molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: التحذير من تضييع الأولاد - عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض الخميس 22 ديسمبر - 6:08:47 | |
|
التحذير من تضييع الأولاد
عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض
الخطبة الأولى
أمّا بعد: فيا أيّها النّاس، اتّقوا الله تعالى حقَّ التّقوى.
عبادَ الله، إنّ الله جلّ وعلا عاب على أهل الجاهليّة أعمالاً عمِلوها هي سوء وفسادٌ وظلم وقَسوة في القلب، عابَ عليهم هذه الأخلاقَ محذِّرًا للأمّة مِن شرّها وضررها، فمِن تلكم الأخلاق السيّئة ما كانوا عليه في جاهليّتهم من وأد البنات أي: قلتهنّ، خوفَ العار مرّة وخوفَ الفقر أخرى، وَإِذَا ٱلْمَوْءودَةُ سُئِلَتْ بِأَىّ ذَنبٍ قُتِلَتْ [التكوير:8، 9]، وَإِذَا بُشّرَ أَحَدُهُمْ بِٱلأنْثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَىٰ مِنَ ٱلْقَوْمِ مِن سُوء مَا بُشّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِى ٱلتُّرَابِ أَلاَ سَآء مَا يَحْكُمُونَ [النحل:58، 59]. وكانوا يقتلون الأولاد عمومًا خوفًا من ضيق المعيشة، قال تعالى: وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلَـٰدَكُمْ مّنْ إمْلَـٰقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ [الأنعام:51]، وقال: وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَـٰقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا [الإسراء:31]، وقال جلّ وعلا: قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلَـٰدَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ ٱفْتِرَاء عَلَى ٱللَّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ [الأنعام:140]، وفي الحديث لمّا عدّ كبائرَ الذنوب قال: ((وأن تقتلَ ولدَك خشيةَ أن يطعمَ معك))[1].
جاء الإسلامُ فعدم هذا الخلقَ الرّذيل، وأقام على أنقاضِه خلقًا كريمًا هو رحمة وعطفٌ وإحسان. فبيّن تعالى أنّ الولدَ هِبة من الله للعبد: لِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَن يَشَاء إِنَـٰثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء ٱلذُّكُورَ أَوْ يُزَوّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَـٰثاً [الشورى:49، 50]. وبيّن تعالى أنّ الأولادَ زينةٌ في هذه الحياة الدّنيا: ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا [الكهف:46]، زُيّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوٰتِ مِنَ ٱلنّسَاء وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَـٰطِيرِ ٱلْمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ وَٱلأنْعَـٰمِ وَٱلْحَرْثِ ذٰلِكَ مَتَـٰعُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا [آل عمران:14]. وامتنَّ الله على عباده بهذه النعمة، وبيّن تعالى في معرض ذمّه لمن خالف شرعَه ممتنًّا عليه بنِعمه قال: وَبَنِينَ شُهُودًا [المدثر:13]، فذكّره بنعمته أنّ أبناءه يشاهدُهم ويراهم.
أيّها المسلم، فالولد نعمةٌ من الله على العبد، يشكر الله عليها ويثنِي بها عليه خيرًا.
أيّها المسلم، وجاء الإسلامُ يدعو إلى العنايةِ بالأولاد تربيةً وأدَبًا، فهديُ محمّد رحمةُ الصّغار والإحسان إليهم ومداعبتُهم وإدخال السّرور والأنسِ عليهم. قبّل النبيّ بعضَ أولادِه وعنده رجل من الأعراب، قال: تقبّلون الصغار؟! إنَّ عندي عشرةَ ولدٍ ما قبّلتُ واحدًا منهم، قال: ((ما آلو أن نزعَ الله الرحمةَ مِن قلبك؟!))[2]. وكان يداعِب الصغارَ، مرّ بطفلٍ فقدَ طائرًا معه فقال: ((يا أبا عمير، ما فعل النغير؟))[3]. وكان يصلّي وهو حاملٌ أمامةَ بنت ابنتِه، إذا قام رفَعها، وإذا سجَد وضعَها[4]. ودخل الحسن أو الحسَين عليه وهو يخطب النّاس، فنزل من المنبر وحمله وقال: ((صدَق الله: ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا))[5]. وأمَر بتربيتِهم وتأديبِهم: ((مُروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناءُ عشر، وفرّقوا بينهم في المضاجع))[6]، وقال: ((ما نَحلَ والدٌ ولدَه خيرًا مِن أدبٍ حسن))[7]، والله يقول: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ [التحريم:6]. والولدُ الصّالح نعمة للأبِ بعد موته، فهو امتدادٌ لحياته، وأعمالٌ صالحة تجري على الأبِ في قبره، في الحديث الصّحيح: ((إذا مات ابنُ آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقةٍ جارية، أو عِلم يُنتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو له))[8]. ومِن دعاءِ الصّلحاء من المسلمين: رَبّ أَوْزِعْنِى أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِى أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَعَلَىٰ وٰلِدَىَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَـٰلِحًا تَرْضَـٰهُ وَأَصْلِحْ لِى فِى ذُرّيَّتِى إِنّى تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنّى مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ [الأحقاف:15].
