molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الدين النصيحة - عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض الإثنين 26 ديسمبر - 6:43:01 | |
|
الدين النصيحة
عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض
الخطبة الأولى
أمّا بعد: فيا أيّها الناس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.
عبادَ الله، في صحيح مسلم عن تميمٍ الداريّ قال: قال رسول الله : ((الدّين النصيحة))، قُلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: ((للهِ ولكتابِه ولرسوله ولأئمّة المسلمين وعامّتهم))[1].
أيّها المسلمون، النصيحة خُلُق أنبياء الله ورسُلِه، فهم أنصَح الخَلق، وأبرُّهم وأنقاهم، قال الله عن نوحٍ عليه السّلام أنّه قال لقومه: وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:62]، وقال عن هود عليه السلام: وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ [الأعراف:68]، وقال عن النبيّ صالح أنه قال لقومه: وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ [الأعراف:79].
ومحمّد أعظمُ الخلقِ نُصحًا للخلقِ وشفقةً على أمّته ونصحًا لهم وخوفًا عليهم، وصدَق الله: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128]. فلا طريق يقرِّبنا إلى اللهِ إلا بيَّنه لنا وأمرَنا به وبسلوكِه، ولا طريقَ يباعِدنا من الله إلاّ بيَّنه لنا وحذَّرنا من سلوكِه، يقول : ((ما بعَث الله من نبيٍّ إلاّ كان حقًّا عليه أن يدلَّ أمّتَه على خيرِ ما يعلمه لهم، وينهاهم عن شرِّ ما يعلمه لهم))[2]، فلقد بيَّنَ غايةَ البيان، ونصَح غايةَ النصيحة، وترك أمّته على المحجّة البيضاء، ليلُها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدَه إلاّ هالك.
أيّها المسلمون، وقد حصَر النبيّ الدينَ في النصيحة، فإنّ النصيحة خالصُ المحبّة وخالِص تبيينِ الخير والتّحذير من الشرّ.
فالنّصيحة للهِ في قوله لما سألوا عنها قال: ((الدّين النصيحة))، قلنا لمن؟ قال: ((لله))، فنصحُك لله يتضمّن أمورًا:
أوّلاً: يتضّمن إيمانَك بالله وربوبيّته وبأسمائِه وصفاته، وأنّه وحدَه المستحِقّ أن يُعبَد دونَ سواه. فنصيحتُك لله محبّتُك له وتعظيمُك له وثناؤك عليه ووصفُك له جلّ وعلا بكلّ صفاتِ الكمال والجلال، وتنزيهُه عن صفاتِ العيوب والنقائص، إذ هو جلّ وعلا ليس كمثلِه شيء وهو السّميع البصير. فنصحُك له إيمانُك به وأنّه ربُّ كلِّ شيء ومليكُه، والمنفَرد بخلقِ العباد وإيجادِهم، والمالك لسمعِهم وأبصارهم وأرزاقِهم، والمتصرِّف فيهم كيفَ يشاء، وأنّه موصوفٌ بالكمَال، فله الصِّفات العُلى والأسماء الحسنى، نَصِفه بما وصَف به نفسَه في كتابِه أو وصفَه به نبيّه ، ونسمّيه بما سمّى به نفسَه في كتابه أو سمّاه به نبيَّه ، معتقِدين حقيقةَ تِلك الأسماءِ والصفاتِ على ما يليق بجلالِ الله وعظمتِه، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].
ننصَح له بأن نعبدَه وحدَه، ونعلم أنّ العبادةَ بكلّ أنواعها حقٌّ له جلّ وعلا لا شريكَ له في ذلك، فنوحِّده بأفعالِنا من دعاءٍ ورجاء وذبحٍ ونذر وتعلّق، نعتقِد أنّ ذلك حقّ لله، فالدّعاء لا يصحّ إلاّ له، والخوف الحقيقيُّ منه، والرّجاء الحقيقيّ له، والرّغبةُ له، والرّهبة منه جلّ وعلا، فلا دعاءَ لغيره، ولا رجاءَ لغيره، ونعتقدُ في قلوبنا تعظيمَ ربِّنا، وأنه المعبودُ وحدَه دونَ سواه، فلا يستحقّ العبادَةَ غيرُه، فكما لا شريكَ له في مُلكه وربوبيّته فلا شريكَ له في وحدانيّته، فنعبده وحدَه مخلِصين له الدّين لا شريك له في ذلك، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ [الحج:62].
