، وَتُوبُواْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]، وحاسبوا أنفسَكم فعسى تلك المحاسبة تعود عليكم بتوبةٍ نصوح واستقامة على الخير وتفكّر في المآل، فمن تفكّر في مآله وتدبّر عواقبَ الأمور رُجي له بتوفيقِ الله أن يستقِيم على الخير.
أسأل الله لي ولكم الثباتَ على الحقّ والاستقامةَ على الهدى، وأن يمنحَنا التوفيقَ في أقوالنا وأعمالِنا، إنّه وليّ ذلك والقادِر عليه.
اللهمّ اجعل خيرَ أعمارنا أواخرها، وخيرَ أعمالنا خواتيمها، وخيرَ أيّامنا يومَ لقاك.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنّه هو الغفور الرحيم.
[1] أخرجه مسلم في الإيمان (179) من حديث أبي موسى رضي الله عنه.
[2] أخرجه البخاري في التوحيد (7512)، ومسلم في ال+اة (1016) من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه بنحوه.
[3] أخرجه البخاري في الرقاق (6419) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ولفظه: ((أعذر الله إلى امرئ أخَّر أجلَه حتى بلَّغه ستين سنة)).
[4] أخرجه مسلم في الطهارة (223) من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربّنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيّها النّاس، اتّقوا الله حقَّ التقوى.
عبادَ الله، في كتاب ربّنا عظةٌ لنا، وتطهيرٌ لنفوسنا، وت+ية لأعمالِنا، في كتابِ ربّنا المنهجُ الصحيح الذي يجِب على المسلم أن يسير عليه في حياتِه، فتدبُّرُ القرآن فيه الهدى والنور والخير والصّلاح في الحاضر والمستقبل.
أيّها المسلم، لنتدبَّر آيةً من كتاب الله، قد ذكر الله في كتابه العزيز قصّة آدم مع عدوّ الله إبليس في سورة الأعراف، [وأخبرنا] عن وساوس عدوّ الله إبليس، إن الله جل وعلا أسكن أبانا آدم الجنة وأباح له كلَّ شيء فيها غير شجرةٍ واحدة عيَّنها الله لآدم ونهاه عن قربانِها، فعدوّ الله إبليس، جاء لآدم وحوّاء وقال: مَا نَهَـٰكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَـٰلِدِينَ وَقَاسَمَهُمَا إِنّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّـٰصِحِينَ فَدَلَّـٰهُمَا بِغُرُورٍ [الأعراف:20-22].
تدبَّر ـ يا أخي ـ معي هذه الآية، عدوّ الله إبليس يقول لآدم وزوجته: مَا نَهَـٰكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَـٰلِدِينَ، فإن خالفتما وأكلتما كنتُما من الخالدين في الجنّة.
ثانيًا: أقسم لهما أنّه ناصحٌ لهما.
ثالثًا: دلاّهما بغرور.
هكذا الشّيطان فعلُه بآدم وزوجته، إلى أن أحبطهما الله إلى الأرض، ولله الحكمة البالغة في ذلك.
أيّها المسلم، إنَّنا في زمنٍ يجب أن نكونَ على حذَرٍ من مكائِد أعدائِنا، وأن لا نثِق بكلِّ دعايةٍ مضلِّلة، وأن لا نطمئنَّ لكلّ مقالة مضلِّلة، وإن تظاهَر أهلُها بالحقّ أحيانًا، فورَاء ذلك ما وراءَه، فأعداءُ الله لا يبالون بِنا، في أيّ أودية الهلاك وقعنا، يحاوِلون إبعادَنا عن دينِنا، وإغواءَنا بالشهوات والملذّات، فإن لم يجِدوا هذا مؤثِّرًا أتَونا أحيانًا من طريق التديُّن، ولبِسوا لباسَ التديّن والخير، والله يعلم إنّهم لمفسدون، والله يعلم إنهم لكاذبون، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِى ٱلأرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْمُفْسِدُونَ وَلَـٰكِن لاَّ يَشْعُرُونَ [البقرة:11، 12].
