molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: السيرة النبوية العطرة - عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري /المدينة المنورة الأربعاء 21 ديسمبر - 5:34:32 | |
|
السيرة النبوية العطرة
عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري /المدينة المنورة
الخطبة الأولى
أما بعد: فإن شقاء النفوس ودواء القلوب وصلاح العقول والأفكار في شيئين. في قراءة كلام الله عز وجل بتدبر وفي دراسة سيرة النبي المصطفي . فمن أراد أن يناجي ربه من أراد أن يتحدث مع الله عز وجل فليقرأ كلامه بتدبر ومن أراد أن يعرف أوامره سبحانه وتعالى وفرائضه وتوحيده ووعده ووعيده فليتدارس القرآن. ومن أراد أن يعرف التطبيق العملي الرابح للقرآن فليدرس سيرة النبي المصطفي فإنها الترجمة العلمية والتفسير العلمي للقرآن. ونحن منذ اليوم إن شاء الله تعالي سنبدأ أحاديث عن السيرة العطرة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام ولكننا لن نفعل مثل ما يفعل بعض محبيه مثل ما يفعل بعض محبيه من جهال المسلمين من الغلو في ذاته والاشتغال بذلك عن مواضع الأسوة والقدوة في ذاته وفي حياته بينما هو بنفسه وخوفه على أمته حذرهم من الغلو في ذاته الشريفة فإن مقام النبوة حذرهم من ذلك خوفًا عليهم خوفًا على أمته من أن تقع نفس الوحدة التي وقع فيها النصارى من قبلهم وذلك لأن مقام النبوة مقام عظيم هذا المقام في شخصية عيسى ابن مريم عليه السلام كانت من ضمن الدوافع التي دفعت النصارى إلى الغلو في ذات عيسى ابن مريم حتى قالوا هو ابن الله ثم قالوا هو الله ومحمد عبد الله ورسوله أعظم من عيسى ابن مريم مقامًا بالنبوة فلو استسلم المسلمون لاستدراج المحبة محبته فلو استسلموا لاستدراج محبته حتى وقعوا في الغلو فإنه يخاف عليهم حينئذ أن يقعوا في مثل ما وقع فيه النصارى من الغلو في ذاته الكريمة .
دخل رجل على النبي فلما رأى النبي أخذ يرتعد ويرتجف من هيبة النبي فقال له رسول الله من تواضعه لله عز وجل فقال له: ((يا هذا، هون عليك فإنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد))[1] وقال له أحد أصحابه يومًا قال له تعظيمًا وتوقيرًا : يا سيدنا وابن سيدنا، فقال رسول الله من تواضعه لربه عز وجل: ((إنما أنا عبد الله ورسوله، فقولوا: عبد الله ورسوله، ولا تغلوا فيّ كما غلت النصارى في عيسى ابن مريم))[2]. انظر إلى هذا التوجيه النبوي الكريم النبي يوجه الجليلين في ذاته وشخصيته وإلى أثرهما على حياته إنهما أولا مقام العبودية لله تعالي وثانيًا مقام الرسالة. هو عبد الله وهو رسول الله فهو عبد الله ورسوله أما في مقام العبودية لله فيشترك فيه مع سائر الخلق فما من أحد من الخلق مهما علا شأنه يمكن أن ينفك من العبودية لله تعالي. ولكن أكمل الخلق عبودية لله هم الأنبياء والمرسلون الأنبياء والمرسلون هم أكمل الخلق عبودية لله وأعرف الخلق وأعلمهم بمقام العبودية لله تعالى وأكمل الأنبياء والمرسلين في مقام العبودية لله تعالى هو أفضلهم وخاتمهم وإمامهم محمد فهو أكمل الأنبياء والمرسلين في عبوديته لله وأعلمهم وأعرفهم بهذا المقام.
