molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الكبر - عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري /المدينة المنورة الإثنين 19 ديسمبر - 5:54:44 | |
|
الكبر
عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري /المدينة المنورة
الخطبة الأولى
أما بعد: فإن الكبرياء والجبروت والعظمة عرفنا أنها من صفات الألوهية فلا يليق لأحد من العباد أن ينتحل شيئًا من هذه الصفات. فمن تكبر أو تجبر أو تعاظم لم يدخل الجنة كما أخبر بذلك سيدنا محمد حيث قال: ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر))[1].
فما هو هذا الكبر الذي يمنع الإنسان من دخول الجنة في نفس الحديث إشارة إلى أنه شيء يستقر في القلب ويقود إلى الكفر لأن الجنة لا يُمنع من دخولها الموحدون؟
وقد أخبر أنها لا يدخلها المتكبرون بل إن من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فهو من أهل الجنة، إذن فالكبر هو شيء يستقر في القلب ويقود إلى الكفر والعياذ بالله لأن عاقبة الكبر الختم والطبع على القلب فيحرم حينئذ من كل خير قال الله تعالى: كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار [غافر:35].
فالكبر إذن شيء يستقر في القلب ويقود إلى الكفر والعياذ بالله وغالبًا ما يكون هذا حال المتكبرين والمتجبرين أنهم لا يرون حقًا ولا يدركون خيرًا، إذ قلوبهم مقفلة وأبصارهم مظلمة، فإذا سمعوا من يذكرهم بالله ويعظهم بالحق أعرضوا عن الحق ترفعًا وتكبرًا وتجبرًا بل ربما أنكروا ذلك الحق وناوءوه وحاربوه، وهذا من أعظم علامات الكفر أن يكره القلب ذكر الله تعالى ويشمئز منه قال تعالى: وإذا ذُكر الله وحده اشمئزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة [الزمر:45].
فإذا وجد الإنسان في قلبه شيئًا من ذلك فليحذر أشد الحذر ويعلم أنه على خطر عظيم على طرف من الكفر والكبر، عليه أن يبادر إلى معالجة قلبه وإدراك قلبه قبل أن يفوت الأوان، فليعالجه بذكر الله تعالى دائمًا وبأن يقصر نفسه على الخضوع لأوامر الله تعالى.
أيها المسلم النبي في هذا الحديث لمّا قال: ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر))، قال له أحد أصحابه يا رسول الله فإن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنًا فقال : ((إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس)) إذن فالكبر هو رد الحق ومدافعته وإنكاره تجبرًا وعلوًا وتكبرًا وهو أيضًا احتقار الناس وازدراؤهم والتجبر والترفع عليهم وغالبًا ما يكون ذلك بسبب إعجاب المرء بنفسه ويرى نفسه أعلى وأرفع من باقي عباد الله، هذا هو معنى غمط الناس وأكثر ما يوقع الإنسان في غمط الناس وفي التكبر والتجبر عن الناس أكثر ما يوقع المتكبرين في ذلك كثرة الأموال وعظم الجاه وشرف النسب، فأكثر ما يتكبر المتكبرون ويتعاظم المتعاظمون بسبب كثرة أموالهم أو بسبب عظم جاههم أو بسبب أنسابهم.
فهذا قارون لمّا رأى كثرة أمواله: قال إنما أوتيته على علم عندي [القصص:78]. فخسف الله به وبداره الأرض.
وذلك فرعون اغتر بجاهه وسلطانه حتى قال: ما علمت لكم من إله غيري [القصص:38]أفكان من المغرقين.
وأما الإنساب فالتفاخر بها كان من أمر الجاهلية، ثم جاء الإسلام فأبطل ذلك، فكل من تعاظم على الناس بنسبه فهو جاهلي، وكل من فاخر بأصله وعرقه فهو جاهلي.
قال رسول الله : ((إن الله قد أذهب عنكم وعبية صح الجاهلية وفخرها بالآباء مؤمن تقي وفاجر شقي أنتم لآدم وآدم من تراب))[2].
