molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الحث على صلاة الجماعة - عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض الخميس 2 فبراير - 2:22:03 | |
| [b]
الحث على صلاة الجماعة
عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض
الخطبة الأولى
أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.
عبادَ الله، عظَّم الله شأنَ الصلواتِ الخمس، فجعلها ثانيَ أركان الإسلام، بل هي عمودُ الدين، وأمر بالمحافظة عليها: حَـٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوٰتِ وٱلصَّلَوٰةِ ٱلْوُسْطَىٰ [البقرة:238]، ومدح المحافظين عليها: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُوْلَـئِكَ فِى جَنَّـٰتٍ مُّكْرَمُونَ [المعارج:34، 35]، وأوجبَ على المسلم أن يؤديَها في الأوقات التي حدَّدها ربّ العالمين: إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَـٰبًا مَّوْقُوتًا [النساء:103]، أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيْلِ وَقُرْءانَ ٱلْفَجْرِ إِنَّ قُرْءانَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78]، وأمر المسلمين أن يؤدُّوها جماعةً في المساجد، فجعل المساجدَ محلاً لأداء تلكم الصلوات الخمس، وأخبر تعالى أن [المحافظة] على أدائها في المساجد دليلٌ على ما في القلب من إيمان: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَـٰجِدَ ٱللَّهِ مَنْ ءامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءاتَىٰ ٱلزَّكَوٰةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَعَسَىٰ أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ [التوبة:18]، وأثنى على الذين يعْتنون بالمسجد ويؤدون الفرائضَ فيه: فِى بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوّ وَٱلآصَالِ رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَـٰرَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَاء ٱلزَّكَـوٰةِ يَخَـٰفُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلْقُلُوبُ وَٱلأبْصَـٰرُ لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ وَٱللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ [النور:36-38].
أيها المسلم، وأداؤُها في الجماعة اقتداء بسيد الأولين والآخرين، لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسّسَ عَلَى ٱلتَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ [التوبة:108]، ألا وهو مسجده وإن كان قباء كذلك، فأولى من قباء مسجدُ محمد .
أيها المسلم، إن إقامةَ الصلاة في الجماعة إظهارٌ لهذه الشعيرة العظيمة، أعني فريضة الصلاة، فأداؤها في المساجد تعظيمٌ لهذه الشعيرة، ذٰلِكَ وَمَن يُعَظّمْ شَعَـٰئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ [الحج:32].
فُرِض الأذان ليعلم الناسَ بوقت الصلاة، ويدعوهم إلى الاجتماع لأدائها، استشارَ النبي أصحابَه: بأي وسيلةٍ يُعلم الناسَ بدخول وقت الصلاة وإتيانهم إلى المسجد؟ فأشار بعضهم بنار توقد، وقالوا: تلك النار شعار المجوس، وأشاروا بناقوس النصارى، فلم يقبل ذلك، فرأى عبد الله بن زيد في المنام رجلاً معه ناقوس يضرب به فقال: أتبيعني هذا؟ قال: وما تريد منه؟ قال: أُعلم الناس بالصلاة، قال: ألا أدلّك على خيرٍ من ذلك؟ تقول: الله أكبر، الله أكبر... فذكر الأذان، فأخبر به النبي ، فقال: ((رؤيا حق، وألقِ على بلال فإنّه أندى منك صوتًا))[1].
أيها المسلم، هديُ نبيك أداءُ الصلوات الخمس في المسجد، هديُ أصحابه الكرام والتابعين وتابعيهم بإحسان وكلّ من اقتدى بالرعيل الأول، فإنَّه يرى أن أداءَ الصلاة جماعة في المسجد أمر مطلوب وعمل صالح، دلّ عليه كتابُ الله وسنة محمد ، ألا تسمع الله يقول: وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلوٰةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱرْكَعُواْ مَعَ ٱلرَّاكِعِينَ [البقرة:43]؟! فأضاف الركوعَ إلى جماعة المسلمين، أي: صلوا مع المصلين، والله أمر بها نبيَّه في حال اشتداد الخوف ومصافَّة الأعداء: وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلَوٰةَ الآية [النساء:102].
