molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الحثّ على الصبر - عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض الإثنين 26 ديسمبر - 6:43:51 | |
|
الحثّ على الصبر
عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض
الخطبة الأولى
أمّا بعد: فيا أيّها الناس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.
عبادَ الله، إنّ من أخلاق المؤمنين الصّبر، فالصّبرُ خلُقٌ من أخلاق أهلِ الإيمان، قال تعالى: ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا ءامَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلصَّـٰبِرِينَ وَٱلصَّـٰدِقِينَ وَٱلْقَـٰنِتِينَ وَٱلْمُنفِقِينَ وَٱلْمُسْتَغْفِرِينَ بِٱلأسْحَارِ [آل عمران:16، 17]، إذًا فالصّبر خلق مِن أخلاق أهلِ الإيمان. وقال جلّ وعلا مبيّنًا أخلاقَ المؤمنين: إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَـٰتِ وَٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ وَٱلْقَـٰنِتِينَ وَٱلْقَـٰنِتَـٰتِ وَٱلصَّـٰدِقِينَ وَٱلصَّـٰدِقَـٰتِ وَٱلصَّـٰبِرِينَ وَٱلصَّـٰبِرٰتِ وَٱلْخَـٰشِعِينَ وَٱلْخَـٰشِعَـٰتِ وَٱلْمُتَصَدّقِينَ وَٱلْمُتَصَدّقَـٰتِ وٱلصَّـٰئِمِينَ وٱلصَّـٰئِمَـٰتِ وَٱلْحَـٰفِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَٱلْحَـٰفِـظَـٰتِ وَٱلذٰكِـرِينَ ٱللَّهَ كَثِيرًا وَٱلذٰكِرٰتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب:35]. وأمَر تعالى بالصّبر: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:200]. وأخبر أنّ الصبرَ عونٌ للعبد في كلّ أحواله مَع الصلاة: ٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَوٰةِ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ [البقرة:153].
أيّها المسلمون، إنّ الصبرَ في كتاب الله على أقسام ثلاثة، فأوّل ذلك صبرُ المسلم على طاعةِ الله؛ بأن يصبرَ على أداء أركانِ الإسلام وواجباتِ الإيمان، ذلك أنّ صبرَه نتيجةٌ لما في قلبِه من الإيمان الصّادق، فقوّة الإيمان الثابتِ في القلب دعت المسلمَ إلى الصبر على طاعة الله جلّ وعلا صبرًا تمثّل في استقامتِه على الخير وثباتِه على الحقّ، يزداد بمضيّ الشهور والأعوامِ رغبةً في الخير ومحبّة له، بل كلّما تقدّم به العمُر ازداد مِن العمل الصالحِ وحاول أن يصلحَ أخطاءه ويستقيمَ على الخير، فهو يمثّل قولَه تعالى: وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ [الحجر:99].
ترى ذلك المسلمَ يُحافظ على الصلواتِ الخمس في أوقاتها، ويلزِم نفسَه بذلك، ويصبِر عليها صبرَ المحِبِّ لها الراغبِ فيها، لعلمِه بتعظيم الله لها ومحبّة الله لها، فهو يصبِر على أدائِها، لا يضجَر ولا يقلق، بل هو محبٌّ لهذه الصّلاة، يستأنِس فيها وينشرِح بها صدرُه وتقرّ بها عينه. وهو صابرٌ على أداءِ زكاة مالِه، كلّما حالَ الحول وعنده ما ي+ّي بادَر بذلك، وصابَرٌ على صومه، وصابر على حجِّه، وصابرٌ على كلّ الأوامِر الشرعيّة.
يبرّ بالوالدَين، ويصبِر على برِّهما، ولا يتمنّى موتَهما، وإنّما يحبّ أن يقدّمَ عملاً صالحًا نحوهما ليرضيَ الله بذلك. وهو صابرٌ على رحِمِه في صِلته لهم وتحمُّله لأذاهم صبرًا يرضِي به ربَّ العالمين. وصابرٌ كذلك في معاملاتِه، فهو يلزَم الصِّدق، ويصبِر على الصّدق وإن كان فيه أحيانًا ما يخالِف هوَى النّفوس، لكنّه يصبِر عليه، فهو صادق وصابرٌ على صدقه في معاملاتِه وقيامِه بالواجب. هو صابرٌ في دعوتِه للخير وأمرِه أولادَه بالخير وتوجيهِه لهم، وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلوٰةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا [طه:132].
