molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: صلة الرحم - عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض الإثنين 26 ديسمبر - 6:41:33 | |
|
صلة الرحم
عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض
الخطبة الأولى
أمّا بعد: فيا أيّها الناس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.
عبادَ الله، حديثي اليوم معكم ـ أيها الإخوة ـ عن خلُقٍ كريم من أخلاقِ الإسلام، هذا الخلُق الذي ـ وللأسف الشديد ـ قلّ منّا من يعتني به، وقلَّ منا من يهتمّ به، وقلّ منا من يعرِف قدرَه، فأصبح من يقوم بهذا نادرًا بيننا، وذاك لضعفِ الإيمان وسيطرةِ المادية على النفوس، فأصبح الغالبُ منا اهتمامُه بذاتِه وبالمحيط به من أولادِه ونحو ذلك، وأمّا عنايةٌ بالرحم صلةٌ للرحم واهتمامٌ بهذا فهذا أمر ـ وللأسف الشديد ـ قلّ منا من يقوم بحقِّ هذا الواجب ويعرف قدرَه.
صلةُ الرحم خلقٌ كريم، دَعا الإسلام إليه، ورَغَّب فيه، وبيَّن الثواب العظيم لمن اعتنى به، ورَتّب الوعيدَ الشديد على قاطع الرحم.
أيّها المسلم، صلةُ الرحم خلُقٌ من الأخلاق الكريمة، هذا الخلق من اعتنى به وقام به حقَّ القيام جعل الله له بركةً في عُمره وبركةً في ولده وبركةً في رزقِه وعاش بخيرٍ وفارق الدنيا على خير، ولكن النفوسَ بحاجة إلى أن تروَّض هذا العملَ الصالح، فإنّ النفس أمّارةٌ بالسوء إلا ما رحِم ربّي، لذا يتعيَّن علينا الاهتمام بهذا الخلق والعناية به حقَّ العناية؛ لننال رضَا الله عنّا ونبتعدَ عن سخطه وعُقوبته.
أيّها المسلم، إنَّ صلةَ الرحم خلقٌ إيمانيّ يدعو إليه الإيمانُ بالله ورسولِه، اسمع الله يقول: أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ [الرعد:19-21]، فهم يصلون الرحمَ التي أمر الله بصِلتها، ويقول في ضدّ أولئك: وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [الرعد:25]، فجعل الله قطيعةَ الرحِم نقضًا لما أمر الله أن يوصَل، وجعله فسادًا في الأرض، وقال: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:22، 23]، إنّه لَوعيدٌ حيث وُصِف القاطِع بأنه مفسِد في الأرض وأنّه معرَّض للعنة الله وغضَبه، واللعنةُ هي الإبعاد عن رحمةِ الله وفضلِه، وقال: يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا أي: القرآن وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الفَاسِقِينَ الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ [البقرة:26، 27].
وبيّن جلّ وعلا في المواثيق التي أخذها على بني إسرائيل: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى [البقرة:83]، وقال: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ [النساء:36].
أيّها المسلم، هذه آياتٌ واضحة ترغّب من صِلة الرّحم، وآياتٌ فيها الوَعيد الشديد على قاطِع الرحِم. فما هي صلة الرحم؟ صلتك لرحمك تكون بأمور:
فأولاً: الإنفاقُ عليهم إن يكونوا فقراء وأنت قادرٌ على ذلك، فتواسيهِم بشيءٍ من مالِك لتدفعَ حاجاتهم وتقضيَ مهمّاتهم.
وثانيًا: تفريجُ همومهم وقضاءُ حوائجهم.
وثالثًا: زيارتهم والبشاشةُ في وجوهِهم إن لقيتَهم وتعاهدُهم بذلك.
ومِن صلةِ الرحِم أن تتحسَّس مشاكلَهم وتنظرَ حاجاتِهم وتعتنيَ بهم، فذاك صلةٌ ينفعك الله بها في دنياك وآخرتك.
