molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: صلة الرحم - عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض الخميس 2 فبراير - 2:28:59 | |
|
صلة الرحم
عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض
الخطبة الأولى
أما بعد: فيا أيّها النّاس، اتقوا الله تعالى حقّ التقوى.
عباد الله، صلة الرحم خلُقٌ من الأخلاق الكريمة التي رغَّب الله فيها في كتابه العزيز وفي سنّة محمد . صلةُ الرحم خلقٌ يحبه الله، كما أنَّ قطيعة الرحم عمَل يبغضه الله ويمقت فاعلَه.
أيّها المسلم، صلة الرحمِ عمل صالح، سببٌ لبركة العمُر وسعَة الرزق وانشراح الصدرِ وطيبِ النفس ومحبَّةٍ في قلوب الخلق ورضا الله قبل كلِّ شيء، وقطيعةُ الرحم سببٌ لمحق بركة العمُر والرزق وحدوثِ البغضاء في قلوبِ الخلق.
أيّها المسلم، رحِمُك من تربِطك بهِ صلةٌ من جهة أمّك أو أبيك، كلّ أولئك رحمٌ لك، وأقربُ منهم أولادُك وبناتك ونسلك، ثم إخوتك وأخواتك، أعمامُك وبني عمّك، ثمّ عمّاتك، أخوالك وخالاتك، ومن ينتسب إليهم من بني عمّ وبني أخوال وخالة، كلّ أولئك رحمُك الذين يجب عليك صلتُهم ويحرُم عليك قطيعتهم.
أيّها المسلم، إنَّ صلةَ الرحم تكون إمّا بالإمداد بالمال لفقيرهم، إعانةِ محتاجِهم، دفع الضررِ عنهم، العفوِ عن زلاّتهم وهفواتهم، تحمّل أخطائِهم، زِيارتِهم، تقييمهم، هكذا واصلُ الرحم.
أيّها المسلم، إنَّ صلةَ الرحم خلقٌ عظيم لا يقوَى عليه إلا مَن وُفّق للصواب، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظّ عَظِيمٍ [فصلت:35]. فما كلٌّ مِن الناس يصبِر على ذا، ولا يتحمّل هذا، لكن مَن وفّقه وأخلص لله عملَه ومرادَه فإنَّ تلك الأمورَ تكون يسيرةً عليه بتوفيق من الله وعون.
أيّها المسلم، إنَّ الله يقول في كتابه: وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ [النساء:1]، فأمر بتقواه، وأمَر بتقوى الرّحم بصلتِها وعدَم القطيعة، وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ.
وقال جل جلاله: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَـٰقَ بَنِى إِسْرءيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِى ٱلْقُرْبَىٰ [البقرة:83]، ومدح الواصلين بقوله: وَٱلَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوء الحِسَابِ [الرعد:21].
أيّها المسلم، إنَّ سنّة محمّد دلّت على فضل صلة الرحمِ وبيان ما يترتّب على هذه الصلة من الفوائد العظيمة، فأوّلاً يقول : ((مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرِم ضيفَه، ومَن كان يؤمن بالله واليومِ الآخر فليصِل رحمَه، ومَن كان يؤمن بالله واليَوم الآخِر فليقُل خيرًا أو ليصمُت))[1].
ولمَّا ابتَدأ الوحيُ بمحمّد في أوَّل الوحي خشِي ممَّا رَأى، فأتَى لخَدِيجة فحدَّثَها بما رَأى، فقالت: كلا، واللهِ ما يخزيك الله أبدًا؛ إنّك لتصِل الرّحِم، وتقري الضَّيف، وت+ِب المعدومَ، وتعين على نوائبِ الحق[2].
أيها المسلم، إنَّ صلةَ الرحم أفضلُ الصدقات وأعظمها، أعتقَت أمّ المؤمنين ميمونة جاريةً لها فأخبرتِ النّبيّ ، فقال: ((فعلتِ ذلك؟)) قالت: نعم، قال: ((لو أنَّك أعطيتِها أخوالَك كان أعظمَ لأجرك))[3]، مع أنَّ العتقَ فيه فضلٌ عظيم، ومَن أعتق مملوكًا له أعتق الله من كلِّ جزءٍ منه جزءًا من النار.
ويقول : ((لمَّا خلق الله الخلقَ قامتِ الرحم فقال: مه، قالت: هذا مقامُ العائذِ بك من القطيعة، قال: ألا ترضَين أن أصلَ من وصلك وأقطعَ من قطعك؟! قالت: نعم، قال: فذلك لك))[4].