فكلّ الطاعاتِ يصبِر عليها، فلا يضجَر منها، ولا يسأم منها، ويحبّ الحياةَ لأجل أن يقدّم عملاً صالحًا، ولذا لمّا نهى النبيّ المسلم عن تمنّي الموت قال: ((وإنّ المؤمن لا يزداد بطول العمُر إلاّ خيرًا))[1]، فهو يفرَح بهذه الدنيا ليتزوّد منها عملاً صالحًا قبلَ لقاءِ الله.
والمسلم أيضًا يصبِر عن معاصِي الله التي نهاه الله عنها وحرّمها عليه، يصبر عنها فيكفّ نفسَه عنها، ويبتعِد عنها. صابرٌ لأنّه يرجو ثوابَ الله، وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46]، ذٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِى وَخَافَ وَعِيدِ [إبراهيم:14]، وقال جلّ وعلا: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ وَنَهَى ٱلنَّفْسَ عَنِ ٱلْهَوَىٰ فَإِنَّ ٱلْجَنَّةَ هِىَ ٱلْمَأْوَىٰ [النازعات:40، 41].
نفسٌ أمّارة بالسوء، وهوًى مضلّ، وجُلساء سوء، ومغرِيات في هذه الدنيا، ولكنّ المسلم كلّما تذكّر عِلم الله واطِّلاعه عليه وتذكَّر موقفَه بين يدَيه ألزمَ نفسَه الطاعةَ وصبر عن المعاصي، يرجو بصبرِه ما عند الله من الثّواب الذي وعَد به المتّقين.
المسلم يصبِر على أقدارِ الله المؤلِمة، فيرضى بقضاءِ الله وقدره، وتطمئنّ بذلك نفسه، فيصبِر ويرضى ويسلّم ويعلَم أنّ الله حكيم عليم فيما يقضي ويقدّر.
هو لا يتمنّى البلاء، وفي الحديث: ((لا تتمنّوا لقاءَ العدوّ، واسألوا الله العافِية، فإذا لقيتموهم فاصبِروا))[2]. يسأل ربَّه العفوَ والعافية في دينه وماله وأهلِه وولَده، هو لا يتمنّى البلاء، ولكن إذا قضى الله وقدّر صبَر على أقدار الله المؤلِمة واحتسَب ورضيَ عن الله وانشرَح صدرُه بقضاء الله وقدرِه، قال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْء مّنَ ٱلْخَوفْ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مّنَ ٱلأمَوَالِ وَٱلأنفُسِ وَٱلثَّمَرٰتِ وَبَشّرِ ٱلصَّـٰبِرِينَ ٱلَّذِينَ إِذَا أَصَـٰبَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رٰجِعونَ أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوٰتٌ مّن رَّبْهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ [البقرة:155-157].
أيّها المسلم، ونبيّنا يقول: ((عَجبًا لأمر المؤمن، إنّ أمرَه كلّه لعَجب، إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرًا له، أو أصابته ضرّاء صبَر فكان خيرًا له))[3].
وقد جاءت النّصوص مِن سنّة رسول الله ترغّب المسلمَ في الصبر عند المصيبةِ وأن يذكرَ الله ويثنيَ عليه ويفوّض أمرَه إليه، تقول أمّ سلمة زوجُ النبيّ أمّ المؤمنين، بلّغَها أبو سلمَة أنّه سمع رسول الله يقول: ((ما مِن مسلمٍ تصيبه مصيبة فيقول: إنّا لله وإنّا إليه راجعون اللهمّ أجِرني في مصيبتي واخلف لِي خيرًا منها إلاّ خلف الله له خيرًا منها))، سمِعَت ذلك أمّ سلمة قالت: فمات أبو سلمة فذكرتُ قولَ النبيّ، فاسترجَعتُ وقلت: اللهمّ أجرْني في مصيبَتي واخلف لي خيرًا منها، قالت: ثمّ عدتُ إلى نفسي وقلت: مَن لي مثل أبي سلمة؟! وهل مِن رجال خير من أبي سلمة؟! قالت: [فلما انقضت عدّتي] طرَق رسول الله عليّ البابَ واستأذن، فأذنتُ له، وكنتُ أدبغ إهابًا لي، فغسلتُ يديّ [من القرظ]، ووضعتُ له وسادةً من أدم حشوُها ليف، فجلسَ عليها فخطَبَني لنفسِه، قالت: فقلت: يا رسول الله، ما بي رغبة عنك، ولكنّي [امرأة فيّ] غيرة، أخشى أنّ [ترى] منّي شيئًا [يعذبني الله به]، وإنّي مُسنّة، ولِي عيال، قال: ((أمّا الغيرةُ فسأدعو الله أن يذهبَها عنك، وأمّا السنّ فقد بلَغ بي ما بلغ بك، وأمّا ولدُك فإنّهم ولدِي))، قالت: فعوّضني الله خيرًا من أبي سلمة رسولَ الله [4]. ذلك الإيمان الصادقُ والعمَل بالسنّة وآثارها.
