molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: المال الطيب والمال الخبيث - عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض الخميس 22 ديسمبر - 5:17:54 | |
|
المال الطيب والمال الخبيث
عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ / الرياض
الخطبة الأولى
أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله، حبُّ المال غريزة في النفوس، جُبل البشر على ذلك، وَتُحِبُّونَ ٱلْمَالَ حُبّاً جَمّاً [الفجر:20]، وقال جل وعلا: وَإِنَّهُ لِحُبّ ٱلْخَيْرِ لَشَدِيدٌ [العاديات:8]، وأخبرنا تعالى أن هذا المال مع البنين زينة في هذه الدنيا: ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا، ولكن خير من هذا: وَٱلْبَـٰقِيَاتُ ٱلصَّـٰلِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً [الكهف:46]، وأخبر الله تعالى أن حبَّ الدنيا مما زيِّن للناس: زُيّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوٰتِ مِنَ ٱلنّسَاء وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَـٰطِيرِ ٱلْمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ وَٱلأنْعَـٰمِ وَٱلْحَرْثِ ذٰلِكَ مَتَـٰعُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ ٱلْمَآبِ [آل عمران:14]. ثم إنه جل وعلا حذَّر العبدَ من الاغترار بهذه الدنيا والركون إليها والانخداع بها فقال جل وعلا ذامًّا لمن خدعه ماله وأطغاه ماله: كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَـٰنَ لَيَطْغَىٰ أَن رَّءاهُ ٱسْتَغْنَىٰ [العلق:6، 7]، وذمَّ قوماً ظنّوا إنَّ حصولَ المال بأيديهم عنوانُ رضا الله عنهم، فقال منكرًا عليهم هذا التصوُّرَ الخاطئ: أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِى ٱلْخَيْرٰتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ [المؤمنون:55، 56]، وأخبر تعالى أنه حكيم عليم في توسعة الرزق على من يشاء وتقتيره على من يشاء، وليس ذلك عنوانَ بغضٍ لهذا أو حبٍّ لهذا، إنما الميزان عند الله تقواه تعالى في كل الأحوال، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَـٰكُمْ [الحجرات:12]، قال تعالى: فَأَمَّا ٱلإِنسَـٰنُ إِذَا مَا ٱبْتَلـٰهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبّى أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ٱبْتَلَـٰهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبّى أَهَانَنِ كَلاَّ [الفجر:15-17]، أي: ليس كلّ من وسّعنا عليه دليلاً على الرضا، ولا كلّ من ضيقنا عليه دليلا على كراهتنا له، إنما هذه أمور تجري بكمال حكمة الرب ورحمته وعدله، وربك حكيم عليم، إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ ٱلرّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ [الإسراء:30].
ولكن المؤمن حقاً أمام هذا المال متّقٍ اللهَ فيه، ملازمٌ تقوى الله في ماله، عالمٌ أن هذا المال عارية وسوف يرحل ويتركه لمن بعده، فلذا يستغلّ فرصةَ حياته في سبيل الإنفاق في وجوه الخير، وَأَقْرِضُواُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدّمُواْ لأَنفُسِكُمْ مّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ [المزمل:20]، مَّن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ [البقرة:245].