وأخبر أنَّ صلةَ الرحم من أسباب دخول الجنة، سأله أعرابي فقال: يا رسول الله، دُلَّني على عمل يدخلني الجنة، قال: ((تعبدُ اللهَ ولا تشرِك به شيئًا، وتُقيم الصلاةَ، وتُؤتي الزّكاة، وتَصِل الرحم))[5].
وأخبر بقوله: ((إنَّ أبرّ البِرّ صلةُ الرجلِ لأهلِ وُدِّ أبيه))[6]، ولا سيّما الرحم منهم.
وأخبر أنّ صلة الرحم سببٌ لبركة العمر وسعة الرزق، فيقول : ((من أحبَّ أن يُنسَأ له في أثره ويبارَك له في رزقه فليصِل ذا رحمه))[7].
أيّها المسلم، وليسَت صلة الرّحم بتبادُل المنافع، إنْ وصلك رحمُك وصلتَه، وإن نأى عنك وابتعَد نأيتَ عنه، ليس الصلة على هذه الصّفة، فتلك مكافأةُ البعض للبعض، ولكن أمر صلة الرّحم فوقَ هذا كلّه، يقول : ((ليسَ الواصل بالمكافئ، إنَّما الواصلُ الذي إذا قطعَت رحمُه وصلها))[8].
ونبيّنا بيّن لنا أيضًا في سنته أنَّ واصل الرّحم قد يتعرّض لأمورٍ من رحمِه، معاكِسًا لفعله، هو يُبدي الصلةَ وهم يبدون القطيعَة، وهو يحلم وهم يجهلون، وهو يقرّبُهم وهم يُبعِدونه، وهو يتودَّد إليهم وهم يُبغِضونه، ومع هذا كلّه أمرَه بملازمة الصّلة، وبيّن له ما يترتَّب على هذا من الثّواب، قال له رجل: يا رسول الله، إنَّ لي رحمًا أصِلهم ويقطعونني، وأحسِن إليهم ويسيؤون إليّ، وأحلم عليهم ويجهَلون علي، قال: ((إنْ كنتَ كما قلتَ فكأنَّما تُسِفّهم الملَّ ـ أي: الرماد الحار ـ، ولا يزال معَك من الله عليهم ظهير ما دُمتَ على ذلك))[9].
أيّها المسلم، صِل الرحمَ بما تستطيع، وأعظمُ الصلة دعوةُ مَن خالفَ الحقَّ إلى الحقّ، وهدايتُه للطريق المستقيم، وإبعادُه عن الظلْم، فإذا وصلتَ الرحمَ فنأيتَ به عن ظلم العباد، وأخذتَ بيده لما فيه خيرُ دينه وإصلاحُ دينه ودنياه، كنتَ من الواصلين حقًا.
أخي المسلم، إن لم تقدِر بمالك فصِل رحمَك بزيارتِهم، وصِلهم بالدّعاء لهم، وصِلهم بكفِّ الضرر عنهم، وإمساكِ اللسان عن التحدّث بعيوبهم وزلاّتهم، وعدم مقابلتهم بما يسوؤهم.
أيّها المسلم، قد يحدُث بينك وبين رحمِك نزاعٌ أو اختلاف، فإيّاك أن توسّع هوّةَ الخلاف، وإنّما تسعى في تضييقِها، وإنّما تسعَى في تلافي كلّ النقص، وإنّما تسعى في الترفّع عن خصومةٍ بينك وبين رحمِك تزيدُ القلوبَ بغضًا وعداوة، ولقد كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يُرشِد القضاةَ إلى أن لا يفصِلوا بين الرَّحم في الخصومة، وإنّما يسعَون في الإصلاح بينهم[10]، خوفًا من أن يؤدِّيَ فصلُ الخصوم إلى ازدِياد النزاع والبُعد بين الرّحم بعضِه عن بعض.
أيّها المسلم، احذَر من قطيعة الرحم، فقطيعتُها عنوانُ قسوة القلب وضعف الإيمان، يقول الله جل وعلا: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِى ٱلأَرْضِ وَتُقَطّعُواْ أَرْحَامَكُمْ أَوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَـٰرَهُمْ [محمد:22، 23]. هذه عقوبةُ القاطعِ لرحمه، عقوبته يوم لقاء ربّه، تلك العقوبة العظيمة، يقول الله: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِى ٱلأَرْضِ، فسمّى القطيعة فسادًا في الأرض، وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ [المائدة:64]، أَوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَـٰرَهُمْ، وعيدٌ على القاطعين شديد.
