molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الأمة المؤمنة على ضوء سورة الحجرات - عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري /المدينة المنورة الثلاثاء 13 ديسمبر - 7:27:55 | |
|
الأمة المؤمنة على ضوء سورة الحجرات
عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري /المدينة المنورة
الخطبة الأولى
أما بعد فقد قال الله تعالى إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون [الحجرات:15].
ليس كل مسلم مؤمناً فالإيمان مرتبة سامية لها شروط سامية ولها مميزات عظيمة, الإيمان هو الاعتقاد الواضح واليقين الراسخ الذي لا تردد فيه ولا ارتياب ثم الترجمة العملية لهذا الاعتقاد ولهذا اليقين بالعمل والجهاد فالأمة المؤمنة أمة مجاهدة, الإيمان والجهاد سمتان متلازمتان من سمات الأمة المؤمنة وهذه الأمة المؤمنة هي الأمة الموعودة بالنصر وبالحماية الإلهية وبالتمكين في الأرض, هذه الأمة المؤمنة هي التي قال الله تعالى فيها: وكان حقاً علينا نصر المؤمنين [الروم:47]. وهي التي قال فيها: إن الله يدافع عن الذين آمنوا [الحج:38]. وهي التي قال فيها سبحانه: وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً [النور:55]. هذه الأمة المؤمنة هي التي تستحق العلو والظهور علي باقي الأمم كما قال تعالى: ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين [آل عمران:139]. فهذه المميزات الأربعة العظيمة:
- النصر - الحماية الإلهية - التمكين في الأرض - العلو علي باقي الأمم.
ربطت كلها بالإيمان, ليس الإيمان بمعنى التصديق بالله ورسوله فحسب ولكنه هذا الإيمان الذي أشارت إليه هذه الآية من سورة الحجرات, الإيمان بمعنييه العظيمين الاعتقاد الواضح واليقين الراسخ الذي لا تشوبه شائبة ارتياب ولا تضعضع ولا انهزام فكري ولا نفسي ولا قلبي هذا المعني الأول.
المعنى الثاني: العمل والجهاد بالمال والنفس, إن مجرد كون الأمة مسلمة لا يؤهلها لهذه المميزات الأربعة العظيمة النصر الإلهي والحماية الإلهية والتمكين في الأرض والعلو على باقي الأمم فها نحن اليوم أمة مسلمة كبيرة العدد أكثر من ألف مليون مسلم ومع ذلك فنحن أمة مقهورة مغلوبة تتلاعب بنا القوى العالمية وتسير أمورنا كيفما شاءت على رغم أنوفنا, ونحن أمة منهوبة تسفك دماؤنا وتنتهك خيراتنا على مسمع منا وعلى مرأى من أبصارنا ومازلنا مكبلين لا نملك إلا الصياح والنواح, وهانحن اليوم أمة لا سلطان لها لا سلطة تمثلها فلا يوجد اليوم على وجه الأرض سلطة يمكن أن تمثل الإيمان تمثيلاً حقيقياً صادقاً, شعوب مسلمة نعم أمة مسلمة نعم حكومات مسلمة ربما ولكن أمة مؤمنة وسلطة مؤمنة فلا، لا يوجد هذا الحلم في واقع حياتنا المعاصرة " أمة مؤمنة تمثلها سلطة مؤمنة " وإلا لتغير وجه واقعنا المعاصر لأن أمة مؤمنة تمثلها سلطة مؤمنة لابد أن تغير وجه هذا الواقع, لابد أن تحظى بهذه المميزات الأربعة العظيمة النصر والحماية الإلهية والتمكين في الأرض والعلو والظهور على سائر الأمم, هذا وعد الله والله تعالى لا يخلف الميعاد ومن أصدق من الله قيلاً [النساء:122].