وننصَح للهِ بأن نحبِّبَ الله لخلقه، وندعوَ العباد لتعظيمِه والثناء عليه وتعريفهم بذلك، فننصحُ له بأن نحبِّبَ الخلق إليه، وندعوَهم إلى طاعته، ونرشدهم إلى تعظيمه والثناء عليه، لا نحصي ثناءً عليه، هو كما أثنى على نفسِه، وفوقَ ما أثنى عليه عبادُه.
ومِن نُصحِنا لله محبّتُنا له جلّ وعلا، والإتيان والقيامُ بما أوجب علينا من طاعتِه والبُعد عمّا نهانا عنه من معصِية، فتلك حقيقةُ النصيحة لله.
وننصَح لكتابِ الله بأن نؤمنَ بهذا القرآن، وأنّه آخر كتابٍ نزل من عند الله، تكلَّم الله به، وسمِعه جبريل منه، وبلّغه محمّدًا ، وبلّغه أصحابَه، وبلّغه الصحابةُ مَن بعدهم، فانتقل إلينا بنقلِ العدول، فهو كتابُ الله المحفوظُ من أن يُزادَ أو ينقَص فيه، إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]، نتلوه حقَّ تلاوته، نقيمُ حروفَه، ونتدبّر معانيَه، وننفّذ أوامِره، ونجتنِب نواهيَه، ونقِف عند حدودِه، ونتأدّب بآدابه، ونتخلّق بأخلاقه، ونصغِي إلى مواعِظه، ونقِف عند وعدِه ووعيده، فنقِف عند الوعدِ طامعين راجين، وعند الوعيدِ خائفين مشفِقين، فالقرآن حجّة لنا أو علينا، حجّة لمن عمِل به وحكَّمه وتحاكَم إليه، وحجّة على من أعرضَ عنه وهجَر تلاوتَه والسّماع له، وهجَر العملَ به وتحكيمَه والتحاكم إليه، ننفِي عنه تحريفَ الغالين وانتحالَ المبطلين وتأويلَ الجاهلين، بل نعتقد أنّه كلام الله يصدِّق بعضُه بعضًا، فنعمَل بمحُكمه، ونؤمِن بمتشابهه، ونصدّق هذا القرآنَ، ونعتقِد أنّ بعضَه يصدِّق بعضًا، كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ [هود:1]، وأنّ البشريّة لن تستطيعَ أن تأتي بمِثله ولو اجتمَع إنسُها وجِنّها، قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء:88]. نعتقِد أنّ ما دعا إليه هو الحقّ لا شكّ فيه، فنتّبع هذا القرآنَ، ونؤمن به، ونحكّمه ونتحاكَم إليه، ونقف عند حدودِه، ونتأدّب بآدابه، ونتخلّق بأخلاقه، فهو خُلُق نبيِّنا ، تقول عائشة لما سئِلت: ما خُلُق النبيّ؟ قالت: كان خلُقه القرآن[3]. فالقرآن خُلُق النبيِّ لكونه يعمَل به حقَّ العمَل صلوات الله وسلامه عليه.
وننصح لنبيِّنا بأن نؤمنَ به، وأنّه خاتم أنبياءِ الله ورسله، بعثَه الله رحمةً للعالمين وحجّةً على المعاندين وحَسرةً على الكافرين، بعثَه الله بالهدَى ودين الحقّ، فأكمل به الدّينَ، وأتمّ به النّعمة، صلوات الله وسلامه عليه.
نُصحُنا لرسولِ الله مع الإيمان به الاقتداءُ به التأسّي به في أقوالِه وأعماله، يقول الله: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب:21]. ونعظِّم سنّتَه، وننفّذ أمرَه، ونجتنِب نهيَه، فأمرُه أمرٌ منَ الله، ونهيه نهيٌ مِنَ الله، وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80]. نقبَل سنّتَه ونعمَل بها، ونحكِّمها ونتحاكَم إليها، ولا نجِد في صدورِنا حرجًا من حُكمه، بل نرضَى ونسلِّم لنكونَ من المؤمنين حقًّا.
نعتقِد أنّ أصلَ حُبّه من واجباتِ الإيمان، وكمالُ حبّه من كمالِ الإيمان، فنحبّه محبّةً فوق محبّةِ النفس والولدِ والوالد والنّاس أجمعين، يظهَر جليًّا في اتّباع سنّتِه والسّمع والطاعة له فيما أمَرنا به أو نهانا عنه، وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا [النور:54]، وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء:115]. إذا جاءَت سنّتُه قبِلناها وطبّقناها وتلقَيناها بالقَبول، محبّةً وانقيادًا لها وطمأنينةً إليها، لا نعارِضها بالآراءِ ولا بالقَول، فلا نحكّم العقلَ على سنّته، ولا نقدّم الرأيَ على سنّته، بل أيّ عقلٍ ورأي خالف سنّتَه فالحقّ في سنّةِ رسول الله، والباطلُ مع مَن خالف سنّتَه بمجرَّد عقله ورأيِه، فلا حكمَ سِوى حكمه، فحُكمه المقبول، وقولُه الصادِق، وهو الصّادق المصدوق .