ويقول الله: وَٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَـٰقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِى ٱلأرْضِ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ ٱللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوء ٱلدَّارِ [الرعد:25].
وفي الحديث: ((ثلاثةٌ لا يكلّمهم الله يومَ القيامة ولا ي+ّيهم ولهم عذابٌ أليم: مدمِن خمرٍ، وقاطعُ الرحِم، والمصدِّق بالسّحر))[11]، وعيدٌ على قاطع الرحم.
فيا أخي المسلم، حاوِل الصلةَ بقدر إمكانِك، وإن لم تقدِر عليها فحاوِل أن لا تُؤذي ولا تُلحق الضررَ بالرّحم، ولا تَحمَّل الخطايا والأوزار.
صِلِ الرحمَ يعينك الله على ذلك، وإن ضعفتَ على الصّلة فاحذَر القطيعةَ، واحذَر البغضاء، واحذَر أن تسَّبَّب فيما يجلب القطيعةَ بينك وبين رحمِك، تجنَّب أسبابَ ذلك، وكُن حذِرًا وحريصًا على جمعِ الكلمة ولمّ الشعث ووحدة الصَّفّ بينك وبين رحمِك، فإنَّ ذلك سببٌ لحصول الخير في الدنيا والآخرة.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنّه هو الغفور الرحيم.
[1] أخرجه البخاري في الأدب (6138) واللفظ له، ومسلم في الإيمان (47) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[2] أخرجه البخاري في بدء الوحي (4)، ومسلم في الإيمان (160) من حديث عائشة رضي الله عنها.
[3] أخرجه البخاري في الهبة (2592)، ومسلم في ال+اة (999) من حديث ميمونة رضي الله عنها.
[4] أخرجه البخاري في التوحيد (7502)، ومسلم في البر (2554) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه.
[5] أخرجه البخاري في ال+اة (1396)، ومسلم في الإيمان (13) من حديث أبي أيوب رضي الله عنه.
[6] أخرجه مسلم في البر (2552) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بنحوه.
[7] أخرجه البخاري في الأدب (5986)، ومسلم في البر (2557) من حديث أنس رضي الله عنه. وأخرجه أيضا البخاري في الأدب (5985) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[8] أخرجه البخاري في الأدب (5991) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
[9] أخرجه مسلم في البر (2558) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[10] أخرجه عبد الرزاق في المصنف (8/303)، وابن أبي شيبة (4/534) بلفظ: (ردوا الخصوم حتى يصطلحوا)، وضعفه ابن حزم في المحلى (8/164).
[11] أخرجه أحمد (4/399)، وأبو يعلى (7248)، والطبراني ـ كما في مجمع الزوائد (5/74) ـ من حديث أبي موسى رضي الله عنه بلفظ: ((ثلاثة لا يدخلون الجنة...))، وصححه ابن حبان (6137)، والحاكم (7234)، وأقره الذهبي، وقال الهيثمي في المجمع: "رجال أحمد وأبي يعلى ثقات"، ولهذا الجزء شواهد كثيرة، ولذا قواه الألباني في صحيح الترغيب (2362، 2539). وفي الحديث زيادة لا تثبت، انظر: السلسلة الضعيفة (1463).
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربّنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أمّا بعد: فيا أيّها الناس، اتّقوا الله تعالى حقّ التقوى.
عبادَ الله، [من أسباب] صلة الرحم أمور، فمنها الإيمانُ بالله وتصديقُ وعده وتنفيذ أوامره، فالمؤمن بالله حقًا يصِل رحمَه طاعة لله وقربةً يتقرّب بها إلى الله، يصِل رحمَه رجاءَ رضا الله عنه، يصِل رحمَه طمعًا فيما وعَدَ الله الواصلين من الثواب العظيم.
أيّها المسلم، إنَّ لقطيعة الرّحم أسبابًا، فمنها الحَسَد والعياذ بالله، فقد يحسد الإنسان ذا رحمِه، ذلك الحسَد المذموم الذي يتمنَّى زوال تلك النعمة عنه، لماذا؟ لأنَّه يريد أن ينفردَ بالجاه والمكانَة، وينفردَ بالسّؤدد عن سواه، فلا يرضَى لرحمٍ له أن يصلَ إلى خيرٍ، ولا أن يبلغَ خيرا.
فالحسَد ـ والعياذ بالله ـ يحمِله على قطيعةِ رحمه، وقد بيَّن الله لنا قضيةَ ابنَي آدم وما جرى بينهما فيقول : ((لا تُقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأوّل كفلٌ من دمها؛ لأنه أول من سنَّ القتل))[1]، قتَل أخاه حسَدًا والعياذ بالله، فنال ما نال.
