molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: تماسك الفرد والمجتمع (سورة الحجرات) - عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري /المدينة المنورة الأربعاء 21 ديسمبر - 5:34:00 | |
|
تماسك الفرد والمجتمع (سورة الحجرات)
عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري /المدينة المنورة
الخطبة الأولى
أما بعد: فقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ [الحجرات:11], لقد بدأنا قبل فترة لبيان ما في هذه السورة العظيمة, سورة الحجرات من دروس ومبادئ وآداب تهم الفرد والمجتمع المسلم وها نحن نصل اليوم إلي هذه الآية , فهذه الآية الكريمة وما بعدها من الآيات فيها مجموعة من الآداب والأحكام الرفيعة الهدف منها الحفاظ على تماسك المجتمع المسلم بوشائج الاخوة الإسلامية وأواصر المحبة الإيمانية , الشارع الحكيم عني بالحفاظ على التلاحم بين أفراد المجتمع المسلم كما عني به على مستوى الأمة كما عني بالمحافظة على هذا التلاحم على مستوى الأمة إذ فرض عليها في الآيتين اللتين قبل هذه الآية المبادرة دائماً إلى حل ما يمكن أن ينشأ من تنازع وتناحر وتقاتل بين المؤمنين إلى حله بالعدل والإنصاف والحزم والقوة, فقال تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ [الحجرات:9]. هذا هو الأساس الأول الحزم والقوة: فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الحجرات:9]. وهذا هو الأساس الثاني وهو العدل والإنصاف. وأما الأساس الثالث فهو مبدأ الاخوة الإيمانية ولذلك عقب سبحانه علي هذه الآية مباشرة بقوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الحجرات:10], فبدون إخوة الإيمان وبدون العدل والإنصاف في العلاقات بين الفرد والجماعات وبدون الحزم والقوة في حماية مبدأ الاخوة الإيمانية وفي حراسة مبدأ العدل والإنصاف , بدون هذه الأسس الثلاثة لا يمكن أن تستقيم حياة المؤمنين ولا يمكن أن يبقى كيان المجتمع المسلم سليماً معافى , إذا لم يتأدب الجميع بهذه الآداب القرآنية الرفيعة فإن الذي سيسود على الجميع هو منطق الجاهلية الأولى الذي يجعل الأساس الأول والأخير هو القوة أي سيأكل القوى الضعيف وحيث لا تبقى هناك أية قيمة لوشائج الاخوة ولا لأواصر المحبة , إنما الذي يسود العلاقات في ظلال الجاهلية هو منطق العدوان والبغي والسلب والنهب كما قال شاعر الجاهلية الأولى:
وأحيان علي بكر أخينا إذا لم نجد إلا أخانــا
ولقد عني الشارع الحكيم بالمحافظة على التلاحم بين الأفراد كما عني بالمحافظة على مستوى الأمة فأوجب على الأشخاص مجموعة من الأحكام والآداب والأوامر عليهم جميعاً أن يلتزموا بها , فلا يسخر قوم من قوم أي لا يسخر رجال من رجال , فقوم معناها رجال إذا وردت مقابل النساء أما إذا وردت مطلقاً في لغة القرآن يدخل فيها الرجال والنساء , فهنا لا يسخر قوم من قوم أي رجال من رجال . ولا يسخر نساء من نساء ولا يلمزوا أنفسهم أي لا يحقر بعضهم بعضاً ولا يتنابزوا بالألقاب أي لا يطلق أحد علي أحد لقباً أو اسماً بغرض السخرية والاستهزاء والاحتقار وتأملوا هذا الأسلوب الرقيق الدقيق في الآية الكريمة, قال تعالى: وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وأراد لا تلمزوا الناس فعبر بلفظة أنفسكم لأن كل مؤمن هو لأخيه المؤمن بمثابة نفسه , فالمؤمنون الحقيقيون كيان واحد وجسد واحد إذا لحق أي فرد منهم الضرر أو السوء أو الأذى فإنه يمس الباقين , فهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر وكثيراً ما يقع اليوم بعض الناس في ارتكاب هذه المنهيات , كثير من الناس رجالاً ونساء يتورطون في ارتكاب هذه المنهيات فيسخر بعضهم من بعض ويحسد بعضهم بعضاً ويتنابزون بالألقاب يعير بعضهم بعضاً, إما بسبب فقره أو بسبب نسبه أو بغير ذلك من الأسباب وربما عيره بمعصية ارتكبها حتى صاحب المعصية لا يجوز تعييره بمعصيته إنما الواجب النصح له وزجره وتخويفه من عذاب الله عز وجل فكثير من الناس يقعون في هذه المنهيات مستهينين بما يمكن أن ينشأ من سلبيات خطيرة هدامة عن ذلك ومستخفين بما يمكن أن يتولد من حقد في النفوس بناء على ذلك وحينئذ تتقطع وشائج الاخوة الإسلامية وتنهار روابط المحبة الإيمانية وفي ذلك فساد عريض للمجتمع المسلم أفراداً وجماعات. فاتقوا الله ـ أيها المؤمنون ـ وأصلحوا ذات بينكم وكونوا عباد الله إخواناً.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن في أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد يألم المؤمن لأهل الإيمان كما يألم الجسد لما في الرأس)) رواه الإمام أحمد في مسنده[1]. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم . فالمؤمن ذو الإيمان الصحيح يعيش مع إخوانه المؤمنين يألم لألمهم يعيش معهم بمشاعره وأحاسيسه , يحزن لحزنهم ويفرح لفرحهم ويهتم بما يصيب المسلمون من كوارث ومصائب فالمؤمن لا يعيش وحده منعزلاً بمشاعره وأحاسيسه لا يهتم بما يصيب المسلمين ولا يشعر بمشاعرهم فتلك أنانية ليست من طبع المؤمن ولا من صفاته فالمؤمنون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.