أيها المسلم، ثم إنَّ المؤمن أيضاً أمام هذا المال يعلم أن الله جل وعلا جعل هذا المال قواماً لحياة الإنسان، ولهذا نهاه عن إضاعته والتلاعب به، قال تعالى: وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَاء أَمْوٰلَكُمُ ٱلَّتِى جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قِيَـٰماً وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا وَٱكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً [النساء:50]، وأثنى على المؤمنين في اعتدالهم في نفقاتهم فقال في وصف عباد الرحمن: وَٱلَّذِينَ إِذَا أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً [الفرقان:67]، وأرشد المسلمَ على أن يتأمَّل في أموره وفي عطائه ومنعه فقال جل وعلا: وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ ٱلْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُوراً [الإسراء:29]، ونهى عن الإسراف في الأمور فقال: وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ [الأعراف:31]، وأخبر نبينا أن الله نهى عن إضاعة المال، ففي حديث المغيرة رضي الله عنه: وكان النبي ينهى عن قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال[1]. وأرشدنا جل وعلا إلى طلب الرزق والاكتساب فقال: هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ ذَلُولاً فَٱمْشُواْ فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رّزْقِهِ وَإِلَيْهِ ٱلنُّشُورُ [الملك:15]، فَٱبْتَغُواْ عِندَ ٱللَّهِ ٱلرّزْقَ وَٱعْبُدُوهُ وَٱشْكُرُواْ لَهُ [العنكبوت:17]، وقال جل وعلا مثنياً على طالب الاكتساب: وَءاخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِى ٱلأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَءاخَرُونَ يُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ [المزمل:20]، فجعل الضاربين في الأرض لابتغاء التجارة، جعلهم على سبيل خير، وقرن بينهم وبين المجاهدين في سبيل الله، فذا مجاهد لإعلاء دين الله، وذا مجاهد لصيانة وجهه ومَن ينفق عليه، وكلٌّ على خير مع النية الصادقة الصالحة.
أيها المسلم، فطلب المال وطلب الرزق أمرٌ مشروع، وأطيب الكسب البيع المبرور، قال النبي لما سئل: أي ال+ب أفضل؟ قال: ((عمل الرجل بيده، وكلّ بيع مبرور))[2].
أيها المسلم، إن المسلمَ أمام هذا المال عندما يريد أن يعمل، وعندما يريد طلبَ الرزق والاكتساب، فهو يزن أمورَه كلَّها بميزان الشرع، يعلم أن الله جل وعلا سيسأله عن ماله: من أين أتى هذا المال؟ ما هي الطرق التي حصلت بها على المال؟ ثم ما هي الطرق التي أنفقتَ فيها هذا المال؟ هل أُخذ المال بحقه؟ هل أُنفق في حقه؟ سؤالان لا بد أن يُسأل العبد عنهما يوم القيامة كما في الحديث عنه قال: ((لا تزال قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل فيه؟))[3].
أيها المسلم، مالُك الحقيقي ما قدمتَه لنفسك، ومال وارثك ما تركتَه لهم، يقول يوماً لأصحابه: ((أيكم مالُه أحبُّ إليه من مال وارثه؟)) قالوا: كلنا كذلك، قال: ((لا، مالك ما أنفقتَ، ومالُ وارثك ما خلَّفت))[4]. فمالُك الذي أنفقته، وما تركتَ فإنه لغيرك، فقدِّم لنفسك ما دمتَ في هذه الدنيا، ولذا يقول في فضل الإنفاق: ((أن تصدَّق وأنت صحيح شحيح، تأمل الغنى وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الروح الحلقوم قلت: لفلان كذا ولفلان كذا))[5].
أيها المسلم، إن اكتسابَ المال بالطرق المحرمة أمرٌ ممنوع منه المسلم، إذ المسلم لا يعين على الإثم والعدوان، وإنما يعين على البر والتقوى.
أيها المسلم، إن أيَّ مالٍ دخل عليك من غير الطريق المشروع فاعلم أنه م+بٌ خبيث، وأنه مالٌ خبيث، إن تصدقتَ منه ما قُبلت صدقتك، وإن أنفقت [منه] في أيِّ مشروع خيري ما قُبل منك، وإن تركته كان زادَك إلى النار.
