molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: العمل الصالح - عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض الإثنين 26 ديسمبر - 6:49:27 | |
|
العمل الصالح
عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض
الخطبة الأولى
أمّا بعد: فيا أيّها النّاس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.
عبادَ الله، إنّ المؤمنَ يحرص على الأعمال الصّالحة، فيؤدّيها مخلصًا لله فيها، موافقًا فيها لشرع الله، يرجو بذلك ثوابَ الله. فمَن عمل عملاً صالحًا أخلَص فيه لربّه فإنّ ذلك العملَ الصالح بتوفيقٍ من الله سيرى آثارَه الحسنة في دنياه، وسيَرى آثارَه الحسنة يومَ لقاء الله، سيَرى لتلكم الأعمالِ الصالحة النتائجَ الطيّبة والثمرات اليانعة، يرى تلك الأعمالَ الصالحة وقد صارت سببًا لخلاصِه من عذابِ الله وفوزه بجنّة الله وكرامته.
فيا أخي المسلم، احرِص على صالح العمل، فلن يضيعَ عند الله عمل، فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنّى لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْكُمْ مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ بَعْضُكُم مّن بَعْضٍ [آل عمران:195].
أيّها المسلم، واسمَع حديثَ رسول الله يبيّن لك ما للأعمال الصّالحة من آثار حميدة، ينتفع بها العامل أحوجَ ما يكون إليها، يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا [آل عمران:30]، فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة:7، 8].
روى سعيد بن المسيّب عن عبد الرحمن بن سمرة بن جندب قال: أتانا رسول الله ونحن بالصفَّة، فوقف علينا وقال: ((رأيتُ البارحةَ عجبًا، رأيت رجلاً من أمّتي أتاه ملك الموتِ يقبض روحَه، فجاءه برُّه بوالديه، فردّ عنه ملك الموت، ورأيت رجلاً من أمّتي قد بُسط عليه العذاب في القبر، فجاءه وضوؤه، فاستنقذه من ذلك، ورأيتُ رجلاً من أمّتي قد احتوشتهُ الشّياطين، فجاءه ذكرُه لله عزّ وجلّ، فطردَ الشّيطان عنه، ورأيتُ رجلاً من أمّتي قد احتوشته ملائكةُ العذاب، فجاءته صلاتُه، فاستنقذَته من أيديهم، ورأيتُ رجلاً من أمّتي يلهث عطشًا، فجاءه صيامُه لشهر رمضان، فأسقاه وأرواه، ورأيتُ رجلاً من أمّتي ورأيتُ النّبيّين حِلَقا حِلقًا، كلّما دنا من حلقة طُرد، فجاءه غسلُه من الجنابة، فأخذ بيده فأقعَده إلى جنبي، ورأيت رجلاً من أمّتي مِن بين يديه ظُلمة ومن خلفِه ظلمةٌ وعن يمينِه ظلمة وعن يسارِه ظلمة ومِن فوقه ظلمة ومن تحتِه ظلمَة وهو حائرٌ في ذلك، فجاءَه حجّه وعمرتُه، فاستخرجاه من الظّلمات وأدخلاه النّور، ورأيتُ رجلاً من أمّتي يرُدّ بيديه وهَج النّار وشررَها، فجاءته صدقتُه، فصارت سِترًا بينه وبين النّار وظلّلته فوق رأسه، ورأيت رجلاً من أمّتي يكلّم المؤمنين ولا يكلّمونه، فجاءته صِلته لرحمِه، فقالت: يا معشرَ المؤمنين، إنّه كان واصلاً لرحمِه فكلّموه، فكلّمه المؤمنون وكلّمهم وصافحوه وصافَحهم، ورأيتُ رجلاً من أمّتي قد احتوشته الزّبانية، فجاءه أمرُه بالمعروفِ ونهيُه عن المنكَر، فاستنقذوه من أيديهم وأدخلوه إلى ملائكةِ الرّحمة، ورأيتُ رجلاً من أمّتي جاثيًا على ركبتيه بينه وبين الله حجاب، فجاءه حسنُ خلقِه، فأدخله على الله، ورأيتُ رجلاً من أمّتي وقد ذهبت صحيفته من بين يديه إلى شماله، فجاءه خوفُه من الله، فأخَذ صحيفتَه فوضعها في يمينه، ورأيتُ رجلاً من أمّتي قد خفّ ميزانُه، فجاءه أفراطُه، فثقّلوا ميزانَه، ورأيت رجلاً من أمّتي قائمًا على شفيرِ النار، فجاءه رجاؤه لله عزّ وجلّ فاستنقذه، ورأيتُ رجلاً من أمّتي يهوي في النّار، فجاءته دمعتُه التي بكاها من خشيةِ الله، فاستنقذته، ورأيت رجلاً من أمّتي واقفًا على الصّراط يرتعِد كالسّعفة في الرّيح الشّديدة، فجاءه حسنُ ظنّه بربّه، فسكَّن روعتَه وأنقذه، ورأيتُ رجلاً من أمّتي يزحف على الصّراط، يحبو حينًا ويتعلّق حينًا، فجاءته صلاته عليّ فأقامته على قدمَيه وأنقذته، ورأيتُ رجلاً من أمّتي انتهى إلى أبواب الجنّة فأغلِقت دونَه الأبواب، فجاءته شهادةُ أن لا إله إلا الله ففتحت له أبوابَ الجنّة وأدخلته))[1]، قال شيخ الإسلام رحمه الله: "هذا حديث عظيم، شواهد الصّحّة دالّةٌ عليه"[2].
