molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الرقية بين المشروع والممنوع - عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض الإثنين 26 ديسمبر - 6:46:44 | |
|
الرقية بين المشروع والممنوع
عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض
الخطبة الأولى
أمّا بعد: فيا أيّها الناس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.
عبادَ الله، إنَّ العبدَ في هذه الحياة ما بين صحيحٍ ومريض، أي: تارةً في صحّة وتارةً في مرض، ويومًا في فرح ويومًا في حزن، وما بين سعيد في الدنيا وما بين شقيٍّ فيها، سنّةَ الله ولن تجد لسنّة الله تبديلاً. ولكنّ المؤمن يعالج هذه القضايا بالعلاج الشرعيّ النافع الذي دلّ عليه كتاب الله وسنّة محمّد ، فصحّتك أو مرضك، فرحك أو حزنك، الكلُّ بقضاء الله وقدره، والمسلم لا يستسلِم للبلاء ولا للأحزان، ولكنّه يتعاطى كلَّ سببٍ نافع وكلَّ علاج مؤثِّر، فهو يعالج قدرَ الله بقدر الله، يردّ القدرَ بالقدر، فالذي قدّر الأمراضَ هو الذي شرع الدواءَ وأذِن في الدواء لعلاج ذلك المرض، والذي قدّر الأحزان والهمومَ هو الذي شرع علاجًا لتلك الهموم والأحزان، والذي قدّر الشقاءَ أو السعادة في الدنيا هو الذي قدّر ما يُعالجَ به الشقاءَ ويُدفَع به أسباب الشقاء.
فالمسلم يردّ القدَر بالقدَر، يعالج القدر بالقدَر، هكذا المؤمن حقًّا، يعلم أنّ الله جلّ جلاله ربط الأسبابَ بمسبِّباتها، فكلّ سببٍ فمِن الله، والله الذي قدّر السبَب والمسبَّب، وله الحكمة التامّة، جلّ ربًّا وتقدّس إلهًا ومعبودًا.
أيّها المسلم، ونبيُّنا أعظم خلقِ الله اتِّكالاً على الله واعتمادًا عليه وثِقةً به، ومع هذا تعاطى الأسبابَ، واتَّقى الشرَّ بالخير، واتَّقى أسبابَ الشرّ بأسباب الخير، صلوات الله وسلامه عليه دائمًا إلى يوم الدين.
يقول لنا : ((تدَاوَوا عبادَ الله، ولا تتداوَوا بحرام))[1]، وقال لنا: ((ما أنزل الله من داءٍ إلا أنزل له دواء، علِمه من علِمه، وجهِله من جهله))[2]، فالداءُ من الله، والدواء من الله، فهو الذي قدّر هذا وقدّر هذا، فالذي قدّر الداءَ هو الذي قدّر الدواءَ، وجعل الدواء علاجًا لذلك الداء، ((ما أنزل الله من داء إلا أنزل له دواء))، لكن ما كلّ أحدٍ يعلم ذلك، ((علمَه من علمه، وجهله من جهلَه)).
وفي الحديث عنه أنّه قال: ((المؤمن القويّ خيرٌ وأحبّ إلى الله من المؤمِن الضعيف، وفي كلّ خير. احرِص على ما ينفعك، واستعِن بالله، ولا تعجزنّ))[3]، ((احرِص على ما ينفعك))، على كلّ شيء ينفعك، وعلى كلّ سبب يمكنك، ((واستعن بالله)) على ذلك، ((ولا تعجَزن))، ولكن لو قدِّر أن الأسبابَ التي أخذتَ بها لم تُحقِّق المطلوبَ فقل: قدَرُ الله وما شاء فعل.
أيّها المسلم، إنّ المؤمن يسلك في علاجِه لمرضه وهمومِه وأحزانِه المسالكَ الشرعيّة، فليس المسلم يدفَع مرضَ بدنِه بمرضِ قلبِه، ولا يدفع همّه وحزنَه بفرَحٍ على غير هدًى، ولا يدفع شقاءَه في الدنيا على حسابِ شقائه في آخرته، بل سلامة دينه، سلامة معتقده أغلى عليه من كلّ شيء، فهو يتعَاطى العلاج النافعَ ليعالجَ الأمراضَ التي ببدنه، ولكنه لا يعالِجها على سبيل فسادِ دينه واختلال عقيدتِه، بل هو يبرَأ إلى الله مِن ذلك، فإذا نزَل به البلاءُ التجَأ إلى ربّه، وانطرَح بين يدَيه، وتعاطى الأسبابَ النافعة، فإن قُدِّر ذلك وإلاّ فهو راضٍ بما قدّر الله وقضاه.