أيها المسلم، إن المسلمين مُجمِعون على فضل صلاة الجماعة، وأن أداءَها في المسجد خيرٌ وفضل كبير، يرى بعضهم وجوبَها، ويرى أن الأحاديثَ الصحيحة دالةٌ على وجوب أدائها في المسجد، كما في أحاديث تدلّ على وعيد من تخلَّف عن صلاة الجماعة.
أيها المسلم، إن أداءَ الصلوات جماعةً في المسجد فيه خيرٌ ومصالحُ لك في آجل أمرك وعاجله، ففي اجتماع الجماعة في المسجد تآلفُ القلوب، اجتماع الكلمة، تعلّمُ الجاهل، تذكيرُ الغافل، سلامةٌ من الوساوس، وفي تعاهدِ المسجد كلَّ يوم وليلة خمسَ مراتٍ أعمالٌ صالحة، حسناتٌ تُكتب لك، سيئاتٌ تحَطّ عنك، صلاةُ الملائكة واستغفارُهم لك، حصولُ الأجر العظيم، رضا الله، ثمّ طاعة محمد .
أخي المسلم، إن تخلّفَك عن أداء الصلاة جماعة ربّما سبَّب لك تأخيرَها عن وقتها، وربّما سبَّب لك استخفافًا بها وتهاونًا بها وقلّة الإحسان في أدائها، ففي المسجد الخيرُ الكثير والعمل الصالح، ملائكة الرحمن يتعاقبون فينا الليلَ والنهار، ويجتمعون في صلاةِ الفجر، ثم يصعدون إلى ربّهم فيسألهم وهو أعلم: كيف أتيتُم عبادي؟ يقولون: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون[2].
أخي المسلم، فكن حريصًا على الخير جُهدَك، واغتنم حياتَك، فإنك في هذه الدنيا دار العمل، وسترى ثوابَ ذلك العمل يوم قدومك على الله.
أخي المسلم، استمع إلى نبيك وهو يحثّك على أداء الصلوات في المسجد جماعة، فعسى ذاك أن يؤثّرَ في نفسك، وعساه أن يقوّيَ قلبك ويُعظم الرغبةَ في نفسك، فتتجاوز كلَّ العقبات، وتتخطَّى كلَّ المعوّقات، وتنهضَ إلى المسجد برغبة ونفس تحبّ الخيرَ وتسعى إليه.
يقول أبو هريرة رضي الله عنه الصحابي الجليل، أكثرُ الصحابة حفظًا لسنة محمد ، رضي الله عنه وأرضاه يقول: قال رسول الله : ((صلاةُ الرجل في المسجد تضاعَف على صلاته في بيته وسوقه خمسًا وعشرين ضعفًا، ذلك أنه إذا توضَّأ فأحسنَ الوضوءَ، لم يخط خطوة إلا كتب الله له بها حسنة، وحطّ عنه بها خطيئة، فإذا صلَّى لم تزَل الملائكةُ تصلِّي عليه ما دام في مصلاه: اللهم صلِّ عليه، اللهم اغفِر له، الله ارحَمه، ولا يزال في صلاةٍ ما انتظر الصلاةَ ما لم يؤذ أو يحدث))[3].
فيا أخي، وأنت تسمَع هذه السنةَ الصحيحة عن المعصوم هل يحقّ لك تجاهلُها؟! هل ترضى لنفسك بأن تتجاهلَها، وتغفل عنها، وتفوِّت نفسَك الخير الكثير؟!