فِرعون يقول لقومِه عن موسى عليه السلام: إِنّى أَخَافُ أَن يُبَدّلَ دِينَكُـمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِى ٱلأرْضِ ٱلْفَسَادَ [غافر:26]، ففِرعون يحذِّر قومَه من موسى، يقول: إِنّى أَخَافُ أَن يُبَدّلَ دِينَكُـمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِى ٱلأرْضِ ٱلْفَسَادَ، كلُّ مفسدٍ ومغرضٍ يزعُم أنّه مصلِح، وأنَّ غيرَه على الفساد. كم نسمَع أحيانًا من بعضِ الفتاوى والمقالات التي ظاهرُها حقّ، ولكن ما أريد بها حقّ، ولماذا أخفِيت في زمانٍ مضى وجيء بها في هذا الزمن؟ ولماذا تُجُوهلت في سنين انطوَت ثمّ جيء بها في هذا الزّمن؟ ولماذا ينشط أولئك وقد يكون وراءَهم من وراءَهم ممّن يلبّسون الحقائق، ويتّخِذون أمرًا من الأمور ليقدَحوا به جاهلاً، ويغرِّروا به ضعيفَ البصيرة والإيمان؟
فلنكن ـ إخوتي ـ على حذَر من أولئك، ولتكن ثقتُنا بدينِنا ثم بأمّتنا وقيادتنا الثقةَ السليمة المبنيّة على الأصول الشرعية، ولنحذر من خداعة الأعداء ومكائدهم التي يروِّجونها دائمًا وأبدًا لقصد إيقاع أبنائنا في أمورٍ هم [في] غنىً عنها، لكن الأعداء يستعملون الحرب النفسيّةً ضدَّ الأمّة المسلمة بكلِّ ما أوتوا من إمكان. وليكن لأهل العلم والخير والتوفيق والفقه في دين الله نشاطٌ في تبصير الأمّة وتوعيَتها من كلّ مكائد الأعداء، حتى لا يوقِعوا شبابَ الأمّة في أمورٍ تخالف شرعَ الله.
العدوُّ يريد المكرَ بالأمّة بكلّ سبيل أُوتي، إمّا من طريق الشرّ أو طريق الخَير، وما يقصد الخير ولكن يريد الباطلَ على أيّ حال، إنّهم يحسدون هذه الأمّة على الدّين والأمن والاستقرار والخَير، فيريدون تبديدَ هذه الأمور بكلِّ وسيلة تمكِنهم، ولو توسَّلوا إلى ذلك بأشياء وبأمور قد تكون حقًّا في ظاهرها، لكن الأعداء لا يريدون بها خيرًا، ولا يهدفون من ورائها [إلى] خير، فليحذر المسلم أن يكونَ مطيّةً لعدوّه من غير تبصّر ولا تفكّر ولا رويّة. [فليحذر] المسلم مكائدَ الأعداء، فإنَّ أعداءَ الأمّة يلبسون كلَّ يوم لبوسًا خاصًّا، ويأتون بأنواع من الضلالات والغوايات، وربّما حسَّنوها بأمورٍ خيْريّة، وهم لا يريدون الخيرَ ولا يقصدونه، وإنّما يقصِدون ضربَ الأمّة في الصميم، فليكن شبابُنا على وعيٍ وفِكر من كلّ ما يُنشر ويُقال حتّى نسلم من مكائد الأعداء.
حَفظ الله الجميع من كلِّ سوء، وأحاطنا وإياكم بعنايتِه، وحفظنا من مكائدِ أعدائنا، إنّه على كلّ شيء قدير.
واعلموا ـ رحمكم الله ـ أنَّ أحسنَ الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشرَ الأمور محدثاتها، وكلّ بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإنَّ يد الله على الجماعة، ومن شذّ شذّ في النار.
وصلّوا ـ رحمكم الله ـ على عبد الله ورسوله محمّد كما أمركم بذلك ربّكم قال تعالى: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهمّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد، وارضَ اللهمّ عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، وعن سائر أصحاب نبيّك أجمعين، وعن التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنّا معهم بعفوِك وكرمك وجودِك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
اللهمَّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداءَ الدين، وانصُر عبادَك الموحّدين، واجعل اللهمَّ هذا البلدَ آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.
اللهمَّ آمنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاةَ أمورِنا، اللهمَّ وفِّقهم لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين، اللهمَّ وفق إمامَنا لما يُرضيك، اللهمَّ انصر به دينَك وأعلِ به كلمتَك، اللهمَّ أرِه الحقَّ حقًا وارزقه اتِّباعه، وأرِه الباطل باطلاً وارزقه اجتنابَه، اللهمَّ بارك له في عمره وعمله، وألبسه ثوبَ الصحّة والسلامة والعافية.
اللهمَّ وفِّق وليَّ عهده لما يرضيك، سدِّده في أقواله وأعماله، ووفِّق النائبَ الثاني واجعلهم جميعًا أعوانًا على البرّ والتقوى، إنّك على كل شيء قدير.
رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإَيمَـٰنِ وَلاَ تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلاً لّلَّذِينَ ءامَنُواْ رَبَّنَا إِنَّكَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ [الحشر:10].
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ [الأعراف:23].
رَبَّنَا ءاتِنَا فِى ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ [البقرة:201].
عباد الله، إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإحْسَانِ وَإِيتَآء ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْى يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل:90]، فاذكروا الله العظيمَ الجليل يذكرْكم، واشكروه على عموم نعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
| |
|