أيّها المسلم، لا شكَّ أنّ المسلم يحزَن عند حلولِ المصائب عافانا الله وإيّاكم، ولكن مع حزنِه هو يذكُر الله ويثنِي على الله ويعلمُ أنّ الأمرَ بيد الله والكلّ قضاء وقدرٌ من الله، فيرضَى عن الله، ويصبِر ويسلّم ويطلُب العوَض من ربِّ العالمين.
أيّها المسلم، قد تُبتلَى في نفسِك، وقد تُبتلى في ولدِك، وقد تُبتلى في مالِك، وقد تبتَلَى في عِرضك، فالصّبر حِصنٌ لك، والصّبر عَون لك على كلّ خَير، يقول : ((إذا قَبض الملَك ولدَ المسلم قال الله: قبَضتُم ابنَ عبدي، وقبضتُم ثمرةَ فؤاده، ماذا قال؟ قالوا: حَمدَك واسترجَع، قال: ابنُوا له بيتًا في الجنّة، وسمّوه بيتَ الحمد))[5]، وفي الحديث: ((يقول الله: ما لعبدِي المؤمنِ جزاء إذا قبضتُ صفيَّة من الدّنيا إلاّ الجنّة))[6].
أخي المسلم، قد تُبتلَى في نفسِك بأمرٍ ما مِن الأمور، فاصبِر على ما قضاه الله وقدّره عليك، ففي الحديث: ((يقول الله: ما لعبدِي المؤمنِ إذا قبضتُ حبيبتيه ـ يعني: عينيه ـ إذا صبَر إلاّ عوضتُه عنهما الجنّة))[7].
أيّتها المرأة المسلمَة، صبرُك على قضاءِ الله وقدَره أمرٌ مطلوبٌ مِنك شرعًا، واسمَعي قصّة امرأةٍ مسلمة فقدَت ولدَها، وكيف صبَرت، وكيف عوّضها الله الخيرَ الكثير. أمّ سُلَيم مِن الصّحابيّات زوجةُ أبي طلحة الأنصاريّ، اشتكى ولدُها فخرَج أبوه ثمّ رجع، فسأل عنه، فقالت: هو أسكنُ ما يكون، ثمّ قرّبت له الطعامَ فأكل، وتصنّعت له حتّى أصابَها، ثمّ قالت: يا أبا طلحة، أرأيتَ لو أنّ قومًا أعاروا قومًا عارية فاسترجعوها أكان لهم حقّ أن يمنعوا؟ قال: لا، قالت: وارُوا الصّبي، فغضِب عليها، وقال: تركتِنِي فأكلتُ وأصبتُك ثمّ تخبريني، ثمّ انطلق إلى رسولِ الله يخبِره خبرَها وماذا قالت له وماذا قال لها، فقال: ((هل أصبتَها؟)) قلت: نعم، قال: ((بارَك الله لكما في ليلتِكما))، ومضَت الأيّام، وخرَج أبو طلحة مع رسول الله غازيًا، فلمّا قفَل أحسّت أمّ سليم بالولادة، وكان أبو طلحة يصاحِب رسولَ الله خروجًا ورجوعًا، فلمّا احتبَس عليها قال: يا ربّ، تعلمُ أنّي أحِبّ أن أخرجَ مع نبيِّك إذا خرَج وأرجِع معه إذا رجَع، وقد حبَسني ما ترى، تقول أم سليم: انطلِق ـ أبا طلحة ـ فقد ذهَب عنّي ما كنتُ أشعر به، ثمّ لمّا دخل المدينةَ وضعَت غلامًا لها، فأتى به النبيَّ أنسٌ أخوه من أمّه ومعه شيءٌ من تمرات، فقال: ((هل معكم من تَمر؟)) قال: نعم، فمضغ التمرَ ، ثمّ ألقاه في في الصبيّ وحنّكه ودعا له[8]، قال بعض الرّواة: فلقد رأيتُ لعبد الله هذا تسعةً من الولدِ كلُّهم يحفَظ القرآن[9]. هذا أدَب الصّبر والاحتسابِ والرضا عن الله.