فإذا تأملتم واقعكم أيها المسلمون فوجدتموه مهلهلاً مفجعاً فلا تقولوا: لماذا نحن هكذا يا ربنا؟ أين وعدك وأين نصرك؟ فالله تعالى ما وعد المسلمين إنما وعد المؤمنين لأن الاستسلام وحده لحكم الإسلام الظاهر بالأعمال الظاهرة هذا وحده لا يكفي, هذا يشترك فيه المسلمون والمنافقون ولذلك فإن الأفراد من هؤلاء وهؤلاء يحظون بنتائجه يتمتعون بحقوق المسلم الذي استسلم في الظاهر لأحكام الإسلام وأعماله الظاهرة من صيانة للدم والمال ولغير ذلك من الأحكام ولكن هذا لا يكفي لابد من الإيمان بمعنى الاعتقاد الواضح السليم واليقين الراسخ الثابت الذي لا ارتياب فيه ولا تردد وبمعنى العمل والجهاد, فالأمة المؤمنة أمة مجاهدة لا تضع سلاحها عن عاتقها أبداً رايات الجهاد فوقها خفاقة دائماً وجحافلها المؤمنة المدربة في تعبئة دائمة ليس لقهر الشعوب الأخرى وسفك دمائها والتسلط عليها واستعمارها ولكن للذود عن حياض الإسلام ضد كيد المعتدين وأطماع الطامعين ولضمان الحرية أمام كلمة الله حتى يسمعها كل مكلف علىوجه الأرض، أي ضمان الحرية للدعوة الإسلامية على سائر الأرض في أنحاء المعمورة, هذا هو المقصود بالجهاد في الإسلام وهذه هي وظيفة الأمة المؤمنة الدعوة والجهاد, فإذا ما تخلت عن وظيفتها هذه وركنت إلى التجارة وإلى حياة اللهو واللعب والملذات والشهوات فإنها حينئذ تكون قد تقهقرت من مرتبة الإيمان إلى درجة من أدنى درجات الإسلام, هذا إذا حافظت حتى على الحد الأدنى من درجات الإسلام, وحينئذ بتقاعسها عن الدعوة وعن الجهاد تكون قد فقدت تلك المميزات الأربعة العظيمة التي وعدت بها الأمة المؤمنة.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فقد وَفَدَ وَفْد بنو عبد القيس على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: ((من القوم؟ قالوا: ربيعة. فقال: مرحباً بالقوم غير خزايا ولا نداما. فقالوا: يا رسول الله إنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في الأشهر الحرام, وإن بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر, فمرنا بأمر فصل نخبر به من وراءنا ندخل به الجنة)). فقال لهم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع: آمركم بالإيمان بالله وحده, أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: أن تشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيموا الصلاة وتؤتوا ال+اة وتصوموا رمضان وتعطوا الخمس من المغنم. ثم نهاهم صلى الله عليه وسلم عن أربعة أنواع من الأشربة المسكرة, ثم قال لهم صلى الله عليه وسلم: ((احفظوهن وبلغوا من وراءكم))[1].
ففي هذا الحديث الصحيح الثابت الجليل فسر النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم الإيمان بالأعمال إلى جانب الاعتقاد فكأنما هو تفسير لآية سورة الحجرات التي صدرنا بها, إلا أن في الحديث تفصيلاً زائداً وبياناً هائلاً فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم العبادات المفروضة على كل مسلم ضمن وصف الإيمان وهي الصلاة وال+اة والصيام ولم يكن الحج قد فرض بعد , وذكر الجهاد في قوله: ((وأن تعطوا الخمس من المغنم)), ثم ضمن النبي صلى الله عليه وسلم في أوامره النهي عن المحذورات, اجتناب المحرمات وخص أنواعاً من الأشربة المسكرة بالذكر لأن الخمر كانت متفشية منتشرة بين العرب قد ألفوا شربها ومعاقرتها وإلا فاجتناب سائر المحرمات هو داخل ضمن وصف الإيمان, إذاً فالأمة المؤمنة هي التي حققت هذه الأمور: الاعتقاد الواضح الراسخ الذي لا شبهة فيه ولا تردد ولا شك ولا ارتياب, وأداء الفرائض, ثم الجهاد بالمال والنفس, ثم اجتناب المحرمات ومحاربتها والوقاية منها. فالأمة المؤمنة هي التي حققت هذه الأمور وهذه الأمة هي الموعودة بتلك المميزات العظيمة الأربعة, فكأنما حديث النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم تفسير للآية من سورة الحجرات. ومن لازم هذا أن ما يشاهد في بعض المجتمعات المسلمة اليوم من إضاعة للصلوات ولا يعطون الفقير حقه المعلوم الذي فرضه الإسلام بلا منة من أحد ويجاهرون بالإفطار في شهر الصيام, تراهم يأكلون ويشربون في أسواقهم ومنتدياتهم, وبدلاً من الجهاد اصبحوا أسرى لحياة الشهوات والملذات وحياة اللهو واللعب وبدلاً من محاربة المنكرات تجد المسكرات والمخدرات وغير ذلك من الموبقات متفشية في تلك المجتمعات التي تسمى مسلمة ولا تزال تسمى مسلمة, مثل هذه المجتمعات هي أسوأ وأحقر من أن يصدق عليها وصف الإيمان ربما يقال فيها تسامحاً إنها مجتمعات مسلمة أما أن تكون مجتمعات مؤمنة فهي أسوء وأحقر حالاً من ذلك.