ومن صلتهم أن تصبرَ على أذاهم، وأن لا تقابلَ إساءتهم بالإساءة، وإنما تقابلُ إساءَتهم بالعفوِ والصفح والتّحمّل.
ومن صلتهم أن تجتنبَ المخاصمةَ معهم والنزاعَ معهم، وتبتعدَ عن كلّ ما تظنّه يثير المشاكلَ بينك وبينهم حتى يبقى الودُّ بينكم، وتتوارثون تلكم الأخلاقَ الكريمة الفاضلة.
أيّها المسلم، صلتُك لرحمك عزٌّ لك في الدنيا ورفعةٌ لك في الدنيا، ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصلت:34، 35]، هذا في البعيد فكيف بالقريب؟! إذًا فتحمّلُك لأخطائِه وصَبرك على زلَلِه وبذلُك المعروفَ له يجعلُه الله وليًّا حميمًا لك بطيبِ الأخلاق وحُسن [التصرُّف]. صلةُ رحمِك يجعل الله [بها] بركةً في عمرك، فيكون عمرُك عُمرًا مباركًا، وقد يجمع الله لك بين بركةِ العمر وبين اتِّساع الأجل. صلتُك لرحمِك يُنزل الله [بها] البركةَ في رزقك، وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ [البقرة:272]، وقال جلّ وعلا في كتابه العزيز: وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ:39].
أيّها المسلم، قد يحمل على القطيعةِ أمور، فمنها أولاً: قد يكونَ حسدٌ من بعضٍ لبعض، فيحسدُ بعض الأقارب بعضَهم على ما آتاه الله من نعمةٍ وخير، فيحسده، فيحمِله الحسَد على قطيعتِه وتمنّى زوالِ النعمة عنه والعياذ بالله. وقد يحمِله على القطيعةِ إمّا طاعةٌ للنّساء أو طاعةٌ للسّفهاء، فيحملونه على قطيعةِ رحمِه، ويزيّنون له القطيعة، ويحسِّنونها له حتى يقطعَ رحمَه، فيقع في سخَط الله وغضَبه. وقد يحمِل على القطيعةِ نزاعاتٌ ماليّة واختلاف في الميراثِ ونحو ذلك. فالواجبُ تقوى الله وتعاوُن الرحِم فيما بينهم وتلافي تلك الأخطاء، فقد يكون الميراث أحيانًا سببًا لنزاعِ الرحم، فهذا يجحَد حقَّ هذا ويظلِمه بجُحدان حقِّه، وقد يكون سببُ النزاع اختلافًا في الأوقاف والوصايا ونحو ذلك، مما يسبِّب قطيعةً بين الرّحم، ومن اتَّقى الله جلّ وعلا أعطَى كلَّ ذي حقّ حقَّه، وأبرأ ذمَّته ولم يجعل للنّاس عليه سبيلاً.
فبعضُ الناس قد يتولّى قسمةَ الترِكات مثلاً، فيجور في القِسمة، بمعنى أن يخفيَ بعضَ الأشياء، ويدلّسَ بعضَ الأشياء، ويجعل الجيِّد من نصيبِه والضعيفَ من نصيبِ غيره، وقد يكون وكيلاً على وصَايا أو أوقاف، فلا يعطي الناسَ حقوقَهم ويتلاعَب بذلك.
فاتّقوا الله ـ يا عباد الله ـ في أرحامِكم، واحذَروا أسبابَ القطيعة، وابتعِدوا عنها.
أيّها المسلم، قد يكونُ بينك وبين رحمِك خصومةٌ قد يضطرّ أحدُكم إلى القضاء، فالذي يتعيَّن بين الرحِم أن يفصِلوا نزاعَهم بينهم، وأن يكونَ حلُّ مشاكلِهم فيما بينهم، فإنهم إن ترافَعوا للقضاءِ فحكِم لهذا على هَذا ازدَاد الشرُّ واتَّسعت شقّة الخلاف وأصبَح الرحِم متقاطعين فيما بينهم.