أيّها المسلم، إنّ الله جلّ وعلا ذكر لنا بعضَ أنبيائه وما حصَل عليهم من البلاء، فذكر عن أيّوب عليه السلام بقوله: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنّى مَسَّنِىَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ [الأنبياء:83]، قال الله: فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرّ وَءاتَيْنَـٰهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَـٰبِدِينَ [الأنبياء:84]. وقال عن خليلِه عليه السلام في معرض ثنائِه على ربّه: وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ [الشعراء:80]. وأخبرنا عن علاج الهمومِ والغموم التي تحلّ بالعبد بقوله : ((من أصابه غمّ أو حزن فقال: اللهمَّ إنّي عبدك ابنُ عبدك ابنُ أمَتك، ناصيَتي بِيدك، ماضٍ فيَّ حكمُك، عدلٌ فيّ قضاؤك، أسألك اللهمّ بكلّ اسمٍ هو لك، سمّيتَ به نفسك، أو أنزلتَه في كتابك، أو علّمته أحدًا من خلقِك، أو استأثرتَ به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيعَ قلبي ونورَ صدري وجلاء حزني وهمّي، إلا أذهب الله حزنه وأبدله به فرحًا))[4].
أيّها المسلم، إنّ ما أُصيبَ به الكثير من النّاس من قلقٍ نفسيّ واضطرابات وهمومٍ وأحزان إنما سببُه قلّةُ الإيمان وقلّة التعلّق بربّ العالمين، والمسلم كلّما نزلت به الكروبُ والهموم لجأ أوّلاً وقبل كلّ شيء لربّه وخالقِه والتجأ إليه، وسأله أن يفرِّج همّه ويكشِف كَربَه ويزيل غمّه ويعينه على كلّ أموره، ويتعاطى الأسباب النافعة التي شرعها الله ورسوله.
أيّها المسلمون، إنّ كتابَ الله علاجٌ لأمراض القلوب والأبدان، وكذلك المأثور من سنّة محمّد ، يقول الله جلّ وعلا: وَنُنَزّلُ مِنَ ٱلْقُرْءانِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ ٱلظَّـٰلِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا [الإسراء:82]، وقال عن القرآن: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ هُدًى وَشِفَاء [فصلت:44]، فالقرآن شفاءٌ لأمراض القلوب، يعالجُها من أمراض الشِّرك والشبهات والشهوات والشكوك والهموم والأحزان، وعلاجٌ للأبدان لمَن صَدقت نيّته وعظُمت رغبته فيما عند الله.
أيها المسلمون، إنَّ نبيَّنا شرع لنا أن نعالج أنفسنا بكتاب الله وبالمأثور من سنّته .