أيّها المسلم، إنّ نبيَّنا يقول: ((من يردِ الله به خيرًا يُصِب منه))[10]، ويقول: ((أشدّ النّاس بلاءً الأنبياء، ثمّ الأولياء، ثمّ الأمثل فالأمثل، يُبتلى الرّجل على قدرِ دينِه، فإن كان في دينه صلابة شُدِّد عليه وإلاّ خُفِّف عنه))[11]، وقال: ((إنّ عِظم الجزاءِ مَع عِظم البلاء، وإنّ اللهَ إذا أحبّ قومًا ابتلاهم، فمَن رضيَ فله الرِّضا، ومن سَخط فعليه السّخط))[12]. فالقضاء والقدَر نافِذ، لكن المسلم يصبِر ويروّض نفسَه على الصبر ابتغاءً لما عند الله من الثوابِ، وطمَعًا فيما عند الله من الثواب، والله أحكم وأعدلُ فيما يقضِي ويقدّر.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذّكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنّه هو الغفور الرحيم.
[1] أخرجه البخاري في المرضى (5673)، ومسلم في الذكر (2682) عن أبي هريرة رضي الله عنه بمعناه.
[2] أخرجه البخاري في الجهاد (2966، 3024، 3026)، مسلم في الجهاد (1742) عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه.
[3] أخرجه مسلم في الزهد والرقائق، باب: المؤمن أمره كله خير (2999) من حديث صهيب رضي الله عنه بنحوه.
[4] أخرجه أحمد (4/27) بنحوه، وأخرجه مسلم مختصرا في الجنائز، باب: ما يقال عند المصيبة (918) عن أم سلمة عن النبي ، قال ابن عبد البر في التمهيد (3/181): "هذا الحديث يتّصل من وجوه شتى، إلا أن بعضهم يجعله لأم سلمة عن النبي ، وبعضهم يجعله لأم سلمة عن أبي سلمة عن النبي ... وهذا مما ليس يقدح في الحديث لأن رواية الصحابة بعضهم عن بعض ورفعهم ذلك إلى النبي سواء عند العلماء؛ لأن جميعهم مقبول الحديث مأمون على ما جاء به بثناء الله عليهم".
[5] أخرجه أحمد (4/415)، والترمذي في الجنائز، باب: فضل المصيبة إذا احتسب (1021)، والطيالسي (508) من حديث أبي موسى رضي الله عنه بنحوه، وصححه ابن حبان (7/210-2948)، والألباني في السلسلة الصحيحة (1408).
[6] أخرجه البخاري في الرقاق، باب: العمل الذي يبتغى به وجه الله (6424) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه.
[7] أخرجه البخاري في المرضى (5653) عن أنس رضي الله عنه بمعناه.
[8] أخرجه البخاري في العقيقة (5470) مختصرا، ومسلم في فضائل الصحابة (2144) عن أنس رضي الله عنه.
[9] أخرجه البخاري في الجنائز (1301).
[10] أخرجه البخاري في كتاب المرضى (5645) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[11] أخرجه أحمد (1/185)، والترمذي في الزهد (2398)، وابن ماجه في الفتن (4022) وغيرهم من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه نحوه، وليس فسه ذكر الأولياء، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح"، وصححه ابن حبان (2900)، والحاكم (1/40، 41)، والضياء في المختارة (1056)، ورمز له السيوطي بالصحة، وعزاه من بين من عزاه إليهم للبخاري، قال المناوي في الفيض (1/519): "وعزوه إلى البخاري تبع فيه ابن حجر في ترتيب الفردوس، قيل: ولم يوجد فيه"، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (143).
[12] أخرجه الترمذي في الزهد (2396)، وابن ماجه في الفتن (4031)، والقضاعي في مسند الشهاب (1121)، والبيهقي في الشعب (9782) من حديث أنس رضي الله عنه، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه"، وحسن إسناده الألباني في السلسلة الصحيحة (146).
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربّنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أمّا بعد: فيا أيّها الناس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.
عبادَ الله، إنّ مِن أنواع الصّبر صبرَ المسلم على ما أعطاه الله، فلا يسخَط، وإنّما يكون قانِعًا بما قسَم الله له مِن عطاء، فإنّ الله أحكمُ الحاكمين وأرحم الرّاحمين.
سأل أناسٌ من الأنصار النبيّ فأعطاهم، ثمّ سألوه فأعطاهم، ثمّ سألوه فأعطاهم، حتّى نفد ما بِيَده، ثمّ قال لهم بعدَ ذلك: ((لو أنّ عندي شيئًا ما ادَّخرتُه عنكم))، وقال لهم: ((ومن يستَعفِف يعفّه الله، ومَن يستغنِ يغنِه الله، ومن يتصبّر يصبِّره الله، وما اُعطيَ أحدٌ خيرًا وأوسعَ من الصبر))[1].