و نظرة تلقيها اليوم علي حال المسلمين كفيلة بأن تقطع قلب أي مؤمن حسرة وحزناً وألماً علي ما أل إليه حالهم من تشتت وتفرق وتنازع وتناحر وتقاتل وما أصابهم الذي أصابهم من هذه الكوارث وهذا التشتت وهذا التفرق وهذه الشحناء وهذا التقاتل البغيض إلا بسبب ضعف إيمانهم وانحرافهم عن تعاليم الإسلام وتركهم آداب القرآن , أنظر إليهم اليوم كيف يتقاتلون ويغزو بعضهم بعضاً كما كان يفعل أهل الجاهلية الأولى , أهل داحس والغبراء وحرب البسوس بينما عدوهم الحقيقي الصهيوني البغيض واقف علي الأبواب يتربص بهم الدوائر وهو جاثم علي صدور إخوانهم من أهل القبلة الأولى يسومهم الذل وسوء العذاب وينكل بهم تنكيلاً ويقتلهم تقتيلاً أما كان من الأولى أن تترك القوة مادامت هناك قوة لمقاتلة هذا العدو الحقيقي بدل من مقاتلة الجار والشقيق ولكن انظروا أيها المسلمون كيف يكون الحال إذا فرطنا في الإيمان وانحرفنا عن مبادئ الإسلام وتعاليمه وهجرنا آداب القرآن فهذه عقوبات لها ذنوب ونتائج لها مقدمات وعواقب لها أسباب فعلي المسلمين أن يصلحوا الأسباب والعواقب وأن يهجروا الذنوب وأن يعودوا إلى مبادئ دينهم وإسلامهم الذي يفرض عليهم مبدأ الأخوة الإيمانية, عليهم أن يحافظوا على هذا المبدأ ويتقوا الله إن كانوا يريدوا أن يكونوا من المرحومين.
وحده سبحانه هو الذي يستطيع أن يؤلف بين القلوب ويجمع الشتات ويزيل التفرق من الصفوف ومن القلوب هو خالق هذه النفوس الجامحة المتمردة هو وحده سبحانه من يستطيع ذلك: لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ [الأنفال:63]. فنتوجه إليه سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وبصفاته العلا أن يصلح حال المسلمين. اللهم أصلح حال المؤمنين. اللهم ألف بين قلوبهم واجمع كلمتهم على الحق ورد عنهم كيد الكائدين ودسائس المفسدين . اللهم ارحم عبادك المسلمين. اللهم هيئ لهم من أمرهم رشداً.
أما بعد فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هديه صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .وعليكم أيها المسلمون بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذ شذ في النار واعلموا أن الجماعة هي التمسك بالكتاب والسنة وبمنهج الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين.
يا ابن آدم أحبب ما شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك ملاقيه وكن كما شئت فكما تدين تدان ثم صلوا على خاتم النبيين وإمام المرسلين فقد أمركم الله بذلك في كتابه المبين فقال عز من قائل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((من صلى علي واحدة صلى الله بها عليه عشرا))[2]، اللهم صلى وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبى بكر الصديق وعمر الفاروق و ذي النورين عثمان وأبي السبطين علي وعن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه أمهات المؤمنين وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وعفوك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
[1] مسند أحمد (5/340).
[2] صحيح مسلم (408).
| |
|