أيّها المسلم، والنّفقة على الأولادِ عمل صالحٌ وقربة تتقرّب بها إلى الله، عدَّ النبيّ أوجهَ النّفقة في الخير فقال: ((الدنانيرُ أربعة: دينار تصدّقتَ به، ودينار أعتقتَ به رقبة، ودينار أنفقتَه على يتيم، ودينارٌ [أنفقته] على ولدِك، أعظمُها أجرًا دينارٌ أنفقتَه على ولدك))[9]، وقال لسعد بن أبي وقّاص: ((إنّك لن تنفقَ نفقةً تبتغي بها وجهَ الله إلا أُجرتَ عليها، حتّى ما تضع في في امرأتِك))[10]، وقال له أيضًا: ((إنّك أن تذرَ ورَثتك أغنياء خيرٌ من أن تذرَهم عالةً يتكفّفون النّاس))[11].
أيّها المسلم، إذا تأمّل المسلمُ كلَّ ما ذُكر حقَّ التأمُّل يأسَف أحيانًا لتفريط بعضِ النّاس في أولادِهم ذكورًا وإناثًا، تفريطٌ في الرّعاية، تفريط في النّفقة، تفريط في العنايَة، لماذا هذا التصرّف الخاطئ؟ لأنّ الأبَ بعيدٌ كلَّ البعدِ عن أولادِه من بنينَ وبنات. متى يكون هذا البُعد؟ يكون ـ أيّها الإخوة ـ في تصرّف بعضِ النّاس شهوةٍ جامحةٍ تدعوه إلى أن يذهبَ هنا وهناك إلى أماكنَ بعيدة عن بلده ليضعَ شهوتَه في امرأةٍ ثمّ يعود ولا يدري ما النتائج؛ ولا هل حصل له ولدٌ أم لا؟ وقد يعلَم بوجودِ أولاد أو بناتٍ له، لكن لضعف الإيمان وقلّة الخوف من الله وعدم المبالاة أضاع تلك الذرّيّة وأهمَلهم وجنَى عليهم جنايةً هو يتحمّل وزرَهم يومَ لقاء الله.
أيّها المسلم، تدبّر وتعقّل في أمرك، تدبّر واقعَك، ليس الهدفُ أن ترضيَ غريزتَك الجنسيّة على أيّ سبيل كان.
تأمَّل ـ أخي ـ وتدبّر واحترِم أيّ نظامٍ وُضع لك مقصودٌ به خيرٌ لك في الحاضر والمستقبل، وضبطٌ للأحوالِ كلّها، أمّا مجاوزة ذلك وعدَم المبالاة والآمالُ والأماني الكاذِبة فتلك ـ والله ـ أمور تخالِف شرعَ الله. كم من إنسانٍ وضع شهوتَه في أيّ مكان كان ثمّ أضاع تلك الذرّيّة وتناساهم وأهملهم وضيّعهم، إمّا لعجزه، وإمّا لعدَم مبالاته وعدمِ اهتمامه وقيامه بالواجب.
أيّها المسلم، إنّ هذا أمرٌ يخالف شرعَ الله، بل هو معصيةٌ لله ورسوله. كم طفلٍ رضيع أضعتَه في حجر أمّه، وكم فتاةٍ أضعتَها وتجاهلتها، تتخطّفها أيدِي العابثين وأنتَ المسؤول عنها يومَ القيامة. لا تُلقِ بالمسؤوليّة على غيرك، ولا تجعَل الأمرَ معلّقًا بيدِ غيرك. انظر نفسَك، فأنتَ السّبب في كلّ ما يجري، أنتَ السّبب في كلّ ما حصل، أنتَ السّبب فيما وقع، فتدارك الأمرَ وتُب إلى الله.