إن المالَ الحرام يسبّب قسوةَ قلبك، وعدمَ انقياده للشرع، ولذا قال الله: يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيّبَـٰتِ وَٱعْمَلُواْ صَـٰلِحاً [المؤمنون:51]، قال بعض العلماء: قدَّم الله الأكلَ على العمل لأن أكلَ الطيِّب يعين على كلِّ خير، وأكل الخبيث يثبِّط عن كل خير، ويفتح أبوابَ الشر والبلاء، فالمكاسب الطيبة الخالية من الحرام سببٌ لقوة الإيمان وصلاح القلب وإجابة الدعاء، وبركةٌ عليك في دنياك وآخرتك. مالٌ طيب إن تصدقت منه قُبلت صدقتك، وإن أنفقتَ منه أُجِرت على النفقة، وإن تركتَه وانتفع به من بعدك فلك ولهم الأجر، وأما الخبيث فقد تحمل أوزاره وآثامه، وتتركه لمن يُصلحه، وتلقى الله يوم القيامة وقد خفّ ميزانك بأعمالك السيئة، وثقلت موازين من أخذوا بعدك المال، فاتقَوا الله فيه وأحسنوا تصريفه وإنفاقَه.
فيا أيها المسلم، إن الم+بَ الحرام لا خير فيه، ضررٌ عليكم في دينك ودنياك، قُل لاَّ يَسْتَوِى ٱلْخَبِيثُ وَٱلطَّيّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ ٱلْخَبِيثِ [المائدة:100]، لا يغرَّنّك من المال كثرتُه إذا لم يكن مصدره مشروعاً، إذا لم يكن طريق وصوله إليك طريقا أذن الله فيها ورسوله ، فإن يكن كذلك فنعم المال الصالح للعبد الصالح، وإن كان طرق وصوله إليك طرقاً مشبوهة، طرقاً محرمة، طرقاً تعلم أنها خبيثة، فإن هذا المال خبيث، مال لا تملكه، وليس لك سوى الآثام والأوزار، لا يقبل الله صدقةً من غلول، لا يقبل الله صدقتَك ولا إحسانك، ولا يستجاب لك دعاء، ولا ينفعك بل يضرك، نبيك يقول: ((إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيّبَـٰتِ وَٱعْمَلُواْ صَـٰلِحاً [المؤمنون:51]، وقال: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيّبَاتِ مَا رَزَقْنَـٰكُمْ [البقرة:171]))، ثم ذكر النبي الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمدُّ يديه إلى السماء: يا رب يا رب يا رب، وقال: ((ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وعذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟!))[6]، أسباب إجابة الدعاء توفَّرت، مسافرٌ والسفر محلّ للدعاء، رافعاً يديه خاضعاً ذالاًّ لله، لكن جاءت مكاسبُ الحرام فحالت بين الدعاء وبين القبول، حال أكلُ الحرام [دون] إجابة الدعاء.
فاتق الله ـ أيها المسلم ـ في مكاسبك، وارفق بنفسك، واعلم أنَّ الإثم عليك، وأنت الذي ستتحمَّل آثامها وعذابها يوم القدوم على الله، يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لأنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة:23]، لما بخلوا بال+اة عوقبوا بأن عذِّبوا بهذا المال، فصار هذا المال حطبًا عليهم يوم القيامة، في نار جهنم والعياذ بالله.
أيها المسلم، فكّر في مكاسبك، وأعد النظرَ دائماً في ثروتك، وقلّب الأمورَ من كلّ جانب، احذر المكاسبَ الخبيثة المتمثّلة في أكل المال بالباطل، من بيوعٍ حرَّمها الله عليك، من بيع المسكرات والمخدرات والدخان وأمثالها، من بيع ما يلهي ويصدُّ عن ذكر الله، من بيع كلِّ أمر حرّمه الله عليك، احذر المعاملات الربوية، احذر الغش والخداع، احذر التحايل على الأموال بغير الطريق الشرعي، ليس المهم وصول المال إليك، وليس المهم ما حلّ في يدك، فقد يحلّ في يدك ما هو عقوبة عليك يوم القيامة، مرَّ النبي برجل قتل في سبيل الله فقال لما أثنى الصحابة عليه، قال: ((أفٍّ له، لقد رأيته تشتعل عليه النار في قبره في بردة غلّها من الغنيمة))[7].
تلك ـ يا عباد الله ـ عقوبة آكل المال بالباطل، فاتقوا الله في أنفسكم، وخلِّصوا مكاسبكم من الخبيث، خلِّصوا ثروتَكم من كل ما حرَّم الله عليكم، حتى تكون المكاسب طيبةً، والأكل هنيئاً، والأجر عند الله لمن اتقى الله، واستقام وأصلح.
أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد، والعون على كل خير، إنه على كل شيء قدير.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
[1] أخرجه البخاري في الاعتصام (7292)، ومسلم في الأقضية (593).
[2] مدار هذا الحديث على وائل بن داود واختلف عليه فيه، فأخرجه أحمد (3/466)، وابن قانع في معجم الصحابة (3/204)، والطبراني في الكبير (22/197)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصفهان (2/134)، والحاكم (2158)، والبيهقي في الكبرى (5/236) وفي الشعب (1226) عن شريك عنه عن جميع بن عمير عن خاله أبي بردة، قال البيهقي: "هكذا رواه شريك بن عبد الله القاضي وغلط فيه في موضعين، أحدهما: في قوله: جميع بن عمير وإنما هو سعيد بن عمير، والآخر: في وصله وإنما رواه غيره عن وائل مرسلا". وأخرجه أحمد (4/141)، والبزار (3731)، والطبراني في الكبير (4/276) والأوسط (7918)، والحاكم (2160)، والبيهقي في الشعب (1229) عن المسعودي عنه عن عباية عن رافع بن خديج، ونقل البيهقي عن الإمام أحمد قوله: "رواه المسعودي عن وائل فغلط في إسناده". وأخرجه البزار (3798) عن شريك عنه عن جميع بن عمير عن عمه البراء، والمحفوظ عن شريك ما تقدم. وأخرجه البيهقي في الشعب (1226) وفي الكبرى (5/263) عن الثوري عنه عن سعيد بن عمير عن عمه البراء، وصححه الحاكم (2159)، لكن المحفوظ عن الثوري الإرسال كما سيأتي. وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (4/554) عن أبي معاوية، والبيهقي في الشعب (1225) عن الثوري كلاهما عن سعيد بن عمير مرسلا، قال البيهقي في الكبرى (5/263): "هذا هو المحفوظ مرسلا"، ونقل في الشعب عن البخاري قوله: "أسنده بعضهم وهو خطأ"، وقال أبو حاتم كما في العلل لابنه (2/443): "المرسل أشيه". وللحديث شاهد عن ابن عمر، أخرجه الطبراني في الأوسط (2140)، والإسماعيلي في معجمه (2/643)، وأبو الحسين بن جميع في معجمه (ص377)، والقزويني في التدوين (1/449)، والذهبي في السير (18/376)، قال أبو حاتم كما في العلل لابنه (1/391): "هذا حديث باطل، وقدامة ليس بقوي"، وقال المنذري في الترغيب (2/334): "رواه الطبراني في الكبير والأوسط، ورجاله ثقات"، وقال الحافظ في التلخيص (3/3): "رجاله لا بأس بهم". وفي الباب أيضا عن علي، أخرجه ابن عدي في الكامل (2/65)، قال أبو حاتم كما في العلل لابنه (1/390): "هذا الحديث بهذا الإسناد باطل، بهلول ذاهب الحديث".
[3] أخرجه الترمذي في صفة القيامة (2417)، والدارمي في المقدمة (537)، وأبو يعلى (7434)، والطبراني في الأوسط (2191) من حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه بنحوه، قال الترمذي: "حديث حسن صحيح"، وله شواهد انظرها في السلسلة الصحيحة للألباني (946). تنبيه: وقع في فتح الباري (11/414) عزو هذا الحديث إلى صحيح مسلم، فلعله سهو من الحافظ رحمه الله، فإن الحديث لم يخرجه مسلم، ولم يعزه المزي في تحفة الأشراف إلا إلى الترمذي، والله أعلم.
[4] أخرجه البخاري في الرقاق (6442) من حديث ابن مسعود بنحوه.