أيها المسلم، قد تكون أنت واصِلاً ومحسِنًا وذا فضلٍ وخلُق، لكن لا يعرفها لك بعضُ رحمك، فلا تؤاخِذْهم بزلاّتهم، ولا تحسِب عليهم أخطاءَهم، بل احتمِل ذلك واجعَله في سبيل الله، والعاقبةُ للتقوى.
أيّها المسلم، رحمُك كلُّ قريبٍ يمتُّ لك بصِلة من جِهة أمّك أو أبيك، فإخوانُك وأخواتك وأعمامُك وبنو عمِّك وعمّاتك وأخوالك وخالاتُك ومَن لك بهم صِلة من جهةِ الأمّ أو الأب كلُّهم رحِمٌ لك، فاتَّق الله في رحمك.
أخي المسلم، قد تقول: أنا لا أستطيعُ صلةَ رحمي كلِّهم، نقول: تصِل ما تقدِر على صِلته، وابدأ بالأقربِ فالأقرَب، وليكن صدرُك رَحبًا لرَحمك ومتَّسعًا لهم وصابرًا عليهم، ومُشعِرهم بما بينَك وبينهم من روابطَ وصِلات.
قد تقول: لا يمكنني زيارةُ الجميع، نقول: يا أخي، ليكن من قلبِك حبٌّ للخير لهم، وابذُل جهدَك على أن يكونَ بينك وبين رحمك صِلة بأيّ طريق، بأيّ وسيلة، وإن طال الوقت، لكن لا يكن في قلبك للرَّحم بغضٌ أو شَحناء أو عداوة، طهّر قلبَك من الحِقد على رحمك، وليعلمِ الله منك حبَّك لهم وحرصَك على صِلتهم إن احتاجوا إلى ذلك.
أيها المسلم، إنَّ أعظمَ حاجة الرَّحم أحيانًا احتياجُهم إلى شيءٍ من المال، فإذا علمتَ حاجتَهم وفقرَهم فبادِر بصِلتهم وإن لم يسأَلوك، وابدأهم بالمعروفِ وإن لم يطلُبوك، لتكونَ بذلك من الواصِلين، تبتغِي بذلك وجهَ الله والدار الآخرة.
أيّها المسلمون، سنّة محمّدٍ ترغِّب في صلةِ الرحم وتحثُّ عليها، فيقول لنا مبيِّنًا حقيقةَ الواصِل لرحمِه: ((ليسَ الواصلُ بالمكافئ، إنما الواصلُ الذي إذا قطعَت رَحمه وصلَها))[1]، فيقول لنا : إنّ الذي يكافئُ مَن يحسِن إليه هذا بذَل معروفًا مقابلَ معروف، فليسَ له فضل، ولكنّ الواصلَ حقًّا من إذا قطعت رحمُه وصلَها، هذا هو الواصل، تقطعُه رحمهُ وتبغِضه وتسبُّه وتكرهه وتحسدُه، ومع هذا فهو يصِلهم مع قطيعتِهم له ومع بغضِهم له وكراهيتِهم له، فهو يصِلهم على رغمِ ما يحصُل منهم؛ لأنه يريد بصلَتهم وجهَ الله، أحسَنوا إليه أم أسَاؤوا، ولهذا قال رجل: يا رسول الله، إنَّ لي رحمًا أصِلهم ويقطعونني، وأحسِن إليهم ويسيئون إليَّ، وأحلم عليهم ويجهَلون عليَّ، قال: ((إن كنت كما قلت فكأنما تسِفُّهم الملّ))، أي: الرماد الحار، بمعنى أنك تؤلِمهم وتدخِل عليهم الألم بإحسانِك مع إساءتهم، ((ولا يزال معك ظهيرٌ من الله عليهم ما دُمت على هذا))[2]، يعني: أنك إذا استمرَرت على أنك تحسِن إليهم مع الإساءة والقطيعة فالله يجعل لك ناصرًا عليهم ومؤيِّدًا.