وقال : ((ليس منا من دعا إلى عصبية وليس منا من قاتل على عصبية وليس منا من مات على عصبية))[3].
لمّا وقعت مشادة بين أبي ذر الغفاري الصحابي الجليل وبين بلال الحبشي فقال أبو ذر من الغضب لبلال يا بن السوداء فبلغ ذلك النبي فغضب من أبي ذر غضبًا شديدًا وقال له: ((أعيرته بأمه إنك امرؤ فيك جاهلية))[4]، فلما رأى أبو ذر ذلك ذهب إلى أخيه ووضع خده على الأرض وقال له يا بلال ضع قدمك على خدي. وروي عن أبي عقبة وكان مولى من أهل فارس قال شهدت أحداً مع رسول الله فضربت رجلاً من المشركين فقال له خذها وأنا غلام فارسي، فالتفت إلىّ النبي : ((هلا قلت خذها وأنا الغلام الأنصاري))[5].
انظر كيف عدل به النبي عدل به عن النعرة العرقية، والعصبية الجاهلية إلى الحمية الإسلامية، فالحمية الإسلامية هي في نصرة الدين، والانتساب إلى الدين وأحساب المسلمين هي في درجات إيمانهم وتفاوتهم في أعمالهم وسبقهم إلى الإسلام ونصرتهم للدين، هذه هي الحمية الإسلامية وهذه هي الأحساب الإسلامية، كما وجه لذلك سيدنا رسول الله .
أيها المسلمون بين النبي أنه ليس من الكبر أن يحب الإنسان أن يكون له ثوب حسن أو نعل حسنة والتمتع بما أباح الله تعالى من الزينة أمر مشروع: قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق [الأعراف:32].
ولكن إذا لبست الحرير والذهب وأسبلت خيلاء فهذا من الكبر. قال : ((الإزار والقميص والعمامة من أسبل شيئًا منها لم ينظر الله إليه يوم القيامة))[6].
إذن فالمطلوب من المسلم أن يجرد ظاهره وباطنه من الكبر فإذا بدت الخيلاء على ظاهر الإنسان فهي نذير سوء بأن قلبه ربما استقرت فيه بذرة الكبر.
على المسلم أن يتواضع في ظاهره وباطنه لله تعالى، والتواضع لله عودة بالإنسان إلى حقيقته وإنقاذ له من وهم الكبرياء الزائفة. فحقيقة الإنسان هي العبودية لله تعالى فما للعبد يتكبر ويتعاظم بين يدي سيده ألا يخاف أن يغضب عليه سيده ومولاه أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم: يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون [يونس:23].
[1] أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب (1) الإيمان (39) باب تحريم الكبر وبيانه (1/93) برقم (91) (149) .
[2] أخرجه الأمام أحمد في مسنده (2/361و523و524) وابو داود (2/752)برقم (5116) والترمذي (5/734و735) برقم (3955و3956).
[3] أخرجه أبو داود في سننه (2/753) برقم (5121).
[4] أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الإيمان (2) (1/20) برقم (30) ومسلم في صحيحه (3/1282-1283) برقم (1661).
[5] أخرجه الأمام أحمد في مسنده (5/295) وأبو داود (2/754) برقم (5123) وابن ماجة (2/931) برقم (2784).
[6] أخرجه أبو داود (2/457) برقم (4094) والنسائي (8/208) وابن ماجة (2/1184) برقم (3576) وغيرهم.
الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا إنه من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فقد غوى ولا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئًا.
أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
وعليكم أيها المسلمون بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذ شذ في النار.
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون [آل عمران:102] يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدًا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا [الأحزاب:70-71].
وصلوا على خاتم النبيين وإمام المرسلين فقد أمركم الله بذلك في كتابه المبين فقال جل من قائل: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا [الأحزاب:56].
وقال : ((من صلى علىّ واحدة صلى الله عليه بها عشرًاْ))[1].
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وذي النورين عثمان وأبي السبطين علىَّ وعن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وعفوك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
[1] أخرجه مسلم في صحيحه في صلاة (17) باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد (1/306) رقم (408).
| |
|