أيّها المسلم، هذا فضل الله، وهذا عطاؤه وكرمه وجودُه لمن اتّقى الله وأدّى الأعمال الصالحةَ وأخلصها لله واغتَنم حياته، فسابِق إلى فعل الخيرات موقِنًا بأنّ وعدَ الله حقّ، وأنّه أكرَم الأكرمين وأجوَد الأجوَدين، ولا يهلِك على الله إلاّ هالك.
يقول : ((من أحبّ أن ينسَأ له في أجلِه ويُبسط له في رزقِه فليصِل ذا رحمه))[3]، وأيّ رحمٍ أعظم من رحم الوالدين؟!
ويقول في الوضوء: ((إنّ المسلمَ إذا توضّأ فغسل وجهَه خرج من وجهه كلُّ خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطرِ الماء، فإذا غسل يدَيه خرج من يديه كلّ خطيئة بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسَل رجلَيه خرجَ من رجليه كلُّ خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء))[4].
وإنّ الشياطينَ لتفرّ من ذكر الله، فتفرّ من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة، وإنّ الصلاة شفاعة لصاحبها، برهان ونجاةٌ له يوم القيامة، وإنّ صومَ رمضان عمل صالحٌ يقول الله: ((كلّ عمل ابن آدم له إلاّ الصّيام، فإنّه لي وأنا أجزي به))[5]، وفي الجنة باب يقال: الرّيّان، يدخله الصّائمون لا يدخله غيرهم. وإنّ غسلَ الجنابة أمانةٌ بين العبدِ وبين ربّه، فما ائتَمن الله عبدًا ما ائتمنَه على غسلِ الجنابة. وإنّ الحجَّ والعمرة لهما أثر عظيمٌ في حطّ الخطايا، يقول : ((تابِعوا بين الحجِّ والعمرة؛ [فإنّهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبثَ الحديد والذهب والفضة، وليس للحجّة المبرورة ثواب إلا الجنة]))[6].
أيّها المسلم، وإنّ الصّدقةَ لتطفئ غضبَ الربّ، وفي الحديث يقول : ((فاتّقوا النّار ولو بشقِّ تمرة))[7]. وإنّ صلةَ الرّحم لبركة في العمر وبركة في الرّزق ونجاة من عذاب الله. وإنّ الآمر بالمعروف والنّاهي عن المنكر له فضلٌ عظيم، فإنّه بأمره بالمعروفِ ونهيه عن المنكر خلّص المسلمَ من المصائب وأنقذه مِن الضلالِ وهداه إلى الخير. وإنّ حسنَ الخلُق يوضَع في الميزان، فما وُضع في الميزان أفضَل من حُسن الخلق. وإنَّ الخوفَ من الله لينجِي العبدَ من المهالك، ذٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِى وَخَافَ وَعِيدِ [إبراهيم:14]. وإنّ أفراطَ المسلم الذين يسبقونَه يثقّلون ميزانَه وهم حجابٌ له من عذابِ الله. وإنَّ حسنَ الظنّ بالله لعمل صالح، ففي الحديث: ((لا يموتنَّ أحدكم إلا وهو يحسِّن الظنّ بربِّه))[8]. وإنّ البكاءَ من خشية الله له فضل عظيم، وفي حديث السّبعة الذين يظلّهم الله تحتَ ظلِّ عرشه: ((ورجلٌ ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه))[9]. وإنّ الصّلاةَ على النبيّ حسناتٌ عظيمة، فمن صلّى عليه صلاةً واحدة صلّى الله عليه بها عشرًا. وإنّ كلمةَ التوحيد مفتاحُ دار السلام، ومن لقي الله بها فإنّ الله يدخله بفضلِه الجنّة، فكلمة التّوحيد مفتاح دارِ السلام، فهي أساس الأعمالِ الصالحة، فمن ختِم له بخير فخُتم له بهذه الكلمة العظيمةِ نالَ خيرًا كثيرًا، ومَن كان آخر كلامه من الدنيا "لا إله إلا الله" دخل الجنّة.