ومِن أسباب قطيعة الرحم الأنانيةُ ومحبّة الذات، فبعض الناس أنانيٌّ في نفسه، لا يحبّ الخيرَ لأحد، ولا يرضَى بخير لأيّ إنسان، همُّه نفسُه فقط، وما عدا نفسه فلا يرى لأحدٍ قدرًا ولا مكانَة، ولهذا ـ والعياذ بالله ـ لو رأى أحدَ رحمِه نال خيرًا لكان أشدَّ عليه من كلّ شيء، فهو يحسد، وهو يبغِض، وهو يتمنّى كلَّ شرّ لرحمه، وهو يودّ لنفسه كلَّ شيء وأن لا يكون في الميدان له منافِس مهمَا بلغ حالُ ذلك الإنسان.
هذه أسباب ذلك، ومِن الأسباب أيضًا السعيُ بالنميمة بينَ الأرحام على قصدِ الإفساد بينهم، فينقل كلامَ هذا في هذا، وكلامَ هذا لهذا، لأجل الإفساد وضرب بعضِهم ببعض، فهو يفرَح على أن ينقلَ كلامًا؛ قال فيك قريبُك كذا، وقال فيك ابنُ عمّك كذا، وتحدَّث عنك ابنُ عمّك بكذا، حتّى يفسِد بينَ الأرحام، ويحدِث القطيعةَ بينهم، ويجعلهم خصماءَ متباغضين. فالنمام ـ والعياذ بالله ـ مفسِد يسعى بالإفساد بين الناس، فليكن المسلمُ على حذرٍ من أولئك، فمَا قصدوا بك خيرًا، وما أرادوا لك خيرًا، واجعل صلةَ الرحم فوقَ هذا كلّه، واستعِن بالله على المهمّات، ومَن كانت ثقتُه بالله لن يضرَّه أيّ مخلوق، في الحديث: ((واعلم أنَّ الأمةَ لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، وإن اجتمَعوا على أن يضرّوك بشيء لم يضرّوك إلا بشيءٍ قد كتبَه الله عليك))[2]، فلتكن ثقتك بربّك، واعتمادُك على ربّك، واتكالك على ربّك، وأيّ خطأ صدَر إليك من رحمِك فاحتسِبه ثوابًا عند الله، واعفُ عن زلاتِهم، وتحمّل أخطاءَهم، فلعلَّ الله أن يثيبك على ذلك، ٱدْفَعْ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظّ عَظِيمٍ [فصلت:34، 35].
المتواصلون يبارك الله في أعدادِهم، ويبارك الله في مكاسِبهم، ويبارك الله في أحوالهِم كلّها، وأهلُ القطيعة ـ والعياذ بالله ـ يُنزل الله الفشلَ في كلّ أحوالهم، في عددِهم، في رزقِهم، في كلّ أحوالهم ينزل الفشل بينهم، ويمحق الله بركةَ الأعمال والأموال، ويكونون ـ والعياذ بالله ـ متفرّقين، يتسلَّط عليهم كلّ أحد. أما المتواصِلون فهم يدٌ واحدة، متعاونون على البِر والتقوى، متواصلون فيما بينهم، متناصحون فيما بينهم، الأخطاءُ لا تظهر للآخرين، تُدَّارك الأخطاء، وتُصلَح الأخطاء، ويَنصح البعضُ البعض، ويتحابّون في الله، ذلك خلُق الإسلام الذي يدعو إليه، إلى التواصل والمحبّة والتعاون على كلّ خير.
أسأل الله أن يعيننا وإياكم على كلّ خير، وأن يعيذنا وإياكم من نزغات الشيطان.
واعلموا ـ رحمكم الله ـ أنَّ أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي نبينا محمد ، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإنَّ يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار.
وصلّوا ـ رحمكم الله ـ على محمد امتثالاً لأمر ربكم قال تعالى: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهمَّ عن خلفائه الراشدين...
[1] أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء (3336)، ومسلم في القصاص (1677) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
[2] أخرجه أحمد (4/409-410) (2669)، والترمذي في صفة القيامة (2516) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"، وصححه الحاكم (3/623)، قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (1/460-461): "روي هذا الحديث عن ابن عباس من طرق كثيرة... وأصح الطرق الطريق التي خرجها الترمذي"، وصححه الألباني في صحيح السنن (2043).
| |
|