إن على كل واحد منا واجباً في هذا المجال , نعم المسؤولية العظمى أكبرها على ولاة الأمور الذين وظيفتهم في الإسلام هي حراسة الدين ورعاية مصالح الأمة ولكن على كل فرد منا عمل يؤديه في سبيل تحقيق مرتبة الإيمان لنفسه ولمن يعول وفي سبيل الإسهام في الوصول بالمجتمع إلى هذه المرتبة حتى يستحق أن يوصف بوصف الإيمان وفي سبيل الوصول بأمتنا المنكوبة المغلوبة إلى هذه المرتبة بحيث أن تستحق أن توصف بوصف الأمة المؤمنة, على كل فرد منا واجب في ذلك يؤديه نحو نفسه أولاً ونحو ولده, فإن على كل أب أن يربي ولده على معاني الإيمان التي ذكرناها, وعلى كل أم أن تربي وليدها منذ صغره على معاني الجهاد, أن تحكي لهم سير الأمجاد من أبطال المسلمين ترضعهم ذلك مع حليبها, أن تقص عليهم السيرة النبوية الشريفة وأحوال الصحابة الكرام.
وهنا نلمس مدى حاجتنا إلى الكتابات, إلى المؤلفات التي صيغت بلغة الصغار في السيرة النبوية, فأين أقلامنا؟ أقلامنا لا تكتب إلا للكبار, لماذا لا تكتب للصغار؟ فإن السيرة النبوية بحاجة إلي أن نرضعها مع حليب الأم لصغارنا, الكتابة للصغار أشد أهمية من الكتابة للكبار وهذا النقص هو من أوجه الخلل والتقصير الذي تعاني منها أقلامنا, هذا النقص هو من أوجه الدروشة التي تسبح فيها أقلامنا, صرفوا جهودهم إلى فئة في الأمة لا تتعدى عشرة بالمائة بينما أخطر فئات الأمة الصغار والفتيان والمراهقون والشباب والشابات قلما تكتب لهم الأقلام.
فيا أيها الآباء ويا أيها الأمهات ويا كل فرد مسلم ربوا صغاركم على معاني الإيمان وعلى معاني الجهاد واحموهم من الإعلام فإن إعلامنا ولشدة الأسف لا يزال يقوم ليس بمهمة غرس معاني الإيمان والجهاد ولكن بمهمة الفساد والإفساد حتى والكوارث تنصب على رؤوسنا والأعداء يقرعون أبوابنا ويكادون يستبيحون بيضتنا, فإن إعلامنا ولشدة الأسف لا يزال يقوم بمهمة ووظيفة الطابور الخامس, مهمة تخريب الأخلاق من الداخل والإيمان.
أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هديه صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
وعليكم أيها المسلمون بالجماعة فإن يد الله علي الجماعة ومن شذ شذ في النار واعلموا أن الجماعة هي التمسك بالكتاب والسنة وبمنهج الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين.
يا ابن آدم أحبب ما شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك ملاقيه وكن كما شئت فكما تدين تدان ثم صلوا على خاتم النبيين وإمام المرسلين فقد أمركم الله بذلك في كتابه المبين فقال عز من قائل: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما [الاحزاب:56]. وقال صلى الله عليه وسلم: ((من صلى علي واحدة صلى الله بها عليه عشرا))[2] اللهم صل وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبى بكر الصديق وعمر الفاروق وذي النورين عثمان وأبي السبطين علي وعن بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه أمهات المؤمنين وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وعفوك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
[1] البخاري :ك:الإيمان رقم (53).
[2] صحيح مسلم (408) عن أبي هريره رضي لله عنه.
| |
|