البعضُ من الناس أيُّ ألمٍ يصيبُه وأيُّ همّ ينزل به يبحَث عن راقٍ يرقيه وقارئ يقرأ عليه، وربّما استغلّه ذلك الراقي وذلك القارئ الاستغلالَ السيّئ بأمور، منها أنه يلقي في قلبه الرعبَ ويخوّفه ويجعَل كلَّ خوفٍ نصبَ عينيه، فيعدّ عليه من الأمراض ما هو بريء منه، ولكن لإضعافِ كيانه ولإضعاف قوّته، حتى يلتجئ إلى ذلك الراقي وينقادَ لذلك الراقي، فيتحكّم فيه ذلك الراقي الآثم ليسلبَ ماله ويأخذ مالَه ويجعله مرتبِطًا به دائمًا؛ فِيكَ مسٌّ وفيك عَين وفيكَ سِحر وفيك وفيك وفيك، فيجلبُ له أمراضًا هو لا يعرِفها، قد أتى إلى هذا الراقي وقد لا يشكو إلا جزءًا يسيرًا من مرَض، فيرجع وقد امتلأ قلبُه رُعبًا وهمًّا وخوفًا وحزنًا وقلقًا نفسيًّا، لماذا؟ لأنّ هذا القارئ المخطِئ الجاهل قد قال له: فيك من الأمراض ما فيك، وفيك من الأوجاع ما فيك، سَحرتك فلانَة وسَحرَك فلان، [وأصابك] بعينِه فلان وفلانة، وفي بيتكم سِحر وعندكم حسَد، وإلى آخر ذلك، لماذا؟ ليضعُفَ أمامه، فيأتيه كلَّ يوم، ويتحَكّم فيه وفي مصيره، ويسلب منه الأموالَ، حتى يظنّ ذلك المسكين أنّه لا شفاءَ ولا سلامة إلاّ على يد ذلك الإنسان، وكلّ هذا من أراجيف الشيطان، كلُّ هذا من الشياطين وأعوانِهم، شياطينِ الإنس والجنّ. فلو اتَّقى ذلك الراقي ربّه حقًّا لعالجَ ذلك المريضَ وأرشدَه إلى أن يعالجَ نفسه بنفسه، أمّا أن يُدخل عليه الهموم والأحزانَ ويعطيه من الأمراض ما لا يعرِفه وهو خالٍ منها إنّما يقصِد أولئك الإرجافَ بالناس، إرعابَ الناس، تخويفَ الناس، حتى يكثرَ سوادُهم ويكثُر الآتون لهم والقاصدون لهم، ويسلّموا لهم ما أرادوا، ويتحدَّثون عنهم وأنّ فلانًا خبير، يَعلم يشخِّص الأمراض، ويعلم الأدواء، وأنه وأنه...
أيّها الإخوة، كلّ هذا مِن أراجيف الشيطان، فاحذروا ـ رحمكم الله ـ ذلك، ولا تأتوهم، ولا تحتاجون إليهم. اسمَعوا كيف يعالِج نبيّكم نفسَه، تخبِرنا أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنهما أنّه إذا أوى إلى فراشه جمع يديه، فقرأ فيهما: قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ [سورة الإخلاص]، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبّ ٱلْفَلَقِ [سورة الفلق]، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبّ ٱلنَّاسِ [سورة الناس] ثلاثًا، ثم يمسح بها رأسه ووجهَه وما أقبل من جسدِه، ثم ينام [5]. وكان يرقي الحسنَ والحسين يقول: ((أعوذ بكلمات الله التامّة، من كلّ شيطان وهامّة، ومن كلِّ عين لامّة))[6]. أتاه عثمان بن أبي العاص يسأله عن ألمٍ يجِده قال: ((ضَع يدَك على ذلك الموضِع من جسدِك، وقل: بسم الله الذي لا يضرّ مع اسمِه شيء في الأرضِ ولا في السماء ثلاث مرات، أعوذُ بالله وقُدرته من كلّ ما أجِد وأحاذِر سبعَ مرات))[7]. وقال لنا مرشِدًا لنا إلى ذكرٍ نافع ينفعنا: ((من قال في صباح يومه ثلاثَ مرّات: بسم الله الذي لا يضرّ مع اسمه شيءٌ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، لم يصبه ضررٌ في يومه، ومن قالها عند مسائه لم يصِبه ضرَر في ليلته))[8].
فيا إخوتي، هذه الأذكار النبويّة تحصّننا من الهموم والغموم، وتحرسُنا من مكائد شياطين الإنس والجنّ، وتجعلنا في حِصنٍ حصين من أن نلجأ إلى أولئك الرّاقين، إلى أولئك الطمّاعين، إلى أولئك الجشِعين، إلى أولئك الكذّابين الدجّالين.