إذا خرجتَ قاصدًا المسجد قدمٌ ترفعها حسنة، قدمٌ تضعها سيئة تُحَطّ عنك، أتيتَ المسجد فصليتَ على النبيّ ودخلت وصليتَ تحية المسجد، تحفّك ملائكةُ الرحمن، تصلّي عليك، تدعو لك بالمغفرة والرحمة، وما أعظم ذلك الثواب، تقفُ إذا أتى الإمام، تؤمّن وراءَ الإمام، ((إذا أمَّن الإمام فأمِّنوا، فإنَّه من وافق تأمينه تأمينَ الملائكة غفر الله له))[4]. تجيبُ الإمام عندما يقول: سمع الله لمن حمده، ربَّنا لك الحمد، تسلِّم على إخوانك، ويسلمون عليك، ورُبَّ عمل صالحٍ فعلته سوى ذلك.
يا أخي، كونُ قلبك معلَّقًا بالمسجد هذا ثواب عظيم، وأحدُ السبعة الذين يظلّهم الله تحت ظله يوم القيامة رجلٌ معلَّق قلبُه بالمساجد، يحنُّ إليها، ويشتاق إليها، ويتطلّع كلَّ آنٍ متى وقتُ الصلاة، فالقلبُ يقظ، والنفس حريصةٌ على الخير ومطمئنة إليه.
أخي المسلم، اسمع ثوابًا عظيمًا أيضًا، يقول نبيك : ((من غدا إلى المسجد أو راح أعدَّ الله له نزلاً في الجنة كلَّما غدا أو راح))[5]، فما أعظمَ هذا الثواب، ومن يرضى أن يضيِّعه؟! واسمع أيضًا قوله : ((بشِّر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التامِّ يوم القيامة))[6]، واسمع بشرًى أخرى في السنن يقول : ((من حافظ على الصلاة أربعين يومًا في جماعة كتب الله له براءتين: براءةً من النفاق وبراءة من النار))[7].
فيا أخي، هذه البشرى السارةُ من نبيك ، أنك إذا استمررت أربعين يومًا تدرك تكبيرة الإحرام محافظًا على الجماعة يكتب الله لك بذلك براءتين: براءة من النفاق وبراءة من النار، وعدٌ لك بالفوز بجنات ربّ العالمين.
أيها المسلم، إن سلفنا الصالحَ يعتنون بالمسجد، ويهتمّون بأداء الصلاة فيه، يقول عبد الله بن مسعود الصحابي الجليل، أحدُ المهاجرين والسابقين الأولين، يقول رضي الله عنه: (من سرَّه أن يلقى الله غدًا مسلمًا فليحافظ على هؤلاء الصلواتِ الخمس حيث ينادَى بهن، فإنَّ الله شرع لنبيكم سننَ الهدى، وإنّهنّ من سنن الهدى، ولو أنّكم صليتم في بيوتكم كما يصلّي المتخلف في بيته لتركتُم سنةَ نبيكم، ولو تركتُم سنةَ نبيكم لضللتم)، ثم وصف أصحابَ محمد وحرصَهم على الخير فقال: (ولقد كان يُؤتى بالرجل يُهادى بين الرجلين حتى يُقام في الصف)[8]، ولقد كان يُؤتى بالرجل يُهادى يعني يعضده رجلان حتى يُقام في الصفّ، حرصًا على هذا الفضل، واغتنامًا لهذا الثواب العظيم.
أخي المسلم، تقول عائشة أمُّ المؤمنين رضي الله عنهما: (من سمع النداء فلم يجب لم يرِد خيرًا، ولم يُرَد به خير)[9].
فلا يليق بك ـ أيها المسلم ـ أن تسمعَ نداءَ الله كلَّ وقت وأنتَ غافل في بيتك، لا شيء يعوقك، لا مرض، لا تعب، راحةٌ ونعمة، وبإمكانك الوصولُ إلى المسجد، لو أردتَ حاجةً قليلة لحرَّكت السيارةَ ولو كيلوات، وهذا المسجدُ تسمع النداءَ ومع هذا تُصِمّ أذنيك، ويغفل قلبُك، ولا تهتمّ بهذه الفريضة، ولا تعتني بها، ولا تقيم لها وزنًا، وربّما تتابعت الأوقات وأنت ما ركعتَ فيها لله ركعة، فيا لها من خسارة عظيمة، يا لها من خسارة، ويا لها من نقصٍ على الإنسان في دينه.