أيّها المسلمون، ويبيِّن أنّ صلةَ الرحم من أخلاقِ المؤمنين فيقول: ((مَن كان يؤمن بالله واليومِ الآخر فليصِلْ رحمه))[3]، وبيَّن ما في صِلة الرحم من البركةِ فيقول: ((من أحبَّ أن ينسَأ له في أجله ويبسَط له في رزقه فليصِل ذا رحمه))[4].
رأى عمرُ رضي الله عنه حُلَلَ حريرٍ تُباع عند المسجِد فقال: يا رسول الله، لو اشتريتَ حلّةً تلبسها يومَ الجمعة وعند الوفود، قال: ((يا عمر، إنما يلبَس هذه من لا خلاقَ له))، قال: وأهدِي النبيّ حلّةً من حرير فبعثَها إلى عمر، فقال: يا رسول الله، كنتُ قلتُ لك في الحلّة العطارديّة فقلتَ: ((إنه لا يلبسها من لا خلاق له))! قال: ((لم أبعَثها لتلبسَها))، فأهداها عمر لقريبٍ له مشرِك في مكّة[5]. هذا يدلّ على أن الرحمَ توصَل ولو كان غيرَ مسلم لأنّ الصلة مطلوبة.
قالت أسماء: يا رسول الله، إنّ أمي أتتني راغبَةً أفأصِلُها؟ فأنزل الله: لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:8]، فأمرها بِصِلَتها[6].
أيّها المسلم، وللرّحم شأنٌ لمن وصلَها وقام بحقِّها، فهي سببٌ لسعادته ورضَا الله عنه، يقول في الحديث عنه : ((إنَّ الله لما خلَق الخلقَ وفرغ منهم قامت الرحم فقالت: يا ربّ، أنت الرحمن وأنا الرحِم، هذا مقامُ العائذِ بك من القطيعة، قال: ألا ترضَينَ أن أصِل من وصَلكِ وأقطع من قطعك؟! قالت: نعم، قال: فذلك لك))[7]. فالرحِم قامت تسأل الله أن يصلَ من وصَلها ويقطعَ من قطعها، فأعطاها الله ذلك.
أيّها المسلم، إنّ الصلةَ قد تكون صَعبةً على النفوس، وقد تكون ثقيلةً على النفوس، لا سيّما إن رأيتَ من الرحِم جفاءً، فاستعِن بالله، وروّض نفسَك على الخير، وأرغِمها على الخير، يمدّك الله بعون منه وتوفيقٍ وتأييد، فتنال العاقبةَ الحميدة في الدنيا والآخرة.
بارك الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآياتِ والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيم الجليلَ لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنّه هو الغفور الرحيم.
[1] أخرجه البخاري في الأدب (5991) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
[2] أخرجه مسلم في البر (2558) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[3] أخرجه البخاري في الأدب (6138) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[4] أخرجه البخاري في الأدب (5985)، ومسلم في البر (2557) عن أبي هريرة رضي الله عنه نحوه.
[5] أخرجه البخاري في الجمعة (886، 948)، ومسلم في اللباس (2068) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[6] أخرجه البخاري في الجزية (3183)، ومسلم في ال+اة (1003).
[7] أخرجه البخاري في التفسير (4832)، ومسلم في البر (2554) عن أبي هريرة رضي الله عنه نحوه وليس فيه: ((أنت الرحمن وأنا الرحم)).
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربّنا ويرضى، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها المسلمون، اتَّقوا الله تعالى حقَّ التقوى.