أيّها الإخوة، للأسف الشديد أنّ دورَ الرقية الآن انتشَرت بين الناس، فلا تجِد حيًّا إلا فيه عنوان: "الرقية الشرعية لفلان بن فلان"، هذا الرّاقي إذا أتيتَه ماذا العمل؟ أوّل شيء أن يأخذَ مبلغًا من المال مُقدّمةً للدخول. ثاني شيء أنّه يتحكّم فيك فيعطِيك أمراضًا أنت بريء منها؛ بأوّل نظرة: فيك وفيك وفيك وفيك، حتّى تخرجَ مريضًا فوقَ مرضك الذي جئتَ لتعالجَه. ثالثًا أنهم سلكوا مسلكًا سيّئًا، تنافسوا في الكذِب، وتنافسوا في الدّجَل، وتنافَسوا في اختلاقِ الأباطيل والأكاذيب، لماذا؟ ترى واحدًا منهم يقول: أنا عندي جِنّ أتسعين بهم، يُعلمونني ما هو المرَض، ونوعَ المرض، وأكشِف لكم ذلك بأيّ [وسيلة] تكون، وبعضهم يقول: أضع عليه خرقةً سوداء، ثمّ يكشف لي جميعَ الأمراض؛ مَن سحَره؟ ومن أعانَه؟ ومَن ومَن؟ إلى آخر ذلك، فيظنّ ذلك الإنسان أنّ هذا عنده علمُ الغيب ومطّلعٌ على الأمور كلّها، ويأبى الله ذلك، إنما أولئك إخوان الشياطين، يستعينون بالشياطين، ويقرّبون القرابينَ لهم، ويعبُدونهم من دون الله، ويتقرّبون لهم من دون الله. فالحذرَ الحذَر من أولئك، والحذرَ الحذرَ من إتيانهم، وتثبّتوا عند أيّ راقٍ تريدون أن يرقيكم، فإن تكن رقيتُه خيرًا؛ كتاب الله والمأثور عن محمد فنَعَم، وإن يكن فيها كلامٌ لا يُفهم معناه وطلاسم ورُقًى لا تعلمونها ولا تفهمون ما فيها فاحذروهم، فإنّهم الأعداء الألدّاء.
ابن مسعود صاحبُ رسول الله تقول زوجتُه زينب: كان إذا أتانا لم يطرق البابَ حتى يسلّم ويتنحنَح ويبسطَ حتى لا يفجأنا، هكذا أدَّبهم محمّد ، قالت: وكانت عندي امرأة ترقيني، فلمّا دخلت جعلتُها وراءَ السرير حتّى لا يراها، ورأى في رقَبتي خيطًا فقال: ما هذا؟ قلت: خيط رُقي لي فيه، قالت: فأخذه وقطّعه وقال: أنتم آل عبد الله لأغنياءُ عن الشرك، سمعتُ رسول الله يقول: ((إنّ التمائمَ والرُّقى والتِّوَلة شِرك)) ، والتمائمُ الحُروز التي تعلَّق على الأطفال أو غيرهم، والرّقى هي العزائمُ تُكتب أو تنفَث على المريض، والتِّوَلة شيء يصنعه السّحرة، يزعمون أنّ المرأة إذا تعاطته جَلبت محبّة زوجِها لها، وأن الزوجَ إذا تعاطاه جلب محبّةَ زوجته له. هكذا السحرة. قالت امرأته: يا هذا، إنّ عيني تقذف ـ أي: تُؤلمني ـ فأذهب إلى اليهوديّ فيرقيني فيها، قال عبد الله: إنّ عينَك ينخسها الشيطان بيده، فإذا رقي اليهودي لها زالت، فإذا تركتم الرقيةَ عادت، أما ترقين نفسَك بما كان يرقِي به النبيّ نفسه؟! ((أذهِب الباسَ ربَّ الناس، واشفِ أنت الشافي، لا شفاءَ إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادِر سقَمًا))[9].
وجاء جبريل عليه السلام إلى النبيّ فقال: يا محمّد، أتشتكي؟ قال النبيّ: ((نعم))، قال: بسم الله أرقيك، من كلّ دَاء يؤذيك، من كلّ نفس وعين حاسدة، الله يشفيك[10].
فيا إخوتي، الأذكارُ النبويّة عالجوا بها أنفسَكم، وارقوا بها أولادَكم الصغار، وحصّنوا أنفسَكم بذلك، تسلموا من الأمراضِ والأورام بتوفيقٍ من الله. فصِلة المسلم بكتابِ ربّه وصلتُه بسنّة نبيِّه سببٌ لسلامة قلبِه وبدنه، وكونه يعطّل هذه الأذكارَ فإنّ ذلك يؤدّي إلى فراغ في النفس وهموم وقلقٍ واضطراب.