[5] أخرجه البخاري في الزكاة (1419)، ومسلم في ال+اة (1032) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[6] أخرجه مسلم في ال+اة (1015) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[7] أخرجه مسلم في الإيمان (114) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه بنحوه.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيرا طيبا مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله، سلفُنا الصالح يتَّقون الحرام بكلّ ممكن، ويتورَّعون حتى عن المشتبهات، وما لم يكن الأمر واضحاً أمامهم فهم يتقون الحرام، ويتقون المشتبه، ويحاولون التخلّصَ من كل أمر ليسوا على يقين من حلِّه، خوفاً على أنفسهم من أكل الحرام.
أبو بكرالصديق رضي الله عنه خير هذه الأمة، وخير الخليقة بعد الأنبياء عليهم السلام، كان له غلام يعطيه الخراجَ، قد اشترى نفسه من الصديق، يعطيه الخراجَ كل يوم، وكان يسأله عن ذلك الخراج: ما مصدره؟ وإنه يوماً أعطاه شيئاً من طعام خراجاً فأكله، ثم قال: أين لك هذا؟ قال: تكهَّنت في الجاهلية، ولا أحسن الكهانة، فهذا نصيبي من تلك الكهانة، فقال الصديق رضي الله عنه: لماذا لم تخبرني؟ فأدخل يده في حلقه وجعل يشرب ويتقيأ حتى خرج كلّ ذلك من جوفه، فقيل له: يا خليفة رسول الله، ما هذا؟ قال: والله، لو لم يخرج إلا بخروج نفسي لكان أسهل علي [من] أن ألقى الله بم+ب خبيث، سمعت رسول الله يقول: ((كل جِلد نبت من سحتٍ فالنار أولى به))[1].
قالوا: إن الإمام أبا حنيفة رحمه الله النعمان بن ثابت كان تاجر بَزّ ـ في القماش ـ وكان له شريك معه، فقال لشريكه يوماً: أخشى أن لا أكون حاضراً هذا اليوم، ولكن البزّ الفلاني في بعض الثياب خروق، فإن بعتها فبيِّن [للمشتري] نقصَها حتى يكون على بينة من أمره، وإن صاحبه باعها ولم يخبر المشتري بذلك، فجاء الإمام أبو حنيفة فسأله، فقال: بعتُه دون أن أخبر بما فيه من عيب، قال: هل أطلعته؟ قال: لا، اشتراه مني وذهب، قال: أتعرفه؟ قال: لا، قال: فإن نصيبي من هذا البزِّ صدقة لله، لا أريد أن آكل ما أعلم أن فيه غشاً للمسلم، لأني أرشدتك أن تبيِّن له العيب فلم تبين له.
هكذا كانوا رضي الله عنهم، حريصين على أنفسهم، يطبقون على أنفسهم ما يعلمون قبل أن يقولوه للآخرين، وهكذا بلغ بهم الصدق والأمانة والورع مبلغاً نالوا به الثواب عند الله إن شاء الله، لأن المسلم يرتاح في قلبه إذا كان صادقاً في تعامله، فتطمئنّ نفسه على أن هذا المال مال طيب بعيد عن الشبهات والمحرمات.
فنسأل الله أن يعيننا على أنفسنا، وأن يخلّص مكاسبنا من كل ما يخالف شرع الله.
واعلموا ـ رحمكم الله ـ أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار.
وصلوا ـ رحمكم الله ـ على محمد امتثالاً لأمر ربكم إذ يقول: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين...
[1] أخرجه ابن قانع في معجم الصحابة (2/61)، وابن عدي في الكامل (5/297) بدون القصة عندهما، وأبو نعيم في الحلية (1/31)، والبيهقي في الشعب (5760، 5761) من طريق زيد بن أرقم عن أبي بكر، وفي سنده عبد الواحد بن زيد متروك، ولذا ضعفه المناوي في الفيض (5/17)، وقد أخرج البخاري نحو هذه القصة في المناقب (3842) عن عائشة رضي الله عنها من غير اللفظ المرفوع، وقد ورد الجزء المرفوع عن عدد من الصحابة منهم: عمر وجابر وابن عباس وابن عمر وعبد الرحمن بن سمرة وكعب بن عجرة رضي الله عنهم.
| |
|