فانظر إليه ، يأمُر الفقيرَ بأن يصبر: ((من يتصبّر يصبّره الله))، من يتصبّر على حالتهِ ويرضَ فلا يسخَط فإنّ الله يعينه فيصبّرُه حتّى يكون قانعًا بما أعطاه الله، غيرَ متطلّع لما بأيدي النّاس. يصبِر ويحتسِب، وصبرُه على قضاءِ الله أجرٌ له، فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْرًا [الشرح:5، 6]. ومَن يستعفِف يعفّه الله، ومَن يستغنِ يُغنِه الله بما أعطاه.
أيّها المسلم، قد تُبتلَى في عِرضك، وقد يسلَّط عليك من لا حياءَ ولا إيمانَ عندَه، فصبّر نفسَك وكُن متدرِّعًا بالصّبر، وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ [الشورى:43]، ٱدْفَعْ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظّ عَظِيمٍ [فصلت:34، 35].
أيّها المسلم، قد تبتَلَى أحيانًا بزوجةٍ ذاتِ لسانٍ سليط وضَجرٍ من كثير من الأمور وإلحاحٍ عليك في كثيرٍ من الحاجات، هذا خلُقها وطبعُها، ولكن المسلم هل يقابل ضجرَها وسلاطةَ لسانِها أحيانًا بأن يطلّقها ويفارقَها أو يصبر عليها صبرًا عَسَى الله أن يبدّل تلك الأخلاق السيئة بأخلاق حميدة، وعسَى صبرُك عليها يعود عليك بالخير.
ولذا النبيّ أخبرنا أنّ المرأةَ خُلقت من ضِلع، وإنّ أعوجَ ما في الضِّلع أعلاه، فإن ذهبتَ تقيمها كسرتها، و+رُها طلاقُها، وأنّها لا تستقيم لك على خلُق واحد[2]. إذًا فالصبر دواء، والصبر علاج، والصّبر ملجأ بتوفيقٍ من الله. لتصبِر عليها، فصبرُك عليها صبر الكرام، تحمّل الأخطاءَ التي يمكن تحمُّلُها إن لم تكن تلك الأخطاء تنافي الشرفَ والكرامة، وإنّما هي أخلاقٌ عاديّة، فالصبر منك يورثك خيرًا.
قد ترى مِن أولادك نَكدًا عليك، وقد يضجِرونك، وقد يكدّرون حياتَك، وقد يكون منهم طلباتٌ كثيرة إلى آخره، فصبرُك عليهم وحلمُك عليهم وعلاجك الأمرَ الحاضِر بالصبر والتحمّل هذا يعينك، وأمّا ضجرُك وقلّة صبرِك والتسلّط عليهم بالدّعاء عليهم فربّما تُستَجاب دعوة، فتمحقهم تلك الدّعوة، ولذا النبيّ يقول: ((لا تَدعوا على أنفسِكم ولا على أهليكم ولا على أموالِكم فتوافقوا مِن الله ساعةَ إجابة))[3]، ودعوةُ الوالدِ مستجابة على ولدِه، إذًا فكونُ بعضِ الأولادِ عندهم شيءٌ من الجفاء، وعندهم شيء من عدَم الاحترام، وعندهم شيءٌ من عدَم البرّ، ماذا أعمَل؟ هل أوقِد النارَ بنارٍ مثلٍها أم أطفئ تلك النارَ بالماء وأصبِر وتمضي الأيامُ وعسى الله أن يبدّل الحالَ بحال؟!
صبرُك على مَن تتعامل معه في كلّ الأعمال لا بدّ من صبر، فالصبرُ يعينك على مصالحِ دينِك ومصالحِ دنياك، ويذلّل أمامَك الصّعاب، ويهوِّن عليك المشاقّ، ويجعلك مرتاحَ البالِ طيّبَ النفس منشرحَ الصدر، أمّا الضجَر وقلّة الصبرِ فإنّها لا تفيد خيرًا، تقضي على قوّتِك، وتملأ قلبَك همًّا وحزنًا، فتدرّع بالصّبر في كلّ الأحوال، وعسى الله أن يعينَنا وإيّاكم على كلّ خير.
واعلموا ـ رحمكم الله ـ أنَّ أحسنَ الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمّد ، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإنّ يد الله على الجماعة، ومن شذّ شذّ في النار.
وصلّوا ـ رحمكم الله ـ على محمّد امتثالاً لأمر ربكم إذ يقول: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد، وارضَ اللهمّ عن خلفائه الراشدين...
[1] أخرجه البخاري في الزكاة (1469)، مسلم في ال+اة (1053) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
[2] أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء (3331)، مسلم في الرضاع (1468) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[3] أخرجه مسلم بنحوه في الزهد (3014) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في حديث طويل.
| |
|