فاتق الله ربَّك أيها المسلم، والزَم أداءَ الصلوات في المسجد، لتكون من المفلحين، لتكونَ من المحافظين عليها، داوم على ذلك، واغتنم فرص الحياة، فإن من حافظ عليها في نشاطه جعلَ الله محبَّتها في قلبه، فيتحرَّك لها ولو كان كبيرًا، ((ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا))[10]، لو يعلمون ثوابَها ثوابَ الجماعة لأتوا لها ولو حبوًا؛ لأنَّ مَن عظُم الثواب عنده قوِي الطلبُ وعظُمت الرغبة.
فلنتق الله في أنفسنا، ولنحافظ على هذه الصلواتِ، ولنعتنِ بها حقَّ العناية، عسى اللهَ أن يجعلَنا وإياكم من المقبولين، وعسى الله أن يمنَّ علينا وعليكم بالاستقامة والثبات على الحق، إنه على كل شيء قدير.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
[1] أخرجه أحمد (4/43)، وأبو داود في الصلاة (499)، والترمذي في الصلاة (189)، وابن ماجه في الأذان (706) عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه، قال الترمذي: "حديث حسن صحيح"، وصححه البخاري كما في الدراية (1/111)، وابن الجارود (158)، وابن خزيمة (363، 371)، وابن حبان (1679)، والنووي في شرح مسلم (4/77)، وهو في صحيح أبي داود (469).
[2] كما ثبت ذلك من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند البخاري في المواقيت (555)، ومسلم في المساجد (632).
[3] أخرجه البخاري في البيوع (2119)، ومسلم في المساجد (649) بنحوه.
[4] أخرجه البخاري في الأذان (780)، ومسلم في الصلاة (410) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه.
[5] أخرجه البخاري في الأذان (662)، ومسلم في المساجد (669) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[6] أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب: ما جاء في المشي إلى الصلاة في الظلام (561)، والترمذي في كتاب الصلاة، باب: ما جاء في فضل العشاء والفجر في الجماعة (223) من حديث بريدة رضي الله عنه، وقال: "هذا حديث غريب من هذا الوجه مرفوع هو صحيح مسند وموقوف إلى أصحاب النبي ولم يُسند إلى النبي "، وهو في صحيح أبي داود (525). وجاء من حديث سهل بن سعد وأنس وأبي سعيد وزيد بن حارثة وعائشة وابن عباس وابن عمر وأبي الدرداء وأبي موسى الأشعري وأبي أمامة رضي الله عنهم، انظر: مجمع الزوائد (2/30-31).
[7] أخرجه الترمذي في الصلاة (241) من حديث أنس رضي الله عنه، وقال: "وقد روي هذا الحديث عن أنس موقوفا، ولا أعلم أحدا رفعه إلا ما روى سلم بن قتيبة عن طعمة بن عمرو عن حبيب بن أبي ثابت عن أنس، وإنما يروى هذا الحديث عن حبيب بن أبي حبيب البجلي عن أنس بن مالك قوله، حدثنا بذلك هناد حدثنا وكيع عن خالد بن طهمان عن حبيب بن أبي حبيب البجلي عن أنس نحوه ولم يرفعه"، وهو مخرج في السلسلة الصحيحة (2652).
[8] أخرجه مسلم في المساجد (654).
[9] أخرجه عبد الرزاق (1/498)، وابن أبي شيبة (1/303)، والبيهقي (3/57).