عبادَ الله، من أعظمِ صلةِ الرحم نصيحتُهم في الله وإرشادُهم إن رأيتَ منهم مخالفةً للحقّ، فمِن أعظم صِلتهم أن تنصحَهم وتحذِّرهم بأسَ الله وعقوبتَه، فإذا بلَغك عن رحمٍ سوءٌ من تهاونٍ بالصلاة ومِن قطيعة ومن عقوقٍ أو معاملة سيّئة وأخلاق رذيلة فبادِر بنصيحته، وبادر بتوجيهِه، وبادر بموعِظته، فتلك الصّلة العظمى. هدى الله الجميع لكل خير.
أيها المسلم، إنّ صلةَ الرحِم أمرٌ عُرف من أخلاقِ النبيّ ، فأبو سفيان حينما يعدّ أخلاقَ النبيّ وما يأمر به قال: (ويأمرُنا بالصلاة والعفاف وصِلة الرحم)[1].
أيّها المسلم، إنّ صلةَ الرحم تقضي بأن تخصَّهم بمعروفك إن كان معروفك قليلاً، وبزكاتِك إن تكن زكاتُك لا تكفي لغيرِهم، وفي الحديث عنه أنّه قال: ((صدقتُك على المسكين صدقةٌ، وعلى ذِي الرّحم اثنتان: صدقةٌ وصلة))[2]، فزكاتُك خُصَّ بها الفقراءَ من رحمك وأغنِهم بما تغنيهم، وإن فضَلَ فلغيرهم، فإنك إن تتبّعتَ رحمَك وعرفتَ الفقيرَ والمحتاجَ فخصصتَه ب+اتك فأنت بهذا جمعتَ بين أداءِ الواجب وصلةِ الرحم.
ميمونة أمّ المؤمنين زوجُ النبي أعتقَت وليدةً لها جارية لها، فلمّا أتاها النبيّ وكان عتقُها في غيبة النبيّ قالت: أما علمتَ أني أعتقتُ وليدتي فلانة؟ قال: ((أما إنّك لو أعطيتيها أخوالَك كان أفضلَ لك))[3]. فانظر العتق العظيمُ الذي يقول فيه النبيّ : ((من أعتقَ مملوكًا له أعتَق الله بكلّ [عضوٍ منه عضوًا] من النار حتى فرجه بفرجه))[4]، صار الهديّة للأخوالِ أفضلَ من العتق، ممّا يدلّ على أنّ صلةَ الرحم أمرٌ مرغَّب فيه شرعًا. فلنتدارك فيما بيننا ذلك الخلقَ الكريم، ولنُشِعه بيننا، ولنحمِل نفوسَنا عليه، ولنسأل الله العونَ والتأييد والتوفيق لذلك.
واعلموا ـ رحمكم الله ـ أنّ أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهديِ هَدي محمّد ، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ بدعة ضلالة، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ الله على الجماعة، ومن شذّ شذّ في النار.
وصلّوا ـ رحمكم الله ـ على محمّد كما أمركم بذلك ربّكم، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهمّ صلِّ وسلّم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الأئمة المهديين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحابِ نبيّك أجمعين، وعن التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنّا معهم بعفوك وكرمك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين...
[1] أخرجه البخاري في بدء الوحي (7)، ومسلم في الجهاد (1773) عن ابن عباس رضي الله عنهما في قصة أبي سفيان رضي الله عنه مع هرقل الروم.
[2] أخرجه أحمد (4/214)، والترمذي في كتاب الزكاة (658) والنسائي في الزكاة (2582)، وابن ماجه في ال+اة (1844) من حديث سلمان بن عامر رضي الله عنه، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"، وصححه ابن خزيمة (2385)، وابن حبان (3514)، والحاكم (1/431-432)، ووافقه الذهبي، وهو في صحيح الترغيب (892).
[3] أخرجه البخاري في الهبة (2592)، ومسلم في ال+اة (999) عن ميمونة رضي الله عنها.
[4] أخرجه البخاري في كفارات الأيمان (6715)، ومسلم في العتق (1509) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
| |
|