أيّها الإخوة، إنّ أولئك الراقين كثير منهم ـ هدانا الله وإياهم ـ سلَكوا المسالكَ السيئة، واتّخذوا طُرقًا خبيثة، لا تمُتّ للإسلام بصلة، إرعابُ الناس وتخويفهم، والطمعُ الشديد في أموالهم بشكلٍ خياليّ حتى إنّ الواحد منهم ربّما يكون دخله في اليوم ما لا يستطيع له أكبر مختصّ في الطبّ الحديث، وليسوا على حقّ في كثير من أحوالهم، بل كثير من أحوالهم ليست على هدًى ولا على خير ولا على طريق مستقيم.
فلنتَّق الله، ولنلجأ إلى الله، ولنقوِّ صلتنا بربّنا، وأسأل الله أن يشفيَ قلوبنا وأبداننا، وأن يمنحنا الصحَّة والسلامة والعافيةَ في كلّ أحوالنا، نسأل الله العفوَ والعافية في الدنيا والآخرة، اللهمَّ عافنا في دينِنا وأبدانِنا وأهلينا وأموالنا، اللهمّ استُر عوراتنا، وأمِّن روعاتنا، واحفَظنا من بين أيدينا ومِن خلفِنا وعن أيماننا وعن شمائلنا، نعوذ بعظمتِك أن نُغتال من تحتنا.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفَعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
[1] أخرجه أبو داود في الطب (3874)، والبيهقي في الكبرى (10/5)، وابن عبد البر في التمهيد (5/282) من طريق إسماعيل بن عياش، عن ثعلبة بن مسلم، عن أبي عمران الأنصاري، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء رضي الله عنه، وليس عند ابن عبد البر "عن أم الدرداء"، وثعلبة حديثه حسن في الشواهد، انظر: السلسلة الصحيحة (1633). وفيه اختلاف آخر فقد أخرجه الطبراني في الكبير (24/254) فجعله من مسند أم الدرداء، قال الهيثمي في المجمع (5/86): "رجاله ثقات".
[2] أخرجه أحمد (1/377)، وابن ماجه في الطب (3438) مقتصرا على جزئه الأول، والحميدي (90)، والشاشي (752)، وأبو يعلى (5183)، والطبراني في الكبير (10/163) والأوسط (7036)، والبيهقي في الكبرى (9/343) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وقد اختلف في رفعه ووقفه، قال الدارقطني في العلل (5/334): "ورفعه صحيح"، وصححه الحاكم (8205)، وقال الهيثمي في المجمع (5/84): "رجال الطبراني ثقات"، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (451).
[3] أخرجه مسلم في القدر (2664) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[4] أخرجه أحمد (1/398، 452)، والبزار (1994)، وأبو يعلى (5297)، والطبراني في الكبير (10/169)، والحاكم (1877) عن ابن مسعود رضي الله عنه نحوه، وصححه ابن حبان (972)، وهو في السلسلة الصحيحة (199).
[5] أخرجه البخاري في فضائل القرآن (5018)، ومسلم في السلام (2192).
[6] أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء (3371) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
[7] أخرجه مسلم في السلام (2202) ولفظه: ((ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل: باسم الله ثلاثا، وقل سبع مرات: أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر)).
[8] أخرجه أحمد (1/62، 66، 72)، والبخاري في الأدب المفرد (660)، وأبو داود في الأدب (5088)، والترمذي في الدعوات (3388)، وابن ماجه في الدعاء (3869) عن عثمان رضي الله عنه بنحوه، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح غريب"، وصححه ابن حبان (852، 862)، والحاكم (1/695)، وحسنه الضياء في المختارة (309)، وصححه الذهبي في السير (4/352)، والألباني في صحيح الترغيب (655).
[9] أخرجه أحمد (1/481)، وأبو داود في الطب (3883)، وابن ماجه في الطب (3530)، وأبو يعلى (5208)، وصححه ابن حبان (6090)، والحاكم (8290)، ووافقه الذهبي، وهو مخرج في السلسلة الصحيحة (331).
[10] أخرجه مسلم في السلام (2186) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه بنحوه.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربّنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أمّا بعد: فيا أيّها الناس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.