نحبّه ونأمل مِنَ الله أن نحشَر تحتَ لوائه، وأن نرِدَ حوضَه، وأن نكونَ في رفقتِه مع النّبيِّين والصّدِّيقين والشّهداء والصالحين، وحسُن أولئك رفيقًا.
وننصح لأئمّة المسلمين بمحبَّتهم، والدّعاء لهم، وتحبيب الخلقِ إليهم، وجمع الكلمةِ عليهم، وأن نعرفَ لهم فضلَهم ومكانتَهم، ونعرفَ لهم جهودَهم، ونعرفَ لهم عِظمَ المسؤولية التي تحمَّلوها والثقل العظيم الذي تحمّلوه، فنسأل اللهَ أن يمدَّهم بعونِه وتوفيقه، وأن يهديَهم لكلّ خير، ويعينَهم على كلّ خير.
لا نكون شامِتين، ولا متتبِّعين للهَفَوات والزلات، ولا باحثين عن النّقائص، وإنما نكون حريصِين على جمعِ الكلِمة وتوحيد الشّمل وبيان فضلِ الولاة، وأنّ بالولاةِ يقيم الله العدلَ في الأرض، وبالولاةِ ينتصِف الله من المظلومِ لظالمه، وبالولاةِ تأمَن السّبُل وتطمئِنّ النفوس ويحصل الخير، والحمد لله على فضلِه وكَرَمه.
ومِن النصيحة لهم أن تدعوَ الله لهم بالخيرِ والصّلاح والتوفيق، وإذا أرَدنا نصيحةً فلتكن نصيحةً هادِفة يقصَد منها الخيرُ والإصلاح، لا الانتقام والشّماتة، فإنّ الولاةَ صلاحُهم واستقامتهم رحمةٌ منَ الله بالأمّة، وإذا وفّق الله الولاةَ للخير سعدَت الأمّة في حياتها، واتّجهت لكلّ خير، وسلِمت من الفتَن والبَلاء، وما حصلت القلاقل وما حصَل الاضطرابُ وسفك الدّماء وانتقاص الأرزاقِ والفتَن إلاّ لمّا فقِدت طاعة ولاةِ الأمر، ولما كانت بعضُ الشعوب ليس لها من يقودها ولا من ينظّم حالَها عاشت في شقاءٍ وبلاء، فالولاةُ نعمة من الله للعباد، فالتّعاون معهم وشدّ أزرِهم والقيام معهم فيما يصلِح الأمّة ويردّ عنها كيدَ الكائدين، هذا من النّصيحة لولاةِ أمر المسلمين.
وينصَح المسلم لعامّةِ المسلمين نصيحةَ التعليم والتوجيهِ والتثقيف والدعوةِ للخير والتحذيرِ من الشرّ. إنّ أخاك المسلمَ له عليك واجبٌ أن تحبَّ له ما تحبّ لنفسك، وتكرهَ له ما تكرَه لنفسك، وإذا رأيتَ منه خطأ فابذُلِ النصيحةَ له فيما بينك وبينه، نصيحةً من قلبٍ مشفِق محبّ، لا من شامتٍ ولا فَرِح بالأخطاء، ولكن من قلبٍ مشفِق محبٍّ للخير حريصٍ على الخيرِ ساعٍ فيه جهدَه.