أيّها المسلم، إنّ المؤمنَ حقًا من يتصوّر الأشياء، ويحاول جاهدًا وضعَ الأمور موضعها، وأمّا التجاوزات والتعدّيات والضربُ بكلِّ نظام وأمرٍ فيه مصلحةٌ عرضَ الحائِط بلا مبالاة، وإنّما تقوده شهوتُه إلى أمر يندَم عليه بعدَ حين، فتلك أمور لا تليق بالمسلم.
هذا النشءُ من بنين وبناتٍ تركتَهم لمن؟ تركتَهم في بلادٍ لا قريبَ لهم، لا أخَ ولا عمَّ ولا غير ذلك. من يتولّى تربيتَهم؟ من يعتني بأحوالِهم؟ من ينفق عليهم؟ من المسؤول عنهم ذكورًا وإناثًا؟ أتدعُهم يشحتون النّاس ويستعطون النّاس؟! أتدعُهم لشياطين الجنّ والإنس يتخطّفونهم ويفسِدون قيَمَهم وأخلاقهم؟! أتتركهم لتتلقّاهم الأيدي العابِثة بالقيَم والفضائل؟! وأنتَ المسؤول أوّلاً وقبلَ كلّ شيء، ولا عذرَ لك، ولا تُلقِ بالمسؤولية على غيرك، وأنتَ السّبب الأوّل والآخر في ذلك.
فاتّقوا الله عبادَ الله، واعتنوا بأبنائكم وبناتِكم، وتدبّروا في أمورِكم كلّها، والله جل وعلا أباح التعدّد بلا شكّ ولا ريب، ولكن في حقّ من؟ في حقّ مَن يقيم للأمور وزنَها، ومَن يقدّر الأمورَ قدرها، أمّا أولئك الذين لا يبالون ولا يهتمّون ولا يراعون فهؤلاء ظالمون لأنفسهم، مفسِدون وساعون في الفساد، هؤلاء لا يبالون ولا يهتمّون، إن هي إلا الشهوات فقط، وما وراء ذلك لا يتصوّرونه، وقد يتصوّرونه لكن يتجاهلون الأمرَ، ويتناسَون الأمر، ويُلقون باللّوم واللائمة على غيرهم، فيقولون: مُنِعنا وما مُكِّنّا وما أُذِن لنا، إلى غير ذلك. هذه أعذارٌ واهية، هذه أعذار غير مقبولة، ولا عذرَ لك أمام الله في تضييع أولادِك وبناتك.
فاهتمَّ بالأمر، وأقِم لهذا الأمرِ شأنَه، وإيّاك والمماطلة، وإيّاك والإهمالَ والإضاعة، فإنّك بهذا تكون عاصيًا وآثمًا، وأيّ وزر فإنّك تتحمّله؛ لأنّك السّبب في كلّ ما جرى.
أسأل الله للجميع التوفيقَ والهداية والعونَ على كلّ خير، إنه على كل شيء قدير.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَٱلْوٰلِدٰتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَـٰدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَارَّ وٰلِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى ٱلْوَارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلَـٰدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا ءاتَيْتُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [البقرة:233].
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم، ونفعني وإياكم لما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنّه هو الغفور الرحيم.
[1] أخرجه البخاري في التفسير (4761)، ومسلم في الإيمان (86) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
[2] أخرجه البخاري في الأدب (5998)، ومسلم في الفضائل (2317) عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء أعرابي إلى النبي فقال: تقبلون الصبيان؟! فما نقبلهم، فقال النبي : ((أوَأملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة؟!)).
[3] أخرجه البخاري في الأدب (6129، 6203)، ومسلم في الآداب (2150) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
[4] أخرجه البخاري في الصلاة (516)، ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة (543) عن أبي قتادة رضي الله عنه.
[5] أخرج أحمد (5/354)، وأبو داود في الصلاة (1109)، والترمذي في المناقب (3774) والنسائي في الجمعة (1413)، وابن ماجه في اللباس (3600) عن بريدة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله ، فأقبل الحسن والحسين رضي الله عنهما عليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان، فنزل فأخذهما فصعد بهما المنبر ثم قال: ((صدق الله: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ. رأيت هذين فلم أصبر))، ثم أخذ في الخطبة. قال الترمذي: "حسن غريب"، وصححه ابن خزيمة (1456، 1801)، وابن حبان (6038)، والحاكم (1059)، وهو في صحيح سنن أبي داود (981).
[6] أخرجه أحمد (2/187)، وأبو داود في الصلاة (495)، والدارقطني (1/230)، والحاكم (1/311)، والبيهقي (2/228، 229) من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه، وصححه الألباني في الإرواء (247).