عبادَ الله، فاتحة الكتاب: ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ هي أمّ القرآن، وهي السَّبع المثاني التي أوتيَها النبيّ ، ما نزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في ال+ور أفضل منها، فهي أم القرآن، جَمع الله الكتب السابقةَ في القرآن العزيز، وجمع معانيَ القرآن في المفصَّل، وجمع الله معاني المفصَّل في الفاتحة، وجمع معاني الكلّ في إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5].
ففاتحة الكتاب أفضل سوَر القرآن، فهي رُقية للمرَض وشِفاء من الأمراض لمن يرقي بها نفسَه، فينفث على نفسه بفاتحةِ الكتاب، فيجِد فيها راحة وعافية وشفاءً برحمة أرحم الراحمين.
روى أبو سعيد الخدري صاحب رسول الله أنّ رهطًا من أصحابِ النبيّ سافروا في سفرةٍ لهم، فنزلوا على حيّ من أحياءِ العرب، فاستضافوهم فلم يضيفوهم، فلُدِغ سيّد القوم في الحيّ، فبحثوا عن علاجٍ فلم يجِدوا علاجًا، فقال بعضهم: لو أتيتم أولئك النفَر الذين نزلوا بكم البارحَة فسألتموهم فلعلّ عندَ أحد منهم رقية، فجاؤوهم وقالوا: لُدِغ سيّدنا البارحة، فهل من راق يرقيه؟ وهل مِن دواء؟ فقال أحدهم: نعَم أنا أرقيه، ولكن والله لا أرقيكم حتى تجعَلوا لي جُعلا، استضفناكم فلم تضيّفونا، فاتّفق معهم على قطيعٍ من الغنَم، فجاء ذلك الصحابيّ، وجعل يقرأ: ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ [سورة الفاتحة]، ويتفل على ذلك الرجل، استكمَل الفاتحة يقرأ ويتفل عليه قال: فكأنما نُشِط من عقال، فقام سليمًا من مرضه، ليس به أيّ وجعٍ ولا أيّ مرض، بفضل الله ثمّ بقراءة فاتحةِ الكتاب مِن ذلك الصحابيّ الموقن المصدّق، فلمّا أخذوا الغنم قال الراقي: لا تقسموا حتى نأتيَ رسولَ الله فنعرض الأمرَ عليه، خَشوا أن يكونوا قد أخطؤوا أو قد فعَلوا فِعلاً لا يليق لتعظيمهم لرسول الله ومحبّتهم له وانقيادهم له ورجوعِهم إليه في كلّ ما أشكَل عليهم رضيَ الله عنهم ورضُوا عنه، فأتَوا رسولَ الله ، فقصّوا عليه خبَرَهم فقال للقارئ: ((وما أدراك أنها رقية؟)) يعني: كأنّه يقول: هي رقية، ما الذي أدراك بها؟! هذا الصحابيّ ألهَمه الله ذلك الأمر، لا علمَ له لكن الله ألهمَه الحقّ، فقال النبيّ: ((وما يدريك أنّها رقية؟! اقسموا واضرِبوا لي معكم بسَهم))[1]، صلوات الله وسلامه عليه.
فالمقصودُ أنّ أخذَ القارئ شيئًا على القراءة لا مانعَ منه، ولكن ليتّقوا ربَّهم، وليدَعوا عنهم هذا الجشَع، وليدَعوا عنهم الأراجيفَ والأكاذيب وتخويفَ الناس وإمراضَ الناس بما يقولون، فليتَّقوا الله، وليعلَموا أنّ علمَ الغيب عند الله، وإنّما هي أسباب، والله جل وعلا من وراء القصد.
أسأل الله لي ولكم التوفيق والهدايةَ لكلّ خير، إنه على كل شيء قدير.
واعلموا ـ رحمكم الله ـ أنَّ أحسنَ الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمّد ، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإنّ يد الله على الجماعة، ومن شذّ شذّ في النار.
وصلّوا ـ رحمكم الله ـ على عبد الله ورسوله محمد كما أمركم بذلك ربكم: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد، وارضَ اللهمّ عن خلفائه الراشدين...
[1] أخرج القصة البخاري في الطب (5736، 5749)، ومسلم في السلام (2201) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
| |
|