[10] أي: صلاة الفجر وصلاة العشاء، أخرجه البخاري في الأذان (657)، ومسلم في المساجد (651) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
أيها المسلم، إن نبيَّنا كان يعظِّم أداءَ الصلاة في المسجد ويهتمّ بذلك، ويبحث عن أصحابِه من غابَ ومن حضر، فيقول: ((لقد هممتُ أن آمرَ بالصلاة فتُقام، ثم آمرَ رجلاً فيؤمّ الناسَ، ثمَّ انطلق إلى أقوام لا يشهدون الصلاةَ، فأحرّق عليهم بيوتَهم))[1]، وقال أيضًا: ((ولولا ما فيها من النساء والذريّة لحرقتُها عليهم))[2]، فهم يصلّون لكنّهم لا يشهدون الجماعةَ، لا يحضرون المسجدَ، فهمَّ أن يعاقبَهم؛ لأنهم تركوا واجبًا وارتكبوا معصية، قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (كان الرجلُ إذا تخلّف عن العشاء والفجر أسأنا به الظنَّ أن يكون نافق)[3].
فيا أخي، هل ترضى لنفسك أن تدخلَ منزلك، ويمضيَ العصر والمغرب والعشاء والفجر، وما خرجتَ لتؤدّيَ لله الفريضة، ولو دُعِيت إلى قيل وقال وإلى ترَّهات ومجالسَ الله أعلم بحقائقها، لكنت أسرعَ الناس ذهابًا لأيّ مكان، ولكن المسجد تكرهُه، وتبغضُ المسجد، وتنفر منه، ولا ترتاح نفسُك فيه، لماذا؟ لضعف الإيمان، لقلة الإيمان، لو كان في القلب إيمانٌ قويّ لعظمتِ الرغبةُ في المسجد، وألفتَ المسجدَ وأحببتَه، فاتق اللهَ في نفسك، وأمرْ أهلَك، مُر أولادَك ومن لك عليهم الكلمةُ أن يخرجوا لأن يؤدُّوا هذه الفريضة في المساجد، تعظيمًا لهذه الشعيرة، طاعة لله ورسوله، وأمرًا بمعروف ونهيًا عن منكر، فإنَّ كلاً مسؤولٌ عمَّا استرعاه الله إياه، وإذا اعتادَ المسلم هذه الصلواتِ الخمس اقتدى به أهلُ بيته ومن معه ومن يتبعه، اقتدَوا به في هذه السنة، وأحيَوها وعظَّموها، فكن ـ يا أخي ـ معظِّمًا لها، مطيعًا لربك.
أسأل الله أن يقبَل مني ومنك صالح العمل، وأن يمنّ علينا بالثبات على الحق والاستقامة عليه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
نبيُّنا محمد في آخر حياته، وقد اشتدَّ به المرض، لما نشط في بعض الأيام خرج إلى الصحابة يُهادى بين علي والعباس رضي الله عنهما، حتى جلس فصار الصديق عن يمينه، فكان يصلي بالناس، ويقتدي الصديق برسول الله، ويقتدي الناسُ بالصديق، فانظروا إليه كيف يحنُّ إلى هذه الصلوات، كيف يحنّ إلى هذه الجماعة، مع أنه قد نهكه المرض، لكن حبّ الصلاة في المسجد هو خلقه الدؤوب ، فاقتدُوا به تفلحُوا، وتأسَّوا به لتكونوا من أهل الخير والصلاح، جعلني الله وإياكم من المحافظين على المسجد، المعتنين بهذه الصلوات، المعظِّمين لها، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
واعلموا ـ رحمكم الله ـ أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذّ شذّ في النار.
وصلوا ـ رحمكم الله ـ على عبد الله ورسوله محمد كما أمركم بذلك ربكم قال تعالى: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين، وارض الله عن صحابته الكرام...
[1] أخرجه البخاري في الأذان (644)، ومسلم في المساجد (651) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[2] هذه الرواية عند الطيالسي (2324)، وأحمد (2/367) من طريق أبي معشر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال الهيثمي في المجمع (2/42): "أبو معشر ضعيف".
[3] أخرجه ابن أبي شيبة (1/292)، والبيهقي في الشعب (3/56) بنحوه، وصححه ابن خزيمة (1485)، وابن حبان (2099)، والحاكم (764).
[b] | |
|