المقام الثاني هو مقام النبوة فقد اختص الله تعالى محمدًا وإخوانه الأنبياء والمرسلين بهذا المقام فلا يشاركهم فيه أحد من الناس لأن الله تعالي لم يكرم كل أحد بهذا المقام العظيم والله أعلم حيث يضع رسالته: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنْ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [الحج:75]. فهذا المقام العظيم مقام النبوة اختص الله به محمدًا وإخوانه الأنبياء والمرسلين فلا يشركهم فيه أحد من الناس وهكذا في شخصيته أيضًا جانبًا من وجه آخر إنهما جانبان من وجه أخر إنهما جانب البشرية وجانب الوحي وجانب البشرية يستوي فيه باقي البشرية فيه وفي حالة البشرية هو بشر مثلهم في ذلك إلا أن الله تعالي اختصه حتى هذا الجانب اختصه بالكمال البشري فهو إن اتصف بالبشرية إلا أنه في أكمل حالاتها وأحسن درجاتها إنه متصف بالكمال البشري ثم هناك في شخصيته جانب الوحي الذي تمثله النبوة فهو وإن كان بشرًا مثل باقي البشر إلا أن الله اختصه واصطفاه بالرسالة والنبوة فأوصى إليه وهذا الجانب الذي هو الوحي يستلزم العصمة والرعاية الربانية الخاصة فعصم ما يمكن أن يمس هذا المقام العظيم مقام النبوة ولذلك إذا نسي النبي ذكره ربه عز وجل وإذ قال خلاف الأولى وجهه ربه عز وجل وإن أراد أحد به سوءًا حماه ربه عز وجل وقد جمع الله تعالى هاتين الصفتين وهذين الجانبين في شخصيته . جمع بينهما في آية واحدة في قوله تعالى: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ [الكهف:110]. فهو وإن كان بشرًا مثلكم في طبائعه وغرائزه وخصاله البشرية إلا أنه اختص من بينكم بأن اجتبي واصطفي بالنبوة والرسالة فأوحي إليه. ولقد كان لهذا المقام العظيم مقام النبوة وكان له تأثير واضح على حياة المصطفى ظهر تأثير مقام النبوة واضحًا على حياته ومنذ صغره ومنذ صغره وقد حفت به كرامة النبوة فظهرت معجزاتها بل ظهرت معجزاته حتى وهو في بطن أمه ظهرت معجزاتها وظهرت كرامة النبوة على حياته منذ صغره ومن عجائب متطلبات هذا المقام العظيم مقام النبوة أن الله تعالي ربى نبيه محمد منذ صغره وأدبه وأحسن تأديبه فرباه علي اليتم صغيرًا. فنشأ يتيم الأبوين. ثم رباه برعي الغنم وفي هذين من الدروس العظيمة ما فيهما فإن في هذين الأمرين التربويين الجليلين الربانيين لعبده ومصطفاه وإن فيهما تدريبًا له على تحمل المشاق وتعويدًا له على صعب الحياة وعنائها. كما أن في رعي الغنم تدريبًا له على سياسة الخلق وفن القيادة فإن في رعي الغنم تدريبًا على ذلك ولذلك ما من نبي بعثه الله عز وجل إلا وقد رعى الغنم. ثم اشتغل بالتجارة في مرحلة شبابه ورحل في التجارة رحلة وفي هذا أيضًا تدريب له على السياسة وعلى تصريف الأمور ورعاية المصالح وفن التعامل مع الناس ومعاركة الحياة فيه بما فيه من هذه الدروس العظيمة فربى الله عز وجل عبده ونبيه أحسن تربية وأدبه وأحسن تأديبه حتى إذا بلغ خمسًا وعشرين سنة تزوج من خديجة بنت خويلد القرشية الأسدية التي أرسلت إليه سرًا تخطبه لنفسها لما رأت ما يخص من إرهاصات النبوة. فعلمت من كمال عقلها وحكمتها وذكائها أنه سيكون له شأن كريم عظيم فخطبته لنفسها سرًا رضي الله عنها وأرضاها ونالت بذلك هذه الكرامة العظيمة الجليلة أم المؤمنين خديجة بنت خويلد القرشية الأسدية كانت سيدة من سادات قريش ذات ذكاء وعقل وحكمة فلما بلغ أشده وبلغ أربعين سنة وفي هذا السن يكتمل العقل البشري والنمو البشري لما بلغ هذه المرحلة من عمره انبعثت عليه أنوار النبوة وهو مختل بغار حراء يتعبد لربه عز وجل وهذا موضوع حديثنا في الجمعة القادمة إن شاء الله. أعوذ بًالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم: وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنْ الأُولَى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [سورة الضحى].
بارك الله تعالى لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
[1] أخرجه ابن ماجه في الأطعمة (3312).
[2] أخرجه أحمد (3/152)، والنسائي في عمل اليوم والليل (250).
الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فقد غوى. من يعص الله ورسوله فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئًا.
أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وعليكم أيها المسلمون بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار، واعلموا أن الجماعة هي التمسك بالكتاب والسنة وبمنهج الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70، 71].
يا ابن آدم، أحبب ما شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك ملاقيه وكن ما شئت فكما تدين تدان.
صلوا على خاتم النبيين وإمام المرسلين فقد أمركم الله بذلك في كتابه المبين فقال جل من قائل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، وقال : ((من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشر))[1].
اللهم صل وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وذي النورين عثمان وأبي السبطين علي، وعلى آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن أصحابه أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك وعفوك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين...
[1] صحيح مسلم (408) عن أبي هريرة رضي لله عنه.
| |
|