أخي المسلم، ترَى من أخيك تقصيرًا في الصّلاة فانصَحه بالمحافظة عليها جماعةً، تراه مخِلاًّ ببعضِ الواجبات فانصَحه، تراه مخلاًّ بصلاتِه بالطّمأنينة فيها أو يسابِق الإمامَ فانصَحه فيما بينك وبينه، تراه مقصِّرًا في حقوقِ والدَيه فانصَحه ببرِّهما، تراه مقصِّرًا في رحمِه فانصحه بصلةِ الرّحم، ترى عندَه معاملاتٍ فيها خلَل وخطأ فوجِّهه للخير، وانصَحه للمعاملةِ الطيّبة، وحذّره من كلّ معاملةٍ تخالف شرعَ الله، تراه باسِطًا لسانَه في ذكرِ عيوبِ الناسِ وذِكر معايِبهم ونقائِصهم [فانصَحه] أن يشغلَ نفسَه بعيوبها، وأن يكفَّ عن عيوبِ الآخرين، تراه نمّامًا أو مغتابًا فانصَحه بالبُعد عن هَذينِ الخُلُقين الرذيلَين، المهمّ أن تنصحَ أخاك فيما بينك وبينه نصيحةً تقصِد بها وجهَ الله، وتحبّ إنقاذه مما هو فيه من خَطأ. ترى بينه وبين زوجتِه نفورًا فحاوِل الإصلاحَ والنصيحة لمن تراه مخطِئًا من الزوجَين؛ أن توجّهَ له النصيحة، عساه أن يرتدِع من خطئِه، إذا أحسّ منك بالرّحمة والشّفقة وأنّك نصحتَه لله، فإنّ تلك النصيحةَ الخالصة لله سيكون لها أثرٌ بتوفيقِ الله. نسأل الله لي ولكم التوفيقَ لما يحبّه ويرضاه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة:2].
بارك الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذّكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليلَ لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إِليه، إنّه هو الغفور الرحيم.
[1] صحيح مسلم: كتاب الإيمان (55).
[2] رواه مسلم في كتاب الإمارة (1844) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
[3] رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين (746).
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربّنا ويرضى، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.
عبادَ الله، إنّ النصيحةَ لا تؤثّر إلاّ إذا كان النّاصح صادقًا في نصيحتِه مخلِصًا لله في نُصحِه وكان بعيدًا عن الغِلظة والجفاء، فإنّ الغلظةَ والجفاءَ ربما تنفِّر منك المنصوحَ، فلا يقبَل نصيحتك، فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159].
النّصيحةُ لا تؤثِّر إلاّ إذا كانت بينك وبين المنصوح، تنصحُه سرًّا فيما بينك وبينه، لا تفضَحه أمام الخلق، وتنشر عيبَه أمام الخلق، وتؤنّبه أمامَ الناس، فلن يقبَل منك نصحًا حتى لو كان أحدَ أبنائك، فلا بدّ من نصيحةٍ فيما بينك وبين أخيك حتى لا يستفزّه الشيطان فيصِمّ أذنَيه عن قبول النصيحة، لا، انصَحه فيما بينك وبينه، ليعلمَ أنّك صادق في نصيحتِك ومرادك الخيرُ وليس الشماتة.
إنّ الشماتةَ بالناس والفرَح بعيوبهم والفرحَ بنقصهم خُلُق ذميم، في الأثر: "لا تظهِر الشماتةَ بأخيك فيعافيَه الله ويبتليكَ"[1]، وفيه أيضًا: "من عَيّر أخاه بذنبٍ لم يمت حتى يفعَلَه"[2]، فإيَاك أن تفضحَ أخاك، إنما اتَّخِذِ النصيحة ديانةً تَدين اللهَ بها فيما بينك وبينه، واتَّخِذ كلَّ سبيلٍ وكلّ لفظٍ تراه مؤثّرًا، إياك والغلظةَ والجفاء والحماقةَ، وإنما خُذ أخاك باللّطف واللينِ وحُسن الخلُق، عسى اللهَ أن يوفِّقَه لقَبول الحقّ، خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199].
واعلَموا ـ رحِمكم الله ـ أنّ أحسَنَ الحديث كتاب الله، وخيرَ الهدي هدي محمّد ، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ الله على الجماعة، ومن شذّ شذّ في النار.
وصلّوا ـ رحمكم الله ـ على محمّد كما أمرَكم بذلك ربّكم، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهمّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدِك ورسولك محمّد، وارضَ اللهمّ عن خلفائه الراشدين...
[1] يروى مرفوعا، أخرجه الترمذي في الزهد (2506)، والطبراني في الأوسط (3739)، والقضاعي في مسند الشهاب (917) من طريق مكحول عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب"، وحكم عليه ابن الجوزي والقزويني بالوضع، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (6245).
[2] يروى مرفوعا، أخرجه الترمذي في الزهد (2505) من طريق خالد بن معدان عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، وقال: "هذا حديث غريب، وليس إسناده بمتصل، وخالد بن معدان لم يدرك معاذ بن جبل"، وفي إسناده أيضا محمد بن الحسن بن أبي يزيد الهمداني متهم بالكذب، ولذا أورد ابن الجوزي هذا الحديث في الموضوعات، وحكم عليه الألباني أيضا بالوضع في السلسلة الضعيفة (178). ويروى عن الحسن البصري رحمه الله، أخرجه عبد الله في زوائد الزهد (ص281) بإسناد ضعيف.
| |
|