فالحمد لله على كمالِ فضله، والحمدُ لله على كمالِ إحسانه، أعمالٌ يسيرة ينال بها العبد درجاتٍ عظيمة. فاستقيموا على طاعةِ الله، واعملوا بالأعمالِ الصّالحة رجاءَ ثوابِها عند الله.
أسأل الله أن يتقبّل منّي ومنكم أعمالنا، وأن لا يجعلنا من الخاسرين، إنّه على كلّ شيء قدير.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.
[1] أخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول (3/231)، وقال الهيثمي في المجمع (7/179): "رواه الطبراني بإسنادين، في أحدهما سليمان بن أحمد الواسطي، وفي الآخر خالد بن عبد الرحمن المخزومي، وكلاهما ضعيف"، وضعفه ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/697-700)، والعراقي كما في فيض القدير (3/26)، وأورده الألباني في ضعيف الجامع (2086).
[2] انظر: الوابل الصيب (ص113).
[3] أخرجه البخاري في الأدب (5986)، ومسلم في البر (2557) من حديث أنس رضي الله عنه.
[4] أخرجه مسلم في الطهارة (244) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[5] أخرجه البخاري في الصوم (1904)، ومسلم في الصيام (1151) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[6] أخرجه أحمد (1/387)، والترمذي في الحج، باب: ما جاء في ثواب الحج والعمرة (810)، والنسائي في مناسك الحج، باب: فضل المتابعة بين الحج والعمرة (2631) عن ابن مسعود رصي الله عنه، وقال الترمذي: "حديث حسن غريب"، وصححه ابن خزيمة (2512)، وابن حبان (3693)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (650).
[7] أخرجه البخاري في الزكاة (1417)، ومسلم في ال+اة (1016) من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه.
[8] أخرجه مسلم في الجنة وصفة نعيمها (2877) من حديث جابر رضي الله عنه.
[9] أخرجه البخاري في الأذان (660)، ومسلم في ال+اة (1031) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربّنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أمّا بعد: فيا أيّها النّاس، اتّقوا الله تعالى حقَّ التقوى.
إنّ الرّاجي لله حقًّا من يعمَل الأعمالَ الصّالحة، فيرجو بها ثوابَ الله، وأمّا المعطِّل لصالح العمل فإنّ رجاءَه أمانيّ ولا خيرَ فيها، إنّما الرّاجي لله من يؤدّي الأعمالَ الصالحة، إِنَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَـٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أُوْلـئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [البقرة:218[، مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء ٱللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ لآتٍ [العنكبوت:5].
فالمسلم حينما يعمَل الأعمال الصّالحةَ ويؤدّيها طاعةَ لله، رغبة في ثواب الله، طمعًا فيما عند الله، يؤدّيها موقنًا بذلك، مصدّقًا بهذا الوعد، يرجو أن يحقِّق الله له ما وعد على لسان نبيّه ، ورؤيا الأنبياء حقّ، وتلك رؤيا رآها رسولُ الله في المنام، وبشّر بها أصحابَه ليزدادوا طمعًا فيما عندَ الله، ليزدادوا رغبةً في الأعمال الصّالحة، ليزدادوا حِرصًا على الأعمال حتّى يجدوا ثوابَ ذلك أحوجَ ما يكونون إليه.
فلنتّق الله في أنفسنا، ولنواصِل الأعمالَ الصّالحة، ولنحقّق رجاءَنا في ربّنا بالإتيان بأسباب الخير والتّعرُّض للأعمال الصّالحة، عسى أن نُوفَّق لذلك.
واعلموا ـ رحمكم الله ـ أنَّ أحسنَ الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمّد ، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإنّ يد الله على الجماعة، ومن شذّ شذّ في النار.
وصلوا ـ رحمكم الله ـ على عبد الله ورسوله محمد كما أمركم بذلك ربّكم، قال تعالى: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهمّ صلّ وسلّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد، وارضَ اللهمّ عن خلفائه الراشدين...
| |
|