[7] أخرجه أحمد (4/78)، والبخاري في التاريخ الكبير (1/422)، والترمذي في البر والصلة (1952)، وعبد بن حميد في المنتخب من المسند (362)، والعقيلي في الضعفاء (3/308)، وابن حبان في المجروحين (2/188)، وابن عدي في الكامل (5/86)، والقضاعي في مسند الشهاب (1295، 1296، 1297)، والبيهقي في الكبرى (2/18) من طريق عامر بن أبي عامر الخزاز عن أيوب بن موسى عن أبيه عن جده، وأعله البخاري والترمذي والبيهقي بالإرسال، وصححه الحاكم (7679)، وتعقبه الذهبي بقوله: "بل هو مرسل ضعيف، ففي إسناده عامر بن صالح الخزاز واه"، وذكر له الألباني في السلسلة الضعيفة (1121) علّة ثالثة.
[8] أخرجه مسلم في الوصية (1631) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[9] أخرجه مسلم في ال+اة (995) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه.
[10] أخرجه البخاري في الجنائز (1296)، ومسلم في الوصية (1628) عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
[11] هو جزء من الحديث السابق.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربّنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أمّا بعد: فيا أيّها الناس، اتّقوا الله تعالى حقَّ التقوى.
أخي المسلم، أولادُك بنين وبنات أمانةٌ في عنقِك، والله سائلٌ كلاًّ عمّا استرعاه، فيقول : ((كلّكم راعٍ، وكلّكم مسؤول عن رعيّته، الرّجل راعٍ في بيته ومسؤول عن رعيّته))[1]، راعٍ على أولادِه، والله سائله عن رعيّته، سيكون أبناؤك وبناتك خصماءَ لك أمامَ الله يوم القيامة، سيخاصِمك الأبناء والبناتُ بين يدي الله في ذلك اليومِ العظيم، عن تقصيرك، عن إساءَتك، عن إهمالك، عن تضييعِك، عن عدمِ مبالاتك، عن نسيانِك، عن هذه التصرّفات الباطلة اللاأخلاقيّة، ولكنّها تصرّفات الحمقى، تصرّفات من لا مسؤولية [له]، تصرّفات مَن لا يبالي ولا يرعوي.
أيّها المسلم، كيف ترضى وتعلم أنّ فتاةً لك في بلادٍ لا تَرى أبًا ولا عمًّا وابن عمٍّ ولا قريبًا، تنادي: أين أبوها؟ أين ذلك الأبُ الذي تسبّب في وجودها؟ أين هو؟ أين الرّعاية؟ أين النّفقة؟ أين الحِفظ؟ أين العِناية؟ فكم من فتاةٍ تمسَح دموعَ الحزن دائمًا وأبدًا، وكم شابّ يعلم أنّ له أبًا، لكن هذا الأبُ غاب وأهمَل ونسِي وتجاهل.
فاتّقوا الله في أنفسكم، واعلموا أنّ هذه التصرّفات الواقعة من بعض أفرادِ المسلمين تصرّفات خاطئة، لا ينبغي أن يُعانَ عليها ولا أن يسهَّل أمرُه فيها، بل ينبغي للمسلمين أن يتواصَوا بالحق، ويتعاونوا على الهدى. ومَن يعلمُ أنّ له أقرباء في بلادٍ لا ناصرَ ولا مؤويَ لهم فالواجب عليه أن يهبَّ ليسترجعَهم، فإنّ هذه مسؤوليّة الأب، فإن أهملَ الأب وضيّع وصار من الخائنين لأمانتِهم فمسؤوليّة الإخوان والأعمام والأقارب أن ينقِذوا هذا النسلَ من الضّياع والفساد والانحراف، لأنّ هذا من الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، ومِن التعاون على البرّ والتّقوى، ومن صلةِ الرحم الواجبة، أمّا أن يقال: الأب ضيّع والأبُ أهمل فلا نبالي، فهذا خطأ بلا شكّ، بل الواجب الإنقاذ والسعيُ في إيجاد حلٍّ لهؤلاء الذين ضيّعهم أولئك الآباء المهمِلون الخائِنون لأماناتِهم.
أسأل الله للجميع التوفيقَ والعون على كلّ خير.
واعلموا ـ رحمكم الله ـ أنّ أحسن الحديث كتاب الله، وخيرَ الهدي هدي محمد ، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإنّ يد الله على الجماعة، ومن شذّ شذّ في النار.
وصلّوا ـ رحمكم الله ـ على محمّد امتثالا لأمر ربّكم، قال تعالى: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين...
[1] أخرجه البخاري في الجمعة (893)، ومسلم في الإمارة (1829) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
| |
|